سياج بغداد: خطة أمنية أم حاجز جديد؟
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
كلما احتدمت الحرب في العراق من أجل صد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) عن المساحات الشاسعة من الأراضي التي استولى عليها، تظهر الحكومة التي يقودها الشيعة على أنها تقوم ببناء نظام جديد في بغداد.
في الأسبوع الماضي، أعلن قادة الجيش العراقي أن «سياج بغداد»، الذي يشيَّد الآن على حدود العاصمة، يهدف إلى حمايتها من «الأعمال الإجرامية لجماعات الإرهابيين».
والمرحلة الأولى من «سياج بغداد»، الأكثر عجالة والتي بدأ الجيش في العمل عليها في الأول من فبراير، تتمثل في بناء حاجز أمني يمتد لمئة كيلومتر ويتضمن جدارًا وخندقًا حول المدينة مترامية الأطراف.
وكما فصَّل الأمر اللواء عبد الأمير الشمري، قائد عمليات بغداد، سيكون ارتفاع الجدار 3 متر والخندق 3×2 متر، على طول الحاجز.
غير أنه، يوم السبت، رفض حيدر العبادي، رئيس الوزراء العراقي، خطة تطويق بغداد بجدار خرساني. وقال في تصريح له إن «بغداد هي عاصمة لكل العراقيين».
للوهلة الأولى، خطة أمنية لحماية المدينة تضمُّ أيضًا أبراج حراسة وأجهزة مراقبة إلكترونية، تبدو واقعية. بيد أن فكرة وجود سياج يفصل العاصمة عن بقية البلاد لا تبدو أقل من إقرار واضح بالفشل.
من منظور أمني، قد يحمي الحاجزُ العاصمة من المهاجمين المتسللين أساسًا من المناطق التي يهيمن عليها السُنّة، لكن سيصعب عليه إحباط الانتحاريين المختبئين ضمن الخلايا النائمة لتنظيم الدولة الإسلامية داخل المدينة.
يُعد «سياج بغداد» فجوة مادية تنكس من احتمالات السلام الطائفي في حقبة ما بعد تنظيم الدولة الإسلامية وتؤكد ما تخوف منه الكثير من العراقيين بشأن تقسيم بلادهم.
المشكلة الرئيسة للسياج، بالتالي، هي أنه يضع التركيز الأكثر على السياسة وليس الأمن. وبهذا المعنى، فإن الحدَّ الجديد سيكون فجوة مادية تنكس من احتمالات السلام الطائفي في حقبة ما بعد تنظيم الدولة الإسلامية وتؤكد ما قاله وتخوف منه الكثير من العراقيين بشأن تقسيم بلادهم.
وقد عبر زعماء السُنّة العراقيون عن قلقهم من أن المرحلة الأولى من الجدار، التي تمتد من الشمال والشمال الغربي من العاصمة، تتخذ مسلكًا غريبًا.
إنه يلتهم الأراضي التابعة لمحافظتي الأنبار وصلاح الدين، حيث الغالبية سُنّية، وسيشَدد حتمًا إلى حدود سياسية في المستقبل، بما يسمح للشيعة المسيطرين على بغداد بأراضٍ أكثر.
خلاصة القول هي أن الاستيلاء على الأراضي المحيطة بالعاصمة يعزز المخاوف من التقسيم الذي يزحف نحو العراق، وهو سيناريو على أجندة العديد من أصحاب المصلحة المحلية والدولية أن يقسم العراق إلى ثلاث دول؛ دولة سنية، ودولة شيعية، ودولة كردية.
إن تحليلًا دقيقًا للمشهد العراقي بعد الحرب الخاطفة على تنظيم الدولة الإسلامية، في صيف عام 2014، يبين أن الثلاثة تكوينات الرئيسة في العراق تستخدم كافة المهارات التي في حوزتها لرسم خطوط دولها المحتملة في شمال ووسط وجنوب العراق.
منذ أن بدأت المواجهة مع تنظيم الدولة الإسلامية، استولى الأكراد على مساحات واسعة من الأراضي في ما يسمى بالمناطق المتنازع عليها، ومنها محافظة كركوك الغنية بالنفط، وأعلنوا أن هذه المساحات الآن هي جزء من حكومة إقليم كردستان.
