بين بيلا وشفيقة: هل يجب دومًا أن تفوز الفتاة البلهاء؟
في فيديو لمدونة أمريكية تستعرض نقاشًا تخيليًا بين سيدة من الماضي ومثيلتها في الوقت الحالي تشرح لها – من وجهة نظرها الوضع الذي أصبحت السيدات عليه الآن. تخلط المدونة في شرحها بشكل كبير بين الأضرار التي ألحقتها النسوية بالسيدات، والأضرار التي ألحقتها الرأسمالية العالمية بالإنسان بشكل عام. فليس العمل طوال الأسبوع في كبائن صغيرة من فعل النسوية، ولا أدوية الاكتئاب وحبوب منع الحمل وأثرها على الجسد من فعل النسوية كذلك. ولكن لا بأس، فهذه الفكرة ليست بعيدة عن أذهان الجميع، فهي جانب سلبي آخر من جوانب «النسوية الهاشة».
صدقتوا بالفعل، «تيمور وعبيطة» أنسب
«تيمور وشفيقة» هو فيلم مصري شهير إنتاج عام 2007 من تأليف تامر حبيب وإخراج خالد مرعي، من بطولة الثنائي الأشهر في ذلك الوقت؛ منى زكي وأحمد السقا. مؤخرًا، وقع الفيلم تحت أنياب «ميمز» «فيسبوك»، أنياب السخرية التي لا ترحم أحدًا. وفي المشهد الأشهر في نهاية الفيلم حيث تتخلى وزيرة البيئة شفيقة ميمون إدريس (منى زكي) عن منصبها في الوزارة حتى تكون مع حب عمرها الرائد تيمور (أحمد السقا) بعد مشهد طويل من الحركة التي يحاول به تيمور الذكر القوي إنقاذ الوزيرة المختطفة مما عرض حياته للخطر. لتصف الميمز الفيلم على أنه «تيمور وعبيطة».
في العادة يظهر في أعمال تامر حبيب تداخل لشبكة العلاقات سواء العاطفية أو الصداقة، «سهر الليالي، عن العشق والهوى، حب البنات، واحد صحيح» وحتى مسلسل «جراند أوتيل». ولكن -وبشكل غريب ولكنه يتماشى مع عصره- يقدم في فيلم «تيمور وشفيقة» قصة حب لثنائي ذكوري وسيدة تحاول أن تكون نسوية، لكنها تعطل في النصف كـ ماتور عربية لادا موديل 82، فبعد أن حققت شفيقة كل هذا النجاح، يتكرر على لسانها أكثر من مرة أنها غير سعيدة لأن تيمور يعاملها كأخت له، حتى وهو معها في المنزل والعمل فهي تفتقده. في الأغلب تفتقد شفيقة تحكمه بها وبملابسها، تلميحاته المهينة لها، نوبات غضبه التي تؤدي به لضرب زملائها، منعها من الخروج والسفر والتنفس إن لزم الأمر. فعلى الرغم من محاولاتها الظاهرية أن تكون متحررة فتحكم تيمور بها هو ما تحبه في الأساس، فهي نسوية بصورة شكلية فقط، نسوية هشة.
ومع ذلك، فيلم «تيمور وشفيقة» فيلم مفهوم جدًا في سياق عصره، حتى الجمل الحوارية المستفزة مثل «الراجل عندنا مبيتكسرلوش كلمة» على لسان يتمور، وأفعاله الكثيرة التي تؤكد نفس المعنى، النظرة للبنت على أنها كائن ضعيف يحتاج دومًا للحماية، التضحية بمستقبل كامل في سبيل حب سام، حتى النظرة للمطلقة على أنها تعيش كيفما تشاء وتعربد يمينًا ويسارًا. كلها أفكار كانت في وقت صدور الفيلم وما قبله وما بعده منطقية، نواتج وتوابع تفشي الوهابية وشرائط الكاسيت التي تهين المرأة فقط في مصر، كان من المنطقي للغاية أن يصل هذا العفن للفن كذلك. ولكن في عام 2023، مع موجة نسوية عالمية، صوابية سياسية عالمية، وتمكين واضح للمرأة وبث أفكار تنويرية عنها وعن دورها وحقوقها في المجتمع، كيف قدم لنا الفن المصري صورة للمرأة.
«سيب وأنا أسيب»: دراما غير موفقة للمراهقين
مسلسل «سيب وأنا أسيب» من إنتاج شاهد، إخراج وائل إحسان وتأليف رنا أبو الريش، العمل من بطولة أحمد السعدني وهنا الزاهد، صدر منه 10 حلقات على المنصة. تدور الأحداث في سياق يشبه كثيرًا المسلسلات التركي القصيرة الملونة التي تجذب انتباه المراهقين، بيلا- نبيلة هي بطلة العمل الفتاة الشابة ذات الطموح العالي، خطيبة إبراهيم الميكانيكا، الذي يعارض سفرها وطموحها لتقوم بالهرب منه في ليلة زفافه، في مشهد يشبه كثيرا مشهد هروب العروس أمينة خليل في مسلسل ليه لا الجزء الأول، تهرب بعد أن سمعت حكاية والدتها (عارفة عبدالرسول) التي ضحت بفرصة العمل في مجال السينما كمصممة أزياء حتى تتزوج من حسن الجندي (محمود البزاوي). بعد خمسة أعوام تعود بيلا لتكتشف أن والدها لم يطلقها من إبراهيم حتى لا يرد له المهر، ومن هنا تبدأ سلسلة الأحداث الطريفة بين الثنائي في محاولة من بيلا لإنقاعه إرغامه على الطلاق.
