الأتراك الأذريون في إيران: الحنين إلى ضفة «آراس» الأخرى
تعيش الأقلية الأذرية في شمال غربي إيران، وتتركز بشكل رئيسي في المناطق القريبة من دولة أذربيجان التي تشترك معهم غالبية سكانها في الأصل العرقي واللغوي والمذهبي، إذ يتحدثون بلغة تركية وينتمون للعرق التركي ويتبع معظمهم المذهب الشيعي الاثنا عشري ويُطلق عليهم أيضاً الأذر أو الأذربيجانيون.
تتفاوت التقديرات حول نسبة الأذريين في إيران فالبعض يقدرها بأنها أقل من خمس السكان والبعض يؤكد أنها أكثر من خمس تعداد البلاد البالغ 84 مليون نسمة، ويتركزون في محافظات أردبيل وزنجان وأذربيجان الشرقية والغربية وكذلك العاصمة طهران.
ورغم اعتناق معظمهم المذهب الشيعي وتولي العديد منهم مناصب قيادية مهمة في البلاد، على رأسهم المرشد الأعلى للثورة علي خامنئي نفسه، ولكن رغم ذلك يشعر كثير منهم بالتهميش ويطالب بالانفصال عن طهران أو الحكم الذاتي، والبعض يكتفي بالمطالبة بإقرار الحقوق الثقافية كتعليم أبنائهم بلغتهم الأم بدلاً من الفارسية المفروضة عليهم، ويتعرض هؤلاء النشطاء للملاحقة الأمنية من السلطات.
وتنتفض مناطق الأتراك الأذريين من حين لآخر ضد النظام لأسباب مختلفة وكان آخر تلك الاحتجاجات ما وقع في يوليو/تموز الماضي حين نظموا مسيرات حاشدة وواجهوا قوات الأمن تضامناً مع احتجاجات العرب في الأحواز جنوبي البلاد.
وقبلها في أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي خلال الحرب بين أذربيجان وأرمينيا كانت مناطق الشمال الغربي والعاصمة طهران أيضاً تشهد مظاهرات للآذريين بعد تسرب أنباء عن فتح النظام الإيراني المجال أمام الإمدادات العسكرية الروسية الذاهبة إلى أرمينيا وانتشار مقاطع فيديو تظهر الشاحنات المغطاة متجهة إلى الحدود، وطالبوا بغلق الحدود معها بشكل تام خلال الحرب.
ورغم تصريحات المسؤولين الإيرانيين من حين لآخر الداعمة لأذربيجان والتي تقال لامتصاص الغضب الشعبي، يتسم موقف إيران على الدوام بالميل لصالح المسيحيين الأرمن على حساب أذربيجان ذات الأغلبية المسلمة الشيعية بسبب الخشية من الميول الانفصالية بين مواطنيها الأتراك الأذريين، وعلاقات أذربيجان الوثيقة مع الولايات المتحدة وإسرائيل، مما يضاعف مخاوف طهران حيالها.
وبدوافع براجماتية يتجاهل الخطاب الدعائي الإيراني المناصر لقضايا المحرومين والمضطهدين المسلمين على مستوى العالم قضية إقليم ناجورنو كاراباخ الأذري على مقربة من الحدود الشمالية لإيران والذي احتلته أرمينيا في التسعينيات وهجرت سكانه المسلمين بعد مجازر مروعة، فانتصار أذربيجان واستعادة الإقليم يساهم في إحياء الروح القومية للملايين من ذوي الأصول التركية وهو ما حدث بعد حرب العام الماضي حين استعادت باكو معظم أراضيها المحتلة بدعم عسكري تركي قوي.
«لقد فرقوا آراس»
ويتهم النظام الإيراني تركيا بالعمل على تأكيد روابطها العرقية مع الأذريين بشكل يهدد الأمن القومي الإيراني، وقد اندلعت أزمة دبلوماسية بين الطرفين في ديسمبر/كانون الأول الماضي بسبب ترديد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قصيدة تضمنت دلالات على الوحدة والترابط بين الأذريين في إيران ودولة أذربيجان المجاورة.
