انتصار الجيش العراقي في الموصل على تنظيم داعش، في حال حدوثه، لا يعني بالضرورة أن تنتهي العراق من أي حروب أهلية لاحقة، فذلك الانتصار قد يعقبه فقدان للسيطرة على بقية الأراضي في البلاد.

هذا ما خلص إليه مارك بيري، المحلل العسكري الأمريكي، في مقاله بمجلة بوليتيكو الأمريكية، الذي رصد خلاله كيف يمكن أن تؤثر المعارك الدائرة بالموصل على السلام والاستقرار في شتى ربوع العراق لاحقًا.ويقول بيري: «إذا حققت القوات العراقية الانتصار في معاركها بمدينة الموصل ضد داعش، فسيكون ذلك أكبر انتكاسة للتنظيم في ساحات الحرب منذ بداية استهداف معاقله من قبل أمريكا في أغسطس/آب عام 2014».ويؤكد أن الفضل سيعود في الأساس في ذلك الانتصار إلى قوات النخبة في الجيش العراقي أو ما يُعرف بـ «الفرقة الذهبية» المكونة من 10 آلاف جندي، والمنوط بها مكافحة الإرهاب، وأوكِل إليها قيادة معركة تحرير الموصل.وبحسب بيري، تختلف تلك الفرقة عن جميع الجنود العراقيين، الذين دربتهم واشنطن على مدى العقد الماضي، حيث تراها واشنطن نموذجًا للجيش العراقي الذي تتمناه، والذي يتصف بأنه غير طائفي وغير فاسد ومدرب جيدًا وقادر على القيادة.على الناحية العسكرية، يشير بيري إلى أن الفرقة أثبتت نجاحها خلال معركتي الفلوجة والرمادي العام الماضي، واستطاعت طرد مسلحي داعش من المدينتين، ومنذ بداية معركة الموصل استعادت الفرقة السيطرة على الأحياء الشرقية للمدينة من التنظيم. لكن تحقيق المكاسب في المعارك يتبعه كلفة باهظة قد تكون لها آثار أليمة على العراق على المدى البعيد، بحسب مصادر داخل القيادة الأمريكية المركزية.ويفسر بيري ما سبق بالإشارة إلى أن الخسائر «المروعة» للفرقة الذهبية في ساحات المعارك يوميًا تبعث القلق في نفوس مسئولي القيادة المركزية من أن تتسبب معركة الموصل الطاحنة في تدمير قوام الوحدة ببطء.وفي حال حدوث ذلك، وهو أمر مرجح بشدة، فإن العراق يفقد أفضل ضامن للحيلولة دون نشوب حرب أهلية، حيث إن تلك الفرقة تمثل القوة الوحيدة القادرة على حفظ السلام عندما تشتعل الانقسامات الطائفية بالبلاد مجددًا.أما فيما يتعلق بالمعارك التي خاضتها الفرقة، فيشير بيري إلى معارك بيجي والرمادي والفلوجة وبرطلة التي استطاعت خلالها استعادة السيطرة على المدن من قبضة التنظيم. لكن بيري يرى أن معركة الموصل تختلف عن جميع المعارك السابقة، حيث تشتد بها المقاومة لاسيما داخل الأحياء الشرقية التي تكبدت بها الفرقة الكثير من الخسائر نتيجة المفخخات والانتحاريين، الذين أوكل التنظيم إليهم مهمة تفجير وحدات الفرقة الذهبية.

