بن سلمان ونيوكاسل: قصة استثمار رياضي على الطريقة القطرية
يُفترض أن تنفق حكومة الدوحة ما يتخطى ال 200 مليار دولار لاستضافة كأس العالم 2022، في حين لن تحصل على مقابل مادي يضاهي تلك التكلفة، ولا يُعتقد أن ذلك سيتم في المدى القريب.
يُنفق المجتمع الخليجي العربي أموالًا طائلة على الاستثمار الرياضي، لكن نجد أن قطر هي المستفيد الأكبر دومًا من وضع اسمها ضمن دول كبرى في المجال الرياضي. ذلك بالرغم مما قد تنفقه دولة شقيقة كالإمارات باستثماراتها الرياضية، والتي تتمثل أعظمها في أعمال «الشيخ منصور بن زايد» داخل مانشستر سيتي.
قطر كانت الأحوج من بين كل جيرانها للدخول لتلك المنطقة من الاستثمارات نظيفة العوائد، وهو ما لم تكن تحتاجه الإمارات بنفس القدر. لكن يبدو أن السعودية قد وقعت في مشكلات أكبر من تلك التي عانت منها جارتاها خلال السنين الأخيرة، مما دفعها لسلك الطريق ذاته.
السمعة القطرية باستخدام الرياضة
واجهت حكومة الدوحة عدة اضطرابات سياسية بالمنطقة، وكذا مشاكل تخص عمليات إرهابية واتهامات سياسية وغير سياسية لا نهاية لها من دول مجاورة.
في المقابل، كان سلاحها في وجه كل المشاكل الداخلية والخارجية هو دبلوماسية «دفتر النقدية»، كما وصفها «كريستوفر ديفيدسون» الأستاذ بجامعة «دورهام» الإنجليزية.
صفقات رياضية هائلة قامت بها دولة قطر خلال تلك السنوات بمثابة ردود الفعل في وجه مشاكل أكبر تضربها، كدولة حديثة الإنشاء وصغيرة المكانة بالمنطقة وبالعالم. بما في ذلك عملية شراء نادٍ فرنسي كبير ثم السعي نحو المجد الكروي بشتى الطرق، ثم صفقة الأحلام بجلب اللاعب البرازيلي «نيمار»، وكذلك الاستفادة القصوى من وجود أسطورة إسبانيا «تشافي» على الأراضي القطرية.
لا ننسى بالطبع الفيديو الذي نشره لاعب برشلونة السابقة خلال فترة الحصار الاقتصادي الذي فرض على قطر من قبل دول خليجية أخرى وسط بعض أزمات الخلاف السياسي، ومحاولة ربطه بكرة القدم بأي شكل.
تأكد العالم الخليجي أن تكلفة تلك الاستثمارات الرياضية على قطر قليلة للغاية مقابل حلها لبعض المشكلات السياسية والإقليمية التي تواجهها في المنطقة. ويبدو أن ولي العهد السعودي «محمد بن سلمان»، الذي تولى زمام دولة تختلف عما تركها له أسلافه، فطن إلى هذا الدور فقرر أن يخوض اللعبة ذاتها.
كرة القدم في مواجهة البترول
بحلول عام 2020، واجه العالم تفشي فيروس «كورونا» الذي ضرب بكل الأوضاع الاقتصادية العالمية عرض الحائط، وهدد كافة الأسواق المالية بحالة من الركود قد تدوم لما يزيد عن عام كامل. كان سوق النفط والبترول أحد أكثر الأسواق المُتضررة من الركود المتوقع، بانخفاض أسعار برميل البترول إلى صفر وما قد يقل عنه بقليل.
السعودية هي الدولة الأولى في إنتاج وتصدير النفط في العالم، وحتى انتهاء العقد الأول من الألفية الجديدة، كانت المُتحكم الرئيس في سوق النفط العالمي من حيث تحديد الأسعار وقيمة ما تنتجه الدول من براميل بترول، لكن أزمة تلو الأخرى تسببت في تراجع دور السعودية داخل سوق النفط.
يعتقد البعض أن دخول السعودية لعالم كرة القدم قد جاء متأخرًا، ليس فقط مقارنة بقطر والإمارات، بل بالنسبة لكافة الدول المهتمة بالشأن المالي والإقتصادي كأمريكا وروسيا وتايلاند والصين. وهو شيء مأخوذ على حكومة الرياض، حيث بدا وكأنه قفز في القارب الوحيد الناجي من بين كافة الاستثمارات المهددة.