ومع مشاهد المقدمة إبان التتر تظهر لنا تفاصيل القصة، وبعد النصف الأول من المسلسل، تنحرف القصة تمامًا عما كانت تميل إليه في البداية، ففي البداية يروي المسلسل قصة فتاة صغيرة موهوبة طموحة، تحب خطيبها بشدة، ولكنها تحب نفسها وكيانها وعملها أكثر، وبعد فشل عديد من محاولات الإقناع لخطيبها قررت اختيار نفسها والسعي وراء تحقيق حلمها. ولكن في النصف الثاني من العمل يبدأ العمل في تقديم مبررات واهية لإبراهيم، يخاف عليها، لم يفهمها جيدًا، يحبها للغاية، كلها أعذار من المفترض أن تكون سبب رفضه. وبغض النظر عن إيحاءات إبراهيم الجنسية التي تتوقف ليثبت كم هو رجل، فهو بالفعل ذكوري للغاية، وبمجرد ما تسنت له الفرصة التحكم بها وإذلالها لم يتوار عن ذلك لحظة، حتى مشاهد الحركة مبتذلة تشبه تلك التي في نهاية فيلم «تيمور وشفيقة».
من المثير للدهشة أن بعد مرور خمسة عشر عامًا، وتغير الخطاب النسوي في مصر والعالم كله التشابه أولًا بين إبراهيم وتيمور يكاد يكون متطابق، التحكم، التمحور حول الذات، الغيرة من نجاح شريكة حياته، محاولة طمس هويتها، استعراض عضلاته وقدراته الجنسية، إلقاء تبرير كل الأفعال على دافع «الحب»، فبين تيمور وإبراهيم وخمسة عشر عامًا تقريبًا لم يتغير صورة الرجل المصري في الأعمال الفنية، لأنها بالفعل لم تتغير في الواقع. الغريب حقًا هو التشابه غير الكلي بين شفيقة وبيلا، في عمل من المفترض أن يكون موجهًا للمراهقين، فبعد أن حققت بيلا نفسها وأصبحت من أكثر الشخصيات تأثيرًا في الفتيات تعود لإبراهيم، للحارة البسيطة في الإسكندرية، لماذا تحارب وتهرب وتحقق النجاحات ثم تعود مرة أخرى لنفس العالم، أهو الحب؟
السعادة للفتاة البلهاء في النهاية
أثار المسلسل بشكل جزئي على «فيسبوك» انتشار بوست «أحب أجدد كرهي الشديد لأبويا»، ففي نهاية العمل، وبعد معاناة طويل مع سيد الجندي المدمن النصاب العاطل عن العمل المتسبب في كل المشاكل تقريبا من البداية، يصاب بطعنة فتتغير دفة المسلسل كلها لحب هذا الرجل المؤذي للغاية. ويدور حوار مونولوج لـبيلا وهي تعاتبه على عدم حبه لها ولكنها مع ذلك تحبه وتتمنى أن يفيق حتى لو سيقوم بضربها! ويتحول الجميع بناء عليه على عشق هذا الرجل المؤذي. في أرض الواقع أن المصاب من أهله لا يشفى أبدًا، من تعرض للأذى والعنف الأسري لا ينتهي هذا الأثر حتى بموت الأب، ويمكن رؤية ذلك في أبناء الجيل الجديد الذي تعتبر جلسات العلاج النفسي من الصدمات النفسية المتسببة في الطفولة هي جزء لا يتجزأ من حديثهم المستمر، فإن كان العمل موجه للمراهقين بشكل أساسي لماذا لا يتسق مع واقعهم!
يصح نفس المنطق على بيلا وإبراهيم، فإن كانت شفيقة لغت نفسها ومستقبلها من أجل تيمور بدافع الحب، فإن بيلا عادت لإبراهيم بسبب اعتيادها على هذا النمط من الرجال، حتى في بداية الحلقة السادسة يظهر انعكاس واضح بين علاقة بيلا وابراهيم من جانب وعلاقة فاطمة وحسن الجندي من جانب آخر. صحيح أن في مشهد النهاية الأخير سافرت بيلا مرة أخرى لمتابعة عملها على الرغم من اعتراض إبراهيم، وهو ما يمكن اعتباره التغيير الوحيد بينها وبين شفيقة، لكن من البداية رجوعها مرة أخرى لنفس الشخص الذكوري المتحكم منافٍ لمنطق الشخصية التي حققت كل ذلك فقط لإيمانها أنها قادرة، وأنها تستحق.