بهرام الأرمني: قصة الوزير سيف الإسلام المسيحي
اليوم هو يوم الجمعة، اعتلى الأمير أبو الفتح رضوان بن ولخشي المنبر في الجامع الكبير بمدينة سخا المصرية. كان وجه الأمير ينتفض بالغضب والحماسة المتقدة في آنٍ واحد. كانت العبارة التي قصف بها آذان المصلين وقلوبهم وعقولهم في خطبة الجمعة تلك أشبه بقذائف المدفعية الثقيلة.
كيف لا، والأمر كما زعم الوزير يمس دين مصر وهويتها، والشواهد على أرض الواقع تؤكد ذلك.
أصابت الخطبة النارية مواضعها في نفوس عامة المسلمين وخاصتهم التي كانت تلتهب بمشاعر دينية جارفة ضد ما شعروا أنه تطاول مسيحي أجنبي في مصر، تمثل في الآلاف من الأرمن الذين وفدوا إلى مصر جماعاتٍ وأفرادًا من الشام والإمارات الصليبية وغيرها، مما ولَّد لديهم شعورًا جارفًا بأن الإسلام في مصر يتعرض لتهديد خطير، يتزعمه وزير مصر القوي بهرام الأرمني، والذي سلَّم مفاصل الدولة لشيعته من الأرمن.
لم يكن مستغربًا خلال الأيام التالية أن يندلع اقتتال أهلي طاحن في القاهرة، ثم ينتشر منها كالنار في هشيم متشبِّع بالبنزين في طول البلاد وعرضها، مما اضطر الوزير بهرام والآلاف من الأرمن بالقاهرة أن ينسحبوا من العاصمة المحتقنة صوب الصعيد، ليحتمي بمناطق نفوذ أخيه هناك، لتدهمه الصاعقة قرب قوص، حيث وجد أخاه مقتولًا، وجثته ملقاة في خرابة عفنة.
صبَّ بهرام جام غضبه على المسلمين من سكان قوص، فقتل العشرات منهم، وأعمل جنوده السلب والنهب في تلك المدينة.
والآن نعود إلى جذور تلك الأحداث قبل أن نستكمل سرد أحداث قصة هذا الوزير المسيحي الذي أنعم عليه الخليفة الفاطمي ذات يوم بلقب تاج الدولة و… سيف الإسلام!
الحافظ الفاطمي: عصر الفتن والعجائب
شهد النصف الأول من القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي) بداية الانهيار الأخير للدولة الفاطمية التي مضى على تأسيسها أكثر من قرنين من الزمان، لا سيما في أعقاب اغتيال الوزير القوي الأفضل بن بدر الجمالي عام 515هـ (1121م)، والذي انفرد هو وأبوه من قبله بمقاليد القوة والنفوذ في مصر منذ استنجاد الخليفة الفاطمي المستنصر ببدر الجمالي عام 466هـ (1073م) لإنقاذ مصر من فتن وفساد الأمراء، التي تزامنت مع جفاف النيل وأدخلت مصر في المجاعة الهائلة وسنوات الخراب السبع التي عُرفت بالشدة المستنصرية.
اعتلى الخليفة الحافظ الفاطمي عرش مصر عام 524 هـ (1130م) بعد نجاح خصوم الفاطميين في المذهب الإسماعيلي، الشيعة النزارية، الذين اشتهروا تاريخيًّا بلقب الحشاشين، في اغتيال سلفه في الخلافة، وابن عمه، الآمر بأحكام الله بن المستعلي بن المستنصر.
استمر في الحكم ما يقارب العشرين عامًا، لكنها كانت سنوات حافلة بالاضطرابات والقلاقل والصراعات.
لم يكن انتقال السلطة إلى الحافظ سلِسًا، إذ لم يكن للآمر من ولدٍ ذكر يرث منه الحكم والإمامة على عادة الفاطميين، ووضعت زوجته الحامل بنتًا بعد وفاته بقليل، فاختلف الأمراء المتنفذون بمصر في أمر الخلافة، فأحالوها إلى الحافظ،ليكون ثامن الخلفاء الفاطميين بمصر.
