البحرين محافظة سعودية: لماذا تقبل دولة بالتبعية؟
لا يحتاج متابع للشأن الخليجي أن يتمتع بقوة الملاحظة حتى يدرك طبيعة العلاقة بين السعودية والبحرين، وهي علاقة يمكن تلخيصها في جملة واحدة دون إخلال؛ الشقيقة الصغرى أصبحت المحافظة السعودية رقم 148.
السؤال الآن هو كيف ولماذا تتنازل دولة عن استقلالها طوعًا وتقبل بدور التابع لدولة أخرى؟
جذور العلاقات البحرينية – السعودية
لا يمكننا القطع بتاريخ محدد بدأت فيه العلاقات البحرينية – السعودية، لكن بصفة عامة، تعود جذور هذه العلاقة إلى عصر الدولة السعودية الأولى (1744-1818م)، وهي علاقة جيدة بشكل عام باستثناء محاولة آل سعود الفاشلة لضم البحرين إلى ملكهم في أواخر القرن الثامن عشر.
تطورت العلاقة بين آل خليفة – حكام البحرين – وبعضٍ من آل سعود خلال عصر الدولة السعودية الثانية (1840 – 1891م)، بتشجيع من الاحتلال البريطاني، وشهد عام 1870 أول زيارة رسمية من أمير سعودي إلى البحرين، وهي زيارة الأمير سعود بن فيصل بن تركي، رغبةً في الحصول على دعم الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة في صراعه مع أخيه عبد الله على الحكم.
وقام الأمير عبد الرحمن بن فيصل، والد الملك عبد العزيز مؤسس الدولة السعودية الثالثة، بزيارة البحرين مرتين أولاهما في العام 1876م، والثانية عام 1891م بصحبة ابنه عبد العزيز، حيث أقام برهة من الزمن لاستجماع قوته بعد انهيار دولة آل سعود، ثم سافر إلى الكويت وأقام فيها، حتى نهض ابنه عبد العزيز عام 1902 لاستعادة ملكهم المفقود، ومنذ ذلك الحين أخذت العلاقات السعودية – البحرينية تتطور حتى آلت إلى ما عليه الآن.
مساهمة إيران في إخضاع البحرين للسعودية
قامت الدولة الصفوية باحتلال البحرين عام 1602م، وظلت تحكمها بشكل شبه متواصل حتى العام 1783م عندما استطاعت أسرة آل خليفة أن تطردهم من الجزيرة وتسيطر عليها. ومنذ ذلك الحين، لم يتوقف الفرس عن الادعاء بتبعية البحرين لهم استنادًا إلى فترة حكم الصفويين لها، وقاموا بعدد من المحاولات لاستعادتها في أعوام 1820، 1823، 1836، 1867، ولكن هذه المحاولات باءت بالفشل بسبب الدعم والمساندة البريطانية للبحرين.
وزادت أطماع السلطات الفارسية في البحرين بعد اكتشاف النفط بها عام 1931، فأضافت إلى ادعائها السابق ادعاء آخر يتعلق بحماية الشيعة الذين يشكلون أكثرية سكان الجزيرة، والذين يُضطهدون من قبل حكام آل خليفة السنة. واستصدرت الحكومة الإيرانية في عام 1946، قرارًا من مجلسها النيابي بتخويل السلطة للحكومة الإيرانية في ممارسة سيادتها على البحرين>
وفي العام نفسه ثبّتت المناهج التعليمية الإيرانية مسألة تبعية البحرين لها، وأعادت رسم خرائطها السياسية بوقوع البحرين ضمن حدودها في عام 1948. بل وقامت في العام 1957 بإصدار قرار يعتبر البحرين المديرية الرابعة عشرة لإيران، وخصصت لها مقعدين في مجلس النواب.
استمرت الادعاءات الإيرانية قائمة حتى قامت الأمم المتحدة في العام 1970 باستفتاء شعب البحرين إن كان يريد الاستقلال أم الانضمام إلى إيران، وكانت النتيجة تأييد الغالبية الساحقة لسكان البحرين بمختلف انتماءاتهم وطوائفهم ودياناتهم إقامة دولة عربية ذات سيادة مستقلة، فقبلت إيران النتيجة وأقامت علاقات دبلوماسية مع البحرين.
بعد نجاح الثورة في إيران وقيام الجمهورية الإسلامية عام 1979، حاولت طهران تصدير الثورة إلى الدول المجاورة وعلى رأسها البحرين التي كانت بيئة مناسبة للغاية بسبب أغلبيتها الشيعية، ومن هنا بدأت مرحلة جديدة من العداء الممتد بين البلدين. فآل خليفة يعتبرون إيران عدوهم اللدود الذي يريد القضاء عليهم وعلى سنة البحرين، وإيران تتهم آل خليفة باضطهاد شيعة البحرين وتدعي أنها تحاول حمايتهم باعتبارها راعية الشيعة في المنطقة. كما تعود إيران أيضًا لإحياء ادعاء تبعية البحرين لها من وقت لآخر.
اقرأ أيضًا:البحرين تحارب الإخوان في الخارج وتتحالف معهم في الداخل
منذ بدء المساعي الإيرانية للسيطرة البحرين مرة أخرى، نظر حكام الجزيرة إلى أنفسهم فرأوا أنهم دولة ميكروسكوبية الحجم، قليلة العدد، نسيجها الاجتماعي غير متماسك، لا تستطيع الدفاع عن نفسها، فقالوا: حسنًا نحن بحاجة إلى حماية.
