برشلونة 2-1 أتلتيكو مدريد: نحو المزيد من اللويس إنريكي
دخل الفريقان،المدريدي والكتالوني، المباراة بموقف معقد ومتشابك خلال الموسم، هذا التعقيد يتضاعف بالنظر لحالة المدربين، فـ«إنريكي» يودع البلوجرانا بالمنافسة فقط على الكأس بعد خسارة نصف طريق دوري أبطال أوروبا، وبالتالي فإن الانسحاب من سباق الدوري لصالح الغريم التقليدي بخسارة نقاط الكالديرون أمام غريم آخر تبدو أسوأ ما يتمناه «لوتشو».
أما «سميوني» فإنه لم يخسر فقط سباق الدوري والكأس بل إن مقعده الأوروبي للعام القادم مهدد بقوة من «سوسيداد»، وبالتالي لا تقل أهمية النقاط عند «الشولو»، ناهيك عن أنها مباراة الثأر للأخير بعد الإطاحة من الكأس.
لا تحتاج أي مباراة عادةً لدوافع أكثر لدى المدربين واللاعبين لتخرج بشكل مثير إلا لو كانت المباراة الأخيرة بالتاريخ التي ستجمع الناديّين على ملعب «الفيثينتي كالديرون» معقل الأتليتي.
3-4-3 واللؤلؤة المتأخرة
المفاجأة الأولى بالمباراة لم تكن إشراك «ماثيو» بخط ظهر برشلونة بدلًا من «ماسكيرانو»، بل كانت بتوزيع لاعبي الفريق الكتالوني على أرضية الملعب بشكل يقترب جدًا من 3/4/3 متخليًا «إنريكي» عن 4/3/3 المعتادة.
«ماثيو» ظهر ليزامل «بيكيه وأمتيتي» على الناحية اليسري، خلف رباعي مكوّن من «بوسكيتس» بالعمق، علي يمينه «سيرجي روبيرتو»، اليسار لـ«إنيستا»، أمامهم «ميسي» الذي يصر «إنريكي» علي تحميله قدرًا من مهام صناعة اللعب، بذلك يتخلي الأرجنتيني عن الثلاثية الهجومية ليحل محله «رافينيا» بمركز لم يعتده أبدًا.
لماذا هذا التحول؟ تبدو الإجابة سهلة إلى حد ما، مزيدًا من تأمين الخط الدفاعي في مدار يسمح لبرشلونة ببناء الهجمة، مباراة الأتليتي بالكأس وحدها شهدت هبوطًا حادًا للثنائي «أمتيتي وبيكيه» بالتغطية والتعامل مع المساحات الكبرى، لذلك بدا للمدرب إقحام مدافع ثالث بتوزيع أدوار بالجانبين الدفاعي والهجومي الوسيلة الأنسب للسيطرة علي خطورة المرتدات المدريدية، لكن لماذا «ماثيو» بدلًا من ماسكي؟ ربما لضمان أفضلية هوائية بالكرات العكسية بالرغم أن الأرجنتيني يمتلك أدوارًا متعددة أكثر.
الخطأ المبدأي الذي ارتكبه «إنريكي» هو تجربة أسلوب لعب بهذا الشكل غير المألوف بأكثر من مركز بمباراة شديدة الصعوبة كتلك، لماذا لم يبدأ مباراة «ليجانس» بهذا الشكل كتمهيد لمواجهة أتليتكو؟ ربما لأنه كان مازال مقتنعًا بفاعلية «أندريه جوميش»، الغريب أن الرجل نفسه صرح قبل مباراة ليجانس قائلًا: «مباراة اليوم فرصة لنرى كيف تفاعلنا مع ما وقع بباريس»! الخطأ نفسه منح أصحاب الأرض سهولة بتحديد مفاتيح لعب وانطلاق البارسا الذي بات لا يعتمد بشكل رئيسي إلا على تسليم «نيمار» بالجانب الأيم، أو «ليو» بعمق الملعب.
أما أصحاب الأرض فبدءوا اللقاء بالتشكيل المعتاد 4/4/2 وأغلب مهامه، غير أن سيميوني تحرر بعض الشيء من تحفظه الشديد خلال مواجهاته مع الكبار وبات يمنح لاعبيه تعليمات بتنفيذ الضغط العالي، التعليمات تبدو أكثر منطقية بالنظر لهيئة بناء اللعب لـبرشلونة خلال المباريات السابقة!