في ذلك الصدد، ينقل بيري عن ضابط كبير بالقيادة المركزية القول: «إن داعش فجر ما يفوق 600 سيارة وشاحنة مفخخة منذ بداية الحملة العسكرية على الموصل، مؤكدًا أن المعركة باتت أصعب من المتوقع».ما يصعّب من السيطرة على الموصل هو مناورة التنظيم بسحب أفضل تشكيلاته المقاتلة ووضعها على خطوط الدفاع القريبة من وسط المدينة عندما يشتد الضغط عليه، لذا فإن أي حديث عن انتهاء تلك المعركة مع تنصيب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة في يناير/كانون الثاني المقبل، هو ضرب من ضروب الخيال.ويستشهد في ذلك الصدد بالأرقام والتقارير الواردة من ساحات القتال بالموصل، والتي تشير إلى احتدام المعارك وتكبد الفرقة الذهبية خسائر وصلت لأكثر من 50% من قوامها الأساسي، ما قد يجعل القوة القتالية للفرقة غير فعالة في القريب العاجل. ويدفع ذلك الأمر قادة الفرقة الذهبية الكبار لمحاولة تقليل الخسائر، وهو أحد أسباب تأخر التقدم في معركة الموصل خلال الأسبوعين الأخيرين، الأمر الذي جعل القادة يقررون استكمال المعركة بالاعتماد على المدفعية والدبابات وطائرات (إف – 16) لمواجهة تحصينات داعش.الخسائر البشرية في صفوف الفرقة الذهبية، دفعت المسئولين في أوائل ديسمبر/كانون الأول الجاري لتسريع وتيرة تدريب قوات بديلة وتوجيه أوامر للشرطة الاتحادية بالقتال في الخاصرة اليسرى للفرقة الذهبية وشق الطريق لمطار الموصل، لكن تقدمًا قليلًا تحرزه تلك القوات خشية تعرضها لخسائر مماثلة.يوضح بيري أن بغداد تعول كثيرًا على الفرقة الذهبية في معركة الموصل نظرًا لكفاءتها القتالية، ما يشير إلى أن المعركة تمثل اختبارًا سياسيًا وعسكريًا لبغداد وترغب من خلالها أن تستعرض جسارة جيشها الجديد غير الطائفي.للفرقة الذهبية تاريخ مثير للجدل، فقد كانت ضمن 3 وحدات خاصة ضمن قوات مكافحة الإرهاب، وتشكلت في أعقاب سقوط العراق عام 2003 وتلقت تدريبًا وتسليحًا من قبل القوات الأمريكية الخاصة، وكان الغرض منها محاربة التمرد المسلح الذي اندلع في أعقاب الاحتلال الأمريكي للعراق.

في أيامها الأولى، اعتبرها العراقيون أداة سياسية لرئيس الوزراء وكانت تُعرف أيضًا بالفرقة القذرة، لكنها اكتسبت سمعة جيدة في العامين الأخيرين نتيجة قتالها ضد داعش.

تلك المكانة الجديدة للفرقة الذهبية كانت مصدرًا للفخر من قبل القيادة المركزية، حيث يراها مسئولو استخبارات القيادة مثالًا على الخبرة التدريبية الأمريكية، فضلًا على أنها بعثت الطمأنينة في نفوس أفراد القيادة المركزية حيال قدرتها على حفظ السلام في شتى ربوع العراق بعد انتهاء معركة الموصل.ويفسر بيري السبب وراء ذلك التفاؤل بأن الفرقة الذهبية تمتلك التدريب والخبرة اللذين يؤهلانها لأن تكون بمثابة حائط صد ضد أية وحدات عسكرية طائفية.لكن بقاء فعاليتها القتالية مرهون بما ستئول إليه معركة الموصل الدامية، لذا يحاول قادة الوحدة (101 أيربورن) الأمريكية منح وحدات عراقية أخرى مهام قتالية، لكن ذلك الأمر لا يؤتي ثماره المرجوة.ثمة مخاوف أخرى تنتاب القيادة المركزية من حجم الخسائر الذي ستتكبده الفرقة الذهبية في المعارك ضد داعش بالموصل، مع بقاء القوات الرئيسية للتنظيم داخل المدينة وقتالها العنيف حتى آخر رجل.لذا فقد قرر ضباط كبار في الجيش الأمريكي تسريع وتيرة تدريب قوات عراقية أخرى تكون مستعدة لما قد يحدث بعد سقوط الموصل، وتم تعيين الجنرال جوزيف فوتيل قائدًا للقيادة المركزية نظرًا لخبرته في العمليات الخاصة، غير أنه يعتقد أن الأوضاع قد تغدو أكثر ظلامًا داخل العراق وأن تتجه البلاد صوب حرب أهلية طاحنة.ذلك الاعتقاد تؤكده تقارير استخباراتية عسكرية عن تزايد تصدير شحنات الأسلحة من السعودية إلى القبائل السنية بالأنبار في الأشهر الأخيرة، ما يعني أن الاستعداد يجرى على قدم وساق لمواجهة حتمية بين تلك القبائل وميليشيات الحشد الشعبي التي يشكل الشيعة السواد الأعظم منها. وينقل بيري عن ضابط بالقيادة المركزية قوله «إن ذلك قد يؤول لاندلاع حرب أهلية بين الشيعة والسنة».ومع طرد تنظيم داعش من العراق، سيكون أفضل خيار لواشنطن هو أن تبتعد عن لهيب الصراعات الطائفية بين الميليشيات الشيعية والقبائل السنية للأنبار.ويختتم بيري المقال بالإشارة إلى أن تلك المعارك لن تكون خلالها الفرقة الذهبية قادرة على التدخل لإيقاف القتال، حيث ستكون قد فقدت وقتها أفضل مقاتليها في المعارك الحالية بشوارع الموصل.