بلجيكا: ما لا تعرفه عن «يَمَن» أوروبا
في إحدى رسائل أبوت أباد، التي عُثر عليها في منزل زعيم القاعدة أسامة بن لادن ليلة اغتياله، أثنى بن لادن على دور اليمن في توريد المقاتلين للجماعة الإرهابية باعتبارها موردًا هامًا، في أوروبا يمكن القول بأن بلجيكا إحدى أهم موردي العناصر الإرهابية للجماعات الإرهابية المحسوبة على الإسلام خاصة.
بلجيكا، لم تكن في مأمن عن الإرهاب فقد وقعت العديد من التفجيرات في الماضي وإن كان حادث اليوم الموافق 22 مارس هو الأشد والأكثر دموية إلا أنها عانت من ويلات الإرهاب كغيرها من الدول.
مورد الإرهابيين
هناك العديد من العمليات الإرهابية التي أثبتت تحقيقاتها تورط بلجيكيين، أو على الأقل مواطنين يحملون جواز السفر البلجيكي، بها.
ففي أحداث سبتمبر 2001 أوضحت التحقيقات كون بعض مقاتلي طالبان كانوا يحملون جواز سفر بلجيكي، إلى جانب تلقيهم مساعدات من بلجيكا.
قبل الأحداث بيومين كان هناك حادث آخر انتحل فيه المنفذون الجنسية البلجيكية بمساعدة «طارق معلوف» البلجيكي من أصل تونسي، حيث أنه في التاسع من سبتمبر من العام 2001 قام كلا من «عبد الستار دحمان ورشيد بورواي» بالسفر إلى أفغانستان على أنهم صحفيين وقاموا باغتيال أسد بانشير « أحمد شاه مسعود» بحجة أنه تعاون مع أمريكا للقضاء على القاعدة في أفغانستان.
بعد ثلاث سنوات تقريبا وتحديدا في أكتوبر 2004 قامت السلطات البلجيكية بالقبض على حسين محمد الحسكي لكونه أحد المطلوبين في السعودية كما أنه كان يخطط للقيام بعملية إرهابية في بلجيكا.
تفجيرات 11 مارس أو تفجيرات مدريد كان أيضا لبلجيكا وساكنيه دورا فيها حيث قامت السلطات البلجيكية بالقبض على «أبو دجانة» أو «يوسف بلحاج» المتحدث باسم القاعدة في أوروبا لكونه القائم هو ومجموعة من المتطرفين بتفجيرات مدريد.
تفجيرات لندن الواقع في يوليو 2005 ذُكر أيضا اسم بلجيكا بها، حيث إن أحد المتورطين الأساسيين بها وهو ” مختار سعيد إبراهيم” الذي أشارت بعض التقارير إلى هروبه إلى بلجيكا عقب التفجيرات.
وقبل عدة أيام فقط من الحادث الأخير أوقفت السلطات البلجيكية «صلاح عبد السلام» مشيرة إلى أنه أحد الأطراف الرئيسية في تفجيرات باريس الأخيرة.
إلى جانب حالة التوقيف تلك هناك العديد من المؤشرات التي تفيد كون بلجيكا منبع للإرهاب، لعل أبرزها يتمثل في كون عدد المقاتلين البلجيكيين في صفوف داعش، طبقا لدراسة للمركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي بلندن بلغ 440 مقاتل من أصل 4000 مقاتل، وتشير بعض التقارير إلى عودة 101 منهم إلى بلجيكا.
شريعة 4 بلجيكا « Sharia 4 Belgium»
ولد بلقاسم لأبويين مغربيين ويعد من أكثر تلاميذ البريطاني المتشدد «أنجم شودري» المتحدث باسم جماعة «الإسلام لبريطانيا» وأحد مؤسسي منظمة «المهاجرون» إلى جانب «عمر بكري فستق» التي عملت على إقامة تظاهرات مناهضة ومعادية للغرب ولعل أبرزها ما حدث بلندن وأدت إلى حل المنظمة وإقامة منظمة آخرى تدعى «أهل السنة والجماعة» والتي حُلت أيضا.
عمل بلقاسم في منطقة « انفير» – شمال بلجيكا – على جمع المجاهدين لجماعته ومن ثم إرسالهم إلى سوريا، كما كان هدفهم الأساسي هو السعي لإقامة دولة إسلامية في بلجيكا.
وعلى الرغم من حظر الجماعة وإحالة 46 منهم للمحاكمة؛ إلا أنهم نجحوا بقيادة« مهدي نموش» العائد من سوريا في عمل تفجير بالمتحف اليهودي في بروكسل في العام 2014.
أبو عمر السوسي أبرز الإرهابيين البلجيكيين
ليس من الخطأ القول بأن عبد الحميد أبا عود أو « أبو عمر السوسي» أو «أبو عمر البلجيكي» هو العقل المدبر لإرهابي بلجيكا، أبا عود ذو الـ 29 عامًا من مواليد بلدة مولنبيك في العام 1987 م من أصول مغربية تنحدر من منطقة السوس جنوب غرب المغرب.
يرتبط أبا عود بصورة كبيرة بتنظيم داعش خاصة في سوريا وسافر إلى هناك وقاتل بجوارهم بداية من العام 2013، وظهر أكثر من مرة في تسجيلات إعلامية صادرة عن التنظيم، ولعل أبرز لقاء له كان في مجلة دابق الذي أشار فيه إلى تمكنه من العودة مرة أخرى إلى بلجيكا مقيما في منزل آمن ومخططا لعمليات ضد «الصليبين» كما أشار.
