معركة الحديدة: الحرب على موانئ اليمن قد تحرق الخليج
أحد عشر ميناءً استراتيجيًا يمتلكها اليمن. يهتم العالم بموانئ اليمن أكثر مما يهتم بها اليمن ذاته. وفي محنة اليمن الحالية لم تسلم موانئه من النزاع، ولا يختلف حالها عن حال البلد من جهة التقسيم.تسيطر الحكومة على عدد والحوثيون على آخر، ولإيضاح أهمية كل ميناء سنعقد المقارنة بقدرته على استقبال المواد الغذائية، فماذا يكون طموح بلد تأكله الحرب إلا أن يأكل!
ميناء الحديدة يأتي على رأس أهم الموانئ الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، يتبعه الصليف وكلاهما ملك الحوثيين منذ 2014. منهما فقط أدخلت الأمم المتحدة 600 ألف طن من المواد الغذائية، ومنهما أيضًا تمد إيران الحوثيين بما شاءت من الأسلحة الثقيلة والآليات البحرية. أما الحكومة فتضع يدها على ميناء باب المندب والمخا، كما تملك عدن والمكلا اللذين استطاعا في حالة الحرب الدائرة فقط استقبال 320 ألف طن من المواد الغذائية. لذا إذا قرر الحوثيون إغلاق الحديدة، فكأنما يوجهون بنادقهم إلى 2.3 مليون رهينة دفعةً واحدة هم عدد سكان محافظة الحديدة.
كذلك فإن بقاءه تحت سيطرتهم دون إغلاقه لا يختلف كثيرًا عن إغلاقه. تجار الأغذية والجهات التي تشحنها تضيق ذرعًا بمماطلة الحوثيين ومعاملاتهم البطيئة وضرائبهم الباهظة. كما إن موظفي الميناء يعانون نظرًا لغياب نظام الرواتب الحكومية. كما أن السكان الذين ينتمي أغلبهم إلى المذهب الشافعي السنيّ لا يرغبون أن يقودهم أبناء الزيدية الشيعية. وفوق كل هذا فقد نفد صبر التحالف بخصوص سيطرة الحوثيين عليه.
بدأ المسير
لأجل أن تقترب القوات اليمنية من ميناء الحديدة دعتمها السعودية شمالًا بما يكفي للتقدم 140 كيلو مترًا، ودعمتها الإمارات بما يكفي 100 كيلو متر جنوبًا. 22 ألف جندي يمني يبحرون لقتال 5 آلاف حوثي. واستعدادًا لاحتمالية التدخل العسكري أجبر الحوثيون أبناء القبائل المحيطة بالميناء على التجنيد الإجباري.
لا يتوقع أن يكون التفوق العددي كلمة الحسم هنا، فالحوثيون متمرسون في القتال بين الجبال. كما أنهم صمدوا طويلًا أمام طائرات التحالف واستطاعوا تشتيتها عبر القتال في مجموعات صغيرة تتآلف من 10 أفراد على الأكثر. كما استطاعوا نشر ألغام كلايمور التي تشبه الصخور على طول الطرق المؤدية إليهم.
اقرأ أيضًا: ما بعد «صالح»: سلاح التحالف وسياسة الإخوان
كما أن السفينة الإيرانية «الأم»،الراسية في ميناء الحديدة، تمد الحوثيين بما يحتاجونه من معلومات بحرية. ويمتلك الحوثيون «شارك -٣٣» وهى زوارق مفخخة يتم برمجتها لتوجه إلى هدف معين، استُخدمت لضرب فرقاطة سعودية في 30 يناير/كانون الثاني 2017. أضف إلى ذلك أن الرياح ستأتي بما لا تشتهي سفن التحالف، فالرياح بين مايو/آيار وأكتوبر/تشرين الثاني تحمل ألغام الحوثيين في مختلف الاتجاهات.
الحوثيون قادرون على الردع
أشارت التقديرات الأمريكية إلى أن 44 لغمًا عبروا مضيق المندب ووصلوا إلى ميناء عدن. تلك الألغام قد تُرهب سفن النفط الخارجية وسفن الشحن العادية من العبور من المضيق مما يمثل ورقة ضغط قوية يمتلكها الحوثيون. كما يتحصن الحوثيون بفرقة «الغواص المقاتل» التي يدربها الحرس الثوري الإيراني ويشرف عليها حزب الله اللبناني. يستطيع الغواصون تحديد أماكن آليات التحالف البحرية ومن ثم تفخيخها.
وحذر الحوثيون بلهجة شديدة العنف أن المساس بميناء الحديدة أو صليف سيعرض أمن المملكة والإمارات للخطر. إذ من المحتمل أن يتصاعد القصف الصاروخي للمدن الحدودية السعودية والمطارات المدنية والقواعد العسكرية والمجمعات الصناعية والنفطية في جازان ونجران وغيرهما من مدن الساحل الغربي. وحاملة النفط «أبقيق» التي دمرها الحوثيون في 3 أبريل/نيسان الماضي ليست بعيدة.