يربط الصحفي الإنجليزي «بول هايوارد» بين دخول السعودية إلى عالم كرة القدم عبر بوابته الأكبر، الدوري الإنجليزي الممتاز، وبين رؤية الحاكم السعودي بن سلمان لمستقبل السعودية حتى عام 2030. فبرغم من كل ما قد تعانيه كرة القدم من أزمات في ظل انتشار كورونا، يظل مناخها مقرًا آمنًا لاستثمار الأموال طويل الأمد.
تأكد لدى بن سلمان الاعتقاد بأن النفط وحده لن يحمي السعودية من مواجهة مشاكلها الاقتصادية في السنين القادمة، فكان لابد من دخول معترك استثماري آخر يسمح بانفاق كثيف وعوائد خالية من أي شوائب أخلاقية ومجتمعية، فالبداية كانت مع شائعات بنيّة شراء مانشستر يونايتد، ثم اقتراب اتمام عملية السيطرة على 80% من فريق نيوكاسل.
ربح البيع
مع حلول شهر آيار/مايو من عام 2020، أكدت أغلب الصحف على اقتراب الاستحواذ على نصيب «مايك أشلي» صاحب الحصة الأكبر في نادي نيوكاسل الإنجليزي، بمبلغ يقارب الـ300 مليون جنيه إسترليني.
في حال تم الاتفاق النهائي فإن صندوق الاستثمار العام السعودي، الذي يديره الأمير بن سلمان، سيتكفل بحوالي 80% من سعر الشراء الإجمالي، على أن تقوم شركة «بي سي بي كابيتال بارتنرز» بدفع الـ20% المتبقية من المبلغ لنيوكاسل.
وحسب تصويت ذكرت نتيجته شبكة «Independent» الإنجليزية، فإن 96.7% من إجمالي 3000 مصوت من جماهير نادي نيوكاسل، قد رحبوا باستيلاء الحكومة السعودية على زمام القرار في ناديهم، وهو ما قد يبدو غريبًا في ظل السمعة السيئة للسعودية بين كل المُطلعين.
لكن بالعودة لصيف 2018، تكتشف أن المالك الحالي للنادي قد سخر من عرض بقيمة 250 مليون جنيه إسترليني، ثم قام بقبول العرض الحالي بفارق قليل عن سابقه، وكذلك نلاحظ وجود تنازل من قبل الهيئات الإدارية للإتحاد الإنجليزي عن إجراءات عدة من أجل تسريع عملية البيع المنتظرة، أتعتقد أن الجماهير يجب أن تُعطل ذلك كله؟
الاستثمار في مواجهة الأخلاق
بنظرة سطحية للشأن، ترى أن دخول السعودية لذلك الاستثمار قد فتح أبوابًا كانت تتمنى المملكة أن تغلق للأبد، كملف مقتل الصحفي السعودي «جمال خاشقجي»، وأيضًا قضايا أخرى تخص الاستثمار السعودي في العمليات المسلحة داخل دولة اليمن ومثلهما قضايا أخرى تخص حقوق الإنسان.
ومنه إلى اعتراض الشأن القطري مُتمثلًا في شبكة «Bein Sports» معتمدين على الضرر التي أوقعته المملكة على حصص أعضاء رابطة الإتحاد الإنجليزي في عوائد البث وحقوق إذاعة المباريات، بعد أن ربطت عدة تقارير صحفية بين قرصنة مجموعة «BeoutQ» وبين امتلاك السعودية لحقوق تلك المجموعة.
يعتقد «روي سميث» من صحيفة «نيو يورك تايمز» أنه لا يجب لتلك القضايا الأخلاقية أو غيرها أن تؤثر في قرار جماهير النادي، فإن كانت قضايا حقوق الإنسان المزعومة تلك تخص الحروب داخل اليمن، فإن المملكة البريطانيا هي التي تقوم بدعم السعودية بالسلاح اللازم لذلك الشأن.
هذا بالإضافة إلى أن الإمارات هي رفيق درب السعودية في تلك الحروب التي تقوم باليمن، في حين أن الاستثمارات الإماراتية تعمل آمن تام دون اعتراض من أي جهة، لذا يعتبر أي لوم على الجماهير بلا أي سبب منطقي، خاصة أن إتمام عملية البيع سينقل النادي إلى ملكية واحدة من أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم، مع أصول تبلغ قيمتها نحو 300 مليار دولار.
أرقام ضخمة تؤكد أن نيوكاسل سيكون في مأمن لسنوات وسنوات في حالة إتمام الصفقة. وضع متوقع جعل الإنجليز يغضون البصر عن السبب الحقيقي وراء تلك الصفقة، تمامًا كما غضوا البصر عن نظيراتها من قبل.