تخيل أن الكون لا طعم له أو لون أو أن التليفزيون من غير سبيستون
هل تذكر أول مرة حظيت فيها بصديق؟

هناك بعض اللحظات التي نؤرخ بها لبداية الأشياء، أو بالأحرى بداية إدراكنا لها. تلك اللحظات تظل كمرجع ومصدر للمقارنة والاستدلال طوال حياتنا. فنحن نتذكر أولى صداقتنا مثلًا باللحظة التي أدركنا فيها معنى الصداقة. ولأن الطفولة هي عهد البدايات فهي تحتكر وبشكل حصري معظم تلك اللحظات.

منذ 17 عامًا ظهرت الومضات الأولى لسبيستون كفقرة خاصة بالأطفال تذاع على شاشة قناة البحرين. حينها كانت أجهزة استقبال البث الفضائي تبدأ في اجتياح البيوت المصرية. استمر البث بهذا الشكل لعامين قبل أن تستقل «سبيستون». ليصبح شعارها منذ اليوم الأول «سبيستون قناة شباب المستقبل». كبر أطفال سبيستون برفقتها حتى وصلنا للمستقبل وصار أطفالها شبابًا. واليوم نحتفل معها بذكري ميلادها وذكريات طفولتنا. وبالأخص ذكرى اللحظات الأولى التي أسهمت فيها سبيستون في تشكيل إدراكنا ووعينا بأنفسنا وبالعالم.


عهد الأصدقاء

لا أتذكر درسًا تلقيته في المدرسة أثناء طفولتي وتعلمت من خلاله معنى الصداقة، ولا أظن أن العيب فينا، فمناهجنا الدراسية كانت مملة ولا تستدعي الاهتمام وفصولنا كانت تشبه السجون، ولحظات الفرح الكبرى بالتالي كانت لحظات سماع جرس نهاية اليوم الدراسي الذي يطلق سراحنا ويأذن لنا بالرحيل.

تعلمنا ولحسن الحظ معنى الصداقة من التجربة، من رفقاء ساعدونا على القفز فوق سور المدرسة، وآخرين جمعنا برفقتهم جنيهات قليلة واشترينا بها كرة القدم الجلدية الوحيدة التي كانت متاحة في ذلك الوقت. تلك الكرة التي ركلنا مربعاتها البيضاء والسوداء حتى فقدت لونها، وركضنا خلفها حتى انقطعت أنفاسنا. ولكن تلك الصداقة التى تعلمناها بالتجربة لم تكن لتكتمل لولا الإطار المعنوي الذي وفرته لنا سبيستون.

بيننا صديق، لا يعرف الكلل، مخلص رقيق إن قال فعل، روميو صديقي يحفظ عهد الأصدقاء، روميو صديقي علمنا معنى الوفاء

تسربت تلك الكلمات البسيطة عن الصدق والوفاء لأرواحنا حين كنا أطفالًا عبر صوت «رشا رزق» ثم عايشناها من خلال حكاية مدبلجة بأصوات عربية. وحين دارت الدنيا دورتها وشهدت المنطقة العربية ثورات تبعتها لحظات انتصار ولحظات انكسار. لم أجد أنا ومجموعة من الأصدقاء المصريين والسوريين شيئًا مشتركًا نحفظه جميعًا ليؤنس جلستنا سوى كلمات من شارة عهد الأصدقاء.

وتهدينا الحياة أضواء في آخر النفق تدعونا كي ننسى ألمًا عشناه، نستسلم لكن لا، ما دمنا أحياء نرزق، ما دام الأمل طريقًا فسنحيا.

لم نكن نعرف وقتها أن «عهد الأصدقاء» هو في الأصل مسلسل إنيمي ياباني عن قصة كتبتها الأديبة السويسرية «ليزا تيتزنر»، باللغة الألمانية وأنه لم يكن ليصل لنا لولا مجهود متميز من فريق دبلجة عمل فى دمشق، ولكننا أدركنا حينما كبرنا أن الفن لغة عالمية والحكايات الجيدة بإمكانها التأثير في نفوس البشر دون فوارق أو فواصل.


أنا وأخي

https://www.youtube.com/watch?v=8eNdudFu5Rs

في السنين الأولى من حياتنا نكون أطفالًا بلا أحزان أو مسئوليات، في السنين التي تليها تُضاف الأحزان وتزيد المسئوليات واحدة تلو الأخرى ونغادر معها أسراب الطفولة ولذا يغادر من يعانون مبكراً. ولكن تظل الأم كضامن من زمن الطفولة ورمزًا للأمان حتى تغادر.

شوق يدفعني لأراها، أمي ذكرى لا أنساها، طيف أنقي، من زبد الأيام أبقى، أمي

تختلف الانطباعات التي سمعتها بين أطفال جيلي – الذين صاروا كبارًا الآن – بخصوص كلمات شارة «أنا وأخي» ولكنها غالبًا ما تتراوح بين «حينما أتذكر أمي لا أجد أصدق من استدعاء هذه الكلمات»،و«سمعت هذه الكلمات وتذكرت أمي التى تعيش بعيدًا عني فسارعت للاتصال بها».