وأظهرت تقارير استخباراتية أن بإمكان الحوثيين القيام بهجمات داخل المملكة واقتحام مواقع حكومية. كما أن وقوع صواريخ قيام -١ طويلة المدى في يد الحوثيين لا يجعل حدود الإمارات الغربية أحسن حالًا من حدود السعودية. وآخر أسلحة الحوثيين الدفاعية هي سياسة الأرض المحروقة.
التحالف لا يأتي بخير!
لكن رغبة التحالف في ميناء الحديدة وصليف شديدة، لذا من المتوقع أن تستخدم الإمارات مركباتها المضادة للألغام، وعددًا أكبر من الطائرات بدون طيار. وإذا بدأت الحملة من المنطقة الخضراء الموجودة جنوبي الميناء فستكون المهمة أسهل. إذ تقضي الإمارات على المقاتلين الحوثيين المتمركزين فيها، ولن يكون هذا صعبًا أمام دبابات لوكليرك الإماراتية.
اقرأ أيضًا: الجيش الإماراتي: الجيش القوي الذي لم تسمع عنه من قبل
كما أن تصميم الميناء المكشوف وانعزاله يبشر بأن السيطرة عليه لن تكون صعبةً كما يتوقع المراقبون. لكن الصعوبة تكمن في ردود الفعل الانتقامية الصاروخية التي سيتلقاها من الحوثيين، مما يجعل من الصعب إقناع سفن الشحن بالتوقف في الميناء. لذا فمهمة قوات التحالف تتعدى السطيرة على الميناء إلى تطهير حزام جغرافي كبير حوله. وتلك هى المهمة الحقيقية التي ينبغي عليهم مواجهتها.
قد لا تكون رغبة التحالف تحرير الحديدة لأجل معاناة السكان الإنسانية، فقوات التحالف جزء أصيل من هذه المعاناة ابتداءً. ربما تخدع الإمارات والسعودية القوات الأمريكية فإذا تم التحرير أعمل التحالف نيرانه في الحوثيين الذين أصبحوا محاصرين في مناطق غير ساحلية. كما أن هدفًا إماراتيًا يبدو مختفيًا من وراء الحرص على السيطرة على كامل موانئ اليمن، إما للتحكم في كل ما يدخل ويخرج لليمن أو لإضعاف منافسة موانئ اليمن لموانئ دبي العالمية.
اقرأ أيضًا: موانئ دبي: الاغتيال الإماراتي للأمم
خيارات ترامب الثلاثة
أمام الولايات المتحدة ثلاثة خيارات. أولها وأسوأها أن تقرر بقاء الوضع على ما هو عليه، تمنع التحالف واليمن من القيام بأي عملية عسكرية. خيار جيد للولايات المتحدة إذ لا كلفة مادية فيه، لكنه سيئ لمن يعيش الحرب والمعاناة. كما لن يؤدي إلا إلى تأخير التدخل لا أكثر، فلن يسمح التحالف بتواجد كيان يُشتبه في كونه دُويلة إيرانية أو حتى عقد هدنة معه.
الخيار الثاني، هو مبادرة الحديدة التي قدمها اليمن مايو/ آيار الماضي، تقوم الولايات المتحدة فيها بنزع السلاح من الميناء ويبقى تحت الرقابة الدولية. خيار جيد إذ سيسمح للميناء أن يعمل بكفاءة أعلى قد تصل إلى 1.6 مليون طن غذاء كل ثلاثة أشهر. وتنخفض تكاليف التأمين وتقل حدة عمليات تفتيش التحالف للسفن الواردة مما يعطي أمانًا أكثر لأصحاب السفن.
الخيار الثالث، هو الاصطفاف مع رغبة التحالف في إجراء تحرير شامل وخاطف للميناء. ويبدو أنه الاختيار الأقرب للحدوث ما لم يحدث تقدم دبلوماسي بين طرفي النزاع. حتى لو اختارت الولايات المتحدة هذا الاختيار فإنها لن تقدم سوى الكشف عن صواريخ الحوثيين المنطلقة تجاه التحالف، الكشف عن الألغام البحرية التي ينشرها الحوثيون.
ومهما يكن ما ستختاره الولايات المتحدة فإن عليها الحول ضد سياسة الأرض المحروقة التي ربما يلجأ إليها الحوثيون إذا أيقنوا بضياع الميناء منهم. وذلك إما بدعم الضربة لتكون سريعةً وحاسمة، أو بالتنحي جانبًا مع إبلاغ التحالف بما يلزم لتقليل مدة الحملة وآثارها.