ما قبل “عاصفة الحزم” : الصراع الايراني – السعودي في اليمن ( مترجم )
ملاحظة: نشر هذا المقال على موقع مركز ستراتفور الأمريكي في 25 مارس 2015 أي قبل انطلاق العملية العسكرية المشتركة “عاصفة الحزم” في اليمن، ويرصد بشكل مفصل تفاصيل الصراع بين الأطراف المباشرة المعنية بصراع اليمن.
ملخص
بينما يصارع الحوثيون في مجابهة العديد من التحديات الإقليمية المحيطة بحدودهم الشمالية ، كان صعودهم إلى السلطة في اليمن بمثابة تراجع للمملكة السعودية على حدودها الجنوبية.
وبعد سقوط الحكومة اليمنية، ينبغي على السعودية استثمار حاجة الحوثيين إلى دعم سياسي ومالي لإعادة بسط نفوذها في تلك الدولة الأسيوية.
ولكن لأن إيران تحاول ملء هذه الفجوة، باتت اليمن ساحة حرب أخرى يقاتل فيها الغريمان الطائفيان ضد بعضهما البعض.
تحليل
بعد طردها من العاصمة صنعاء في سبتمبر الماضي، باتت الحكومة اليمنية في حرب مع ذاتها، وأصدر الرئيس عبد ربه منصور هادي بيانا في 19 مارس استنكر فيه الضربات الجوية على مقره في مدينة عدن، واعتبرها محاولة انقلاب عسكري من قبل قوات تابعة لسلفه، الذي كان حليفا له يوما ما، علي عبد الله صالح.
وفي وقت سابق من ذات اليوم، قاتل جنود ومليشيا موالية لهادي معركة في طريقهم لمطار عدن، واقتحموا قاعدة عسكرية مجاورة، حيث كان كلاهما يقبع تحت سيطرة الجنرال عبد الحافظ السقاف الموالي لصالح.
ويأتي الاقتتال الداخلي في عدن بعدما ظهرت جماعة أنصار الله الموالية لإيران، والتي يقودها عبد الملك الحوثي كأكبر قوة في اليمن بعد هيمنتها على مساحات كبيرة من الأراضي في الشمال والوسط.، ويمثل الحوثيون تغيرا في ميزان القوى في اليمن وشبه الجزيرة العربية، يفتح الباب لإيران لتكون لاعبا رئيسيا في ملعب كانت تستأثر به المملكة السعودية وحدها منذ فترة ليست بالبعيدة.
صعود الحوثيين
أدت مجموعة من العوامل إلى تسهيل الأمور على الحوثيين للقبض على زمام الأمور في اليمن، أولها أن محاولات المملكة إدارة الحكومة اليمنية في أعقاب احتجاجات الربيع العربي لم تمض كما كان مخططا لها.
وكان علي عبد الله صالح قد تنحى عن السلطة لصالح نائبه هادي، لكن الخطوة فاقمت التصدعات الداخلية الحكومية، بجانب الاختلافات الأيديولوجية والسياسية والعسكرية.
وتسببت محاولات الرياض في تأليب الفصائل اليمنية ضد بعضها البعض في تقويض النظام القديم، إلى الحد الذي مكن الحوثيين من انتهاز الفرصة، واستمالة قبائل كافية لتجاوز نطاق محافظة صعدة – معقلها الشمالي- والتقدم إلى مناطق جنوب العاصمة صنعاء.
ويمتد التدخل السعودي في اليمن إلى زمن طويل، وركز على مكافحة قاعدة شبه الجزيرة العربية، لكن الرياض فقدت البصيرة بالتطورات الحادثة في اليمن أثناء تركيزها على صراعاتها الإقليمية.
وحاولت السعودية إثارة الفوضى في المنطقة في أعقاب الربيع العربي، لا سيما تلك التهديدات المنبعثة من جماعات جهادية متجاوزة الحدود مثل “الدولة الإسلامية”.
وانشغلت السعودية بدعم الأسرة الملكية البحرينية السنية في مواجهتها لانتفاضة الأغلبية الشيعية المطالبة بالديمقراطية.
ولم تكن السعودية تتوقع أن تكتسب إيران أرضية عبر حدودها الجنوبية من خلال حركة ليست على ذات النمط الشيعي التقليدي، بل في الواقع يمكن اعتبارها بالمنظور الثيولوجي أقرب إلى الطائفة السنية.
ولم تبذل الرياض أيضا جهودا كافية لمنع صالح من العودة إلى صنعاء، حيث استطاع التخطيط ضد هؤلاء الذين يحملهم مسؤولية سقوطه من السلطة.
وأضعفت مخططات صالح الحكومة اليمنية، وقزمت قدرتها على مجابهة المتمردين الحوثيين.