لم يكد الحافظ يعتلي العرش حتى وقعت فتنة دموية بين الأمراء، انتزع على إثرها الوزير أبو علي بن الأفضل بن الجمالي الوزارة، وكان شيعيًّا اثني عشريًّا متعصبًا، يمقت التشيع الإسماعيلي، الذي هو مذهب الخلافة الفاطمية والأساس الشرعي لوجودها، فسجن الخليفة الحافظ في قصره، واستولى على الكثير من أمواله، واستبد دونه بالأمر.
دبر الحافظ مؤامرة لاغتيال الوزير نفذها بنجاح عام 526 هـ (1132م) أحد مماليك الحرس الخاص، والذين أخرجوا الحافظ إثر ذلك من سجنه، ليتولي الوزارة الأمير أبو الفتح يانس، والذي لم يعتبر بمصير سلفه، فحاول الانفراد بالسلطة، فقتله أحد خدمه بتسميم المياه في حمَّامه، بالتواطؤ مع الخليفة الحافظ.
أسند الحافظ الوزارة إلى ابنه الأكبر سليمان، ليلتقط أنفاسه من صراعات الوزراء، فمات سليمان فجأة بعد شهرين، فطمع حسن ثاني أولاد الحافظ في الوزارة، فرفض أبوه توليته لأنه كان عاقًّا له، فقرَّر حسن الخروج ضد أبيه وخلعه من الخلافة، وحاز ولاء العديد من الأمراء والمتنفذين والعسكر بماله وسطوته، فأجبر أباه على أن يوكل إليه الوزارة وولاية العهد من بعده.
لكن اتَّصف حسن بن الحافظ بالطيش والبطش في آنٍ، فقتل الكثيرين من أنصاره قبل أعدائه بأقل شبهة خيانة، حتى بلغ به الأمر أن يقتل 40 أميرًا في يوم واحد، فضاق به العديدون ذرعًا، وهجاه أحد الشعراء في قصيدة طويلة جاء فيها:
تطوَّرت الأمور إلى ثورة عارمة في القاهرة، احتشدَ خلالها ما يقارب العشرة الآلاف من الجنود والأمراء يطالبون بعزل حسن والتخلص منه، فلجأ إلى قصر أبيه، فحاصره الثائرون وهددوا بإحراقه إن لم يُسلم الحافظ إليهم ابنه حسن، أو يقتله.
ولأن الملك عقيم، اختار الحافظ التضحية بابنه لكي يستبقي حياتَه وملكَه، فأمر الحافظ طبيبه ابن قرفة أن يقتل حسن بالسم شريطة ألا يتوجَّع، ولم يرفع المتمردون حصارهم إلا بعد أن أرسلوا من تأكد بنفسه من موت حسن.
جدير بالذكر أن الحافظ بعد فترة أمر بقتل طبيبه ابن قرفة انتقامًا لقتله ابنه بناءً على أوامره ! وكافأ ورقَّى طبيبًا يهوديًّا آخر اسمه أبو منصور رفض ما طلبه منه، وادعى الجهل بكيفية إنتاج العقاقير التي تقتل دون ألم!
في تلك الأثناء لم تشغل الصدمة الدموية الحافظَ عن التدبير، فراسل أمير المحلة الكبرى بهرام الأرمني، وكان يشتهر بالقوة والتخطيط، وطلب منه الخليفة أن يحشد ما استطاع من القوات، ويعاقب المتمردين، ويضبط الأمور في العاصمة الخارجة عن السيطرة.
حشد بهرام ما استطاع من بني جنسه من المقاتلين الأرمن، ومن انضمَّ إليه من البدو والفلاحين، ووثب إلى القاهرة، فالتف حوله بعض الأمراء لا سيما الموالون للخليفة الحافظ، فقوي حشده، وأعمل القتل والأسر في الآلاف من المتمردين والخارجين عن السيطرة، ثم قمع ثورة الجنود السودان (أصحاب الأصول الأفريقية)، والذي كان ولاؤهم لحسن المقتول، وبسط الأمن في القاهرة، وكافأه الحافظ بمنحه منصب الوزارة عام 529 هـ (1135م)، وهنا كانت المفاجأة.
