برشلونة 2-0 إشبيلية: الوجه الآخر للكتلان
بعد ملحمة استثنائية شهدت العديد من المفارقات، تمكن الكتلان من انتزاع الكأس الثامنة والعشرين من بين أنياب الأندلسيين ومدربهم الرائع أوناي إيمري، عبر 120 دقيقة عامرة بــ 14 بطاقة صفراء، وطردين مباشرين والكثير من الإثارة.
بدأ كل من لوتشو وإيمري المباراة كعادتهما بــ 4-3-3 و4-2-3-1 على الترتيب وبتشكيلتين مثاليتين لم تنجح الغيابات في إفسادهما، وبعد نصف ساعة هادئة نسبيًا تلقى ماسكيرانو بطاقة حمراء مباشرة بعد مخالفة واضحة مع هداف الأندلس هذا الموسم كيفن جاميرو، منعته من الانفراد بتير شتيجن.
مشرط لوتشو
بعد الطرد، بدا وكأن إنريكي سيقامر بعودة بوسكيتس لمجاورة بيكيه والتعديل لـ 4-3-2 بمثلث وسط قاعدته لمرماه من إنييستا وراكيتيتش ويتقدمه ميسي كصانع لعب تقليدي خلف رأسي الحربة نيمار وسواريث، تعديل به الكثير من المخاطرة كون سيرجيو لا يتمتع بالسرعة والإقدام الكافييْن للمراقبة الفردية التي كان يوفرها ماسكيرانو بينما يتولى بيكيه مهام التغطية وإخراج الكرة للأمام من مناطق البرسا، وكأن الكتلان يلعبون في محور الدفاع بنسختين من بيكيه، لهما نفس مواطن القوة ونفس نقاط الضعف كذلك.10 دقائق كانت كافية ليدرك إنريكي أن إشراك ماتيو بات ضروريًا، والسؤال الأصعب كان عن بديله من ثنائي الوسط، وكالعادة فضّل لوتشو إخراج راكيتيتش رغم امتلاكه القيمة الدفاعية الأكبر في مثلث الجبهة اليمنى الخلفي مع ألفيش وبيكيه، وقدرته على منح الظهير البرازيلي المزيد من الحرية في التقدم بتغطيته الدائمة على ما يخلفه من مساحات، الأمر الذي استلزم لوتشو مزيدًا من التعديلات لتعويضه.
أولها كان احتفاظ ميسي بموقعه على الطرف لحماية ألفيش من ثنائية فيتولو وإيسكوديرو، ثم المثل مع نيمار الذي تراجع كلاعب وسط أيسر لمساندة ألبا في مواجهة ماريانو وكوكي، وبهذا وفر أنريكي لفريقه التكافؤ العددي على الأطراف التي تعد أهم نقاط قوة إيمري وأجبره على اللجوء للعمق إما بتقدم محوري دفاعه كاريتشو ورامي للوسط أو هبوط عقله المفكر بانيجا لبداية الهجمة، مانحًا كلًا من إنييستا وبوسكيتس الوقت والتكافؤ العددي الكافيان لوأد محاولاته قبل تطورها، تدخل جراحي دقيق وغير مضمون 100% ولكن المخاطرة لم تعد رفاهية اختيارية في ظل النقص.
كل مشكلة هي في حقيقتها فرصة متنكرة، 10 دقائق أخرى أفقدت إنريكي أحد أفضل لاعبي الموسم في أوروبا، لكنه بذكاء شديد استغل خروج سواريز في منح خط وسطه مزيدًا من الصلابة بإشراك رافينيا والعودة للرسم الثلاثي المفضل، موفرًا حرية إضافية لطرفيه الأهم: نيمار وميسي.
إيمري لا يدافع
الإسباني الرائع نادرًا ما يلجأ للطرق الدفاعية أمام برشلونة أو ريال مدريد بتشكيلة مكتملة ناهيك عن أخرى منقوصة، رغم ذلك يحتفظ بسجل ممتاز مع الثنائي في المواجهات المباشرة، فالفريق الأندلسي ضعيف الإمكانيات عادة ما يقدم نسخة “الأندردوج” من طريقة لعب الكتلان في الضغط المضاد باستخدام مجموعات ثلاثية من لاعبيه، معتمدًا على تكتيك معقد وحساس من ترابط الخطوط وتكاملها بشكل يسمح بإغلاق زوايا التمرير ويمكّنه من استرجاع الكرة في نصف ملعب الخصم لإبقاء اللعب في مناطقه وتعزيز فرص التهديف، بالطبع اللعب على مصيدة التسلل في طريقة كتلك يعد أمرًا بديهيًا.
كاتيناتشو الكتلان
طريقة إيمري لها شروط للنجاح أمام البرسا، أولها أن يتمتع الكتلان بصفوف مكتملة فيمنحونه مباراة متكافئة المساحات تزداد فيها جدوى ضغطه العكسي وفعاليته، ما حرمه منه إنريكي باختيار واقعي بالتراجع والتكتل أمام المرمى بخطي وسطه ودفاعه والارتداد السريع مستغلًا سرعة نيمار، قدم ميسي اليسرى وألعاب إنييستا النفسية القاسية.
