أكثر اكتشاف مهم في كل علم الفلك هو أن النجوم مصنوعةٌ من ذات الذرات الموجودة على كوكب الأرض
ريتشارد فاينمان

تكلمنا في المقالات السابقة عن النجوم والنسق الأساسي، لكن ما الذي يحدث عندما تختلف صفات النجوم لتبتعد عن هذا النسق، وهل تبقى حقًا نجومًا؟ اليوم نناقش أحد هذه الأجسام، أكبر من الكوكب وأصغر من النجم، الجسم الأول بعيدًا عن النسق الأساسي في سلسلتنا: القزم البنيّ.

تتكون النجوم في سحابات الغاز والغبار الفضائي المدعوّة بالسدم، لكن ما الذي يحدث عندما تتجمع المواد بصورةٍ غير كافية؟

عندما تتضاءل السحب وتضمحل تكوّن جسمًا أقلّ كتلةً من النجم العادي، هذا النجم لا يملك فعلًا في مركزه الضغط والحرارة اللازمين لبدء التفاعلات الأساسية التي تُعرف بها النجوم، تفاعلات الاندماج النووي التي تحوّل الهيدروجين إلى هيليوم، أيّ أنّه قد خسر فعلًا ما يعطي النجم وهجه وحرارته، وبذلك لا تشّع معظم الأجسام التي تقع في هذه الفئة بالضوء المرئيّ، بل تبقى مختبئةً في السماء، وقد تأخر اكتشافها فعلًا، فقد كانت مجرّد فكرة، هل يُعقل أن تتواجد أجسامٌ تتشكل بنفس طريقة النجوم دون أن تشعّ؟

نستخدم تلسكوب الأشعة تحت الحمراء لرؤية هذه الأجسام، ذلك لأن هذه التلسكوبات تستطيع بواسطتها أن ترصد الحرارة الصادرة من هذه الأجسام التي لا تشعّ بضوءٍ مرئيّ، بل في الجزء من الطيف المتواجد بعد اللون الأحمر ، كثيرٌ من هذه الأقزام تمّ رصده داخل سحابات من الغاز والغبار الفضائي، وذلك لأن الأشعة تحت الحمراء تستطيع أن تخترق المناطق الكثيفة الغبارية من الفضاء.


تحت التصنيف

التصنيف النجمي مبسطًا

في المقال السابق قمنا بتصنيف النجوم، الأكثر حرارةً هي O ثم B وثم : A F G K حتى M، حيث الأخيرة هي الأقل حرارةً.

النجوم الواقعة تحت التصنيف M هي النجوم الأكثر برودةً في الكون، كما أنّها الأوفر عددًا، معظم نجوم هذا التصنيف تكون «أقزامًا حمراء» لكن ما الذي يحصل عندما نجد أجسامًا أقلّ حرارةً من M؟

في 1988 وجد الفلكيون نجمًا منخفض الحرارة، بدرجةٍ أقل بكثير من الصنف M، وأعطي هذا النجم حينها التصنيف L، لماذا L ؟ لأنّه لا يوجد أي أجسام فلكيّة تحت هذا التصنيف، فلم لا نستخدمه؟

تمّ العثور على المزيد من نجوم الصنف L، لكن حتى الآن، هذه ليست هي الأقزام البنية، هذه نجوم كبيرة بما فيها الكفاية لتبدأ التفاعلات النووية في مركزها، المشكلة إذًا في الأقزام البنية، أنّها قد تولد شديدة الحرارة، وقد تقلّد تأثير النجوم L لفترة معيّنة، ولذلك يصبح من الصعب التفرقة بيننها، لكن وجدنا طريقةً في النهاية، القزم البني خفيف الكتلة يحوي الليثيوم، بينما النجوم العادية لا تحوي هذا العنصر.

الليثيوم هو العنصر التالي للهيدروجين والهيليوم في الجدول الدوري، وكما الهيدروجين، فإنه يستطيع الاندماج لكن النجوم العادية تستهلك محتواها من الليثيوم بسرعةً عندما تكون يافعة، بينما لا تقوم الأقزام البنية بدمج الليثيوم أبدًا، لذلك عندما نرى هذا العنصر، نعرف أننا أمام قزم بني.

إذًا باستخدام اختبار الليثيوم، استطاع الفلكيون تمييز الأقزام البنيّة عن النجوم العادية، ورغم أنّه ليس بالفحص المثالي، إلا أنّه يعمل في كثير من الظروف، وقد وجد الفلكيون في 1995 عندما كانوا يتفحصون عنقود الثريا، جسمًا باهتًا، منخفض الكتلة، وسموّه Teide 1، كان شديد البرودة والاحمرار ووجد الليثيوم في طيفه، وتوصلوا إلى أنّ له كتلةً تساوي 50 ضعفًا من كتلة المشتري، وأصبح واضحًا بالفعل أنّه جسم تحت نجمي، وهكذا تمّ اكتشاف أول قزمٍ بنيّ.

وبعد وقتٍ ليس بطويل، وجد الفلكيون أن للنجم المدعوّ Gliese 229 مرافقًا خافت الإشعاع، وكان طيفه أوسع من طيف Teide 1، حيث احتوى الليثيوم واعتُبر قزمًا بنيًا أيضًا، لكنه احتوى أيضًا على الميثان، والميثان عنصر أضعف حتّ من الليثيوم، أيّ أنّه يتفكك في حرارة Teide 1 المنخفضة، إذًا مرافق النجم Gleise والذي أصبح يُدعى Gliese 229b هو أقلّ حرارةً من Teide 1.

