سمعنا كثيرًا وقرأنا كثيرًا عن قدرة فيسبوك على التأثير في حياة المستخدمين ومشاعرهم، بل حتى تأثير خوارزمية فيسبوك الهائل الشبيه بالماتركس -تاركًا إيّانا بلا «نيو»- من الواقع الافتراضي، إلى الموبايل والتطبيقات، وحتى منافسة يوتيوب في عالم الفيديو، ولكن المفصل الأهم الذي يبدو أنّ فيسبوك تسيطر عليه هو «الأخبار»، فيسبوك تصبح شيئًا فشيئًا مصدر الأخبار عوضًا عن كونها مجرّد ناقلٍ لها، بل تمتلك فيسبوك الحرية الكاملة في التصرّف في المواد المعروضة على منصتها، قد يبدو هذا شيئًا بديهيًا، لكنّه يعني الكثير، لدرجةٍ تصل إلى التأثير على الصوت الانتخابي، والديموقراطية والانتخاب الحرّ.


زوكربيرج في F8

في مؤتمر فيسبوك للمطورينF8 الذي جرى في 12 و13 من إبريل في العام الحالي، قال مارك زوكربيج: «أنا أكره الأصوات العنيفة التي تدعو لبناء جدرانَ تُبعد الناس عن بعضها، وتضفي صفة الغريب على الآخر، أسمعهم ينادون بإلغاء حرية التعبير، عرقلة عملية الهجرة، وحتى إيقاف الوصول إلى الإنترنت». بالطبع كان المقصود هنا المرشحّ الرئاسي دونالد ترامب، الذي تكلّم وبشكل مستفيض عن بناء جدار فصلٍ بين أمريكا والمكسيك، وأيضًا عن منع العرب والمسلمين من دخول الولايات المتحدة.

بالنسبة لـ «مؤتمر مطورين»، تبدو هذه التعليقات سياسيةً جدًا بشكلٍ غير مسبوق، ويبدو أنّ زوكربيج – الملياردير ذو 31 عامًا- لا يخاف من خلط السياسة بالعمل، ورغم قراراته السابقة بالاحتفاظ بآرائه السياسية إلا أنّه تحدث بحريّة في المؤتمر، بعكس تعليقاته في الماضي. لكن داخل مؤسسة فيسبوك ذاتها احتدم النقاش السياسي ليصل إلى اقتراح بعض الموظفين الفكرة التالية: «هل يجب علينا منع ترامب من ربح الانتخابات؟».

في كلّ أسبوع، يصوّت موظفو فيسبوك في استفتاء داخلي لجمع الأسئلة التي يريدون طرحها على زوكربيرج في جلسة الأسئلة القادمة، كان أحد الأسئلة: «هل من مسؤوليتنا في فيسبوك المساهمة والمساعدة في إيقاف مساعي ترامب للحصول على منصب الرئاسة في 2017؟». أُرسلت صورة إلى موقع Gizmodo والتي أظهرت أنّ هذا السؤال حصل على المرتبة الخامسة في التصويت، بالطبع ليس غريبًا أن يُطرح هكذا سؤال، وليس غريبًا أيضًا أنّ موظفي فيسبوك – أو بعضهم على الأقل- من معارضي ترامب، السؤال وتعليق زوكربيرج في المؤتمر يتماشيان مع سياسات وادي السليكون المعروفة: زيادة الهجرة والعقول المنتجة، الحرية الأكبر للتجارة، وزيادة توسع وقدرة الإنترنت.


هل ذلك قانوني فعلًا؟

المخيف هنا هو قدرة فيسبوك على إحداث هذا التغيير فعلًا، وربما علينا الانتظار أكثر لمعرفة جواب زوكربيرج – إن عرفنا- فيسبوك ليست بالشيء الهيّن الآن، بتربعها على مملكة يقطنها أكثر من مليار شخص، يستقي معظمهم الأخبار والرؤى السياسية، وبل ويتفاعلون من خلالها مع السياسيين والحملات السياسية أيضًا عبرها، وهو المكان الذي يصرف فيه السياسيون قدرًا كبيرًا من ميزانيتهم.