ولعل الفضل يعود لماسكيرانو الذي منحنا مفارقة نادرة بإقصائه، فأجبر إنريكي على حذر لم يكن ينتويه، ثم أغرى إيمري بالهجوم قبل أن يفقده أهم قيمة في كرة القدم وهي المساحات، فلم يقدم فريقه ما يستحق عليه التعادل حتى طيلة ساعتين من اللعب، وكأن الأرجنتيني المخضرم منح مدربه الحل الأسهل للفوز بالكأس أثناء خروجه، وربما لا يعد من المبالغة القول بأن المباراة كانت لتكون أصعب على الكتلان لو لم يخرج، أو لتهدد مرماهم أكثر على الأقل، ولكنها كانت فرصة قلما تأتي لمشاهدة البرسا يدافع بهذه الضراوة.
بيكيه، بوسكيتس، وآخرون
من الصعب تمرير مباراة كتلك دون الإشادة بثبات خط دفاع الكتلان كاملًا وفي مقدمته بيكيه الذي قدم واحدة من أفضل مبارياته، ساعده بالطبع ضيق المساحات على هجوم الأندلسيين، والثقة الهائلة التي منحها شتيجن لفريقه بالتصدي لهجماتهم الصعبة وأولها كانت الركلة الحرة التي عقبت الطرد مباشرة التي كان تسجيلها سيقلب المباراة رأسًا على عقب ويطيح بكل خطط لوتشو التكتيكية.
لذلك لم تقتصر إجادة دفاع البرسا على المهام التقليدية، بل نجح كذلك في الاحتفاظ بهدوئه في أصعب اللحظات، موفرًا بداية جديدة للهجمة بالتمرير السليم للأمام عقب كل مرة استرجع فيها الكرة، وأكمل أداءهم ضغط فعال حذر من خط الكتلان الأمامي، فكانت النتيجة هي أنهم فقدوا الكرة في نصف ملعبهم نصف عدد مرات حدوث المثل للأندلسيين.
نحو المزيد من أندريس
لو كان هناك ما يُدعى “جائزة أروع أداء للاعب وسط في آخر 10 سنوات” لاستحقها قائد الكتلان بلا منازع؛ لأن جائزة رجل المباراة تبدو بلا شك مجحفة لما قدمه.
فقد لا تنصف الأرقام أندريس بالشكل الكافي، فما قام به لا يمكن قياسه بالطرق المعتادة، فهو لم يكن أكثر لاعبي الكتلان استخلاصًا للكرة ولا تمريرًا لها، لم يصنع أكبر عدد من الفرص ولم يسدد على المرمى من الأصل، لكنه نجح بهدوء ومثابرة في تفتيت صخرة ثقة الأندلسيين وأفضليتهم النفسية والذهنية عبر دقائق المباراة، وكان من المستحيل إيقافه مهما زاد عدد الأندلسيين من حوله، وبدا وكأن أندريس سيخرج بالكرة عاجلًا أم آجلًا دون الحاجة لكثير من الجهد. ربما يعد من الجنون القول بأن ضآلة الكابتن جعلته حصينًا ضد الضغط ولكن هذا ما حدث بالفعل.
إنييستا سيسحب الجميع لمناطقه، سيغريهم بمواجهته، وفي اللحظة التي يظنون فيها أنهم أحكموا خناقه يكون قد تخلص منهم بالفعل وفي طريقه لقيادة هجمة جديدة، من المدهش أن يتمتع لاعب بهذه الوداعة بكل هذا الكم من السيطرة والقوة والكاريزما الكاسحة.
إيمري من جديد
بعد فشل كل محاولاته لجأ أوناي لمخاطرة بدت له ضرورية بإشراك جناح دينيبرو السابق ييفين كونوبلايانكا (80″) كجناح حر بعرض ملعب الكتلان بدلًا من ماريانو الذي فشل في تشكيل خطورته المعتادة.
عقب ذلك تغيير آخر في الملعب بعودة فيتولو كظهير أيمن بدلًا من ماريانو، وربما كان من الأوقع خروج واحد من عناصر قلب الهجوم في تشكيلة إشبيلية كإيبورا الذي غادر لاحقًا؛ لتوفير مزيد من السرعة والمهارة في عمق دفاع الكتلان خاصة أن ماريانو كان الحصن الأخير ضد محاولات نيمار المستمرة عبر جبهة الأندلسيين اليمنى، بالضبط كما كان إيسكوديرو أمام ميسي.
عودة الملك
أن يوصف أداء ميسي بالسوء في مباراة صنع فيها – بحرفية نادرة – هدفي الفوز لفريقه المنقوص في نهائي الكأس لهو خاصية استثنائية وحصرية للبولجا، فبرغم فشل أغلب محاولاته للاختراق طيلة المباراة وحالته البدنية المتواضعة، كان رد البرغوث سريعًا على مخاطرة إيمري بتمريرة خرافية لألبا الذي لم يجد حرجًا في اختراق منطقة جزاء إشبيلية بعد خروج ماريانو، ليحولها الظهير الدولي داخل مرمى ريكو (97″) الذي لم تنصفه نتيجة المباراة، كل هذا تم بمراقبة متأخرة من فيتولو الغائب عن موقعه الجديد.
عندما تلاقي البرسا فأنت في مواجهة فريق على عشب الملعب، وآخر تحمله قدم البرغوث اليسرى، التي عاقبت إيمري ولاعبيه على فقدانهم لتركيزهم واندفاعهم للتعديل لتصنع الهدف الثاني لنيمار من نفس الثغرة (121″)، في غياب تام لفيتولو هذه المرة.
الخريطة الحرارية للبرغوث – نقلًا عن Whoscored.com
البرسا يدافع، إيمري يفشل في التسجيل، ماسكيرانو يخفق وألبا يسجل، بينما يطلق نيمار رصاصة الرحمة على أشباح الأندلس، مباراة الكأس كانت مباراة المفاجآت بامتياز.