معركة طرابلس: رهان «خليفة حفتر» المحفوف بالمخاطر
«خليفة حفتر»، قائد ما يُعرف بالجيش الوطني الليبي، معلنًا انطلاق معركة «تحرير طرابلس»
قبل نحو عشرة أيام من انعقاد «الملتقى الوطني الجامع» الذي كان يعول عليه الليبيون لوضع خارطة لإنهاء الصراع في بلدهم، وبالتزامن مع زيارة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش إلى طرابلس للإعداد للمؤتمر المرتقب، أعلن خليفة حفتر، قائد ما يُعرف بـ«الجيش الوطني الليبي» المسيطر على شرق وجنوب ليبيا، انطلاق معركة «تحرير طرابلس» للسيطرة على العاصمة ومعقل حكومة غريمه فائز السراج المعترف بها دوليًا. فماذا يحدث؟
حملة طرابلس: المفاجئة المعلنة
منذ عودة خليفة حفتر إلى واجهة الأحداث في ليبيا عام 2014، بمساعدة حلفائه في مصر والإمارات، وهو يتعهد بمواصلة الحرب حتى الوصول إلى طرابلس و«تحريرها من الميليشيات الإرهابية»، لكن تهديداته كانت تُأخذ دائمًا باستهتار، باعتبارها محض كلام لحشد الأنصار.طوال السنوات الخمس الماضية بدا أن حفتر يعمل على البر بعهده، فانتزع شرق ليبيا ومنطقة الهلال النفطي قطعة قطعة، بالحرب تارة وبشراء والولاءات والوعد بالعطاءات تارة أخرى، حتى أصبح جنرال الشرق بلا منازع. وبالتوازي مع هذا كان يرفض مساعي واتفاقات المصالحة أو ينقلب عليها.ولما كان الطريق نحو طرابلس عبر الشرق، يجب أن يمر بمعارك سرت ومصراتة، وهو طريق قد يأخذ سنوات وغير مأمون العواقب، قرر حفتر أن يسلك طريقي الجنوب والغرب الأسهل للوصول مباشرةً إلى العاصمة، فشن في مطلع العام الجاري حملة عسكرية على جنوب ليبيا، انتهت بالسيطرة -دون معارك تذكر تقريبًا- على أغلب مناطقه وحقوله النفطية، وعلى رأسها حقل شرارة أكبر حقول البلاد. وفي الغرب، عمل حفتر، طوال السنوات الماضية، على التغلغل ببطء وهدوء، من أجل تضييق الخناق أكثر على العاصمة، عبر إقامة تحالفات مع القبائل المحلية هناك، مستغلًا حالة التململ المنتشرة في الأوساط الشعبية بسبب الأوضاع الأمنية المتردية وتنازع الفصائل الموالية لحكومة الوفاق برئاسة السراج. وأقام حفتر العديد من المعسكرات في المنطقة الغربية لتدريب المقاتلين الموالين له، وبات واضحًا منذ فترة أن له نفوذًا هناك، فعلى سبيل المثال شهدت مدينة صرمان (70 كم غرب طرابلس)، مطلع فبراير/ شباط الماضي، استعراضًا عسكريًا لقوات «الجيش الوطني الليبي».تحركات حفتر في الجنوب والغرب، كانت تشير بوضوح إلى أن معركة طرابلس باتت قاب قوسين أو أدنى من أي وقتٍ سابق، وأن الاستعداد لها يجري على قدم وساق. فمنذ مطلع العام الجاري والتقارير الصحفية تتحدث عن تخطيط حفتر لحملة عسكرية على طرابلس. على سبيل المثال، نشر موقع «مدى مصر» في يناير/ كانون الثاني الماضي، نقلًا عن مصدر في «الجيش الوطني الليبي»، أن حفتر عقد عدة اجتماعات مع كبار ضباطه، في أواخر العام الماضي، لمناقشة خطة «تحرير طرابلس من الميليشيات».ونشر موقع «بلومبيرج» تقريرًا في مارس/ آذار الماضي، قال فيه إن معركة طرابلس قادمة بفضل النصر الكبير والسريع الذي حققه حفتر في جنوب ليبيا وسيطرته على أغلب مصادر النفط. ونقلت عن دبلوماسيين غربيين أن جنرال الشرق أشار أكثر من مرة إلى أن «معركة طرابلس تلوح في الأفق».قد يكون توقيت حملة حفتر على طرابلس هو ما فاجأ بعض الدول، خاصة وأنه أتى قبيل مؤتمر مدعوم دوليًا لإنجاز المصالحة، وبعد نحو شهر من اتفاقه مع السراج في أبوظبي على «إنهاء المرحلة الانتقالية بانتخابات عامة»، لكن جنرال الشرق له حساباته هو الآخر. فإذا لم يستغل الآن سيطرته الكاملة على الشرق، وتوغله في الغرب، وانتصاراته السهلة في الجنوب، وانكفاء الجزائر -أكبر داعمي حكومة السراج في المغرب العربي- على ذاتها جراء أزمتها الداخلية، فلا أحد يدري متى ستسنح فرصة أخرى مثل هذه لشن حملة موسعة على طرابلس.