استعانت البحرين ببريطانيا لحمايتها من إيران حتى العام 1970، وحاولت بالتوازي مع الحماية البريطانية مد أواصل التعاون مع الدول العربية وخاصة دول الخليج وعلى رأسهم السعودية من أجل إيجاد داعم لها في مواجهة الوحش الإيراني.
لم يتأخر آل سعود عن دعم البحرين في مواجهة الأطماع الإيرانية. ربما الأمر في البداية كان بدافع رد الجميل لآل خليفة الذين آووهم في وقت سابق، لكنه تحول بعد ذلك إلى مخاوف من امتداد الطمع الإيراني إلى باقي دول الخليج حال نجاحها في السيطرة على البحرين، ثم تحول مرة أخرى إلى مخاوف من تصدير فكرة الثورة والجمهورية الإسلامية إلى ممالك الخليج، ومن هنا اعتبرت البحرين الحصن الأول الذي لا يجب أن يسقط أمام الغزو الإيراني.
2011: النقطة الفاصلة
امتدت شرارة ثورات الربيع العربي، التي اندلعت عام 2011، إلى البحرين، فتظاهر الآلاف من المواطنين في دوار اللؤلؤة بالعاصمة البحرينية المنامة، للمطالبة بتطبيق الملكية الدستورية والحرية وإشراك الشعب في الحكم.
قمعت الحكومة البحرينية الاحتجاجات وقتل وجرح العشرات من المتظاهرين، ثم اعتذرت وتعهدت بإجراء حوار وطني، لكن ذلك لم يوقف التظاهرات التي أخذت تشتعل أكثر وتأخذ بُعدًا مذهبيًا بعدما أصبح أبرز قادتها من الشيعة. وسرعان ما اتهمت إيران بتأجيج الفتنة في البحرين.
لم تكن السعودية لتسمح بأن تسفر احتجاجات البحرين عن إسقاط حكم آل خليفة، فأرسلت 1000 جندي من قوات «درع الجزيرة» التابعة لمجلس التعاون الخليجي، من أجل المشاركة في قمع الاحتجاجات، ثم أُعلنت حالة الطوارئ وقُبِض على قيادات المعارضة بتهمة الاتصال بجهات أجنبية.
نجحت السعودية في قمع الاحتجاجات والحفاظ على نظام الحكم في البحرين، لكن النسيج المجتمعي البحريني كان قد اهترأ بشدة، وأصبح السخط الشيعي باديًا للعيان بعد الحملات الانتقامية التي شنتها الحكومة، وهو وضع لم يتغير حتى الآن رغم مرور أكثر من 7 سنوات.
أدت أحداث 2011 أيضًا إلى تضرر صورة البحرين عالميًا، ولم تعد بيئة آمنة للاستثمار بسبب الاحتقان المجتمعي المستمر، فاتجه بعض المستثمرين إلى دبي المنافسة. أدى هذا إلى تباطؤ النمو وزيادة عجز الموازنة، وفاقم من التدهور الاقتصادي انخفاض أسعار النفط – الدخل الأساسي للبلاد – منذ العام 2014، مما نتج عنه انخفاض إيرادات الدولة بشدة وانخفاض تصنيفاتها الائتمانية وارتفاع ديونها، فلجأت إلى جيرانها في الخليج لتقديم يد العون والمساعدة.
قدمت دول الخليج وعلى رأسها السعودية، ما يقرب من 10 مليارات دولار كمساعدات إلى المنامة منذ العام 2011، لكن ذلك لم يوقف تدهور اقتصادها فهوت عملتها لأدنى مستوى لها في 17 عامًا، وارتفع الدين العام إلى إلى نحو 89%، وانخفضت احتياطات النقد الأجنبي وأصبحت لا تغطي سوى ستة أسابيع فقط من البضائع، وهو ما دفع السعودية والإمارات والكويت إلى التعهد بتقديم مساعدات قيمتها 3.5 مليار دولار.
أدرك حكام البحرين منذ العام 2011 مدى ضعفهم خارجيًا وداخليًا، وهشاشة وضعهم الاقتصادي، وأنهم لن يستطيعوا الحفاظ على ملكهم دون الدعم الأمني والمالي الذي تقدمه السعودية وبدرجة أقل الإمارات، فقرروا ألا ملجأ ولا حامي لهم من الأخطار سوى الشقيقة الكبرى، فارتكنوا إليها وسكنوا، وأصبحوا منذ ذلك الحين حريصين كل الحرص على إبداء التبعية لها كأنهم حكام إحدى محافظاتها.
يمكن رصد علاقة التبعية هذه بوضوح في موقفين اثنين، أولهما، عندما قامت السعودية بقطع علاقاتها مع إيران مطلع العام 2016، إذ قامت البحرين باتخاذ نفس الخطوة بعدها بأقل من 24 ساعة، رغم أن مصلحتها تقتضي الحفاظ على علاقات جيدة مع طهران من أجل تهدئة جبهتها الداخلية.
الموقف الثاني، هو مقاطعة بعض دول الخليج لقطر في يونيو/ حزيران 2017، فرغم أن البحرين كانت أولى الدول التي أعلنت سحب سفيرها من الدوحة وقطع العلاقات معها، إلا أنه لا يخفى على أحد أن ذلك تم بإيعاز من السعودية والإمارات، اللتين قطعتا علاقاتهما مع قطر بعدها بساعات. وإذا كانت الرياض وأبوظبي تشتكيان من طموح الدوحة، فما الذي تشتكي منه المنامة ولماذا قاطعت قطر؟ ببساطة، لا يوجد سبب وجيه سوى أن هذه هي رغبة الشقيقة الكبرى.