معركة ليمان: نقطة التحول في الصراع الروسي الأوكراني
رغم القصف الروسي المتواصل على العاصمة الأوكرانية، كييف، واشتعال نيران المعارك في الشرق والجنوب، أعلنت أوكرانيا استعادة بلدات عدة من الروس في جنوب البلاد، بعد أيام من تسديد ضربة قوية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتفجير جسر القرم.
تحركات وهجوم مضاد من جانب أوكرانيا على مدى الأسابيع الماضية جعلت بوتين بحسب الخبراء والمحللين في مأزق حقيقي، سواء في الداخل الروسي أو على صعيد العمليات العسكرية، فماذا يحدث في أرض المعركة؟ وفيمَ يفكر الطرفان في المرحلة المقبلة؟
ماذا يعني تحرير ليمان؟
تقع منطقة الدونباس في شرق أوكرانيا، وهي الإقليم الأوكراني المحاذي للحدود الروسية الأوكرانية من الناحية الشرقية لأوكرانيا بالكامل. المنطقة غنية بالموارد، كما أنها موطن الصناعة الأوكرانية منذ الحقبة السوفيتية. ينقسم الإقليم بين منطقتين أساسيتين، في الشمال هناك لوجانسك، التي تقع بأكملها اليوم تقريبًا تحت السيطرة الروسية. أما في الجنوب، فهناك دونيتسك، أحد المراكز الرئيسية لإنتاج الصلب في أوكرانيا.
تشكَّل إقليم الدونباس بالأساس حول نهر دونيتس الذي ينبع أصلًا داخل الأراضي الروسية شمال أوكرانيا، لكنه يعود فيخترق الأراضي الأوكرانية مارًّا بخاركيف في الشمال الشرقي، ثم إلى لوجانسك، ثم دونتسك، ثم يعود إلى الأراضي الروسية حيث يصب في نهر دون الذي يحمل ماءه إلى بحر آزوف. ويحتوي حوض دونتس أو حوض الدونباس على احتياطات ضخمة من الفحم المستخدم في المصانع ومحطات توليد الطاقة والتدفئة.
إقليم الدونباس هو المنطقة الأهم بالنسبة لروسيا في أوكرانيا، ليس فقط لقيمتها الاقتصادية وموقعها الجغرافي الملاصق للحدود الروسية، ولكن لأن سكانها هم الأقرب عرقيًّا وثقافيًّا بين الأوكرانيين إلى الروس، فهم يتحدثون الروسية إلى اليوم، لذا كان ذلك الإقليم هو الهدف الأول للغزو الروسي وللهدف الروسي الأقصى من الحرب، وهو ضم الأراضي الأوكرانية أو أجزاء منها.
مطلع أكتوبر الجاري، نجحت القوات الأوكرانية في استعادة بلدة ليمان الواقعة على الحدود بين خاركيف ولوجانسك. انتصار أوكرانيا في تلك المعركة مثَّل نقطة تحول. تقول سمر رضوان، نائب رئيس تحرير مركز رياليست ومقره موسكو، إن المعركة تأتي في إطار إعداد الجانب الأوكراني لما يسمى بـ «هجوم الخريف» باتجاه منطقة خيرسون، فضلًا عن التركيز على زابوريجيا واستهداف محطة الطاقة النووية اليومي.
تقول رضوان إن النقطة الأخطر الآن هي كراسني ليمان، أو «ليمان» كما هو اسمها في أوكرانيا. جعلت خسارة تلك المنطقة من الشرق الأوكراني عقدة لا حل لها بالنسبة للجانب الروسي، فهي محور رئيسي لتقاطع شبكة خطوط السكك الحديدية شرق أوكرانيا، ومن المعروف أنها بالنسبة لروسيا كانت مركزًا لوجستيًّا لعملياتها في شمالي دونيتسك، وتعتبر خسارتها نكسة جديدة كبيرة لموسكو حيال خطتها الرامية للسيطرة على كامل منطقة حوض دونباس الصناعية.
كما تعني السيطرة على «ليمان» أنه أصبح بمقدور الجانب الأوكراني المضي قدمًا نحو لوجانسك، خاصة أن ما يقارب نصف دونيتسك لا يزال تحت السيطرة الأوكرانية. تدرك القيادة الأوكرانية الأهمية الاستراتيجية لهذه المدينة، لذا فإنها تركز على جميع التعزيزات المتاحة في سلافيانسك وكراماتورسك من أجل تأخير الهجوم الروسي عند منعطف هذا الحاجز المائي الأكثر أهمية، سيفرسكي دونيتس.