ليس على فيسبوك أيّ مسؤولية قانونيّة تدفعها لعرض الأخبار والمحتوى دون أي ترشيح وبشكلٍ مباشر.

تستطيع فيسبوك أن تعزز أو تحجب أيّ محتوىً تختاره، فهي تستطيع حجب ترامب بالكامل إذا أرادت، أو تستطيع دعمه إن أرادت أيضًا، مثله مثل صحيفة نيويورك تايمز، لكن الفكرة أنّه لا يوجد صفحات خاصة في الجرائد العادية باسم «Donald Trump for President» أو «Donald Trump for President 2016»، يقول إيوجين فولوك، بروفسور في جامعة كاليفورنيا، لوس أنجلوس.


ليست مجرّد منصة تواصل اجتماعيّ؛ بل هي محطة أخبار مخصّصة

معظم الناس لا ينظر إلى فيسبوك كشركة إعلام، فهي لا تبدو كذلك –حتى الآن-، ولكن تلاعبٌ صغيرٌ بالخوارزمية الخاصة بها قد يؤدي لتغيير المحتوى الذي ينتشر، أو المحتوى القابل للمشاركة بشكلٍ كبير، والفرق بين فيسبوك والشركات الإعلامية القديمة، هو أنّك تستطيع تبيّن سياسات الإعلام حسب إدارته وموظفيه ومموليه، بعكس فيسبوك. وعلينا أن نتذكر، فيسبوك تصل إلى شرائح أوسع بكثير من تلك التي تستقي معلوماتها من مصادر الإعلام الاعتيادية. مع فيسبوك لا يمكنك معرفة الشيء الذي لا يظهر في صفحة التحديثات؛ أيّ أنّك جاهل بنوع الانحياز الذي تمارسه عليك فيسبوك أصلًا، وهذا ربما يؤثر على الطريقة التي ترى فيها العالم أصلًا.

http://gty.im/113888441

نعم، لقد قامت فيسبوك سابقًا بالتلاعب الإخباري سابقًا، ففي انتخابات الرئاسة الأمريكية 2012 قامت فيسبوك بالتلاعب بالصفحات الرئيسية في الموقع لحوالي مليوني مستخدم، كما أنّ فيسبوك قامت في 2012 بالتلاعب بمشاعر أكثر من 700 ألف شخص بالتلاعب بنوع المنشورات الذي يظهر للمستخدمين على فيسبوك، كما أنّ دراسة أخرى قامت بالنظر في دور فيسبوك بالتأثير على المستخدمين وصوتهم الانتخابي، فحسب الدراسة المنشورة في دورية Nature: «أثرت الوسائل الاجتماعية والرسائل التي تبثها على الرؤية الانتخابية للمستخدم، وأثرت على المستخدمين دافعةً إياهم للبحث عن المعلومات مؤثرةً بذلك على السلوك الانتخابي لملايين الأشخاص، ولم تؤثر هذه الرسائل على المستخدمين فحسب بل على أصدقائهم وأصدقاء أصدقائهم»؛ أيّ باختصار، تأثير الشبكات الاجتماعية موجود على أرض الواقع بشكلٍ ملموس، وما هو أكثر واقعيةً من انتخابات رئاسية في دولةٍ مثل الولايات المتحدة الأمريكية؟.

تستطيع فيسبوك إن أرادت، أن تزيح جميع وسائل الإعلام المؤيدة لترامب عن موقعها، محدثةً بذلك ضررًا كبيرًا في الحملات الانتخابية للمرشح، ولا يجب على فيسبوك أن تبلّغ عن ذلك، وهي محميّة قانونيًا وتتمتع بذلك الحق، لكن هل سيكون استخدام هذا السلاح أخلاقيًا؟.


