مابين الأرجنتين ومصر: نضالهن لم ينته بعد
يمكننا أن نبدأ حديثنا من هذه الجملة القصيرة والمعبرة لمحمود درويش في توصيفه للمرأة، نعم إنها الصديقة والرفيقة والأخت والزوجة والدعم والسند والطمأنينة والمناضلة إذا دعت الحاجة، يمر التاريخ وتبقى بعض أسماء النساء محفورة لن ننساها ولا يمكننا تغافلها لأنهن حقا صنعن تجارب فريدة في التاريخ ربما غيرت مسار الحكاية والسرد، حديثنا اليوم عن سيدتين عظيمتين ما بين الأرجنتين ومصر، تشابهت ظروفهما وحكايتهما وألمهما ونضالهما الشريف الطاهر الذي لم يؤثر فيمن حولهما فقط وإنما أثر في العالم أجمع.
ستيلا دي كارلوتو
ستيلا دي كارلتو ( 86 عاما ) سيدة أرجنتينية تعيش حياة هادئة ، تزوجت ستيلا من جويدو كارلتو الذي كان يعمل عامل صناعي وكانت تعمل هي كمدرسة في مدرسة إبتدائي .
كان لدي ستيلا أربعة أبناء منهم ثلاثة يعملون في نشاطات سياسية ، لورا ابنتها طالبة تدرس التاريخ بالجامعة الوطنية في ولاية لابلاتا وكانت ناشطة في الحركة البيرونية ، كلوديا ابنتها الأخرى كانت عضوة في حركة الشباب الجامعي البيروني ، جويدو ميغل ابنها الثالث كان مسئول عن مركز الطلاب في مدرسته .
1977م أثناء الحكم العسكري قامت قوات الأمن الأرجنتينية باختطاف زوجها وتم تعذيبه ثم أطلق سراحه بعد دفع كفالة تعادل 30 ألف دولار ، وفي أواخر شهر نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام اختطفت ابنتها لورا وكانت وقتها حامل في الشهر الثالث وتم احتجازها في إحدى مقرات الاحتجاز السرية التي تم إنشائها وقتها ضمن خطة الحكومة للقضاء على المعارضة في ولاية لابلاتا .
قامت ستيلا باتخاذ كل الترتيبات والإجراءات اللازمة من أجل معرفة مصير ابنتها والحصول على الحرية لها ، فقامت بمقابلة القائد الأعلى للقوات المسلحة وقتها رينالدو بيجنون والذي أخبرها بأن ابنتها لورا قد فارقت الحياة .
في أبريل/نيسان 1978م أخبر رفيق لورا الذي كان معها في مقر الاحتجاز _ بعد الإفراج عنه _ بأن لورا مازالت على قيد الحياة وأن آخر مرة رأها فيها كانت حاملا، بعدها توصلت ستيلا إلى معلومات تفيد بأن لورا نقلت من السجن العسكري إلى مستشفي عسكري في ولاية بينوس آيرس وأنها قامت بولادة طفلها في السادس والعشرين من يونيو/حزيران 1978م .
كانت الأجهزة الأمنية وقتها تقوم بإيداع أبناء المختفين قسريا في ملاجئ ليتم تبنيهم من أسر أخرى كجزء من القضاء على نسل الأسرة وحتى لا يوجد دليل على اختفاء الشخص يوجه للحكومة، وبناء عليه لم تصل ستيلا إلى معرفة مكان حفيدها.
أمهات تبحثن عن أبنائهن
في أواخر أبريل/نيسان 1978م بدأت ستيلا تشارك في نشاط أمهات دي مايو وهن أمهات المختفين قسريا الذين قرروا اتخاذ كل الإجراءات اللازمة من أجل معرفة مصير أبنائهن ، وفي الخامس والعشرين من أغسطس/آب تم استدعاء ستيلا من قبل القوات العسكرية لاستلام جثة ابنتها لورا التي تم حرقها في ولاية لابلاتا، في صدمة شديدة لستيلا تلك الأم المسكينة، وكان من المتوقع للنظام أن تهدأ ستيلا وتوقف نشاطها مع أمهات المختفين.
لم تتوقف ستيلا عند استلام جثة ابنتها ، بل قامت بالتقاعد عن عملها في المدرسة في الثلاثين من أغسطس/آب 1978م وفي أبريل/نيسان 1979م أصبحت عضوة في جدات دي مايو وهي منظمة للبحث عن الأحفاد المفقودين بسبب عمليات الاخفاء التي قامت بها القوات العسكرية والذين وصل عددهم لما يقارب الخمسمائة طفل تم اختطافهم بسبب نشاط آبائهم أو أمهاتهم ثم أعطوا لأبوين بالتبني ، وبمجهودها المتواصل داخل المنظمة من أجل الوصول إلى الأحفاد المفقودين تم ترقيتها لتصبح نائبة الرئيسة للمنظمة ثم في 1989م تم ترقيتها لتصبح رئيسة المنظمة.
