حظر النقاب في مصر: الدين والقانون والأمن
تقدمت عضوة في مجلس النواب المصري بمشروع قانون يحظر ارتداء النقاب في الأماكن العامة. وفي حال أقر المجلس هذا المشروع، فإن مصر ستكون ثالث بلد ذي أغلبية مسلمة يصدر قانونًا يحظر ارتداء النقاب بعد كل من تشاد والجزائر، والبلد الثالث عشر عالميًا.
خلال زيارة لوزير الداخلية الفرنسي نيكولا ساركوزي إلى القاهرة في ديسمبر 2003،صرّح محمد سيد طنطاوي، شيخ الأزهر السابق، أنه من حق فرنسا أن تقرر قوانين تتعارض مع مسألة الحجاب. لقد أراد المسؤولون الفرنسيون تغطية تستند إلى سلطة لاهوتية إسلامية (حتى العلمانية قد تحتاج إلى غطاء لاهوتي لترويج سياساتها) وكان لهم ذلك. وبعد سبع سنوات، في أكتوبر 2009، قام طنطاوي بإجبار طالبة في الصف الثاني الإعدادي (بين 12 و14 عامًا) على خلع النقاب، خلال زيارته لأحد المعاهد الأزهرية شمال شرق القاهرة. وقد تسبب كلا الحدثين في جدل واسع في المجتمع المصري، لا سيما بين الفاعلين الدينيين المختلفين.
قوبلت القرارات الإدارية التي أقدم عليها طنطاوي لحظر النقاب في الجامعات التابعة للأزهر باعتراضات وتظاهرات ودعاوى في المحاكم. وبحلول عام 2010، كانت قد أصدرت ثلاث جامعات مصرية، القاهرة وعين شمس وحلوان، قرارات إدارية بمنع المنتقبات من حضور الامتحانات. ومن جانبه، كانت للقضاء المصري أحكام تحتمل قدرًا من التباين في الاستجابة لهذه القرارات. ففيما أصدرت محكمة مصرية عام 2007 حكمًا يقضي بأحقية الطالبات المنتقبات في دخول الجامعة، في قضية رفعتها إيمان الزيني، طالبة الدكتوراه في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، قامت محكمة القضاء الإداري عام 2010 بتأييد حظر ارتداء النقاب خلال الامتحانات الجامعية. وفي 2016، أيد القضاء أيضًا قرارًا إداريًا أصدره جابر نصار، الرئيس السابق لجامعة القاهرة وأستاذ القانون، بحظر التدريس بالنقاب.
أيّ تجديد للخطاب الديني؟
في الأول من يناير 2015،صرح الرئيس عبد الفتاح السيسي قائلًا: مش [:غير] معقول يكون الفكر اللي [:الذي] احنا [:نحن] نقدسه يدفع الأمة [الإسلامية] بالكامل إنها تبقا [أن تكون] مصدر[اً] للقلق والخطر والقتل والتدمير في الدنيا كلها […] يعني 1.6 مليار هيقتلوا [:سيقتلوا] الدنيا كلها اللي فيها [التي تضم] 7 مليار عشان [حتى] يعيشوا هم… مش [:غير] ممكن […] إحنا محتاجين [:نحن في حاجة إلى] ثورة دينية. هذا التصريح، و تصريحات أخرى مشابهة، يأتي متسقًا مع موقف عام ينطلق منه السيسي يرى أن ثمة ذهنية دينية متجذرة في المجتمعات العربية والإسلامية تضر انعكاساتها بالبنى الأساسية لهذه المجتمعات، لا سيما الدولة، وبالتالي، السلم العالمي.
نداء السيسي بخطاب ديني مُغاير للسائد لا يصدر عن رؤية علمانية الطابع، على سبيل المثال على طريقة بورقيبة في خلعه الحجاب عن النساء أمام عدسات الكاميرات، أو إسلامية الطابع، على طريقة الخليفة المأمون (786-833) الذي أحاط نفسه بشيوخ المعتزلة وتأثر بفلاسفة اليونان، وإنما عن تقدير دولتيّ يستند جوهريًا إلى الحساسية الأمنية. ربما يكون السيسي متدينًًا فعلًا، كما روّج الإخوان المسلمون عندما عينه مرسي وزيرًا للدفاع، ولا يبخل، مثلًا، بإعلان رفضه للإلحاد، لكن ذلك يعبر عن حساسية أمنية أكثر منه عن غيرة دينية، أو يعبر عن تكتيك خطابي يستهدف حض أعضاء المؤسسات الدينية الرسمية على القيام بالمهمة، «المعركة الفكرية الكبرى»، التي أوكلها لهم. المسألة الدينية هنا تأتي في المقام الأول ضمن الملف الأمني.
ليس فقط مشروع القانون الذي تقدمت به النائب غادة عجمي هو ما يتوافق مع الرؤية العامة لتجديد الخطاب الديني عند السيسي، وإنما أيضًا، والأهم، المسوغات التي أدلت بها. لقد استندت النائب أساسًا إلى المادة 59 من الدستور المصري التي تنص على أن «الحياة الآمنة حق لكل إنسان، وتلتزم الدولة بتوفير الأمن والطمأنينة لمواطنيها، ولكل مقيم على أراضيها»، وليس إلى أي مواد علمانية أو شبه علمانية قد تكون موجودة به أو بأي نصوص قانونية أخرى.
هو لا يحبك أنت!
في الآونة الأخيرة، صارت النخب العلمانية السلطوية في مصر تتبنى بشكل ملحوظ خطابًا عن الإسلام يشبه ذاك الذي يصدر عن حزب «الجبهة الوطنية» في فرنسا أو حركة «خمس نجوم» في إيطاليا؛ أي صارت تعتنق بلاغة اليمين الأبيض العنصري عندما يتعلق الأمر بالمرأة المسلمة أو الحجاب أو النقاب أو بناء المساجد أو الذهاب إلى الحج أو التعليم الديني في المدارس. السيسي، من جانبه، يعادي هذا الخطاب تمامًا ويحذر من التمادي فيه، ويدعو إلى التعاطي مع المسألة «بحذر ودقة ووعي ومسؤولية».
إن الفارق بين السيسي وعجمي من ناحية وهؤلاء الصقور من ناحية أخرى لا صلة له بموقف أقل أو أكثر تنويرية تجاه المسألة الدينية، وإنما يتعلق بمدى أخذ الاعتبارات الأمنية على محمل الجد. نيتشه كان يقول:
وإذا كان المستقبل وحده يكفل البرهنة على صحة أو خطأ النصف الأول من العبارة، فإن ما مضى من أحداث يدل على أن السيسي يكره هؤلاء الأصدقاء.
أخيرًا، في حال أُقر مشروع قانون حظر النقاب، فإن التيار السلفي أيضًا، والذي كان مكونًا بارزًا في ترتيبات ما بعد 3 يوليو 2013، سيحظى بجانبه من الكراهية، وستمثل هذه الخطوة نهاية مساومات كانت قد أجريت في لحظة أصبحت الآن جزءًا من الماضي.