لماذا الانتقاد الدولي لحملة حفتر؟
انتقدت العديد من الدول حملة حفتر العسكرية على طرابلس، ومنها دول حليفة للجنرال،فأصدرت حكومات دولة الإمارات العربية المتحدة وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، بيانًا مشتركًا قالوا فيه، إنهم يشعرون بقلق بالغ بشأن القتال حول مدينة غريان الليبية، وحثوا جميع الأطراف على وقف التصعيد على الفور. وأضاف البيان: «في هذه اللحظة الحساسة من مرحلة التحول في ليبيا، فإن اتخاذ الوضع العسكري والتهديد بعمل أحادي لن يؤدي إلا إلى المجازفة بجر ليبيا نحو الفوضى. نعتقد بقوة بأنه لا حل عسكريًا للصراع في ليبيا».وأعرب الاتحاد الأوروبي عن «قلقه العميق» إزاء التطورات الحاصلة في ليبيا، ودعا الأطراف الليبية إلى ضبط النفس، والابتعاد عن الاستفزازات. بينما طالب رئيس البرلمان الأوروبي أنطونيو تاجاني، دول الاتحاد بالتدخل «الفوري» من أجل المشاركة في إيجاد حل سلمي وديمقراطي في ليبيا.أما روسيا، حليفة حفتر، فنفت تقديم أي مساعدة لقوات شرق ليبيا في زحفها تجاه غرب البلاد، وأكدت أنّها تؤيد التوصل لتسوية سياسية من خلال التفاوض. وقال المتحدث باسم الكرملين: «نتابع عن كثب الوضع في ليبيا. نعتبر قطعًا أنّ أهم شيء هو ألا تؤدي العمليات (العسكرية) هناك إلى إراقة دماء. يجب حل الوضع سلميًا. روسيا ليس لها أي دور في الأحداث الجارية».وأعربت مصر، أبرز داعمي حفتر، عن قلقها البالغ من الاشتباكات التي اندلعت في عددٍ من المناطق الليبية، وناشدت جميع الأطراف ضبط النفس ووقف التصعيد. وأكدت أنها متمسكة بالحل السياسي خياراً وحيداً للحفاظ على ليبيا وضمان سلامة ووحدة أراضيها وحماية مقدرات شعبها وثرواته من أي سوء، مع التأكيد على ضرورة مواصلة مكافحة الإرهاب واجتثاثه من كافة الأراضي الليبية.
ورغم أن بعض الدول قد تكون أظهرت خلاف ما تبطن بخصوص حملة حفتر على طرابلس، فإنه من المؤكد أن هناك رغبة دولية شبه جماعية في وقف هذا التصعيد، ولكل دولة أسبابها المختلفة. على سبيل المثال، تخشى الدول الأوروبية أن تؤدي حملة طرابلس إلى اشتعال الفوضى أكثر في ليبيا ونزوح مهاجرين جدد إلى الشمال.ويخشى المجتمع الدولي أن تؤدي حملة طرابلس إلى وقف تدفق نفط ليبيا، وبالتالي اضطراب أسعاره المستقرة منذ حين، أو إلى عودة تنظيم «داعش» إلى الظهور مرة أخرى من خلال بوابة الفوضى التي قد تُفتح جراء الحملة.وتعتقد إيطاليا، وبقدر أقل الولايات المتحدة وبريطانيا، أن نجاح حفتر في السيطرة على طرابلس وكامل ليبيا، هو انتصار لغريمتها فرنسا التي تدعمه مقابل الحصول على امتيازات اقتصادية وصفقات لشركاتها. ومخاوف روما بدت واضحة من تصريحات وزير داخليتها، ماتيو سالفيني، الذي طالب بألا تتدخل أي دولة في شؤون ليبيا من أجل «مصالحها الاقتصادية والتجارية».فيما تنظر مصر بتوجس كبير إلى معركة طرابلس، التي قد تأتي بنتائج عكسية على الملف الأمني، وهي سبب خلاف بينها وبين حفتر. فوفق مصادر دبلوماسية، رفض جنرال شرق ليبيا أن يجتمع مع مسؤولين مصريين في منتصف شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، و«مصر مُحبطة إلى حد ما بسبب عدم التزام حفتر بالتنسيق السياسي والأمني بين ليبيا ومصر». ويعتقد أن القاهرة لن تدعم حملة «الجيش الوطني الليبي» لاجتياح طرابلس، باعتبارها خطأ فادحًا.
