دليل المبتدئين لقراءة الفلسفة السياسية
يمكن تعريف الفلسفة السياسية على أنها البحث في أسس الاجتماع والسلوك السياسي لدى البشر، والمبادئ العامة لتنظيم المجتمعات وتوزيع السلطة داخلها، وتبرير أو نقد أشكال الحكومة والمؤسسات المُختلفة بناء على إجابات تُقدمها الفلسفة (ويختلف الفلاسفة حولها) بشأن ما هو حق، وعادل، وخيّر.
تتضمن تلك الإجابات عادة افتراضات حول الطبيعة البشرية، وطبيعة السلطة، ونوعية الحياة الجيدة، وأفضل شكل مُمكن لعلاقة الإنسان بالآخرين، وذلك انطلاقًا من الضرورة القائلة بأن الإنسان كائن/حيوان اجتماعي والتي سبق أن طرحها أرسطو.
نُقدم لك هنا مجموعة من المداخل المناسبة إلى فلسفة السياسة، هذه الأخيرة التي رآها أرسطو أيضًا حاكمة كل العلوم، واصفًا الخير الناتج عنها بأنه «الأعظم والأتم». ويجب أن نؤكد أن تلك القائمة ليست بأي حال أفضل قائمة ممكنة، أو أنها شملت كل ما هو مهم حقًا، وإنما هي محاولة بسيطة قد تدفع خطوة إلى الأمام أولئك الراغبين في الإطلاع على ذلك الفرع من المعرفة الإنسانية لكنهم مترددون بشأن نقطة البداية.
أولًا: المداخل التاريخية
1. الفلسفة السياسية من أفلاطون إلى ماركس – أميرة حلمي مطر
تبدأ الأكاديمية المصرية الكبيرة أميرة حلمي مطر بالتساؤل حول معنى الفلسفة السياسية ووظيفتها التي تراها «تنظيم القوة في المجتمعات»، ومن ثم تستعرض بأسلوب سلس فلسفات أفلاطون التي عرضها في محاوراته، وكذلك أرسطو بصفته مؤسس «علم السياسة»، وعلاقتها بالسياق اليوناني الذي نشأت خلاله. وأيضًا الفلسفة السياسية لدى المُسلمين ممثلة في الفارابي وابن خلدون. ثم تنتقل إلى الفلسفة السياسية الحديثة لدى هوبز الذي عمل على إعادة تنظيم الفكر السياسي في إطار عقلاني مادي، وإبداعات هيجل حول الدولة والمجتمع المدني. وصولًا إلى نشأة الاشتراكية المثالية (الطوباوية) وانتهاءً باشتراكية ماركس المادية التي أسسها على أساس هيجلي.
2. تاريخ الفلسفة السياسية – ليو شتراوس وجوزيف كروسبي
هذا العمل المُشترك بين مجموعة كبيرة من المؤلفين، يُعد الأشهر، والأكثر إحاطة بتاريخ الفلسفة السياسية منذ العصور اليونانية الكلاسيكية وحتى القرن العشرين. بداية بأفلاطون، ومرورًا بالفارابي وتوما ألاكويني في العصور الوسطى، ثم ميكافيللي ومارتن لوثر خلال عصر النهضة، حتى هوبز وسبينوزا الذي ينتهي به الجزء الأول. بينما في الجزء الثاني نتعرف على فلاسفة الأنوار والعقد الاجتماعي (مونتسكيو، وهوبز، ولوك، وكانط، وروسو)، وصولًا لهيجل ثم ليبراليّ القرن التاسع عشر مثل توكفيل وجون ستيوارت مل، وانتهاءً بالمشاغبين الكبار نيتشة وماركس.
3. تاريخ الأفكار السياسية – جاك توشار (3 أجزاء)
ينقسم هذا الكتاب إلى ثلاثة أجزاء:
الجزء الأول: يستعرض تاريخ الفكر السياسي منذ الديمقراطية الأثينية وحتى العصور الوسطى المسيحية، ويتميز بموسوعيته، وأيضًا بتفصيل دقيق للآراء والفلاسفة، فيستعرض تطورات العناصر السياسية الأساسية لكل حقبة يدرسها مثل: المدينة والدولة، والمفاهيم الأخرى كالإمبراطورية والإقطاع.