سيف الإسلام النصراني!
كانت العادة في ذلك الزمان أن يحظى الخلفاء وكبار الأمراء والقادة بألقاب فخمة، تمنحهم الهيبة، وبالطبع في غالب الأحيان كان المبالغة والتهويل سيد الموقف، حيث يكون اللقب أضخم كثيرًا من حامله. لكن في حالة الوزير بهرام، كانت مشكلة اللقب الذي منحه له الخليفة الحافظ أكبر من هذا بكثير، إذ لم يحصل بهرام على لقب تاج الخلافة فحسب، إنما لُقِّب أيضًا بـ سيف الإسلام!
ذُهل الرأي العام المصري مرتين، إذ لم يحصل أمير أرمني مسيحي على منصب الوزارة فحسب – الذي كان على مدار العقود التالية أقوى في الصلاحيات من الخليفة – إنما حاز في سابقة فريدة على لقب سيف الإسلام. أثار الفقهاء المسلمون من كل المذاهب عاصفة من الاعتراضات الشرعية على تلك التولية، فحاول الخليفة الحافظ طمأنتهم بأن صلاحيات بهرام ستقتصر على الإدارة السياسية والاقتصادية، بعيدًا عن الأمور الأكثر اتصالا بخصوصية الشريعة.
وفي الأسابيع الأولى من الوزارة أظهر بهرام أداءً جيدًا، حتى إن مؤرخ مصر الإسلامية الأهم تقي الدين المقريزي، ذكر عنه:
رغم ذلك بدأت الأمور تعود للتوتر تدريجيًّا، فقد اكتظَّ الفضاء المصري بالمتربصين لبهرام، لخصومات سياسية وطائفية، ومنحتهم الأحداث الفرصة لتسخين الأجواء ضد الوزير الطموح، فكان من أبرز ما أُخذَ عليه الهجرات الواسعة لعشرات الآلاف من الأرمن إلى مصر، وإسناده العديد من الوظائف الهامة إليهم، وما أظهره بعضهم من الكبر وغرور المنصب والجاه، المعتاد في مصر.
حساسية وضع الأرمن كغرباء مخالفين في الدين جعل عموم مسلمي مصر يفسرون هذه السلوكيات حصريًّا بأنها تعالٍ بالدين، واحتقار للأغلبية المسلمة ولكرامتها الدينية، وعزَّز الفقهاء وبعض الأمراء الطامحين لما بين يدي بهرام من شيوع ذلك التفسير الطائفي. وكان من أبرز هؤلاء الأمراء الأمير أبو الفتح رضوان بن ولخشي.
فطن بهرام لما يدبره الأمير رضوان، فأبعده من القاهرة إلى ولاية عسقلان البعيدة جنوبي فلسطين، فاستغلَّ رضوان منصبه في هذا الثغر الحدودي، وأخد يعطِّل هجرات الأرمن القادمين من الشام إلى مصر، حتى لا تزداد بهم عصبة خصمه بهرام، فارتفعت شعبيته كثيرًا لدى مسلمي مصر، فعاقبه بهرام بالنقل إلى ولاية المحلة الكبرى في قلب الدلتا، فهدأت الأمور مؤقتًا.
فليسقط بهرام
خلال أقل من عامين من وزارة بهرام بلغ أوسط التقديرات لأعداد الأرمن في مصر أكثر من 30 ألفًا، وضاق بهم جمهور المصريين كثيرًا، لا سيما وقد شرعوا في بناء مئات الكنائس والأديرة بطول البلاد وعرضها، وشمخ بعضهم بغير حنكة ولا كياسة على عامة الناس، وخان بهرام التوفيق، فلم يعمل بجدية على كبح جماح تلك الظواهر التي تهدد وزارته في الصميم. بل زاد الطين بلَّة أن أخاه الذي ولَّاه شئون الصعيد قد أظهر الكثير الطغيان، وتكاثرت في ولايته المظالم، والتي كان تأثيرها في نفوس الناس مضاعفًا نتيجة البعد الطائفي.