أما أنا فعلى جانب آخر أتذكر إدراكي بشكل خاص لمعنى رعاية أخي الصغير من حكاية «سامي» وأخيه الرضيع «وسيم». ومن الكلمات التى تكررت فى الشارة أكثر من مرة: «لا تنس أخاك، ترعاه يداك» .

بالطبع لا يتعلم البشر معنى الأمومة والأخوة من خلال الحكايا بقدر ما يشعرون بهما بشكل غريزي منذ الميلاد، ثم يزداد هذا الشعور عمقًا بعمر التجارب واللحظات المشتركة. ولكن هذه الحكاية المصورة اليابانية المدبلجة بأصوات عربية مثلت مصدرًا للمقارنة والاستدلال بحكايات إنسانية أخرى. هذا المصدر وفر نضجًا لهذا الشعور وإطارًا نظريًا له بمثال واضح عن حكاية طفل يرعى أخاه الرضيع بعد رحيل أمه عن الدنيا. طفل يمر بلحظات ملل وحزن نتيجة قيامه بأعمال المنزل ورعايته لطفل كثير الحركة وتغيبه نتيجةً لذلك عن أوقات اللهو واللعب برفقة أصدقائه.

يقرر سامي يومًا ما أن يترك يد أخيه ويسرع في خطواته حتى يسبقه ويغيب عن نظره، ثم يشعر بأنه أخطأ، وأنه مسئول عن حماية أخيه فيعود ليلتقطه والدموع تملأ عينيه. هذا مثال بسيط عن حكاية تصلح كنموذج للأخوة والمسئولية التى تأتي معها، مثال يصلح كتعريف مبسط للسلوك المُتَعَلم الذي ينبغي أن نقدمه لطفل صغير.


ذكريات وحكايا وأحلام

لسنا فى مجال لسرد كافة الذكريات التي تجمعنا بسبيستون عبر كل هذه الأعوام، وبالطبع سننسى الإشارة إلى بعض المسلسلات إذا حاولنا إرضاء الجميع. ولكننا فضلنا فى هذا المقال التركيز بشكل خاص على ذكر أمثلة عما تعلمناه عبر شاشة سبيستون من دروس وعبر أثناء طفولتنا، تلك الدروس التي شكلت منظومة تعليمية وأخلاقية متكاملة من خلال محتوى إنساني جيد الصنع مبني على إبداعات جمعت بين قصص مصورة يابانية بعضها مبني على حكايات أوروبية وبين مجهود مجموعة من المبدعين العرب في الدبلجة والصياغة والغناء.

نذكر منهم على سبيل الذكر لا الحصر الفنانة السورية رشا رزق، التي تحتفل أيضًا بعيد ميلادها في مارس والتي اشتهرت بغناء معظم شارات مسلسلات سبيستون وأبرزهم «دروب ريمي» و«القناص». والفنان السوري «طارق العربي طرقان» الذي اشتهر بتأليف وتلحين وغناء الكثير من شارات المسلسلات وأبرزها «كابتن ماجد» و«هزيم الرعد». والفنان السوري «مأمون الرفاعي» الذي اشتهر بالأداء الصوتي لشخصيات كارتونية كثيرة منها حمزة فى «فرسان الأرض» والعم فيتالس فى «دروب ريمي». والفنان السوري الراحل «زياد الرفاعي» الذي اشتهر بالأداء الصوتي للكثير من الشخصيات ومنها سينشي في «المحقق كونان» وبينكي في «بينكي وبرين». والفنان السوري المتميز «مروان فرحات» صاحب التعليق الصوتي لكثير من الشخصيات الشهيرة ومنها بات مان، والكابتن ماجد، وتوغو موري، في المحقق كونان. بالإضافة للفنانة المبدعة «أمل حويجة» التي أبدعت فى الأداء الصوتي لأدوار ذكورية مهمة ومنها الكابتن ماجد صغيرًا وموغلي. المفاجأة المشابهة لذلك هو أن من قام بتأدية دور المحقق كونان هي الفنانة السورية المبدعة «آمال سعد الدين».

اليوم نذكر كل هؤلاء المبدعين السوريين الذين ألهمونا وأمتعونا حينما كنا أطفالًا، ونحتفل برفقة شباب الحاضر وأطفال الماضي بـ #عيد_سبيستون17 ، نذكر كل الحكايات التي شكلت وعينا، ونستمر في الحلم برفقة تلك الأصوات السورية التي شكلت الموسيقى التصويرية لأحلامنا. نحلم جميعًا بحلم صغير لنا ولهم ولسوريا ولمصر، أن نحيا بسلام.