عادات سيئة تحرمنا من فوائد الصيام في رمضان
الجوع نوع من أنواع الألم، والألم له قوة السحر في ترقيق قلب الإنسان وترسيخ الرحمة فيه، ومن هذا المنطلق شرع الله الصوم. لم يُشرعه كي تمتلئ البطون بكل ما لذ وطاب دون حتى أن تترك للنفس والشراب مكانًا، ولم يُشرع كي يتباهى الخلق على موائدهم بمختلف الأصناف والحلويات الشرقية. وبالطبع لم يأمرنا به الله كي يكبلنا -حاشاه- بفواتير التجهيز للشهر المبارك، ولا أن نتبع صيامنا بعادات غذائية سيئة تفسد ما قد يمنحه لنا الصوم من خيرات عظيمة، ليس فقط على مستوى الروح والقرب من الله، بل وعلى مستوى الصحة وترميم الجسد بعد كل ما اقترفناه بحقه طيلة العام من عادات غذائية خاطئة.
ما الذي يمكن أن يفعله الصوم بعقلك؟
على مدى عقود، اتجه العلماء لاكتشاف علاقة قوية بين تأثير توافر الطعام من عدمه وكذلك نوعيته على سلوك الحيوانات. وفي الآونة الآخرة اتسع نطاق تلك الدراسات لتشمل البشر. فقد بحثت الدراسات الحديثة انعكاس جوع الإنسان على سلوكه، ومعها اندثر الكلام التقليدي الذي يرى أن الظروف الأيضية، وهي (تلك التفاعلات الكميائية التي تحدث داخل جسم الإنسان وتحافظ على حياته وتستجيب لعدة عوامل مثل الأكل والتمارين الرياضية)، ليس لها أي تأثير على عقل الإنسان وعمليات اتخاذ القرار لديه، وأن قرارات الإنسان مدفوعة دائمًا بفعل عوامل خارجية فحسب، أو أن ما يحدث داخل أدمغة الأفراد هو «صندوق أسود»، ومن الصعب معرفة العوامل المؤثرة عليها، بحسب ما خرجت به النظرية الاقتصادية التقليدية.
لكن مؤخرًا اتجهت دراسات عديدة للإشارة إلى أن الإنسان يكون أكثر سعيًا للمخاطرة واتخاذ القرارات المصيرية وهو جائع، بينما يكره المخاطرة ويركن إلى الخمول في حالة الشبع. الأمر الذي يفسر لنا حقيقة المبدأ القائل «رمضان فرصتك للتغيير» أو أنه فرصتك لاتخاذ قرارات مصيرية في حياتك. وما خرجت به الدراسات مرتبط بشكل أساسي بنظرية الحساسية تجاه المخاطر، والتي يرجع تاريخها لأكثر من ثلاثين عامًا؛ ومفادها أن الحيوانات تصبح أكثر أو أقل سعيًا للمخاطرة واتخاذ القرارات غير التقليدية بناءً على احتياجات بقائها. وتشتمل النظرية على فرضية الوفرة التي تنص على أن اللجوء إلى المخاطرة مرتبط بتوافر الطعام من عدمه.
نقطة أخرى،مرتبطة بما يفعله الصيام في وعي الإنسان من رضاء بالنعمة وتقديرها بعد أن يكاد قد اعتاد عليها. ففي بحث قدمه العالم «هيلبرونر» تساءل فيه:
علاوة على ذلك، فإن الصوم يُعين الإنسان على ضبط النفس وزيادة القدرة على التحكم الذاتي وقوة الإرادة، لأنه يُمرِّن الإنسان على التحكم في رغباته وترويضها، فينطلق من قدرته على الامتناع عن الطعام والشراب إلى زوايا أخرى كالتحكم العاطفي أو إدارة الوقت أو التحكم في العادات الشرائية.
الصيام المتقطع كنظام غذائي مُتبع عالميًا
«مصطفى صادق الرافعي» عن رمضان في كتاب «وحي القلم»
ذهبت العديد من الأدلة العلمية إلى أن للصيام المتقطع فوائد طبية عديدة؛ ففي دراسة نُشرت في عام 2003 طُبقت على مجموعة من الفئران، اكتشفت أن الصيام المتقطع يقاوم الإجهاد الذي يتعرض له الإنسان ويمنحه عمرًا أطول. بينما اتجه مؤلفو «مراجعة دراسات الصوم» المنشورة في مراجعات أبحاث الشيخوخة لعام 2006، إلى الربط بين الصيام الدوري المُتحكَم فيه وقدرته على إبطاء عملية الشيخوخة ودوره في مساعدة الناس على إنقاص الوزن.
وهو ما أكدته أفضل الأبحاث في هذا الصدد والذي كان بمثابة مراجعة شاملة لجُل ما كُتب عن هذا الأمر في عام 2016، والذي خرج إلى التأكيد على أن برنامج الصوم المتقطع الذي يتم التحكم فيه بعناية، يعتبر أحد العوامل الرئيسة في إبطاء عملية الشيخوخة. كما أنه يساعد على تعزيز حساسية الأنسولين التي بدورها تساعدنا في الحصول على ضغط دم منضبط ومستويات معتدلة من الكوليسترول، وتمنح أداءً أفضل لوظائف القلب، كما تُقلل من خطر الإصابة بمرض السكر.