بدأت رحلة البحث عن الأحفاد بإنشاء البنك الوطني للبيانات الوراثية، تم الاحتفاظ فيه بنتائج عينات الحمض النووي لكل أسر المختفين ليساعدهم ذلك في الوصول فيما بعد إلي معرفة الجثث داخل المقابر الجماعية التي توصلوا لها ومن أجل الوصول إلى الأحفاد الذين فقدوا خلال هذه العمليات ، وكان أول حفيد تم الوصول إليه في عام 1984م .
تتابع التوصل للأحفاد حتى وصل عد الأحفاد الذين عثر عليهم بعد فحص عينات الحمض النووي وتوسع نشاطات المنظمة في الأرجنتين إلى مائة وثلاثة عشر حفيدا ، لكن للأسف لم تعثر ستيلا بعد على حفيدها ، ولكنها واصلت نضالها من أجل الوصول إلى جميع الأطفال المفقودين فهي لم تعد تحارب فقط من أجل حفيدها وإنما من أجل جميع الأحفاد ، تقول إحدى صديقاتها سألتها إحدى المرات: «ستيلا»، ماذا تفعلين لو أنك لم تعثري على حفيدك؟ فردت على قائلة: «المهم أننا بذلنا جهودا كبيرة للعثور على بعض الأحفاد الذين فقدوا أهاليهم، وبهذا فإن جهودنا لم تكن ضائعة».
نضال الأمهات والتاريخ
في عام 2004م قام اغناثيو أوربان وهو عازف موسيقي كان قد أقام حفلات بالتعاون مع المنظمة قبل ذلك بالتقدم لعمل فحص حيث أخبره والداه بأنه ابن بالتبني ، لتظهر نتيجة التحاليل بأن أغناثيو هو ذلك الحفيد الذي فقدته ستيلا منذ ستة وثلاثين عاما، نعم توصلت ستيلا إلى حفيدها وليس هو فقط بل إلى أحفاد آخرين وأعطت أملا في المستقبل الأفضل .
لم تقف نجاحات ستيلا مع المنظمة عند هذا الحد وإنما واصلن ضغوطهن ومسيراتهن المنتظمة حتى بعد سقوط الحكم العسكري من أجل تقديم الجناة للمحاكمة والتي كانت آخرهم الحكم بالسجن المؤبد على رئيسين سابقين ومجموعة جنرالات بتهمة المشاركة في إخفاء مواطنين ، كما واصلوا ضغوطهن من أجل استصدار تشريع دولي يناهض الاختفاء القسري .
سيذكر التاريخ تلك الأسماء جيدا تلك الأمهات والزوجات اللاتي ناضلن من أجل حرية أبنائهن واللاتي مازالت تجربتهن ونضالهن درسا لنا جميعا في جميع أنحاء العالم .
حصلت ستيلا على جائزة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان عام 2003م وتم تكريمها من قبل رئيسة الأرجنتين عام 2008م ومازالت تواصل نضالها وسعيها من أجل الوصول إلى بقية الأحفاد المفقودين والتوعية بخطورة تلك الانتهاكات على مستوى العالم .
مها مكاوي
وكما يقال دائما «أينما وجد الألم .. وجدت قصة بطولية ونضال عظيم» ننتقل إلى مصر، مها مكاوي وأشرف شحاتة زوجان مصريان بدآ حياتهما على حب متبادل وإخلاص ربما يصل إلى حد القصص الخيالية أنجبا ابنين وبنت في مراحل عمرية ودراسية مختلفة ، كانت أولى اهتماماتهما هي الحفاظ على الأسرة والتقدم بها إلى الأمام ، انضمت مها وزوجها كأعضاء في حزب الدستور ليساعدا في بناء تجربة سياسية حديثة كحق أصيل نص عليه الدستور والقانون .
