محرك البحث «Bing»: قصة نجاح مجهولة تكتبها مايكروسوفت

«اسأل جوجل» شعار الحملة التسويقية لعملاق البحث والتي تعبر عن مدى سيطرة جوجل وشعبيته بين المستخدمين، وإذا أردنا تنحية التسويق والإعلانات جانبًا فلا شيء يتحدث أفضل من الأرقام. في الفترة ما بين يونيو 2019 ويونيو 2020 بلغت حصة جوجل السوقية 91.75% وجاء محرك بينج في المرتبة الثانية بحصة ضئيلة قدرها 2.75%. ما فائدة وجود محرك بحث يحظى بشعبية ضعيفة مقارنةً بجوجل؟ وهل تحرق مايكروسوفت ملايين الدولارات على مشروع لا طائل منه؟

فتش عن بينج: ماذا يفعل محرك بحث في إمبراطورية مايكروسوفت؟

يخطر سؤال على بالك ولا تعرف إجابته، هل بينج هو محرك البحث الذي تستعين به عادةً لتجد الإجابات التي تبحث عنها؟ ليس بالضرورة. هل هذا يعني أنك لا تستخدم بينج؟ بلا، فأنت تستخدمه أحيانًا دون أن تنتبه.

إكس بوكس

إن كنت من هواة اللعب على إكس بوكس فأنت تستخدم خاصية بينج للبحث على جهازك لأنه الخيار الافتراضي على هذه الأجهزة منذ عام 2014. وقد أعلنت مايكروسوفت عن إطلاق تطبيق بينج منفصل على بعض أجهزة إكس بوكس يستطيع المستخدمين بواسطته البحث على الإنترنت واكتشاف الألعاب والأخبار ومقاطع الفيديو الرائجة وتلك التي يوصى بمشاهدتها.  

وصل عدد اللاعبين النشطين على إكس بوكس إلى ما يقرب من 90 مليون لاعب شهريًا في أبريل 2020 بعد أن كانوا أقل من 40 مليونًا في بداية 2016. 

كورتانا

مساعد شخصي يعتمد على الذكاء الصناعي صُمم لمساعدة مستخدمي Windows 10 الذين يزيد عددهم على المليار مستخدم في التحكم في أجهزة الكومبيوتر والبحث على الإنترنت. يمكنك الاستعانة بكورتانا عن طريق الأوامر الصوتية أو الكتابية وإذا أردت البحث على الإنترنت فسوف تستخدم كورتانا محرك البحث بينج ومتصفح «مايكروسوفت إيدج – Microsoft Edge». 

فيديو توضيحي لاستخدام كوروتانا:

من بين منتجات مايكروسوفت الأخرى التي تستخدم بينج افتراضيًا:

• برامج الأوفيس.
• Outlook.
• متصفح إكسبلورر، وإيدج.
• سكايب.

قوة الخيار الافتراضي: شيطان تعرفه خيرٌ من شيطان تجهله

اشتريت جهاز حاسب جديد يعمل بنظام ويندوز وبمجرد فتح الجهاز تلقيت رسالة على هاتفك المحمول من أحد عملائك يطلب منك تنفيذ مهمة ضرورية. تفتح جهازك الجديد وتبحث عن جوجل كروم لتنفيذ المهمة المطلوبة لتجد أن إنترنت إكسبلورر هو المتصفح الافتراضي ويجب عليك تنزيل جوجل كروم أولاً لتتمكن من تنفيذ المهمة المطلوبة. أنت في عطلة نهاية الأسبوع وتريد الاستمتاع بوقت راحتك فتقرر استخدام المتصفح الافتراضي وتؤجل تنزيل كروم إلى وقتٍ لاحق. 

هذا الميل إلى عدم تغيير الخيار الافتراضي يسمى تحيز الخيار الافتراضي أو التحيز للوضع الراهن ويعني أن الأشخاص عادةً ما يفضلون عدم اتخاذ أي إجراء أو تغيير القرارات التي اتخذوها مسبقًا. وقد توصل الباحثون إلى 4 أسباب وراء هذا التحيز:

1. تغيير الخيار الافتراضي يستلزم بذل مجهود ذهني، وهذا يجعل الأشخاص يميلون إلى التقاعس وعدم بذل هذا الجهد.
2. الخمول يمنع الأشخاص من محاولة تغيير الوضع الراهن. 
3. خوف الأشخاص من تحمل الخسارة أقوى مرتين من رغبتهم في تحقيق مكاسب، أي أن التمسك بالخيار الافتراضي نابع من رغبتهم في تجنب أي خسائر ناتجة عن التغيير.
4. وجود تصور بأن الخيارات الافتراضية خيارات جيدة يجعل الناس تتمسك بها. 