وقد توصل العالم «يوشينوري أوسومي»، والحائز على جائزة نوبل في الطب، في دراسة أجراها إلى أن الصوم وسيلة فعالة لتعزيز عملية «البلعمة الذاتية» التي بها يتخلص الجسم من الخلايا التالفة، أو تلك التي فقدت وظيفتها، ويُعاد تدويرها إلى خلايا حية بعد ذلك، وتساعد تلك العملية في القضاء على مسبِّبات الأمراض من بكتيريا وفيروسات قد تهاجم الخلايا، والاضطرابات التنكسية العصبية، مثل مرض الشلل الرعاش ومرض الزهايمر.
وقد وُجد كذلك أن الصوم قادر على تعزيز جهاز المناعة بشكل كبير وإحداث توازن صحي للبكتيريا في الأمعاء، مما يحافظ على صحة الجهاز الهضمي. كما ثبُتت قدرة الصوم على قتل الخلايا السرطانية، ولهذا السبب دائمًا ما يُقترن الصوم بالعلاج بالكيميائي.
عادات غذائية سيئة تحرمك فوائده
في مراجعة نشرت عام 1996 في مجلة رابطة الحمية الأمريكية، أظهرت أن كثيرًا ممن يصومون هم أكثر عُرضة لزيادة تعلقهم بالطعام وإدمانه في الوقت المسموح لهم بتناول الطعام فيه. فيظل يأكل بلا هوادة لتعويض ما لحق به من ألم الجوع، فينحاز إلى الأطعمة ذات السعرات الحرارية العالية التي تضر جسده ولا تفيده.
فالأخطاء في اختيار الطعام وطريقة تناوله أثناء وجبة الإفطار أو السحور يمكنها أن تحرمك فوائد الصوم، بل وتؤدي إلى نتائج وآثار عكسية، من تلك العادات الغذائية السلبية:
1. تناول الوجبات السريعة خلال الإفطار والسحور
يعمد الكثيرون إلى تناول الأطعمة المُشبعة بالزيوت والمشروبات الغازية أو الحلويات الغنية بالسكر بشراهة، الأمر الذي قد يتسبب في مشاكل صحية كأمراض القلب والكوليسترول واكتساب المزيد من الوزن والدهون الزائدة. من أمثلة تلك الأطعمة، رقائق البطاطس والمعكرونة سريعة التحضير والأطعمة المقلية وغيرها من الأطعمة التي لا فائدة من تناولها ولا تمنحك ما تحتاجه من عناصر توفر لك الطاقة التي بها تستعين في صومك.
وذلك على عكس الأطعمة الغنية بالعناصر الغذائية المفيدة كالخضراوات الورقية التي تشعرك بالشبع ولن تضطر معها إلى إثقال معدتك بكميات كبيرة من الطعام وقت الإفطار والسحور. كما أن استخدام المحليات الطبيعية مثل العسل أو قصب السكر أو أكل الفواكه والتمور لتحل محل الطعام أو الشراب المُحلى بالسكر قد يكون حلاً مثاليًا وأفضل بكثير.
2. تناول الكثير من الكربوهيدرات والكافيين أثناء السحور والإفطار
الاعتماد على الكربوهيدرات بكثرة عند تناول وجبة الإفطار أو السحور كالحلويات أو الخبز أو الأرز أو البقوليات من الممكن أن يتسبب في زيادة نسبة الإنسولين في الجسم وزيادة الوزن، بالإضافة إلى إحساس حارق في الحجاب الحاجز، فضلاً عن الإسهال والقيء وآلام البطن الحادة وقرحة المعدة.
أما بالنسبة للكافيين، فشرب الشاي أو القهوة يؤدي إلى الجفاف والعطش، كما يجعلك تشعر بالجوع بشكل أسرع. بل من الممكن أن يتسبب في الصداع لا تسكينه كما هو شائع. كما أن شرب الكثير من الماء دفعة واحدة ليس جيدًا كما يعتقد البعض، ذلك لأن هذا السلوك يخفف من حمض المعدة المسئول عن هضم الطعام مما يتسبب في الانتفاخ ويعيق الهضم على نحو جيد.
3. النوم مباشرة بعد تناول السحور أو تخطي الوجبة كليةً
يتسبب الذهاب إلى النوم بعد تناول وجبة كبيرة في السحور في مشاكل لجهازك الهضمي، وذلك لأن جسمك في وضع الراحة يعمل بجدية أكبر لهضم الطعام حتى لو كنت فقط مستلقيًا على مرتبة أو أريكة بعد الأكل. فمن الممكن أن يؤدي ذلك إلى مشاكل القرحة نتيجة زيادة حمض المعدة، وهو ما يثير إحساسًا حارقًا غير مريح في الصدر وصولًا إلى الحلق.
كما أن تخطي الوجبة ذاتها والنوم دونها يمكن أن يؤدي إلى حدوث جفاف وصعوبة في التنفس، ذلك لأن وجبة السحور تمنح جسمك الطاقة لبقية اليوم وتساعد جسمك في الحصول على العناصر الغذائية التي يحتاجها خلال ساعات الصيام.