الجزء الثاني: يمتد منذ عصر النهضة الأوروربية، حيث ميكافيللي؛ وكيف أرسى الأخير السياسة على قواعد جديدة مُحدثًا قطيعة فكرية مع أفلاطون والتراث الفلسفي المسيحي. ثم تأثير الإصلاح الديني البروتستانتي على السياسة، مرورًا بالثورات الكبرى ونشأة نظريات الحق الطبيعي والعقد الاجتماعي الذي يتناولها بالتفصيل. وانتهاء بسبينوزا الذي «رد العقل الإنساني إلى الأرض» وآرائه الناقدة للدين، والداعية لحرية الرأي والتعبير.
الجزء الثالث: يستعرض التيارات الكبرى التي أعقبت التنوير: القومية والليبرالية والاشتراكية، كيف تطورت في كل بلد ولدى كل مُفكر من مُفكريها الأساسيين.
4. الفلسفة السياسية في القرنين التاسع عشر والعشرين – غيوم سيبرتان بلان
يتناول أهم النظريات حول الدولة منذ أن طرح فلاسفة العقد الاجتماعي أفكارهم حول كون الدولة شرًا لا بد منه، وأنه لا بد أيضًا من تقييد ومراقبة سلطاته بكل طريقة ممكنة. مرورًا باللاسلطويين الذين رأوا في الدولة شرًا وعبودية مُطلقة، وحتى الماركسيين الذين رأوا في الدولة أداةً في يد الطبقة الاقتصادية الحاكمة، تخدم مصالحها في إدامة الاستغلال وإخضاع المستغَلين.
ثانيًا: مداخل إلى الموضوعات الأساسية
1. الفلسفة السياسية مُقدمة قصيرة جدًا – ديفيد ميلر
إحدى حلقات سلسلة جامعة أكسفورد لتقديم الفروع والمفاهيم الأساسية للعلوم الطبيعية والإنسانية في صورة مختصرة، مكتوبة بأيدي متخصصين. ويتناول هذا الكتاب تعريف الفلسفة السياسية، والسلطة، والديمقراطية، وتنويعة أخرى من المفاهيم المرتبطة بالسياسة مثل التعددية الثقافية، والعدالة الاجتماعية.
كما تحتوي نفس السلسلة (التي ترجمتها مؤسسة هنداوي) على العناوين الآتية: الحداثة، القومية، اللاسلطوية، حرية التعبير، الدبلوماسية.
2. الفلسفة موضوعات مفتاحية (فصل السياسة) – جوليان باجيني
يتناول هذا الكتاب المباحث الأساسية في الفلسفة: نظرية المعرفة، والعقل، والأخلاق، والدين. بطريقة تستعرض النظريات والأطروحات الأساسية المتنافسة في كل فرع. وهي ذات الطريقة التي يتناول بها فصل السياسة، فيستعرض تاريخ وأطروحات: الليبرالية، والاشتراكية، والمُحافظية conservatism، والأناركية. كما يُناقش الآراء المُختلفة حول القانون، والحق، وسلطة الدولة، وغيرها من موضوعات يتناولها الفلاسفة السياسيون.
3. الفكر السياسي – الأسئلة الأبدية
يطرح هذا الكتاب، بطريقة مُخلِصة للفلسفة، أسئلة أكثر مما يقدم من الإجابات، أسئلة يراها جوهرية بالنسبة للتفكير في السياسة من قبيل: هل الكائنات البشرية مُتنافرة أم قابلة للتوافق؟ وهل البشر متساوون وما هي معايير المساواة؟ وهل التاريخ يصنع البشر دائمًا (بصورة حتمية) أم أنهم لهم قدر من السيطرة عليه، وما السلطة؟ وأيهما أعظم: نفعها أم ضررها؟ ولماذا نُطيعها، ومتى نرفضها؟
4. موسوعة ستانفورد للفلسفة (مجلة حكمة)
وأخيرًا، تنشر مجلة حكمة سلسلة من المقالات الُمترجمة عن موسوعة ستانفورد للفلسفة، من بينها عدد من المقالات المُهمة في الفلسفة السياسية مثل: القومية – الوطنية – الليبرالية – اللاسلطوية – السيادة.