مايكروسوفت تعتمد على قوة تأثير تحيز الخيار الافتراضي في التسويق لمنتجاتها. نظام ويندوز على سبيل المثال يستخدم إنترنت إكسبلورر أو Edge متصفحًا افتراضيًا ويوجه  المستخدمين إلى محرك بينج. كم عدد المستخدمين الذين يستسلمون لتحيز الخيار الافتراضي ويعتمدون على برامج مايكروسوفت الموجودة على أجهزتهم؟ وكم منهم يبذل جهدًا إضافيًا لتغيير هذه الخيارات الافتراضية؟  

الأرقام لا تكذب: مليارات الدولارات تجنيها مايكروسوفت من الإعلانات

بينج ليس منتجًا فاشلاً لمايكروسوفت فهو يحتل المركز الرابع في الولايات المتحدة من حيث إيرادات الإعلانات الرقمية، وتحقق مايكروسوفت إيرادات سنوية تقدر بالمليارات من الإعلانات، إلا أن هذه الأرباح لا تُنسب إلى بينج فقط لأن مايكروسوفت أسست عدة شراكات خارجية منها على سبيل المثال Version Media Group. وقد حققت في الفترة من عام 2016 إلى 2020 الإيرادات التالية:

• 5.43 مليار دولار في 2016
• 6.22 مليار دولار في 2017
• 7.01 مليار دولار في 2018
• 7.63 مليار دولار في 2019
• 7.74 مليار دولار في 2020

إيرادات الإعلانات تتعدى ما تحققه مايكروسوفت من لينكد إن أو حواسب Surface ومعدات الحاسوب الأخرى التي تنتجها الشركة. ولا يمكن إغفال أهمية البيانات المتوفرة بفضل حصة بينج السوقية التي تصل إلى 25% من الحواسب الشخصية في الولايات المتحدة والتي يمكن تحليلها بهدف تحسين أداء بعض المنتجات مثل كورتانا. 

الإعلانات جزء مهم من السياسة التسويقية لأي شركة، لذلك بإمكانك توظيف أفضل المستقلين في مجال الإعلانات على موقع مستقل والوصول إلى جمهورك المستهدف وزيادة مبيعاتك. 

بينج محطة أساسية في رحلة نجاح مايكروسوفت

ترتبط شركة مايكروسوفت في أذهان المستهلكين بمنتجات مثل نظام ويندوز ومجموعة برامج أوفيس، أما بينج فلا يلتفت كثيرون إليه رغم التقدم الذي حققه على مدار السنوات الماضية وأنه بات من أهم الأصول التي تمتلكها مايكروسوفت. 

في يناير 2021 وصل إجمالي عدد الزيارات في موقع بينج إلى 1.034 مليار على أجهزة الهاتف المحمول والكمبيوتر الشخصي، لكن المسألة ليست مسألة أرقام فقط، فالبيانات التي تحصل عليها الشركة من محرك البحث هي الكنز الحقيقي. 

فإذا نظرنا إلى كورتانا الموجود في Windows 10، والذي يتفاعل معه ملايين الأشخاص؛ سنجد أن هذه التفاعلات تزود مايكروسوفت بالبيانات التي تحتاجها لمعرفة نوعية الأسئلة التي يسألها المستخدمون وصيغتها لتقديم أفضل إجابة وهذا ما يُطلق عليه البيانات الضخمة. أما برامج الأوفيس بها بعض الخواص التي تعتمد على بينج مثل كورتانا وخاصية Delve التي تُظهر للمستخدم المعلومات التي يحتاجها مثل رسائل البريد الإلكتروني والمواعيد في الوقت المناسب عن طريق تعلم الأفعال التي يقوم بها المستخدم وكيف يقوم بها. 

إن تقييم المنتجات أو الخدمات يعتمد على مدى تحقيق الأهداف التي بُنيت من أجلها، فقد يكون الهدف  الرئيسي من المنتج أو الخدمة جمع بيانات عن المستخدمين وتحليلها لتحسين مستوى الخدمات الأخرى التي تقدمها الشركة. أما منتج الشركة المنافسة فقد تستهدف تحقيق انتشار واسع بين المستخدمين، لذلك يصعب مقارنة النتائج مع منتجات وخدمات الشركات المنافسة حال اختلاف الأهداف المرجوة. 

من ثم فافتقار منتج أو خدمة معينة إلى شعبية بين المستخدمين لا يعني بالضرورة أن المنتج لم يحقق الأهداف المرجوة، فشركات التقنية الكبرى مثل مايكروسوفت لا تنفق أموالاً طائلة على مشروعات فاشلة. الصراع الآن صراع على البيانات وتبذل الشركات قصارى جهدها للحصول على أكبر قدر ممكن منها.