برشلونة 2-2 مدريد: متى يُلعب الكلاسيكو في أرض الملعب؟
لم يتمكن هدف «جاريث بيل» من كسر سلسلة اللاهزيمة لبطل الدوري الإسباني، برشلونة، والذين تمكنوا من الحفاظ على رقمهم للمرة الـ35، لكنه كان ضروريًا من أجل وضع التعادل كعنوانٍ رئيسي لقمة تساوى فيها الفريقان في كل شيء تقريبًا، خاصة الاستفادة من الأخطاء التحكيمية التي باتت معتادة داخل بلاد الإسبان.
القمة الإسبانية، أو «الكلاسيكو» كما يفضل أن يسميه البعض، دخلت في السنين الأخيرة لموضع خشن جدًا من اللعبة، وبغض الطرف عن كون ذلك طبيعيًا بسبب حدة هذه النوعية من المباريات أم لا، لكنه وبالتزامن مع المستوى الأكثر من سيئ للتحكيم الإسباني، بات يضع المباراة في حدٍ بعيد تمامًا عن النقد الرياضي أو الكروي المجرد، وأصبحت كل المحاولات التي نسعى لها من أجل تجنيب الحديث التحكيمي، فاشلة. لكننا وبالرغم من ذلك سنسعى لأن نرى الكرة ككرة بعيدًا عن كل الالتحامات غير الكروية التي تشوبها.
الشوط الأول: النصف الحميد من الرواية
يمكن بكل سهولة تقسيم اللقاء إلى قسمين، لكن تقسيم مختلف عن المتعارف عليه بالأشواط، بل يُقسم إلى قبل طرد «روبيرتو» في الدقيقة الثانية من الوقت بدل من الضائع في الشوط الأول، وإلى بعد عملية الطرد، المصادفة فقط جعلت من هذا التقسيم الجديد على نفس خط التقسيم الطبيعي لشوطين كاملين بـ45 دقيقة لكل منهما. النصف الأول، هو الحميد من القصة والذي يمكننا وبكل سهولة التحدث فيه عن كرة القدم.
«زيدان» يعود، مجبرًا أو بطلًا -لا يهم- إلى 4-3-3 بخط هجوم يتكون من الـ «BBC» في إحدى المرات النادرة التي يعتمد فيها الفرنسي على هذا الرسم وعلى هذا الثلاثي، وبالرغم من كون الفريق يُظهر بلاءً حسنًا في ظل ثلاثية وسط الملعب التي لا يعتليها «إيسكو» لكننا لا نملك تفسيرًا واضحًا لرفض «زيزو» الدائم لهذا الشكل الذي قرر أن يواجهه «فالفيردي» بعودة هو الآخر إلى رسمه المفضل من البداية والذي عدل عنه مضطرًا، 4-4-2.
الاعتماد على ثلاثية «بيل-بنزيما-كريستيانو» مكن الضيوف من وجود دائم على أطراف الملعب وبمسافة بُعد مريحة عن أقوى خطوط برشلونة في وسط الملعب، إذا ما أضيف على تلك الميزة الخططية الضعف الواضح في الأدوار الدفاعية عند إنييستا وكوتينهو، فإنه كان من الطبيعي جدًا أن تتجه المواجهة دائمًا مع «ألبا» و«سيرجي» لصالح الجانب الهجومي خاصة عند الأخير، وأن يكون الاعتماد الكلي لزيدان في الصعود بالكرة على الأطراف سواء بالطوليات المتقنة أو بالتمريرات القصيرة الثلاثية بين الظهير والجناح ومتوسط الميدان.
في الجهة المعاكسة، استغل «ليو» المساحة التي دائمًا ما يتركها البرازيلي «كاسيميرو» في قلب الملعب. الخريطة الحرارية للبرازيلي وتمركزه على أرضية الميدان أظهرا منذ فترات طويلة إحدى الحيل التي يعتمد عليها زيدان ليواجه ضعفه في الاحتفاظ بالكرة والخروج بها، وهي أن يتقدم في النصف الآخر الخاص بالخصم وقت بناء اللعب وترك «كروس» و«مودريتش» من خلفه، هنا المساحة الدفاعية لمدريد تضرب في قلبها إن قطعت الكرة في وقت بناء اللعب، فحاول أن تتخيل ضرب هذه المساحة وأن تملك «ليونيل ميسي».
بشكلٍ مُجرد، يمكن وصف أداء الأرجنتيني في الشوط الأول بالعادي، أو بغير المتوقع منه في قمة من هذا النوع. صفر تصويبات، خسارة الكرة بشكلٍ مباشر في 3 مرات خلال 45 دقيقة فقط، ودون أي محاولة للمراوغة ولا حتى فاشلة. فقط تمريراته المتقنة من أماكن خطرة في عمق دفاع ريال مدريد هي من أظهرته بشكلٍ أفضل مما يجب.