وأنشد أردوغان خلال احتفال أذربيجان بالنصر على أرمينيا في حرب العام الماضي أبياتًا شعرية من قصيدة أذرية قديمة تقول: «لقد فرَّقوا آراس.. لقد فرقونا ظلمًا»، في إشارة لخط الحدود بين إيران وأذربيجان الذي يسير على امتداد نهر آراس بين الدولتين.
وتم تقسيم أذربيجان بين روسيا القيصرية ومملكة القاجار الإيرانية في القرن التاسع عشر بعد سلسلتين من الحروب امتدت الأولى بين عامي 1804 و 1813، والثانية بين عامي 1826و1828 وانتهى الأمر بتوقيع الطرفين اتفاق تركمانجاي الذي جعل نهر آراس حدًا فاصلاً بينهما، وتفرق شمل الشعب الأذربيجاني ولم يلتئم منذ ذلك الحين.
ومع انهيار الحكم القيصري في روسيا عام 1917، أعلن الأذريون جمهورية أذربيجان الديمقراطية المستقلة التي حركت الروح القومية للأذريين الإيرانيين أيضاً لكن السوفيت أعادوا احتلال هذه المنطقة في أبريل/نيسان 1920.
وبعد الحرب العالمية الثانية استقل أتراك الشمال الغربي الإيراني وأسسوا جمهورية أذربيجان الشعبية عام 1945 وساندهم الأذريون السوفيت وكانت فاتحة الحرب الباردة بين موسكو وواشنطن إذ تلقت دعمًا من الأولى بينما وقف الأمريكان في صف طهران التي استطاع جيشها إسقاط هذه الجمهورية بعد تخلي السوفيت عنها عام 1946.
ولما انهار الاتحاد السوفيتي مطلع التسعينيات فُتحت الحدود بين الطرفين وتدفق الأذريون عبر النهر لزيارة أقربائهم وذويهم.
لكنهم لاحظوا أن الظروف المختلفة التي مروا على جانبي الحدود خلقت تمايزًا بينهم في عدد من الأمور فعلى الصعيد اللغوي أضحت اللهجة الأذرية أكثر اختلافًا بين الجهتين كما أن الجانب الديني تأثر كثيرًا بهذه التطورات السياسية فلا يستوي من عاشوا تحت وطأة العهد الشيوعي بنظرائهم في دولة الملالي في الاهتمام بالشعائر والشؤون الدينية بصفة عامة.
أذربيجان «الشمالية»
وقد فرض تأسيس جمهورية أذربيجان عام 1991 تحدياً جدياً على السلطات الإيرانية التي اتخذت تدابير مشددة لتقييد تواصل الآذريين من الجانبين، مع ظهور جماعات قومية في باكو عاصمة أذربيجان تدعم النزعات الانفصالية للأتراك الأذريين في إيران وتطالب بإجراء مراجعات قانونية لمعاهدة تركمانجاي التي قسمت مناطقهم.
وكان بعض أعضاء البرلمان الأذربيجاني، طالبوا عام 2012 بتغيير اسم بلادهم إلى «أذربيجان الشمالية» للتذكير بقضية الجنوب الأذري الخاضع لإيران وإظهار دولتهم كجمهورية مقسمة على غرار نموذج كوريا الشمالية والجنوبية وغيرها، استنادًا إلى أن حوالي ثلثي مساحة أذربيجان التاريخية تقع داخل إيران وتضم معظم أبناء هذه القومية.
وشكلت مثل تلك الوقائع مادة للتوترات المستمرة بين طهران وباكو ففي عام 2013 كانت هناك أزمة دبلوماسية بين البلدين بسبب تنظيم «الجبهة الشعبية لتحرير أذربيجان الجنوبية» لفعالية شعبية لبحث قضية الأذريين في إيران والمطالبة بانفصال المحافظات الأربع التي يقطنون بها، وقبل ذلك اتهمت طهران الحزب الحاكم في باكو بنشر وتوزيع خريطة لأذربيجان الكبرى تضم جمهورية أذربيجان والمحافظات الأذرية الإيرانية.