الشوط الأول و25 دقيقة مع سميوني
منذ الدقيقة الأولى بدا أن «دييجو» يريد تسجيل هدف سريع يضرب به معنويات الخصم ويفك ترابط الخطوط التي تعاني أصلًا، كيف ذلك؟! لأنه عرف تمامًا مكامن ضعف برشلونة، بل إنه شدد على لاعيبه ضرورة الضغط على الأطراف الدفاعية مستغلًا عدم قدرة الثنائي «روبيرتو، إنيستا» على الاستلام بحرية بالأطراف و«بوسكيتس» بقلب الملعب.
بالدقيقة الرابعة كان «جودين» يستعد لتنفيذ أولى المحاولات الخطرة على مرمى «شتيجن»، لم تمر 10 دقائق وكان «جاميرو» يفسد أحد أخطر الهجمات عندما لم يترك الكرة العكسية لـ«كراسكو» القادم من الجبهة اليسري دون مراقبة فعادت للقائد «جابي» الذي لم يجد إلا التسديد السهل على مرمى الألماني.
الدقيقة 15 تؤكد بوضوح على مشكلة أطراف برشلونة، «فيليبي لويس» يرسل عرضية بكل أريحية لعمق منطقة الجزاء المتمترس حولها 7 لاعبين من الضيوف لكنها بالأخير وجدت طريقها لقدم «جريزمان» الذي كاد يتسبب بالهدف الأول.
الجبهة اليمنى لبرشلونة كانت مقصد «سيميوني»، فاستغل مرة أخرى عدم وضوح مهام «رافينيا وروبيرتو» في إحداث مساحات فارغة عندما أخطأ «بيكيه» ليجد «كاراسكو» فرصة التمهيد لقنبلة «جريزمان» بالدقيقة 25 قبل أن يعرقلها «شتيجن»، شوط أول جيد من «سيميوني».
شبح صناعة اللعب
هناك دوامة من الأسئلة تتعلق بتوقيت اللجوء لـ3/4/3، لماذا الآن بعد إصابة الظهير «الفيش» الذي يمكنه أداء أدوار الانطلاق بالطرف أفضل من «روبيرتو ورافينيا»؟ هل لـ«توران» دور بتشكيل كهذا؟ لماذا تم الاستغناء عن «منير الحدادي»؟ هل يتذكر أحد «ألكاثير»؟
كل تلك الحيرة التي ستصيبك بالبحث عن إجابات لتلك الأسئلة لا تساوي حيرة الجواب عن حل لأزمة صناعة اللعب، متنفس برشلونة بوسط ملعب الخصم هما «ميسي ونيمار»، باتت مهمة غير عسيرة على الخصم الانقضاض على الثنائي كلما اقتربا من الكرة، وسط هبوط حاد بمستوى «إنييستا» بكل مهامه، وغياب «جوميش وراكيتيتش» تبدو المهمة أسهل كثيرًا، إذا قادك التفكير للسؤال عن سبب التخلي عن «ألين خليلوفيتش» كبديل رائع لإنيستا فاطرد السؤال من مخك فورًا، لن تجد له جوابًا.
الخريطة الحرارية للثنائي تكشف بالفعل الهبوط لمسافة قبل وسط الملعب أحيانًا لاستلام الكرة، الأمر الذي يعرضهما للإنهاك الشديد وعدم دقة اللمسة بالمساحات الخطيرة.
الخريطة الحرارية لليونيل ميسي ونيمار دا سيلفا، المصدر: www.whoscored.com
«سيميوني» دفع بـ«ساؤول مع فيرساليكو» على خط «نيمار»، فيما ترك «ميسي» يحاول غزو عمق الملعب، بينما يتأكد من ضعف الجبهة اليمني فأطلق العنان لـ«كاراسكو مع فيليبي»، ومنح بالأخير مهمة سهلة لـ«جابي وكوكي» على المستوى البدني بالضغط على «ليو» بمساحات صغيرة.
خطورة برشلونة بالشوط الأول تتلخص بتسديدتين لـ«ميسي» ورأسية لـ«بيكيه» من ركنية، مزيد من الفردية بأليات «لوتشو» هذا العام.
الشوط الثاني وقبل أن يزداد الأمر سوءًا
بدأ «سيميوني» الشوط الثاني كالأول محاولًا قنص هدف سريع مستغلًا الدفعة البدنية للاعبيه بين الشوطين، بينية «ساؤول» بالدقيقة 52 تكشف مزيدًا من سوء مستوى وسط البلوجرانا، إذ انطلق لاعب الأتليتي دون مقاومة من الثنائي «بوسكيتس وإنيستا» وكان أمامه أحد خيارين لتمرير خطير للثنائي الهجومي «جريزمان، جاميرو»، اختار الأول الذي انطلق متجاوزًا «أمتيتي» بسهولة قبل أن يعيد «شتيجن» ما قام به بالشوط الأول، بل يمكن القول إن رعونة واستعجال لاعبي الأتليتي كانت سببًا لإهدار الكرة أكثر من مرة.
