هل الصلعة تنتج الكهرباء حقًا؟ رحلة البحث عن «الفنكوش»
تداولت عدد من المواقع الإخبارية أنباءً عن دراسة حديثة تسعى لتوليد طاقة كهربية من «صلعة» الرجال.
بطبيعة الحال، لاقى الخبر نجاحًا ساحقًا وتبادله روّاد منصات التواصل الاجتماعي عبر حساباتهم وحقّق تفاعلاً كبيرًا، ولا عجب في ذلك فالكثير من رجال مصر يُعانون من الصلع. لا نملك إحصائيات موثقة عن عدد الصُلع في مصر، لكن نظرة واحدة لأي شارع تكفي لحصد كمٍّ كبيرٍ من الرجال فاقدي الشعر، ما يجعلهم مصادر محتملة للكهرباء بحسب الدراسة المزعومة.
ماذا كتبت المواقع المصرية؟
الخبر حسبما نشرته أغلب المواقع، منذ ساعات، أن شركة إسبانية ما -لم تُسمِّها- تعاونت مع جامعة إسبانية تُدعى «فالنسيا التقنية» -في موضعٍ آخر من الخبر ذاته مُنحت الجامعة لقبًا آخر هو «Polytechnic University»- لإنتاج ما وصفته الأخبار بأنها «تكنولوجيا غريبة من نوعها يمكن من خلالها توظيف الصلع لدى الرجال من أجل توليد طاقة متجددة باستخدام أشعة الشمس».
وكشف الخبر عن تفاصيل دقيقة لهذه التجارب تضمّنت خضوع 42 رجلاً لهذه التجارب التي ستحوّل الرأس الصلعاء إلى «لوحة شمسية» قادرة على توليد طاقة قدرتها 400 ميللي أمبير!
الخبر ذاته نُشر في مواقع أخرى بذات الصيغة تقريبًا مع تغيّر طفيف في التفاصيل، مثلما فعلت بوابة الوطن حينما نسبت تلك المعلومة إلى موقع باكستاني يُدعى«theindustribune»، وإضافة تصريحات منسوبة لـ«أحد الباحثين في الشركة» لم نعرف لها مصدرًا إلا ما زعمته الأخبار عن نشر مجلة بريطانية «innovatorsmag» للخبر.
ليست أول مرة
ذات الخبر نُشر بذات التفاصيل تقريبًا في منصّة إعلامية إماراتية، وتحديدًا عن ذلك التعاون المُريب بين الشركة الإسبانية مجهولة الاسم وبين جامعة فالنسيا التقنية تلك، ولكن منذ عامين تقريبًا!
هذه المرة نُسبت تلك الأنباء إلى موقع «There is news»، الذي أكد أن تلك التقنية المرتقبة سيتكون متاحة للبيع في صيف 2019م!
ما وراء المصادر
فيما يخصُّ الشركة -صاحبة الاختراع- فلا يُوجد ما نقتصُّ وراءه بالأساس فلم يُسمِّها ولا خبر حتى يُمكن التحقق من قيامها بهذه الخطوة أم لا.
إذن لا يكون أمامنا إلا البحث وراء الطرف الثاني المُشارك في ذلك الاختراع وهو الجامعة، التي أسمتها المصادر الصحفية «فالنسيا التقنية» تارة و«Polytechnic University»، وكلا التسميتين خاطئتان، والأصح هو الاسمان معًا؛ «جامعة فالنسيا التقنية (بوليتكنيك)» أو «Universitat Politècnica de València».
وعند البحث في أرشيف الأبحاث التي قدّمتها تلك الجامعة عن الصلع، لم نجد إلا أوراقًا علمية بحثت علاج الصلع وكيفية الوقاية منه، لا شيء على الإطلاق عن استغلاله في توليد الكهرباء.
الموقع الثاني الذي اعتمدته المنصّات الإعلامية كمصدرٍ للخبر هو «innovatorsmag»، والذي نشرته في بداية أبريل، فهل قصد به المحرّر أن يكون كذبة أبريل؟
وخلال إعداد هذا الموضوع راسلتُ إدارة الموقع بشأن هذا الخبر ولكنهم لم يردّوا حتى الآن، لكن في جميع الأحوال لم أعد بحاجة إلى ردّهم حينما انتقلتُ إلى المصدر الأول والأساسي للخبر حول العالم بأسره.
فقط مزحة
المصدر الأول الذي اعتمدته المنصة الإماراتية للخبر هو موقع thereisnews، وهو موقع ساخر لا يخفي بوضوح أنه لا ينشر أي أخبار حقيقية وإنما يقدّم ما يمكن تسميته «أخبارًا مفبركة تسخر من الموقع» مثلما يفعل موقع «الحدود» العربي على سبيل المثال.
عند زيارة الموقع تتّضح لك هويته من صفحته الرئيسية والتي تحمل شعار «ليس حقيقيًا، لكنه مضحك»، كما تحمل أخبارًا مازحة غير حقيقية بالطبع عن اعتزام بابا الفاتيكان إلغاء الكتاب المقدس ووضع كتاب جديد، وعن رجل مجهول ربط حماته بـ137 بالونًا طارت بها بعيدًا عنه وغيرها من الأخبار الساخرة التي لا تحمل سطرًا واحدًا من الحقيقة.
وفي قسم «علوم» من ذات الموقع ستكتشف أن خبر تحويل الرجال الصُلع إلى أداة لتوليد الطاقة نُشر في يونيو 2019، ويتضمّن كافة التفاصيل -بما فيها الشركة الإسبانية المجهولة وتلك الجامعة التقنية- التي تبارت المواقع العربية والمصرية على نشرها كما لو كانت خبرًا حقيقيًا.