في الثالث عشر من يناير/كانون الثاني 2014م كانت مها مكاوي على موعد مع رحلة لم تكتب لها النهاية بعد، خرج زوجها أشرف من المنزل في العاشرة صباحا في موعده اليومي حيث إنه محامي حر وصاحب مدرسة خاصة ونوه قبل نزوله أنه سيذهب إلى جهاز الأمن الوطني بعد طلبهم الحضور منه وذلك بخصوص مشكلة على أرض بينه وبين أقارب أحد الوزراء السابقين والذين لديهم علاقات داخل الجهاز وطمأن زوجته بأنه سيعود ليتناول العشاء مع أبنائه ، ولكن ذلك لم يحدث.
فأشرف لم يعد إلى المنزل في وقته المعتاد وجميع هواتفه المحمولة مغلقة حتى ذلك الهاتف الخاص الذي يتواصل به مع زوجته وأبنائه ، بدأ القلق يسيطر على الجميع حتى مساء ذلك اليوم لتبدأ رحلة البحث عنه في كل الأماكن القريبة والتي من الممكن أن يتردد عليها حيث إن سيارته الخاصة مازالت في مكانها ، وشوهد آخر مرة في الحادية عشر والنصف صباحا من خفير المدرسة حيث خرج ليرد على هاتفه ولم يره أحد من بعدها، لم تسفر جهود البحث في ذلك اليوم عن أي جديد فلم يظهر أي أثر لأشرف في الأماكن القريبة من المدرسة .
في بداية اليوم التالي الرابع عشر من يناير/كانون الثاني توجهت مها إلى قسم شرطة كرداسة والتابع لسلطته القانونية مكان اختفاء أشرف لتتقدم ببلاغ رقم 115 إداري كرداسة يفيد باختفاء زوجها منذ أمس بدون العثور على أي أثر له ، انتظرت لأيام حتى يتم التحقيق في البلاغ المقدم وتتحرك الجهات المسئولة من أجل معرفة مصيره كما نص القانون على ذلك . لكن دون أي رد من قسم الشرطة الذي لم ينظر في أمر البلاغ أصلا وكلما ذهبت للسؤال عن أي تقدم في البلاغ أخبروها بأن الوضوع الأمني شديد الخطورة ولا يوجد وقت للتحقيق في بلاغ اختفاء زوجها ، لتبدأ في الأسبوع التالي بإرسال تليغرافات لكل الجهات المسئولة بداية من رئيس الوزراء حينها ووزير الداخلية والعدل والنائب العام .
بحث الزوجة عن زوجها
هكذا تحدثت مها عن كل من حاولوا التدخل بشكل ودي لمعرفة مصير زوجها وتهمته المحتجز بسببها.
في التاسع والعشرين من نفس الشهر تقدمت بمذكرة للمجلس القومي لحقوق الإنسان بشأن اختفاء زوجها أملا في أي تحرك جديد بخصوص القضية ولكن دون أي جدوى ودون أي رد في حينها لمدة سنة تقريبا .
بشكل غير رسمي تأكدت مها من وجود أشرف لدى جهاز الأمن الوطني بمدينة السادس من أكتوبر بحسب ماروت لتتوجه إلى سجن الكيلو 10 ونصف بالطريق الصحراوي ومكتب الأمن الوطني هناك ليتم إخبارها بأن هذا الإسم غير موجود في سجلاتهم.
ومن يناير/كانون الثاني وحتي أكتوبر/تشرين الأول 2014م واصلت مها رحلة البحث وحيدة بين السجون ومقار الاحتجاز وكل من يمكنه أن يصل إلى معلومات عن زوجها ، لتتوصل بشكل غير رسمي من وجوده في إحدى مقرات الاحتجاز السرية التابعة للأجهزة الأمنية «وأن الموضوع مسألة وقت وسيخرج».
«كل مسئول لو فتح مكتبه هيلاقي عشرات التليغرافات مني أنا بس بسألهم أشرف فين وبناشدهم يتدخلوا علشان يخرج … بس مفيش حد بيرد»، هكذا عبرت مها عن تعامل المسئولين مع قضية اختفاء زوجها بعد إرسالها عشرات البلاغات والتليغرافات إليهم بدون أي رد واحد أو تحقيق جدي في الواقعة أو سؤال آخر من رآه أو أي توجه يدل على حسن النية .
رد فعل وزارة الداخلية عن اختفاء أشرف شحاتة
في السنة الأولى لاختفائه وقبل بداية الضغط الإعلامي الذي قامت به مها مكاوي لم تحرك وزارة الداخلية ساكنا ولم تقم بالتحقيق الجدي في الأمر كما يتم مع جميع المختفين قسريا وبلاغات ذويهم .
