بنو هلال: العنف الرمزي وعملية التهميش
في صعيد مصر وخاصة في محافظتي أسوان والأقصر تعيش قبيلة «بني هلال» والتي تقبع في مرتبة متدنية من التراتبية القَبَلية وتمارس ضدها عملية تهميش من قِبل باقي المجتمع الصعيدي بشكل عام.
ما هي دلالات الرمز والسلطة والعنف فيما يخص بني هلال؟ ما هي وظيفة العنف ضد بني هلال؟ وعلى أي شيء يتنازع بنو هلال والطرف الممارِس للعنف ضدهم؟
في الرمز والسلطة والعنف
يُمارس ضد بني هلال عنف رمزي يتلخص في الوصم والنبذ. يطلِق المجتمع الأسواني على بني هلال لفظ «الجمس» ويرفض نسبتهم لبني هلال حتى يسقط منهم رأسمالهم الاجتماعي في الانتساب إلى قبيلة عربية معروفة، ثم تختلف تفسيرات لفظة «الجمس» لكنها جميعها تتفق على معنى الازدراء.
بعد فعل الوصم يأتي النبذ كنتيجة طبيعية؛ ففي جنوب الصعيد إن كنت هلاليًا سيقلل هذا من اختياراتك في الزواج ولن يبقى أمامك سوى بنات القبيلة فقط. في إحدى الزيارات الميدانية أخبرني أحد النوبيين – من قرية عنيبة – عن صديقٍ له إمام جامع يشهد له الجميع بالخلق تقدم لخطبة فتاة وتم رفضه فقط لأنه هلالي.
تخف حدة النبذ كثيرًا في المجال التجاري وعلاقات الصداقة؛ لكنها لا تخلوا من وصمٍ في بعض الأحيان، فبحسب مصطفى شكينا – ناشط محلي – احتج بعض الأهالي على بيع عقار كبير بشارع الشورابي – أحد الشوارع التجارية الرئيسية في مدينة أسوان – لمجرد أن المشتري من بني هلال.
ونتيجةً للنبذ – وقد يكون العكس! – حُصِر أبناء بني هلال في وظائف متدنية «اجتماعيًا» مشروعة كالعمل في بيع إسطوانات الغاز وسياقة «الحناطير»، أو غير مشروعة كالعمل في تجارة السلاح والمواد المخدرة.
تُعمم هذه النظرة على جميع أبناء بني هلال، الأمر الذي دفع البعض من بني هلال للابتعاد عن عائلته –شعوريًا ومكانيًا – حتى يستطيع الترقي في الوظائف أو المكانة وذلك بحسب الصحفي إسماعيل الإسكندراني، في المقابل ينفي جاد عباس عضو اتحاد شباب بني هلال هذا الادعاء معللًا ذلك بشدة الالتحام بين أبناء القبيلة.
أما عن دلالة هذا العنف الرمزي فتحسُن الإشارة إلى أن مُمَارس العنف هو مالك للسلطة التي تتجلى في السيطرة والضبط والتي تنتج عنفًا رمزيًا.
تصعب الإشارة لطرف وحيد والاتفاق أن هذه القبيلة فقط هي القبيلة المسيطرة. شبكة العلاقات في الصعيد – والمجتمع عمومًا – متداخلة وأعقد من أن يتم تسطيحها وتسكين كل قبيلة في مكان ثابت لا يتغير. لذلك ترفض د/آمال الطنطاوى مفهوم الهامشية وتقترح مفهوم عملية التهميش (حيث أن العملية تتضمن الحركة وليس الثبات الذي يفترضه مفهوم الهامشية وتحديد لمن هو هامشي بشكل ثابت ومطلق).
وهو ما طرحه أيضًا «أنتوني جيدنز» في (فكرته عن جدل الضبط انطلاقًا من أن علاقات القوة، التي هي سمة للنظام الاجتماعي، يُعاد إنتاجها باستمرار؛ أي لا يمكن النظر إليها باعتبارها علاقات تَحَكُّم وتبعية).
لا أحد إذًا يحتكر القوة ولا أحد يمارس ضده العنف بشكل ثابت إنما هو «جدل الضبط».
أنماط رأس المال
تقاس سلطة/قوة أي طرف اجتماعي بما يمكله من أنماط رأس المال والتي تتنوع إلى:
رأس المال الاجتماعي: الصلات والعلاقات الاجتماعية بخاصة النسب والمصاهرة.
رأس المال الثقافي: التعليم وانتشاره داخل القبيلة والنفوذ الديني ووراثة مشيخة طريقة صوفية أو رعاية مولد لولي مشهور واسم العائلة وسمعتها.
يقترب أبناء الجعافرة – أكبر القبائل عددًا في أسوان – والنوبيين من هذه المحددات بشكل كبير إضافةً للرأسمال الاقتصادي والسياسي.
كلاهما بنسبه (الأصيل والنقي!) في مقابل ما يدعيانه من خلاف ذلك بالنسبة لنسب بني هلال، هذا النسب النقي يصاحبه سرد لتاريخ القبيلة في أسوان فكلمة (إحنا أصحاب البلد) والتي تنتشر على لسان النوبيين تقال للتعبير عن سلطة رمزية وللسيطرة على من هم (أغراب)، (إحنا أصحاب البلد) لا تخص النوبيين وحدهم؛ ففي إحدى الزيارات الميدانية تحدث معي شخص عبّادي – من قبيلة العبابدة – وقالها حتى أني استوقفته أثناء الحديث متأكدًا من نسبه فضحك وقال لي أنه ليس نوبيًا بل عبادي. وأخذ يسرد لي أن أسوان هي بلد النوبيين والعبابدة والبشارية وأنهم أول من سكنوها … إلخ.
يوصف إذًا الهلالي بأنه غريب أو مهاجر وبالطبع لا يتساوى الغريب بصاحب البلد.
نموذج المهاجر من نماذج التهميش لكن السياق الاجتماعي قد يختلف من بلد لآخر، ففي العالم الغربى تُمارس عملية التهميش على المهاجر لتردده بين ثقافتين – ثقافته وقيمه الأصلية وقيم بلد المهجر – أما في السياق المصري فإن المهاجر تمارس ضده عملية التهميش لأن (كل بلد ولها ناسها).