ثالثًا: مقدمات عن الفلاسفة
1. سلسلة «أقدم لك»
تصدر السلسلة عن المركز القومي للترجمة، ومن حلقاتها: ميكافيللي، روسو، ماركس، نيتشه، سارتر، لينين، تروتسكي.
تجمع هذه السلسلة بين شرح ُمبسط وممتع للأفكار ورسومات كاريكاتورية مُعبرة عنها. ولذلك تُمثل مدخلًا سهلًا للغاية إلى مواضيعها التي تضم أشياء أخرى عديدة من بينها التحليل النفسي، وداروين، وكانط.
2. توماس هوبز: فيلسوف العقلانية – إمام عبد الفتاح إمام
هوبز هو أحد أهم فلاسفة السياسة على الإطلاق، وفي هذا الكتاب يُناقش الُمفكر الكبير إمام عبدالفتاح إمام نسقه الفلسفي ككل، بما في ذلك شقه السياسي الغني بأفكاره حول الدولة ونظريته في العقد الاجتماعي. والتي تُمثل جزءًا أساسيًا من الجدل الفلسفي السياسي حتى اليوم.
3. اسبينوزا – فؤاد زكريا
وضع سبينوزا، هذا المُفكر العظيم نسقًا فلسفيًا مُتماسكًا وبديعًا أثّر في حقبة التنوير الأوروبي وكل الفلسفة الغربية التي جاءت بعده، بجميع أطيافها. ويتناول هذا الكتاب فلسفة سبينوزا، بما في ذلك فلسفته السياسية (في فصل قصير يصلح مقدمة سهلة) التي «تنتهي إلى تمجيد الحياة الاجتماعية من حيث إنها هي التي تحقق كمال الشخصية الأخلاقية الفردية».
4. توكفيل: مُقدمة قصيرة جدًا
كان ألكسي دي توكفيل أحد الليبراليين الكلاسيكيين الكبار، وقد اشتهر بتأريخه للثورة الفرنسية، وتأملاته حول الديمقراطية في أمريكا التي زارها، وهي تأملات عميقة وثاقبة حول الديمقراطية والحكومة بشكل عام. وتتناول هذه المُقدمة آثار توكفيل على الفكر السياسي عبر كتاباته.
5. إنجلز: مُقدمة قصيرة جدًا
يتناول هذا الكتاب فكر أول عالِم يُطبق الماركسية في حقلي التاريخ والأنثروبولوجيا، ليكون بذلك أول مُؤرِخ وأنثروبولوجي ماركسي، فقد كان إنجلز مُفكرًا واقعيًا ومنهجيًا للغاية، انطلق تفكيره من الوقائع الاجتماعية والعلمية (بقدر ما أُتيح منها في ذلك الوقت)، وهو ما ساهم بشكل كبير في صياغة الماركسية التي أحدثت ثورة معرفية كُبرى في فلسفة وعلم السياسة.
كما تتضمن سلسلة المُقدمات القصيرة أيضًا: جون لوك، روسو، مكيافيللي، أوغسطينوس.
هناك أيضًا مقدمة عن ماركس كتبها الفيلسوف الأسترالي بيتر سنجر، لكنها غير مُترجمة بعد للعربية.
6. من الأحدث إلى الأرشد: أو من مونتسكيو إلى روسو – بول ديوبوشيه
يتناول هذا الكتاب جدل الحرية والمساواة من حيث أولوية كليهما السياسية والتشريعية مقابل الآخر، ويُقارن بين النظام الديمقراطي النيابي لدى مونتسكيو (المستوحى من الملكية الإنجليزية) والمُحصَّن ضد الاستبداد السياسي، والنظام الجمهوري لدى روسو والقائم على مثالية حكم الشعب أو الجماهير، والتي يراها البعض سببًا في صعود الديكتاتوريات والشموليات السياسية.
رابعًا: كلاسيكيات أساسية وغير مُعقَدة
1. محاورة الجمهورية – أفلاطون
العمل الرائد والأول من نوعه في تاريخ الفلسفة، هنا وضع أفلاطون خلاصة فكره، واضعًا حجر الأساس في بناء الفلسفة السياسية الغربية، فضلًا عن أنها تضم نظريته الشهيرة في المُثل التي عرضها في أسطورة الكهف بالكتاب(الفصل) السابع من المحاورة.