أبرز عملية ارتبط بها اسم أبا عود كانت تفجيرات باريس الأخيرة؛ حيث أظهرت التحقيقات كونه العقل المدبر لتفجيرات باريس في نوفمبر الماضي.
في التاسع عشر من نوفمبر الماضي في ضاحية سان دوني بباريس إثر عملية أمنية نوعية قامت بها السلطات الفرنسية تم قتل أبو عمر السوسي.
أبرز العمليات الإرهابية ببلجيكا
التفجيرات الأخيرة وإن كانت الأكثر دموية إلا أنها لم تكن الوحيدة التي طالت الأراضي البلجيكية؛ ففي العام 1981 بشهر أكتوبر تم تفجير شاحنة بـ أنتويرب ببلجيكا أمام كنيس يهودي راح ضحيته قتيلين وأصيب أكثر من 100 شخص.
في الثمانينات من القرن الماضي شهدت بلجيكا عمليات إرهابية عدة اتخذت شكل الاغتيالات الفردية كما حدث في اغتيال إمام ومدير المركز الإسلامي في بروكسل عام 1989 الشيخ «عبد الله محمد قاسم الأهدل»، وأيضا اغتيال رئيس المجلس الاستشاري للمنظمات اليهودية في بلجيكا الدكتور «ويبران».
في بداية العقد الثاني من الألفية الثانية وتحديدا في العام 2011 قام « نور الدين عمراني» بارتكاب ما عُرف إعلاميا بمجزرة لييج التي راح ضحيتها 7 أشخاص وأصيب قرابة 130 شخصًا، يذكر أن عمراني هو بلجيكي من أصل مغربي من مواليد العام 1978 وسبق اعتقاله أكثر من مرة آخرها كان في العام 2008 قبل الحادث على أثر حوادث سطو مسلح.
في مايو من العام 2014 قام شخص ما قائدا سيارة بإطلاق النيران على المتحف اليهودي ببروكسل، راح ضحيته 4 أشخاص؛ ثلاثة وقت الحادث والرابع عقب إصابته بأيام.
وعادت العمليات الإرهابية أمس إلى بروكسل مرة أخرى حيث وقعت ثلاث تفجيرات اثنين بمطار بروكسل بالقرب من بوابة المسافرين إلى الولايات المتحدة، وآخر في محطة المجاورة حيث مقرات الاتحاد الأوروبي، وقد سبق تفجير المطار إطلاق نيران من بندقية كلاشينكوف في المطار.
لماذا بلجيكا؟
أسباب عدة ربما تدفع الإرهابيين لاستهداف بلجيكا، أولها: كون الاتحاد الأوروبي يتخذ مقرا رئيسيا له في بروكسل، إلى جانب بعض المنظمات الدولية الأخرى كالناتو، وآخر يتمثل في معاملة بلجيكا للاجئين العرب وصعوبة الحصول على تصاريح إقامةن وهذا ما ظهر جليا في إعلان بلجيكا على موقع التوصل الاجتماعي فيسبوك في رسائل للاجئين العراقيين تفيد بعدم جدوى الذهاب إلى بلجيكا، إلى جانب تواجد حركة “بيغيدا” المعادية للإسلام وتنظيمها مسيرات في بلجيكا آخرها في يناير من العام الحالي في أنتويرب.
منفذي التفجيرات الأخوين بكراوي والعشراوي
قبل الحديث عن الجاني لا بد من الحديث عن الدوافع، والدوافع في تلك الحادثة عدة تبدأ بقتل أبا عود واعتقال صلاح عبد السلام، إلى جانب السبب الرئيسي والثابت في كل حادثة في أوروبا وهو الحراك الأوروبي في الشرق الأوسط ومكافحة التنظيمات الإرهابية.
الحادث منذ بدايته يبدو واضحا من هو منفذه، حيث أنه هناك بعض القرائن التي يمكن الاستدلال على الفاعل عن طريقها.
أولها: التشابه الواضح ما بين تفجيرات باريس الأخيرة في نوفمبر وتفجير بروكسل من حيث التنفيذ والاستهداف لأماكن التجمعات.
ثانيها: اعتقال صلاح عبد السلام منذ أيام، ومقتل أبا عود في نهاية 2015
العلاقة الوطيدة بين كلٍّ من أبا عود وتنظيم داعش ترجح كفة قيام تنظيم داعش بالتفجيرات، واعتقال صلاح عبد السلام يرجح أن أتباعه هم من قاموا بالتفجيرات كنوع من أنواع الرد، وهذا ما ظهر في توجيه السلطات البلجيكة أصابع الاتهام لكلا من الأخوين البكراوي « خالد، إبراهيم» والثالث نجيم العشراوي وتثبت التحقيقات أنه له علاقة مباشرة بـ «صلاح عبد السلام».
كما أن الثالث أيضا تثبت التحقيقات أنه سافر إلى سوريا في شهر فبراير من العام 2013، كما أن أسمه ذكر أيضا في محاكمة خلية سورية في بروكسل من المفترض أن يتم الحكم فيها بمايو 2016.
ما تشير إليه التفجيرات الأخيرة والدرس المستخلص منها هو أنه حال الرغبة في إيقاف سيل العمليات الإرهابية لابد من حل الأزمة في سوريا.
على كل حال خلال الفترة القادمة ستشهد الدولة إجراءات متشددة ضد المسلمين ببلجيكا وكذلك المسلمين في الدول الأوروبية المختلفة، كما نتوقع في القريب قيام العديد من العمليات الإرهابية في دول أوروبية أخرى.