أكتوبر/تشرين الأول 2014م توجهت مها إلى مكتب الاستعلامات بمصلحة السجون للسؤال عن مكان احتجاز أشرف كمحاولة بحث بائسة لربما يكون قد ظهر كما ظهر بعض المختفين في نهاية عام 2014م ولكن كان الرد بأن: «اسمه غير موجود في قوائم المحتجزين الرسمية ، إن كان مسجون سياسي ربما يكون محتجز لدى الأمن الوطني».
نهاية عام 2014م توجهت مها إلى مصلحة الجوزات بمجمع التحرير وتم تحرير شهادة تحركات من المصلحة بدون أي أختام رسمية عليها بأن المذكور خارج البلاد بدون ذكر المكان الذي توجه إليه مما يعد عيبا إداريا في هذه الشهادة ودليل على استصدارها بتعليمات أمنية ، والذي نفاه اللواء أبو بكر عبد الكريم مساعد وزير الداخلية للعلاقات العامة سابقا عبر اتصال في أحد البرامج التليفزيونية والذي أكد فيه أن أشرف مازال داخل البلاد حتى الآن مع نفي كامل لوجوده في أي مكان احتجاز تابع لوزارة الداخلية .
في الرابع عشر من أكتوبر/تشرين الأول 2015م صرح اللواء صلاح فؤاد بأنه لايوجد مختفين قسريا في مصر وأشار إلى حالة أشرف شحاتة وأنه مطلوب على ذمة قضية أصلا فلماذا تلجأ الداخلية لإخفائه في تملص واضح من المسئولية عن إخفاء أشرف ، تخلل خلال الفترة السابقة لقاءات بين السيدة مها مكاوي وبين عدد من المسئولين الأمنيين منهم مساعدين لوزير الداخلية ومدير قطاع الأمن الوطني بالسادس من أكتوبر وآخرها في نوفمبر/تشرين الثاني 2015م مع مدير أمن الجيزة والتي لم تسفر عن أي جديد سوى نفي مستمر لوجود أشرف و احتجازه لديهم وتشتيت وضغط لزوجته في أكثر من جلسة .
كان اليوم الأبشع في رحلة البحث بالنسبة لمها مكاوي هو الثامن عشر من يناير/كانون الثاني 2016م حيث أصدر المجلس القومي لحقوق الإنسان قائمة تتضمن أسماء المختفين المبلغ عنهم من ذويهم ورد وزارة الداخلية عن مكان احتجازهم والذي ذكر فيه بأن أشرف شحاتة زوج مها مكاوي عضوة حزب الدستور محتجز على ذمة قضية بسجن الزقازيق العام ، ليبدأ اليوم بفرحة عارمة سرعان ما تتحول إلى إحباط ويأس بعد تحرك مها ومحاميها السيد حليم حنيش إلى السجن الذي نفى وجوده لديهم لتخرج وزارة الداخلية لتعتذر بأن الإسم جاء بالخطأ في القائمة وأن أشرف شحاتة المحتجز بسجن الزقازيق ليس زوج السيدة مها مكاوي ليتحول اليوم من قمة الفرحة إلى قمة اليأس .
بشكل صريح وواضح قام أحد المسئولين الأمنيين -فضلت عدم ذكر اسمه- بإخبار مها في مايو/آيار 2016م بشكل ودي بأن أشرف محتجز بأحد السجون لكن قرار خروجه بيد المخابرات أو رئاسة الجمهورية ، وعلى الأسرة أن تتحرك في ذلك الاتجاه لخروجه سالما .
فشل القانون والإعلام
«بعد ما فشلت كل الإجراءات القانونية وتعطيل الإجراءات والتحقيق بشكل متعمد وترهيب كل اللي بيحاولوا يساعدوا في خروج أشرف كان لازم أطلع وأتكلم عن قضية أشرف في كل مكان يمكن يحصل تأثير»
بدأت مها مكاوي رحلة جديدة من أجل الضغط عبر وسائل الإعلام المختلفة لنشر قضية أشرف وطرحها للرأي العام لربما يحدث تغييرا ، فمن يوم اختفاء أشرف بدأت بالتدوين على وسائل التواصل الاجتماعي خطوة بخطوة وتقريبا بشكل يومي تتحدث فيها عن حياة الأسرة بدون وجوده وعن ذكرياتها معه وعن الخطوات التي تتخذها.
