ما بين الرئيس والوزير: دخان كثيف ونار كامنة
تتوالى الأنباء بين الفينة والأخرى – كأمواج مدٍ وجزرٍ شديدين – عن وجود خلافات متنامية بين الرئيس عبد الفتاح السيسي ووزير الدفاع صدقي صبحي، الأمر الذي زادت وتيرة انتشاره مؤخرًا مع الحديث المتزايد عن إمكانية إقدام الرئيس المصري على إجراء تعديلات دستورية، تسمح له بتمديد مدة الرئاسة إلى ست سنوات، وترفع الحصانة عن منصب وزير الدفاع. وكانت الحصانة، وُضعت بنص الدستور، بُغية تقاسم السلطة بين أبناء المؤسسة العسكرية بعد الثلاثين من يونيو/حزيران 2013.
وبينما لم تصدر أي تصريحات من جانب الرئاسة فيما يتعلق بهذه التعديلات، إلا أن تعدد المؤشرات عن عدم التوافق في العلاقة بين الرئيس ووزير الدفاع يثير كثيرًا من الشكوك والتساؤلات بشأن الخلاف بينهما ومؤشراته وما يمكن أن يسفر عنه؟
فعلى الرغم من تلك الحالة من التناغم التي سادت العلاقة بين وزير الدفاع والرئيس السيسي عند توليه مقاليد الحكم، حيث الظهور الدائم لـ «صبحي» برفقة الرئيس في معظم الفعاليات السياسية وفي تفقد المواقع العسكرية والمصابين من الجنود والمدنيين، فإن هذا المشهد لم يعد يتكرر، بل طمسه مشهد افتتاح الرئيس لقناة السويس الجديدة ببزته العسكرية دون المدنية!
اختفى صبحي ولا يكاد يظهر إلا منفردًا، وغاب عن الكثير من الفعاليات التي كان من المفترض أن يتواجد فيها برفقة الرئيس بحكم منصبه كوزيرٍ للدفاع، وترافق هذا مع كثرة التسريبات عن بوادر خلاف بين الجانبين على خلفية رفض صبحي لتدخل الرئيس بأمور الجيش متجاهلًا إياه كوزير للدفاع. وقد زاد من حدة الأمر ترقية الرئيس السيسي لصهره، محمود حجازي رئيسًا للأركان، ليحتل بذلك المنصب الأكثر أهمية بعد وزير الدفاع، وليوكل إليه الرئيس مهمة إدارة الملف الليبي، الذي يشغل الحيز الأكبر من اهتمامات الرئيس وتطلعاته، مما رآه البعض خطوة تمهيدية لمهمة ما.
تزامن ذلك أيضًا مع تزايد الحديث عن الخلاف بين الجانبين على خلفية عدد من القضايا، منها قضية جزيرتي «تيران وصنافير»، التي لم يوقع وزير الدفاع عليها، كما ترددت أنباء عن أن السيسي حاول إقناع صبحي بالتخلي عن منصبه طواعية ليتولى منصبًا استشاريًا عاليًا بدلا منه، إلا أن صبحي رفض كل العروض وتمسك بمنصبه وزيرا للدفاع.
ومما يثير الشكوك أكثر تسريب مصادر إخوانية لأنباء عن أن وزير الدفاع أجرى تواصلًا مع قيادات بارزة في جماعة «الإخوان المسلمين» عام 2014، تقدم خلالها بعرض عبر وسيط خليجي لإزاحة الرئيس وتولي الأمور على أن تدعم الجماعة هذا التغيير، إلا أن الجماعة قد تأخرت في الرد مما دفعه إلى سحب العرض!
