فليم «بني آدم»: يوسف الشريف بين أرسطو وعمرو سمير عاطف
يوسف الشريف ممثل مصري بنى شعبيته في السنين الأخيرة من خلال بطولته لأعمال تليفزيونية تنتمي لنوعية الغموض والتشويق، التواءة حبكة الحلقة الأخيرة طقس دائم ومحبب لجمهوره، ومشاركة التعليقات والتفسيرات الخاصة بهذه النهاية المفاجئة هو ما يشغل بال الكثيرين على مواقع التواصل الاجتماعي في نهاية رمضان من كل عام، بدءًا من مسلسل «اسم مؤقت»، مرورًا بأفضل أعماله في مسلسل «الصياد»، وأخيرًا في مسلسل العام الماضي «كفر دلهاب».
ما صنعه يوسف الشريف في التليفزيون هو ما يحاول العودة به الآن للسينما، والتي هجرها منذ ما يقرب من 10 سنوات بعد تجارب غير ناجحة بالشكل الكافي. «بني آدم»، هذا هو اسم الفيلم الذي انتظره جمهور الشريف، والذي بدأ عرضه في بداية موسم عيد الأضحى 2018.
بمشاركة مع المخرج أحمد جلال والكاتب عمرو سمير عاطف، الفريق المفضل للشريف، وبفيلم من فكرته، انتظر الجميع التواءة الحبكة طوال الفيلم، ولكن هل تصبح المفاجأة مفاجأة حينما يعلم الجميع بقدومها؟
اليوم نحلل معكم رحلة يوسف الشريف في أرض التواءات الحبكة، وبالتحديد ما يمكننا فهمه من رموز التواءة حبكته الكبيرة في فيلم «بني آدم».
البطل المأساوي/التراجيدي
وضع المفكر اليوناني القديم أرسطو خصائص واضحة لشخصية البطل المأساوي في الأدب والمسرح، أولى هذه الخصائص أن يملك هذا البطل ثقة كبيرة تصل لحد الغرور، بحيث نراه مؤمنًا بقدرته على التغلب على كل الصعاب، حتى ولو بدا بعضها مستحيلًا.
نرى هذه الثقة وهذا اليقين الراسخ بالذات من المشهد الأول في الفيلم. «آدم/يوسف الشريف» هو عضو بارز في إحدى العصابات، نراه وهو يقود سطوًا مسلحًا سريعًا ودقيقًا وعنيفًا على أحد البنوك. لا يرضى آدم بأنصاف الحلول ولا يتسامح مع أية أخطاء.
بالعودة إلى النموذج الخاص بأرسطو نجد أن هذا البطل المأساوي لا بد أن يمتلك نقطة ضعف تؤدي في النهاية لمصيره المحتوم، نقطة الضعف هنا هي حياة آدم المزدوجة، هي أسرته، زوجته (قامت بدورها دينا الشربيني)، وابنه، يخفي آدم عمله الخطير عنهما ويتظاهر بكونه رجل أعمال.
هذه الكذبة التي بنى عليها حياته هي ما تحتاجه القصة لتشتعل، ولينقلب عالمه وحظه بشكل مفاجئ، وليصبح في مواجهة مباشرة مع مصيره المحتوم الذي يواجهه فيه عدو لا يستهان به، هو رئيس عصابته بنفسه، أو كما يلقبونه «الأستاذ»، والذي يقوم بدوره محمود الجندي بلثغه ولزمة مميزة كما اعتاد أن يفعل بأدواره، هذا الانقلاب المفاجئ، وهذا العدو المهدد للمصير هما أيضًا من الخصائص التي حددها أرسطو.
لدينا إذن بناء جيد يصلح لصنع قصة تشويق وإثارة تنتهي نهاية تراجيدية لبطل مأساوي، ينقصنا فقط تحويلها لفيلم سينمائي بلغة الفيلم البصرية، ولكن لكي يحمل الفيلم علامة يوسف الشريف يتبقى شيء آخر.
التواءة الحبكة / لحظة التنوير
لتلاشي حرق لحظة التنوير الطويلة في الفيلم، ولأنه من نوعية الأفلام التي تقل متعة تجربتها بكشف التواءة حبكتها، سنتحاشى ذكرها مباشرة، ولكننا سنحلل بذكر أمثلة مشابهة.
التواءة الحبكة التي اختارها صناع الفيلم هي ما يمكننا تسميته التواءة حبكة «لحظة التنوير»، وهي في الحقيقة ما ذكره أرسطو تحديدًا في خصائص الشخصية المأساوية تحت اسم Anagnorisis، وهي اللحظة التي يكتشف فيها هذا البطل مفاجأة كبيرة تتعلق بهويته الشخصية، وعادة ما يصل البطل لهذه اللحظة بنفسه بعد سلسلة من الأحداث في اتجاه مغاير تمامًا.