يُناقش أفلاطون على لسان أبطاله طبيعة المجتمع والعدالة والحق والنظام السياسي، والسلوك السياسي للبشر، بالإضافة إلى أنه يضع تصوره لنظام الحكم والمدينة المثالية.
2. محاورة القوانين – أفلاطون
الوحيدة التي يغيب عنها سقراط، وتتناول مبادئ التشريع باختلاف موضوعاته، وتنظيم القضاء، وأيضًا العدالة الاجتماعية، ويُمكن اعتبارها تأسيسًا لفلسفة القانون، كما أنها امتداد لفلسفة أفلاطون السياسية، فضلًا عن أنها آخر ما كتب أفلاطون قبل وفاته.
3. السياسة – أرسطوطاليس
يعد هذا الكتاب هو المرجع الأساسي الذي ما زال يلهم فلاسفة السياسة وأساتذة العلوم السياسية إلى اليوم، فقد عُرِف الفيلسوف اليوناني أرسطو بالطابع المدرسي لأعماله، أي حرصه على ترتيب موضوعاته بشكل منطقي وتناولها بشكل عقلاني دقيق، مما يجعل أعماله تتسم بالشمول والدقة. وقد قام المفكر المصري الكبير أحمد لطفي السيد بنقل هذا الكتاب إلى العربية في مطلع القرن العشرين، وأعاد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات نشره، مؤخراً.
4. الأمير – ميكافيللي
أحدثت هذه المجموعة من النصائح المُوجهة لأحد الأمراء الفلورنسيين ثورة في فلسفة وعلم السياسة، حيث اعتبر ميكافيللي واضع أساسهما الوضعي الذي يمتد أيضًا ليشمل علوم الإدارة والعلاقات الدولية.ويتميز الأمير بفصل المجال الأخلاقي عن السياسي، والإعلاء من شأن الدراسة الواقعية العلمية للسياسة.
5. العقد الاجتماعي – جان جاك روسو
يُناقش روسو مسائل: الحقوق الطبيعية والمِلكية الخاصة والحكومة، ناقدًا هوبز ولوك في افتراضهما بأن حالة الطبيعة (التي تسبق الحكومة-الدولة) هي حالة من الفوضى، ويراها على العكس حالة من السلام والحياة الأخلاقية الهانئة التي أفسدتها المِلكية الخاصة، لكنه يتجاوز ذلك ليناقش الشكل الأمثل لتنظيم الحكومة والتشريع، وحدود وضوابط ممارسة السلطة، بناءً على نظريته في أن التعاقد/العهد الحر بين البشر هو الأساس الشرعي للحق (السلطة) وليس القوة.
6. الحكومة المدنية – جون لوك
يضع لوك هنا نظريته الليبرالية في العقد الاجتماعي، والتي أساسها أنه «عبر الاتحاد مع الآخرين لمنح الشرعية المشتركة لسلطة الدولة، يتمكن الفرد الضعيف الذي لا يمكنه التصرف في حياته على الوجه الذي يرضيه أن يتجنب استعباد غيره له». دون إهمال ضبط ومراقبة سلطة الدولة (التي ينبغي تبريرها دائمًا) ووضعها ضمن حدود مرسومة لا تخرج عنها.
7. الحرية – جون ستيوارت مل
يتناول هذا الكتاب الأساسي في الفلسفة السياسية: الطبيعة البشرية، وطبيعة السلطة السياسية، والرأي العام «وحول حق الأغلبية وحقوق الأقليات، وحول حدود سلطة المجتمع على الفرد، ومدى حريات الأفراد». بغرض تبرير الحدود القصوى للتسامح، والحرية الفردية، وحرية الرأي والتعبير، فيتضمن نقدًا مُمنهجًا ثاقبًا لكل سلطة تُقيد حق الإنسان في تقرير مصيره واختيار أسلوب حياته.
[1] أرسطو، الأخلاق إلى نيقوماخوس، ترجمة أحمد لطفي السيد، ص 172