وبغض النظر عن صحة هذا التسريب وما يعتريه من شكوك بشأن إمكانية أن يكون وزير الدفاع (الشريك الأول للرئيس في يوليو/تموز 2013) قد تواصل مع الجماعة في ظل ما يُعرف عنه من عدائه لها، ويمكن أن يكون الهدف من هذا التسريب إشعال الخلافات بين الرئيس ووزير الدفاع بما يصب في صالح جماعات المعارضة المدنية، فما يتردد حاليًا عن سعي الرئيس لطرح تعديلات دستورية خاصة بتمديد مدة الرئاسة إلى ست سنوات، يصب في جهة صحة الخلافات بين الجانبين وربما مساعي الإطاحة بالفريق صدقي صبحي، حيث ستتضمن المادة الخاصة بتمديد فترة الرئاسة بالتبعية تعديل المادة 234 من الدستور الخاصة بتحصين منصب وزير الدفاع لمدة ثماني سنوات (فترتين رئاسيتين).
فقد أعطت المادة 234 الحصانة لوزير الدفاع، ونصت على أن يكون تعيينه بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ومنحته الحق في الاستمرار في منصبه لدورتين رئاسيتين كاملتين، من المفترض أن يكونا فترتي الرئيس السيسي، وبالتالي فالتعديلات المقبلة التي يعتزم البرلمان مناقشتها بداية الفصل التشريعي الجديد في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، والمواد الخاصة بمدة الرئاسة ستفتح بالتبعية باب التعديل على المادة 234 نظرًا لارتباط فترة بقاء وزير الدفاع بالفترة الرئاسية.
في هذا السياق أشارت بعض المصادر إلى أنه من بين السيناريوهات المطروحة أن يتم إعطاء المؤسسة العسكرية الحق في ترشيح ثلاثة أسماء، يقوم الرئيس بالاختيار من بينها لمن سيتولى منصب وزير الدفاع. وبالتالي في حال إجراء هذه التعديلات وتمريرها، سيكون هناك خياران؛ إما أن يرشح المجلس ثلاثة أسماء من بينها صدقي صبحي أو يسحب الموافقة عليه، الأمر الذي يتوقف على علاقة المجلس بالوزير الحالي ومدى تمسكهم ببقائه من عدمه.
وفي كلتا الحالتين يمكن أن تكون من بين الترشيحات الشخصيات ذات المناصب الحساسة، مثل رئيس الأركان وصهر الرئيس محمود حجازي أو قائد وحدات الحرس الجمهوري محمد زكي، الذي قام الرئيس بترقيته مؤخرًا لرتبة فريق ليحتل بذلك المنصب الثالث من حيث الأهمية بالمؤسسة العسكرية، وربما أي شخصياتٍ أخرى لا توجد بينها وبين الرئاسة خلافات أو توترات، أو لا يشكل أصحابها مصدر تهديد لمكانة الرئيس السيسي، وكلها تصب في جهة إمكانية التخلي عن صدقي صبحي كوزير للدفاع.
وأخيرًا، فإنه إذا أُجريت التعديلات المقترحة فإنها ستُعظم بلا شك من صلاحيات الرئيس على عكس ما هو منصوص عليه بالدستور الحالي، حيث ستسمح للرئيس بالترشح لعدد لا نهائي من المرات، إذ لم تحدد التعديلات المقترحة عدد المرات التي يمكن للرئيس أن يترشح فيها على عكس الدستور الحالي الذي حددها بمرتين اثنتين فقط. كما تعيد إليه أيضًا حق اختيار رئيس الحكومة والوزراء وإقالتهم، وهو الحق الذي تم نقله للبرلمان في الدستور الحالي بعد حصول الحكومة الحالية على ثقة البرلمان.
وأيًا ما كانت مآلات هذه التعديلات فإن الاستمرار بإجرائها يعني تعاظم منصب الرئيس في ظل تضاؤل الجيش الذي أتى به للسلطة، في دولةٍ حصرت المناصب القيادية بها في أيدي قيادات الجيش دون الأطراف المدنية، فهل إذا ما صحت التكهنات يكون للوزير «صبحي» رأيه الخاص أم يكون «أحمد وصفي» جديدا؟