في الشهر الماضي، قال مسعود بارزاني، رئيس حكومة إقليم كردستان، للأحزاب السياسية الكردية إن الاستفتاء على الاستقلال الكردي يجب أن يتم قبل الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، في نوفمبر.
وقال بارزاني، في وقت سابق لصحيفة الغارديان البريطانية، إن المجتمع الدولي قد بدأ في قبول أن العراق لن يكون موحدًا مرة أخرى وأن «التعايش الإجباري» قد ثبت خطؤه.
وبينما يأخذ استقلال بارزاني زخمًا، يسيطر شيعة العراق على أراضٍ خارج المحافظات المعروفة تقليديًا بهيمنة الشيعة.
منذ أن بدأت الهجوم المضاد ضد مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية، اجتاحت الميليشيات الشيعية جزءًا كبيرًا من القرى والبلدات الموجودة في الشرق والشمال من العاصمة، مجتاحة المناطق ذات الأغلبية السُنّية في ما يسمى الآن حزام بغداد.
وفي العديد من البلدات في المحافظة المختلطة عرقيًا وطائفيًا، ديالى، ورد أن قوات البيشمركة الكردية والميليشيات الشيعية قد أجبروا العرب السُنّة على مغادرة منازلهم بتهمة أنهم خلايا نائمة لتنظيم الدولة الإسلامية أو متعاطفين معه.
ولعدة أشهر، كانت المليشيات الشيعية مشغولة في بناء شبكة من الخنادق والمتاريس الأرضية حول النقاط الساخنة مثل جرف الصخر، غرب بغداد، وسامراء في الشمال ومناطق في ديالى إلى الغرب.
يُعدّ الشيعة العراقيون أنفسهم لتفكك العراق وفصل مناطقهم عن المناطق السنية.
يبدو أن هذه الحواجز تستهدف حماية العاصمة والمدن التي يسكنها الشيعة من عمليات التوغل. لكنها تشير أيضًا إلى أن الشيعة العراقيين يُعدّون أنفسهم لتفكك العراق وأنهم يرسمون الحدود لفصل هذه المناطق عن المناطق السُنّية.
من ناحية أخرى، إن الحرب ضد تنظيم الدولة قد غيرت أيضًا عقلية السُنّة العراقيين. فكلما تم دفع مقاتلي التنظيم مرة أخرى من المدن التي احتلوها في عام 2014، يصير مستقبل المناطق السكانية السُنّية بشكل متزايد قيد المناقشة.
وفي مواجهة الإجراءات المتعالية وأحادية الجانب من قبل الشيعة العراقيين والأكراد، يسعى عدد متزايد من السُنّة العراقيون الآن إلى منطقة حكم ذاتي في العراق من شأنها معالجة مخاوفهم من التهميش ومنحهم فرصة أكبر في إدارة محافظاتهم الخاصة.
إذا أخذنا التقارير الخاصة بالخطط الجارية لإنشاء منطقة سُنّية داخل اتحاد عراقي بعد هزيمة تنظيم الدولة بعين الاعتبار، تصبح إعادة ترسيم المحافظات العراقية على أسس عرقية وطائفية واضحة بذاتها.
ولكن هناك ينتهي سيناريو تفكك العراق.
ما زالت الشكوكية قائمة حول ما إذا كان تقسيم العراق أمرًا لا مفر منه أم لا. ثمة شيء يتحول ولكن ليس بعد فوات الأوان. وهناك دلائل متزايدة على أن العديد من الأكراد والشيعة والسنة يعارضون التقسيم، ويعتقدون أن دولة فاعلة من الممكن أن تحتفظ بهم معًا.
وهناك أيضًا دلائل على المخاوف الدولية والإقليمية التي ترى أن تفكك العراق سيكون كارثيًا على منطقة الشرق الأوسط بأكملها. وبينما يبدو أن العالم يواصل مراقبة العراق، فإنه يبقى أن نرى الكيفية التي سيتم بها تفسير هذا القلق في تضافر للجهود من أجل وقف الانحدار الحاصل.
العراق في حالة من الفوضى، لكن لم تفُتْه مرحلة الخلاص بعد.