الداخل الروسي
من الناحية النظرية وفي بداية العملية العسكرية الخاصة، اعتقد المتابعون أن كل الأمور تسير لصالح روسيا، لكن مع الأداء الروسي الهزيل في مقابل المقاومة الأوكرانية القوية والدعم الغربي لها، تغيرت خارطة الميدان لصالح أوكرانيا.
في تلك الزاوية يقول الأكاديمي الروسي المختص في السياسة الدولية، ديميتري فيكتوروفيتش، إن روسيا فقدت مواقع مهمة بحيث أصبحت المناطق التي تسيطر عليها على مرمى حجر من القوات الأوكرانية، خاصة بالنظر إلى الأسلحة المتطورة التي تملكها الأخير.
وأوضح فيكتوروفيتش، خلال تصريحاته لـ«إضاءات»، أنه قد سبق أن أعلن وزير الخارجية الأوكراني، ديميتري كوليبا، عن مفاجآت في شهر أغسطس، لكن الجانب الروسي لم يُعر اهتمامًا لهذا الأمر، ما شكَّل صدمة كبيرة بعد خسارة خاركيف الاستراتيجية في منتصف سبتمبر، والآن ليمان، كمواقع تربط المناطق ببعضها.
وأكد الأكاديمي الروسي أن نتائج المعارك انصبت بشكل مباشر على الداخل الروسي، حيث بدأت الاتهامات تنال مؤسسة الدفاع الروسية، ليتم تبديل بعض القيادات على إثر ذلك، حتى إن الرئيس الشيشاني، رمضان قاديروف، انتقد أداء الجيش الروسي بكل جرأة، ما سبَّب مأزقًا كبيرًا لروسيا في ظل تراجع حاد في الخريطة الميدانية مؤخرًا.
من جهة أخرى، يرى معسكر من الداخل الروسي أن تلك الانسحابات جاءت لامتصاص الضغط الذي ولدته الاستفتاءات وقرار الضم الذي اتخذته روسيا في المناطق الأوكرانية الأربعة الرئيسية التي سيطرت عليها، وهي لوجانسك ودونتسك وماريوبول وخيرسون، وكذلك قرار روسيا تأميم محطة زابوروجيا النووية وجعلها ملكية فيدرالية روسية.
أما على صعيد قرار التعبئة الجزئية الذي أحدث زلزالًا داخليًّا في روسيا، فقد كان له هو الآخر ارتداداته على واقع الخريطتين السياسية والميدانية. فمن جهة، تحاول القيادة الروسية امتصاص غضب الشعب، ومن جهة أخرى تحتاج إلى جنود لاستكمال العملية العسكرية خاصة.
تصاعد الهجوم الأوكراني
مثل تفجير جسر القرم والرد الروسي على ذلك باستهداف قلب كييف بالصواريخ مع التلويح بالخيار النووي، تصعيدًا جديدًا خطيرًا في الصراع. يؤكد الأكاديمي الروسي في جامعة الصداقة بين الشعوب بموسكو، ديميتري بريجع، أن الرد الغربي لن يكون مبالغًا فيه، ولن يزيد عن الاستمرار في تقديم المزيد من الأسلحة المتطورة لأوكرانيا.
يلاحظ بريجع أن القوات الأوكرانية تستعمل في قتالها مع الروس تكتيكات عسكرية مختلفة عن تلك التكتيكات النظامية التقليدية، تذكر بأداء المجموعات المسلحة في العالم العربي، كما أن أوكرانيا تركز على الاستفادة من المعلومات الاستخباراتية وتوجيه ضربات دقيقة باستخدام الطائرات بدون طيار واستهداف أماكن تمركز القوات الروسية، أكثر مما تعتمد على الهجوم المباشر على الجبهات.
ويتوقع بريجع أن أوروبا لا تحبذ التصعيد المباشر حاليًّا، نظرًا لأزمة الطاقة التي تسببت بها الحرب بالنسبة لها. أما الولايات المتحدة، فقد توقع بريجع أنها ستدفع بكثير من أنظمة الدفاع الجوي لحماية كييف من الصواريخ الروسية، لكنه استبعد قيام واشنطن بتزويد كييف بصواريخ بعيدة المدى في تلك المرحلة تجنبًا لتصعيد الوضع المشتعل.