فشلت مئات الرسائل والعرائض التي أُرسلت إلى الخليفة الحافظ من العديد من أمراء مصر وفقهائها وعامتها في إلزامه بعزل وزيره بهرام، الذي تمكَّن من المقاليد وبسط نفوذه رغم أنف الكثيرين. عندئذٍ، تواطأ العديد من الأمراء والقضاة وغيرهم على نزع بهرام بالقوة، فأرسلوا إلى الأمير رضوان بن ولخشي يطالبونه بحشد ما استطاع من القوات واحتلال القاهرة، وعزل بهرام، فلم يتأخر رضوان، وبث في الناس أن الخليفة مغلوب على أمره من الوزير الكافر، وأن بحوزته كتابًا من الحافظ بتولي الوزارة بدلًا من بهرام، فاحتشد عشرات الآلاف من القبائل العربية والجنود وعامة الناس تحت لواء رضوان، واندفعوا نحو القاهرة.
طلب الخليفة الفاطمي من بهرام أن يعلن إسلامه لكي يبطل حجة خصومه، فرفض بهرام، وقرر الخروج بمن معه من المقاتلين والأرمن لمواجهة قوات الأمير رضوان في معركة فاصلة، لكن ما إن تراءى الجمعان، حتى انفض معظم من كان في جيش بهرام من المسلمين عندما رأوا رضوان ومن معه يرفعون المصاحف على أسنة الرماح. عندئذٍ لم يجد بهرام مفرًّا من الانسحاب بالأرمن إلى الصعيد، ليسيطر مع أخيه على جنوبي مصر، ويتصل بمملكة النوبة المسيحية للتحالف ضد مصر الفاطمية. بينما نُصِّب رضوان وزيرًا من قبل الخليفة، ومُدِح في بيان تولية الوزارة بالعبارة الآتية:
في تلك الأثناء تفجَّرت الفوضى في القاهرة، ونُهبت دار الوزارة وخزائنها، وتعرَّضت بيوت الأرمن وممتلكاتهم للتدمير والنهب، وقاسى من تخلَّف منهم عن الخروج مع بهرام من شتى أنواع الاعتداءات من الجماهير المتحمسة. أما في الصعيد، فقد أُسقط في يد بهرام عندما وجد أهل الصعيد قد ثاروا على أخيه، وقتلوه، ومثلوا بجثته كما أشرنا في صدر المقال، وبدأ بعض الأرمن في ترك بهرام والفرار إلى خارج مصر، لا سيما مع عجزه عن الاستيلاء على أسوان والتحصن بها، واضطراره للفرار إلى الأديرة الصحراوية البعيدة نجاةً بنفسه.
بالاتفاق مع الخليفة، أصدر رضوان أمانًا لبهرام ولأسرته، على أن يبقى في الدير فلا يغادره، كما نجح المئات من الأرمن الذين لم يتمكنوا من الخروج من مصر في أن يستأمنوا لأنفسهم على أن يعودوا إلى أوساط الناس، ويعملوا في الفلاحة في مناطق عديدة من صعيد مصر كسمالوط – محافظة المنيا حاليًّا – وغيرها. وشرع رضوان في تولية المناصب الكبرى لأنصاره المسلمين، وأمر بتحصين الثغور لا سيما عسقلان، وأشاع في البلاد أنه يريد استئناف الجهاد ضد الصليبيين في فلسطين والشام، بعد عقود طويلة من هدنة الأمر الواقع بين مصر الفاطمية والصليبيين. فزاد هذا من شعبيته، لا سيما وأن أنباء انتصارات القائد التركي عماد الدين زنكي ضد الصليبيين في الشام كانت تلهب مشاعر المسلمين في مصر، الغاضبين من تخاذل حكامهم.
ولزيادة شعبيته لدى عامة المسلمين في مصر المحتقنين طائفيًّا من عهد بهرام، أصدر الوزير رضوان أوامر بالتضييق على المسيحيين واليهود في مصر، بإلزامهم بأزياء معينة، وبعدم ركوب الدواب أمام المساجد، وأن يدفعوا الجزية للمحصِّل من مكان منخفضٍ من باب الإذلال … إلخ.