ثم بدأت في الظهور الإعلامي في كثير من البرامج التليفزيونية، لتدخل في إضراب عن الطعام في أكتوبر/تشرين الأول 2014م ثم في مارس/آذار 2015م ثم إضراب كلي في 24 أكتوبر/تشرين الأول 2015م استمر لأكثر من خمسة عشر يوما ليحدث معه رد فعل قوي من المجتمع المدني المصري والعاملين في مجال الحقوق والحريات في مصر ففي الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني 2015م أعلن أكثر من 50 ناشطا دخولهم في إضراب كلي وجزئي عن الطعام تضامنا معها تخلل ذلك اليوم انطلاق حملة للدفاع عن المختفين قسريا وإصدار بيان مجمع لعدد من منظمات المجتمع المدني للمطالبة بالإفصاح عن مصير المختفين قسريا في مصر .
قامت بعض الأحزاب بمساندتها ربما كانت متأخرة كثيرا تلك المساندة بحد تعبيرها لكن كانت مهمة في إعادة طرح القضية مرة أخري كان من بينها حزب الدستور والذي كانت مقيدة هي وزوجها كأعضاء به وحزب العيش والحرية أيضا ، مما أتاح فرصة جديدة وقوية لنشر القضية وكسب مؤيدين أكثر لساحتها ونضالها الشريف .
لا تقف مها وحدها ولكن يساندها أسرتها العظيمة التي أصدرت أكثر من بيان تطالب فيه بكشف الحقيقة عن غياب أشرف وكذلك محاميها الأستاذ حليم حنيش الذي لم يجد طريقا قانونيا إلا وسلكه .
شاركت مها مع أمهات المختفين في وقفاتهم الاحتجاجية الجماعية وكذلك في جميع المؤتمرات الصحفية التي يمكن أن تعلن عن قضية زوجها من خلالها، بل إنها قامت بعمل وقفة احتجاجية وحدها في الشارع للمطالبة بمعرفة مصير زوجها ليتم محاصرتها من قبل قوات الأمن واصطحابها إلى قسم الدقي لعمل محضر بالواقعة لم يتم التحقيق فيه أيضا .
ألف وثلاثون يومًا من الاختفاء، ولازالت تنتظره
مازالت مها تواصل نداءاتها للجهات المسئولة بداية من رئيس الجمهورية والوزارات المتتابعة على مدار فترة اختفاء زوجها سواء بشكل رسمي أو عن طريق القنوات الإعلامية لكن دون مجيب ، كذلك تقدمت بطلب للجنة العفو التي تشكلت بأمر من رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي لفحص حالات المحبوسين على ذمة قضايا سياسية والتي رفض في البداية رئيسها الرد على نداءاتها ثم كان الرد من أحد أعضاء اللجنة بأن الجهات الأمنية تنفي وجود أشرف أصلا ، وبأن اللجنة غير مخولة بالتعامل مع القضايا من هذه النوعية .
تخطى أشرف شحاتة الألف وثلاثين يوما مختفي قسريا وسط تجاهل من الجهات المسئولة ومماطلات وتصريحات مغلوطة من الأجهزة الأمنية، ومازالت مها مكاوي تعطي دروسا للجميع في معنى الإخلاص والحب والتضحية والنضال ، برغم صعوبة الأمر لم تنهكها الرحلة بعد فمازالت تناضل و تعطي الأمل والبسمة لأمهات المختفين قسريا بل ولنا جميعا .
«بعمل اللي عليا وكل اللي أقدر عليه ، والأمل في الله وحده هو اللي هيجيبلي أشرف ، وقضيتي واضحة والحق واضح بس العميان أو اللي بيستعموا كتير ، واللي وقفوا مع الحق كتير ومعروفين واللي خذلوه معروفين وهيجي يوم هنتكلم ونقول موقف كل واحد»، هكذا أنهت السيدة العظيمة مها مكاوي حديثها معي بنبرة يملؤها التعب كما يملؤها الأمل وبنظرات واهنة للمستقبل الذي تنتظره دائما ولم يأتي بجديد حتى الآن .
وكما يقول المثال «العبرة بالنهايات»، سقط النظام العسكري في الأرجنتين وبقيت ستيلا دي كارلوتوا وأمهات المختفين قسريا في الأرجنتين ربما خسروا كثيرا من أبنائهن لكنهن حققن نجاحات لم يتخيلها أحد وستبقي أسمائهن محفورة في التاريخ ، قريبا سيذهب كل شئ ويبقى أصحاب الحقوق فقط ، ستبقى مها مكاوي وأمهات المختفين قسريا نبراسا واضحا في النضال والفداء ، وقريبا نبتهج جميعا بصورة لمها مكاوي وأشرف شحاتة معا مجددا ربما يخبئها لنا الغد ، وحتى ذلك الحين ستبقى مها مكاوي ورفيقاتها هن البوصلة والمؤشر للجميع .