من سيدافع عن العاصمة؟
سيدافع عن طرابلس بشكل أساسي قوات حماية طرابلس، وهي تحالف يضم أهم الميليشيات في المتمركزة في العاصمة. وأُعلن عنه في ديسمبر/ كانون الأول 2018. ووفق البيان التأسيسي للتحالف فهو يخضع لإشراف حكومة الوفاق الوطني، ومسؤول عن الحفاظ على الأمن في طرابلس، وحراسة البعثات الدبلوماسية، والتعاون مع السلطة القضائية في القبض على أي شخص مُدان في قضايا فساد. ويشمل التحالف أبرز الميليشيات الموالية لحكومة الوفاق الوطني، وهي: 1. كتيبة ثوار طرابلس: يقودها هيثم التاجوري. وتسيطر على مساحات كبيرة في شرق ووسط العاصمة. 2. كتيبة أبو سليم (قوات غنيوة): يقودها عبدالغني الككلي والذي يُعرف باسم «غنيوة». تتمركز في حي أبوسليم الشعبي جنوب العاصمة.3. لواء النواصي: يُعرف كذلك بالقوة الثامنة، وهو إحدى المجموعات القوية الموالية لحكومة الوفاق الوطني. تنشط في شرق طرابلس، وتحمي قاعدة «بو ستة» العسكرية، حيث يقيم فايز السراج.4. قوات الردع الخاصة: ميليشيا سلفية غير جهادية يقودها عبدالرؤوف كارة. كانت مهمتها الأساسية في البداية مواجهة الجريمة وتهريب المخدرات، وتوسعت لاحقًا لتشمل اعتقال من يُشتبه في انتمائهم لتنظيم الدولة الإسلامية.يضاف إلى هذه الميليشيات: 1. كتائب مصراتة: تعد مجتمعة أكبر قوة عسكرية منظمة في الغرب الليبي، وتمتلك جيشًا صغيرًا يُقدر بنحو 17 ألف مقاتل، و5 آلاف عربة مسلحة، ومئات الدبابات، وصواريخ أرض أرض متوسطة المدى، وصواريخ أرض ـ جو مضادة للطائرات، فضلًا عن طائرات ميغ 25 (أعيدت صيانتها)، وطائرات نقل عسكرية.2. كتائب الزنتان: وتعد من أقوى الكتائب في غرب ليبيا، ويقود مجلسها العسكري أسامة الجويلي وزير الدفاع الأسبق، وكانت هذه القوات متحالفة مع حفتر، بسبب خصومتها المحتدة مع كتائب مصراتة، لكن بعد توقيع اتفاق الصخيرات نهاية 2015، انقسمت إلى فريقين، وقاد الجويلي الفريق الموالي لحكومة الوفاق وكوفئ بتعيينه قائدًا للمنطقة الغربية في قيادة أركان قوات حكومة الوفاق.
هل يفعلها حفتر؟
يبدو أن حفتر مُصرّ حتى الآن على مواصلة حملته العسكرية على طرابلس، غير عابئ بما أبداه المجتمع الدولي من قلق وغضب، وهو أمر بات واضحًا بعد لقائه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش في بنغازي، إذ خرج الأخير ليعلن أنه «يغادر ليبيا بقلق عميق وقلب مثقل» بعدما أبلغه حفتر بأن العملية العسكرية مستمرة حتى «القضاء على الإرهاب».
السؤال الآن هو هل ينجح حفتر في السيطرة على طرابلس فعلًا؟من المبكر للغاية الحديث عن ترجيح كِفة أحد الفريقين العسكرية على الآخر، رغم أن قوات حفتر امتلكت زمام المبادرة وتقدمت حتى جنوب العاصمة. لكن بشكل مبدئي يمكننا القول إن المعركة إذا استمرت فستكون طويلة وقاسية، ففضلًا عن القوات الموجودة في طرابلس، حصلت المدينة على تعزيزات عسكرية أخرى من مدن مصراتة والزاوية وغيرها، مما يعني أن تحقيق حفتر نصراً سريعاً أمراً غير ممكن.وسيظل تحقيق حفتر لنصر كبير في المعركة، قبل أن يتدخل المجتمع الدولي لوقفها، مرتبط بقدرته على عقد اتفاقات مع القبائل والميليشيات الموجودة في المدينة، فإذا استطاع سريعًا عقد تحالفات قوية وفعّالة مع بعض الجماعات المسلحة داخل طرابلس سيتمكن من السيطرة عليها بسهولة نسبية.