لاعبو برشلونة أدركوا أن فقدان الكرة لن تكون تبعاته إلا سيئة، الهدف الأول للأتليتي يعني مزيدًا من الثقة وبالتأكيد المساحات، انطلق «ميسي» بالعمق، حاول التمرير لـ«سواريز» لكنها اصطدمت، فشل «رافينيا» أولًا بالتسديد، لكن عادت الكرة لـ«سواريز» من جديد الذي نجح بترويض الكرة وتهيئتها لـ«رافينيا» الذي أعلن الهدف الأول بفضل سوء تمركز لـ«فيليبي».
الروح التي ظهرت على لاعبي «برشلونة» بالتسجيل والاحتفال بالرغم من علمهم بسوء مستوى الأداء هي العامل الأبرز والمشترك بهدفي البلوجرانا.
الشولو لم يجد ما يقف أمام تلك الروح إلا مزيدًا من الاندفاع الهجومي، كم مرة رأيت الروخيبلانكوس تدفع بثلاثة رءوس حربة دفعة واحدة مقابلة ثلاثة لاعبين وسط فقط؟ «سيميوني» يدفع بـ«توريس» ويقلب الطريقة إلى 4/3/3.
لم تمر دقائق إلا وكان قائد الأروجواي «جودين» يعلن التعادل بفضل ضربة ثابتة، الغريب جدًا أن «جودين» نجح بقنص الكرة وسط حصار ثلاثي للاعبي البارسا بالهواء كلهم يتميزون بالطول: «بوسكيتس، سواريز، أمتيتي»!
مشاركة «راكي» بدلًا من الرسّام الغائب عن المباراة كانت من منطقية، بل متأخرة، كان من الممكن السماح له بالنزول مع بداية الشوط الثاني لتقديم الدعم لـ«نيمار».
«جودين» عمومًا قدم مباراة جيدة، قد يكون أفضل لاعبي الأتليتي، لكن خطأ واحدًا مشاركة مع «كوكي» أمام البرغوث قد تسلب منك نقاط المباراة كاملة، «ميسي» يتقدم بالدقيقة 84.
إحداثيات موسم خطير
بلا أي شك نحن نشهد موسمًا خطيرًا، سواء بالليجا أو خارج حدود الإسبان، المدربان اللذان صنعا مجدًا للناديين يقفان أمام موسم مفصلي على المستوى المهني، الشولو لا يجد أمامه إلا الدفع بكل ما يملك بالتشامبيونز ليج والتأكد من مركز بالدوري يسمح بالمرور للعام القادم للبطولة الأوربية، هل يمكن أن يكون الموسم الأخير للشولو بالعاصمة الإسبانية؟ لا تستبعد الأمر.
أما المدرب الآخر فبات أمام خيارين فقط، إما التوقف التام من أجل إصلاح البلوجرانا وبالتالي المقامرة على ما تبقى من مباريات الموسم، أو ترميم الفريق حتى مايو القادم وعندها قد يكون الإرهاق وجرأة الخصوم علي الكتلان قد أضحت حقيقة، يبدو أن اللوتشو إنحاز للخيار الثاني، فلا يجد أي مشكلة من حسم مباريات عن طريق مهارة فردية خالصة لنجمه الأرجنتيني مثلًا.
خطورة الموسم تمتد لبعض اللاعبين أيضًا، فالألماني «تير شتيجن» الذي نال كفايته من الانتقادات عبر الموسم كان آخرها مواجهة ملعب حديقة الأمراء، ظهر بشكل لافت جدًا وكان عاملاً رئيسًا بمنح برشلونة نقاط مباراة الكالديرون، الأمر نفسه لعدد من زملائه لا يحظون بثقة الجماهير حتي اللحظة ولا يمتلكون رصيدًا تاريخيًا كالرسام أو البرغوث، موسم صعب لـ«أمتيتي، روبيرتو، رافينيا، جوميش».
الأمر نفسه بالأتليتي، خسارة أخرى بنهائي أو نصف نهائي دوري الأبطال قد تفكك فريق الروخيبلانكوس تمامًا بين الصفقات.
على الجانب الآخر فإن «ريال مدريد» نجح بقنص ثلاث نقاط من الخصم العنيد «فياريال» ليبتعد بفارق نقطة واحدة عن برشلونة في ليلة مثيرة جدًا، «زيدان» نفسه يعيش أجواء الموسم الصعب.