أبرز الأمثلة على هذا النوع من التواءات الحبكة هو ما شاهدناه في فيلم ديفيد فينشر الشهير Fight Club، وبالتحديد حينما يكتشف البطل فجأة أن صديقه العنيف، والذي شاركه تأسيس نادي القتال ليس سوى هوية أخرى في عقله، وأنه مصاب باضطراب الشخصيات المتعددة. مثال آخر جيد على هذه الالتواءة هو ما يحدث في فيلم نايت شايالامان The Sixth Sense حينما يكتشف البطل الذي يحاول طوال الفيلم مساعدة طفل صغير يرى الموتى ويتبادل الحديث معهم أنه هو نفسه ميت، ولهذا يراه الطفل ويحادثه.
كيف غابت الإشارات في رحلة آدم
في الحالتين السابقتين يبنى المخرج وبشكل غير ملحوظ للمشاهد علامات على هذه الالتواءة الهائلة في هوية البطل، ولهذا عندما يصل البطل للحظة التنوير المفاجئة يمكننا أن نرى المفاجأة في عينه لأننا فوتنا معه الكثير من الإشارات التي كانت كفيلة بكشف هذه المفاجأة، هكذا تصبح رحلة البطل المأساوي ذات منطق له ولنا.
هذه الرحلة من الإشارات هي ما تفتقده بالتحديد التواءة حبكة فيلم «بني آدم»، ورغم الجو الغرائبي الذي يقدمه المخرج والمؤلف في نهاية الفيلم، والذي يصاحبه أفضل أداء ليوسف الشريف نفسه طوال الأحداث، فإننا لا نشارك البطل رحلته ولا نتفهمها، وبالتالي يقل تأثير الالتواءة حتى وإن كانت مفاجأة وتصنع بهوية البطل وبعقله ما لا يمكن تخيله.
الإحساس بالتعاطف مع البطل هو ما نفتقده أيضًا في هذا الفيلم، البطل المأساوي يجب أن يكون شخصًا عاديًا، له أخطاؤه، ولكنه ليس شيطانًا حتى لا يظن الجمهور أنه يستحق نهايته التراجيدية، كما يجب ألا يكون مثاليًا فحينها يفقد الجمهور التواصل معه، يجب أن نشاهد رجلًا عاديًا له أخطاء ولكنه أيضًا يملك بعض الصفات والسمات الجيدة، كما أنه يملك خلفية طيبة وربما هدفًا أخلاقيًا، هذا بالتحديد ما يغيب عن آدم، نشاهد مجرمًا عنيفًا ولا نعرف بشكل كافٍ جذوره ولا يمنحنا الفيلم فرصة لمشاهدة خصاله الطيبة للتعاطف والتواصل معه، وهكذا أيضًا يقل تأثير التواءة الحبكة ولحظة التنوير.
هل تؤمن بحياة أخرى بعد التواءة الحبكة؟
في فيلم «بني آدم»، قدم يوسف الشريف مع عمرو سمير عاطف وأحمد جلال التواءة حبكة تحمل رمزية كبيرة عن أصل الحياة وطبيعتها، وهل يمثل الموت نهاية أو عقابًا أم أنه مجرد باب لبداية أخرى. آدم اسم يحمل رمزية هائلة، فهو اسم أبي البشر، والذي بحسب الرواية الدينية خرج من الجنة ليجد في الأرض حياة جديدة وخرج أبناؤه من الدنيا ليجدوا حياتهم الأطول والأهم في الآخرة.
لم تصل الرمزية بشكلها الواضح ولا الالتواءة بتأثيرها الدرامي والعاطفي للجمهور بالشكل المتوقع، ونرى هذا حتى الآن في ردود فعل المشاهدين، كما نراه منعكسًا في أرقام شباك التذاكر.
ويبقى السؤال هنا: هل سيؤمن يوسف الشريف بضرورة تطوير ذاته وإعادة التفكير في فريقه وفي اختيار نصوصه ليقدم لجمهوره جديدًا في السينما بجانب التليفزيون، أم أنه سيظل متمسكًا بعالم النهايات المفاجئة الذي أصبح مكررًا ومتوقعا؟ بمعنى آخر، هل سيؤمن يوسف الشريف بعد «بني آدم» بوجود حياة فنية أخرى بعد التواءات الحبكة؟