وأخيرا، يبدو أن الحوثيين تعلموا دروسا من صراعهم السابق مع حرس الحدود السعودي عام 2009.
وبات الحوثيون يتوخون الحذر من الاشتباك مع السعوديين عبر الحدود، والتركيز على الداخل اليمني، وترسيخ السلطة الوليدة المتنامية، وإضعاف الجماعات التي قد تناهضهم.
ويبدو أن الإستراتيجية حققت نجاحات، فركز السعوديون على الصراعات على حدودها الشمالية، ولم يتخذوا ردود فعل قوية تجاه التحول في السلطة الحادث في اليمن، والآن أصبح الوقت متأخرا لقلب الأوضاع، على الأقل على المدى القصير، حيث تفتقد الرياض الإمكانيات العسكرية اللازمة للتدخل المباشر في تلك الدولة، وفرض الأمور مثلما فعلت في البحرين، كما أن الفصائل السياسية المختلفة التي كانت تستخدمها لتنفيذ عمليات بالوكالة لم تعد بمثل القوة التي كانت عليها يوما ما، بما يجعل أيا من تلك الجهود أقل تأثيرا.
وحتى لو كان لديها الأساليب التي تعينها على التدخل، فليس واضحا بعد إذا ما كان السعوديون يرغبون في ذلك، فالحوثيون لا يشكلون تهديدا كبيرا على السعودية، بل على العكس، فإن سيطرة المتمردين على شمال ووسط اليمن يعزل السعوديين عن الفوضى المنبعثة من عناصر أخرى، لا سيما من قاعدة شبه الجزيرة العربية، التي تمثل تهديدا أكثر مباشرة.
وقد يفضل السعوديون وجود الحوثيين على حدودهم الجنوبية، بدلا من دولة شبه جهادية تناصب العداء للرياض.
وبينما لا يفضل السعوديون أن يبسط الحوثيون نطاق سيطرتهم على مساحة كبيرة من اليمن قريبة جدا من حدودهم، يبدو الوضع هو الأفضل بين خيارات كلها سيئة، طالما لم يبدأ الحوثيون في الاندفاع صوب الشمال.
توغلات حدودية محتملة
وحتى لو قرر الحوثيون تغيير مسارهم، ستكون السعودية قادرة على الدفاع عن نفسها، فلديها حائط صد بالرغم من أنه لا يعدو أنابيب مملوءة بالخرسانة، كما تمتلك أجهزة مراقبة تمتد على مسافات طويلة جدا على الحدود.
ومع ذلك، كانت مليشيات الزيدي قادرة على اختراق الحدود عام 2009 لكنها لم تسمح لها بعبور الجبال، وسيطر الجيش السعودي على الموقف آنذاك، واستخدم الضربات الجوية للقضاء عليهم.
الجزء الشرقي من الحدود في حضر موت هو في الواقع صحراء مفتوحة، من الصعب أن تستطيع قوة توغل إخفاء نفسها داخلها، إذ تستطيع قوات المراقبة رصد المركبات الأرضية من مسافات بعيدة، ويتطلب الوصول إلى مدينة سعودية، أو حتى أحد الطرق عبور مئات الكيلومترات في الصحراء.
أما الحدود الغربية السعودية فتبدو المكان الوحيد الذي يمكن لقوة أن تتوغل داخل بنجاح، بسبب وجود جبال وطرق وأشخاص، كما تتاخم محافظة صعدة معقل الحوثيين، لكن الجيش السعودي لديه قدرات كافية تتجاوز أعداد المقاتلين الحوثيين، وقد يستمر القتال لبرهة، لكن في النهاية لن يتحمل الحوثيون اختراق السعوديين، لا سيما في ظل دعم من المدفعية والقوات الجوية.
العون المالي مفتاح رئيسي
العامل الأكبر الذي يثني الحوثيين عن معادة السعوديين يتمثل في حاجتهم إلى دعم مالي، حيث أن الأوضاع الاقتصادية والمالية الفقيرة التي ترزح فيها اليمن تعني أن الحوثيين أو أي حكومة أخرى لا تستطيع الحفاظ على النظام في البلاد دون دعم خارجي.
وبدون دعم مالي طويل المدى، قد يتحول النقص المائي في اليمن إلى أزمة إنسانية تؤثر على السعودية أيضا، وهو ما يخلق ضرورة تعاون صنعاء والرياض.
ويدرك الحوثيون تلك الحقيقة، التي تفسر الأسباب التي دفعت الحوثيين إلى التواصل مع الرياض للمشاركة في محادثات غير مباشرة.