فقاعة الترشيح

فقاعة الترشيح
فقاعة الترشيح

تكلم إيلاي عن تأثير الفقاعة منذ 2011، والبعض قد لا يزال يجهله حتى الآن. الغريب فعلًا أنّ هناك الكثير من الدراسات والأبحاث التي تصدرها فيسبوك في محاولةٍ لنفي هذه التهمة عنها، لكن علينا ألا ننسى أنّ هذه الأبحاث ممولة من فيسبوك ويقوم بإجرائها موظفون في فيسبوك نفسها.

يقول الباحثون أنّ خوارزميّة فيسبوك تؤثر بشكلٍ طفيف على المحتوى الذي يراه المستخدمون، بترشيح يصل إلى 5% فقط من الأخبار التي تتعارض مع آراء المستخدمين المحافظين و8% مع الليبراليين. وحسب الدراسة أيضًا فإنّ الليبراليين ضغطوا على 7% من المحتوى المخالف لآرائهم بعكس المحافظين الذين وصلت نسبة قراءتهم للمحتوى المخالف إلى 17%. يقول المعترضون على الدراسة أنّ معاييرها لا تشمل سوى 4% من المستخدمين، والتي لا تعدّ بأيّ شكلٍ ممثلة عن المستخدمين بشكلٍ كامل.

بالعودة إلى تأثير الفقاعة، والذي هو باختصار: تخصيص الإنترنت لك، جعل تجربة الإنترنت شيئًا خاصًا بكلّ مستخدم، وذلك التأثير ليس مقتصرًا على فيسبوك فحسب، بل يمتد التأثير ليشمل جوجل، ياهو والكثير من المواقع الأخرى. الجميع يرغب أن يدعك في «دائرة الراحة» عن طريق جلب أخبار وصفحات مطابقةٍ لرأيك، الخطورة هنا أنّ الخوارزميات هي من تتولى هذا الأمر، وليس المحرر البشري، وحتى الآن لا تمتلك الخوارزميات حسًّا لما هو أخلاقيٌ أو لا.

وفي هذا المقال يشرح الزميل محمد حبش الدور الذي يقوم فيه فيسبوك بشكلٍ خاصٍ في تطبيقه على الهواتف الذكية، فيكتب عن فيسبوك وخوارزميته:

ستحاول فيسبوك التنبؤ بمقدار الوقت الذي قضيته على قراءة مقالات عادية من خلال فتحها في متصفح الإنترنت على هاتفك، فلو ضغطت على روابط بالخطأ أو كانت بعناوين جذابة مضللة وأغلقت المتصفح مباشرة، فإن فيسبوك سيعرف أن مثل هذه المنشورات أو منشورات هذه الصفحة ليست مثيرة لاهتمامك بالتالي ستقلل من عرض منشوراتها عليك.

ردّ فيسبوك

أعلنت فيسبوك لاحقًا أنّها لن تستخدم قدرتها هذه للتأثير على تصويت المستخدمين، وقدمت بيانًا في ردٍ على الاتهامات التي وُجهت إليها، تقول فيه:

« التصويت هو قيمة جوهرية في الديموقراطية، ونحن نؤمن أن دعم المشاركة المدنية فيها هو إسهام نقوم به لخدمة المجتمع. نحن نشجع أي وكل مرشح ومجموعات ومصوّتين لاستخدام منصتنا لمشاركة آرائهم حول الانتخابات واستخدامها في مناظرات حول المواضيع المطروحة، ونحن كشركة نلتزم الحياد. نحن لم ولن نستخدم منتجنا للتأثير على تصويت الأشخاص».

وبذلك تتجنب فيسبوك الإجابة عن السؤال الرئيسي، ما هو الجواب الذي قدمه مارك زوكربيرج لموظفيه؟

في النهاية ننصحكم بقراءة هذا الكتيّب عن فيسبوك، والذي نشره طوني صغبيني منذ أربع سنوات.

المراجع
  1. A 61-million-person experiment in social influence and political mobilization
  2. Facebook Says it Doesn't Try to Influence How People Vote
  3. Facebook Employees Asked Mark Zuckerberg If They Should Try to Stop a Donald Trump Presidency
  4. Facebook promises not to use its product to influence the US presidential election
  5. Has Facebook finally popped its filter bubble? Not quite