لكن لم يدُم الود بين الحافظ ووزيره الجديد رضوان كثيرًا، فقد كان الوزير سنيَّ المذهب، وأخذ يجهر بالطعن في الخليفة والمذهب الإسماعيلي، فأخذ الحافظ يدبِّر لخلعه، لا سيما وقد بلغته بعض الأنباء الخطيرة أن رضوان ينتظر التمكن أكثر، من أجل إلغاء الخلافة الفاطمية جذريًّا، وأنه حاول إقناع داعي الدعاة الإسماعيلي بذلك، فتملَّص منه هذا الأخير.
عام 533 هـ (1138م) وصلت الأمور بين الخليفة والوزير إلى طريق مسدود، وأقدم رضوان على اعتقال وقتل بعض كبار رجال الحافظ، فردَّ الخليفة باستدعاء الوزير المخلوع بهرام، وتعيينه مستشارًا له مقيمًا في القصر، في مكايدة واضحة لرضوان، والذي بدأ الناس يتفرَّقون من حوله نتيجة غلاء الأسعار، ونقص السلع في الأسواق.
في نفس ذلك العام دبَّر الحافظ ثورة مفاجئة ضد الوزير رضوان، بدأت مظاهرة لعشرين من مماليك الخاص، انضمَّ لها الآلاف من أنصار الخليفة الحافظ وخصوم رضوان، الذي حاول مع حرسه الشخصي تفريق المتمردين، لكنه فشل، وفرَّ من العاصمة، ونُهبت دار الوزارة وخزائنها مرة أخرى. توجَّه رضوان إلى الشام، حيث حشد المئات من الفرسان، وعاد إلى مصر بعد أشهر، لكن نجحت جيوش الخليفة في إلحاق الهزيمة به وأسره، ليُسجَن داخل القصر – وللمفارقة – غير بعيد عن موضع إقامة خصمه بهرام.
لم يعين الحافظ وزيرًا في السنوات الباقية من عصره، والتي قضى منها الأمير رضوان 8 أعوام مُعتقلًا، قبل أن يفر من السجن عام 542 هـ (1147م) بعد أن حفر لنفسه نفقًا على مدى أشهر طويلة على طريقة مسلسل Prison break الشهير، فانضم له المئات من الناقمين على الخليفة الحافظ، وثار بالقاهرة، وتحصَّن بالجامع الأقمر – في شارع بين القصرين، المعز حاليًّا – القريب من القصر، لكن نجح بعض العبيد السودان الموالين للحافظ في قتله، فتفرَّق جمعه وانتهت قصته.
نهاية هادئة
كانت عودة الأمير بهرام إلى القصر الخليفي أكبر من مجرد مكايدة للأمير رضوان، فقد كان الحافظ الفاطمي يثق للغاية في عقل بهرام وتدبيره، ولذا فقد استحقَّ مكانته في البلاط كمستشار سياسي للخليفة الذي يحاول أن ينصب شراع خلافته المتعثرة بكل الطرق والحيل أمام رياح وأنواء الفتن والاضطرابات والمطامع، كما كان هذا الأمير القوي بمثابة كارت سياسي مهم في حوزة الحافظ ليلوَّح به في وجه باقي الأمراء إن دعته الضرورة لذلك.
عام 535 هـ (1141م) تُوفي بهرام لأسباب طبيعية، بينما كان في إقامته الإجبارية الاختيارية في قصر الحافظ. وهي نهاية هادئة للغاية بالقياس لتقلبات حياته السياسية الصاخبة التي تلوَّنت بدماء غزيرة. حزن الخليفة بشدة لوفاة بهرام، وطلب من البطريرك أن يشرف بنفسه على تجهيز الأمير المتوفى، ثم شهد الخليفة وكبار رجال الدولة جنازة الفقيد، التي حضرها عشرات الآلاف من مسيحيي مصر، ثم جلس الخليفة في خشوع أمام قبر بهرام، واغرَوْرَقت عيناه بالدموع في بكاءٍ شجي.