وبينما يقول المنطق إن الحوثيين يسعون إلى الحصول على مساعدات أكبر من إيران، لكنهم في الواقع يعلمون أن طهران ليست قادرة على مجاراة الدعم الذي يمكن أن تقدمه، حتى لو رفع الغرب عن إيران العقوبات الاقتصادية.
تستطيع إيران تقديم معونات عسكرية واستخبارية ولوجيستية، لكنها لا يمكنها فعل الكثير في تقديم مساعدات نقدية، بالإضافة إلى بعدها عن اليمن بمسافة 1950 كم(1200 ميل)، بعكس السعودية، كما تستطيع الرياض مساعدة الحوثيين في الحصول على الاعتراف الدولي كحكومة شرعية لليمن.
نموذج حزب الله
يجد الحوثيون أنفسهم في وضع يشبه حزب الله في لبنان، فكلا الجماعتين هما القوة الأكبر في بلديهما، لكنهما يتواجدان في خضم ظروف سياسية وديموغرافية تمنعهم من إدارة الدولتين بمفردهما.
وحاولت حركة أنصار الله محاكاة حزب الله في إقناع فصائل أخرى بالعمل معها، وتشكيل حكومة ذات طبيعة طائفية مثلما حدث في لبنان.
ورغم ذلك، فإن الحوثيين يماثلون الوضع الذي كان عليه حزب الله في ثمانينيات القرن المنصرم، ويحتاجون إلى وقت لترجمة قوتهم العسكرية إلى سياسية.
وعلاوة على ذلك، ستحاول الدولة النفطية الخليجية منع الحوثيين من السير في طريق مماثل لما سلكه حزب الله، كما أن اليمن، بعكس لبنان في الثمانينيات، لا يقبع تحت الاحتلال الإسرائيلي، بالإضافة إلى عدم وجود جارة له مثل سوريا يستطيع الإيرانيون استخدامها كقناة لتغذية الحوثيين.
التفاوض مع إيران حول مستقبل اليمن
تعلم السعودية أن التهديد ليس ملحا، وقررت الامتناع عن أي محادثات رسمية مع اليمن، كما تعلم أيضا أن طهران ترغب في استغلال الحوثيين للفوز بمقعد على طاولة المفاوضات، وتضحى رسميا بأحد الأطراف المعنية باليمن، لذلك تتوخى المملكة الحذر.
وبالرغم من أن السعوديين يرون الوضع مواتيا، لكنهم لا يستطيعون الارتكان لمشاعر ارتياح مبالغ فيها، أو السماح للحوثيين بمد نطاق السيطرة على صنعاء، بل ينبغي على الرياض التيقن من تحسين المعارضة لأوضاعها لمناهضة حركة أنصار الله، وفي نفس الوقت فإنها في حاجة إلى الارتباط بمحادثات مع الحوثيين في لحظة ما، لا سيما في ظل ضعف المعارضة، واستفادة الجهاديين من الصراع.
العديد من المعارضين لأنصار الله، بما في ذلك القبائل، والعناصر السنية الدينية، وأعضاء المؤسسة الأمنية في الحكومة المعزولة منفتحون للتعاون مع قوى جهادية لمحاربة الحوثيين.
سلفيو وجهاديو اليمن هم الأكثر تطلعا لخوض معركة طائفية، لأنهم يرونها وسيلة لترسيخ أوضاعهم.
لكن السعودية لا يمكنها السماح ببزوغ القاعدة أو تنظيم الدولة الإسلامية كأكثر القوى المؤثرة ضد أنصار الله.
في حقيقة الأمر، لفتت الولايات المتحدة إلى أنها ستعمل مع الحوثيين لمحاربة الجهاديين في اليمن، في إشارة أخرى لتحول الموقف الأمريكي في الشرق الأوسط، حيث ترى واشنطن كل من إيران وحزب الله، وحتى الحكومة السورية، باستثناء بشار، شركاء في القتال ضد داعش، وهو التطور الذي شعرت الرياض حياله بالتهديد.
لو نجح الحوثيون في ترسيخ سلطتهم في اليمن، ستضحى نجران وجيزان السعوديتان في جنوب السعودية معرضة للتمدد الحوثي على المدى الطويل، جراء وجود نسبة معتبرة من الشيعة الإسماعيلية، وبالتأكيد سيرحب الإيرانيون بتلك النتيجة.
السعوديون يرون في الحوثيين تهديدا محتملا من إيران، لكن الكيفية التي سترتبط بها الرياض مع حركة أنصار الله، ومحاولات المملكة إبعاد المسافة بين الحوثيين وطهران ستكون عاملا رئيسيا ينبغي مراقبته.
ومع ذلك، فإن الوضع الأمني المتدهور في اليمن يخلق صراعا جيوسياسيا جديدا بين السعودية وإيران سيستمر في المستقبل المنظور.