بعد هذا الاكتشاف تبيّن لنا أننا نحتاج إلى إضافة أحرف أخرى لتصنيف هذه النجوم، وبذلك أصبح لدينا تصنيف الأقزام T.

ومع مرور الوقت وجدنا المزيد من هذه الأقزام، في 2009 أطلقت ناسا مستكشف الأشعة تحت الحمراء عريض المجال (أو المسمّى WISE اختصارًا) وهو تلسكوبٌ فضائيّ في مدار الأرض، صُمم ليفحص السماء بالتقاط الأشعة تحت الحمراء.

وجد WISE مئات الأقزام البنيّة، والآن نعرف حوالي 2000 منها على الأقل، ومنها من هو أكثر برودةً فحصل على تصنيف جديد: الأقزام Y.

أصبح لدنيا إذًا : O, B, A, F, G, K, M, L, T, Y!


ما لون الأقزام البنيّة؟

ما لون هذه الأقزام البنيّة؟ بنيّ؟ في الواقع بعضها شديدة البرودة لدرجة أنّها لا تشّع أي لونٍ على الإطلاق، فهي إذًا سوداء، وقد سُميّت لبعض الوقت بالأقزام السوداء، لكن الآن يستخدم ذاك الاسم في وصف المرحلة الأخيرة من التطور النجمي لنجم في النسق الأساسي، بعضها الآخر مازال دافئًا بما فيه الكفاية ليبعث بعض الضوء المرئي، وما هو؟ اللون الأرجواني!

لماذا الأرجواني؟ كما قلنا سابقًا، فإن الجو المحيط بهذه الأجسام يمتصّ ألوانًا معيّنة من الضوء، وفي بعض هذه الأقزام يتواجد الميثان والماء، وقد يؤدي ذلك لامتصاصها اللون الأحمر أكثر من الأزرق، فيتلاعب ذلك بالضوء الناتج لنحصل على اللون الأرجواني.


نجم، قزم، كوكب

Morgan-Keenan_spectral_classification
Morgan-Keenan_spectral_classification

لهذه الأقزام خواص غريبة، فرغم زيادة كثافتها لا يزداد حجمها. بشكلٍ طبيعي عند إضافة كتلة لجسم ما، يزداد حجمه، كذلك الأمر مع النجوم والكواكب، لكن يبدو أنّ الأقزام البنيّة مختلفة بعض الشيء، حيث أنّها تختلف في مركزها عن الأجسام الأخرى، فهي شديدة الكثافة، وبإضافة المزيد من الكتلة، لا تزداد حجمًا، بل تزداد كثافةً.

يزداد هذا الأثر عندما نصل لكتلة قريبةٍ من كتلة كوكب مجموعتنا الأكبر، المشتري، والذي يعني أنّ قزمًا بضعفي كتلة المشتري قد لا يكون أكبر حجمًا منه فعلًا، إذًا ما الفرق بين الكوكب الكبير والقزم البنيّ؟

يقول البعض أنّ الكوكب يتشكّل من قرص من المواد التي تدور حول نجم، ويكبر بالحجم كلما التحم مع المزيد من المواد، بينما يتشكّل القزم البنيّ بشكلٍ مباشر في السدم، من الغاز والغبار، إذًا يمكنك نظريًا، أن ترى جسمين لهما نفس الكتلة ويبدوان بنفس المظهر تقريبًا، لكن أحدهما قزم بنيّ والآخر هو مجرّد كوكب، ويبقى الاختلاف الأكبر في كيفية تكونها.

على سبيل المثال، يستطيع قزم بني بكتلة تفوق كتلة المشتري ب65 ضعفًا أن يدمج الليثيوم داخله، ولكن تبيّن أيضًا أنّ قزمًا آخر بكتلة تساوي 13 ضعفًا من كتلة المشتري يستطيع أن يدمج أيضًا ديوتيريوم، وهو نظير من نظائر الهيدروجين، ويختلف عنه باحتوائه نيوترونًا وبروتونًا في نواته، لكن لا يستطيع أحد منهما أن يقوم بالتفاعلات النووية اللازمة لدمج الهيدروجين، لذلك لا تعتبر نجومًا حقيقةً. وفي الواقع يختلف كلّ قزمٍ عن الآخر حسب الغلاف الجويّ المحيط به، فبعضها يكون فيه الحديد غازًا، وفي بعضها الآخر يتكثف الحديد ليصبح مطرًا!

تمتلك الأقزام البنيّة كتلة صغيرة ولذلك من الغريب ألّا تصنّف ككواكب، خصوصًا بوجود الكواكب الغازية الضخمة، والتي كالأقزام البنيّة، لا تستطيع أن تدمج الهيدروجين في مركزها، وأحد الفروق الأخرى هي أن الأٌقزام البنيّة تشعّ ضوئها الخاص، رغم أنّنا قد لا نراه، فهي تشعّ ضوئها في المجال الطيف الأحمر وتحت الأحمر، حتى تبردّ بشدةٍ وتطلق أشعةً سينية بالإضافة للأشعة تحت الحمراء.

الفرق الآخر هو أنّ الأقزام- كالنجوم- قد تملك كواكبًا تدور حولها، بينما تمتلك الكواكب الغازية الضخمة أقمارًا فقط.

في النهاية، وحسب الاتحاد الدولي للفلكيين فإنّ أي جسمٍ كبيرٍ بما فيه الكفاية ليدمج الديترويوم يعتبر قزمًا بنيًا، بينما أيّ جسم يمتلك كتلةً أقلّ من 13 ضعف كتلة المشتري يعتبر كوكبًا.

المراجع
  1. Brown Dwarfs: Crash Course Astronomy #28
  2. Brown Dwarfs
  3. Brown Dwarfs: Failed Stars Resembling Planets