الشوط الثاني: رب ضارة نافعة
مع بداية الشوط الثاني، بدأت التغييرات مباشرة. رونالدو إلى دكة البدلاء بسبب إلتواء بسيط في الكاحل خشية من تفاقم الإصابة، ومن قبله دخول «نيلسون سيميدو» بدلًا من الضعيف جدًا بدنيًا «كوتينهو» لتعويض الغياب المتوقع في الرواق الأيمن على إثر حالة الطرد. مدريد حافظ على شكله برسم 4-3-3، لكن برشلونة سرعان ما استغنى عن رباعية وسط الملعب من أجل الحفاظ على رباعية الدفاع. وبعد مرور دقائق قليلة من الشوط الثاني، استبدل إنييستا بباولينهو من أجل زيادة حركية وروح بأنماط دفاعية أكثر في ثلاثي الوسط.
تغير تشكيل برشلونة إلى 4-3-2 بعد طرد سيرجيو روبيرتو، المصدر: www.whoscored.com
الواقع أوضح أن برشلونة أظهر أداءً أفضل بعد حالة الطرد، هنا يمكن أن يرجع ذلك إلى أحد العوامل الآتية: إما لخروج رونالدو الذي بكل تأكيد يملك تأثيرًا نفسيًا على المحيطين به من زملائه أو ضد خصومه، بجانب التأثير الفني بالقطع، أو أن ذلك يعود للشحن النفسي ضد ما حدث في الشوط الأول وخاصة حالة الطرد والقاعدة التي دائمًا ما ترجح كفة الأنقص عددًا في مثل هذه الحالات، أو أخيرًا أن التغييرات فعلًا آتت بثمارها.
«أسينسيو» الذي حل بديلًا لكريستيانو يملك حلولًا هجومية بكل تأكيد ولم يكن عاجزًا عن إيجاد ثغرات على الطرف الأيسر المفضل لريال مدريد طوال أحداث الشوط الثاني، بالتالي ينفي ذلك العامل الأول. في حين أن الحالة النفسية لأصحاب الأرض تبدو من البداية وأنها محتدمة جدًا تجاه الخصوم لعوامل عدة منها سياسية ومنها تعود لأسباب الممر الشرفي وخلافه، بالتالي هناك تأثير لحالة الطرد طبعًا، ولكن ليس هو كل السبب فيما ظهر به برشلونة في الشوط الثاني.
الأهم من كل ما سبق أن الاتجاه إلى أي احتمال غير أن دخول سيميدو هو العامل المؤثر الأهم خلال الـ45 دقيقة الثانية، يبخس بحق البرتغالي الذي حصل على تقييم 0.8 من قبل كبير محللي «سكاوكا»، «محمد بوت»، بالتساوي مع كل من رافائيل فاران وليو ميسي وراكيتيتش. لا لشيء غير أنه فعلًا أغلق منفردًا ما كان يعتمد عليه ريال مدريد طوال أحداث الشوط الأول بل أضفى كذلك حلًا هجوميًا فشل روبيرتو في إيجاده في الوقت الذي تواجد فيه فوق أرضية الميدان.
نحو تقنية «VAR» وما بعدها
لا يمكن أن يختلف اثنان عن أن ما دار على أرضية كامب نو بالأمس قد فاق حد المتعتة في الأخطاء، الجميع أخذ في ترديد هذه الحكمة السخيفة حتى باتت إحدى أكثر العبارات كرهًا في هذه اللعبة، الحقيقة أنه يجب أن تختفي هذه العقلية من بين كل المشجعين، ليس هناك أي متعة في الفوز بخطأ تحكيمي فادح، الفكرة القائلة بأن كل خاطئ فهو جميل طالما يصب في صالحي، إنما هي فكرة مدمرة في حد ذاتها لأن الأخطاء لا توجه دائمًا في اتجاه واحد مهما كانت دقة توجيهها.
الآن نحن على مقربة من انتهاء الموسم الحالي في إسبانيا، بداية من القادم سيتم تطبيق تقنية الفيديو المعروفة بإسم «VAR» والتي لاقت رفضًا واسعًا في البداية من قبل بعض الجماهير بحجة أنها ستقتل المتعة وأنها تُبطئ رتم اللعبة، لكن حينما يدور الكأس ويتجرعون وفرقهم من نفس كأس الخطأ التحكيمي تكون تلك التقنية هي الملاذ الأخير، والوضع في الليجا جعل الأكثرية الآن تشعر بقيمة هذه التقنية وأنها حقًا الملاذ الأخير.
الأهم من تطبيقها والذي من المفترض أن يُصلح من كل هذا العبث المُدار بواسطة صافرة، أن يتم ضبط المعايير في عقول الحكام، تقبلنا جميعًا فكرة أن لكل حكم معاييره، لكن من غير المنطقي بالمرة أن يملك الحكم معياريين في الحكم خلال 90 دقيقة واحدة. لعبة تتكرر هنا وهناك والقرار هنا عكس القرار هناك. شيء لا يمكن تصديقه أو حتى التعامل معه بجزء من المنطق.
التقنية ستتيح للحكم ضبط الكرات التي تتم في كسور من الثواني، لكنها لن تخبره بضرورة إعطاء بطاقة حمراء، بالتالي فإن تلك التقنية لا يجب أن يستتر وراءها كل اتحاد يشعر بفشل في حكامه، يفترض مواجهة الخطأ بالتصويب السليم وهو إعادة تأهيل لكل هؤلاء، إن فرضنا أن ما نراه من قرارات يعود لضعف إمكانيات وتغاضينا عن كافة الاحتمالات الأخرى التي تحمل من العار أكثر.