أيمن الظواهري: بورتريه لرجل حاول أن يحكم العالم
من قصور المعادي إلى كهوف تورابورا، جرت قصة الجراح المصري أيمن الظواهري، سليل أسرة مهنية عريقة في مجال الطب، تنتمي للطبقة المتوسطة ميسورة الحال. الإرث المهني كان استثناءً في بحر العائلة المتداخل بين السياسة والأدب والثقافة والعروبة والإسلام.
ثقل تاريخ أسرته رزح على صدر الجراح، فأخرج من هدوء طبعه كل الصراع الجواني إلى عالم الأشهاد، دفع به خارجًا علّه يجد سلوى في ذلك، وأن يغير العالم الذي نحته ونحر وجدانه، فامتطى صهوة التمرد، مخلفًا خلفه رغد العيش الذي وجد له سبيلاً.
لا يمكن فهم الدوافع الذاتية للظواهري إلا في إطار بيئة السياسة الناصرية في الستينات، والإرث العائلي الذي كان الحاضنة في تشكيل وعيه وتشكيل دوافعه للتغيير، وأثر التحولات الاجتماعية والسياسية المتتالية. هذا ما نرصده في هذا التقرير الذي لا يروم السرد التاريخي أو التحليل الفكري. إنه فحسب لوحة لتلك الظروف التي أحاطت بالمطلوب الأول على قوائم الإرهاب الأمريكية.
في البدء كان الجد
ليس الأمر حتميًا أن يسير الأبناء على خطى الأجداد، إلا لو كان للأجداد سيرة استثنائية تلهم الصبية، وعلى قدر حداثة القصص وحياتها في ذاكرة الأحياء، توقد وتلهب الخيال، وتشكل سير البذور، كالفكرة تتقد وتينع.
هكذا كانت سيرة الإمام محمد الأحمدي الظواهري، شيخ الأزهر الرابع والثلاثين، عم جد الدكتور أيمن. ولد الشيخ الأحمدي بكفر الظواهر محافظة الشرقية. وكتكوين الشرقية العرقي العربي والشامي، فإن العائلة عربية بامتياز ويعود نسبها إلى طيء. الأسرة تستلهم الوضع القبلي، ولها شياخة كانت لأبيه الشيخ إبراهيم الظواهري، وهو شيخ المعهد الأزهري بطنطا، وكان هذا بمثابة المنصب التالي في المكانة لمشيخة جامع الأزهر.
تتلمذ الأحمدي على يد الإمام محمد عبده، رغم أن عبده كان يكنّ عداء للشيخ إبراهيم والد الأحمدي. حُسب الأحمدي على تيار عبده في إصلاح مؤسسة الأزهر، حيث أحرقت كتبه التي دعا فيها لاستلهام نظام التعليم الغربي في الأزهر. وعندما مات والده، رفض شيخ الأزهر تعيين الابن مكانه، وعرض عليه وكالة المعهد، لكن الأحمدي رفضها، حيث رآها انتقاصًا من شأنه العلمي ومكانته كوريث لأبيه في شياخة المعهد والقبيلة.
بعدها بأعوام قليلة، يبلغ الأحمدي غايته ويتولى مشيخة المعهد، ليحدث طفرة في نظامه التعليمي ويفتتح المعهد الأحمدي 1914، ويصدر مجلة خاصة به هي المجلة الأولى للأزهر.
وُوجِه الأحمدي بمعارضة من المحافظين، فتراجع عن تلك الإصلاحات، حتى أتى عام 1925 ليسجل الأحمدي موقفًا شجاعًا ضد قرار الحكومة ضم الأزهر لوزارة المعارف، فازدادت شعبية الأحمدي وتولّى المشيخة عام 1929، حيث أحدث طفرة في نظام التعليم الأزهري. استحدث الأحمدي المعاهد بنظامها الابتدائي والثانوي، ومن ثمّ ألغى الإجازة العلمية من حلقات المساجد وأنشأ الكليات الثلاث، وأعاد إصدار مجلة الأزهر.
دعت تلك الإصلاحات لاستئصال شأفة مقاومي التغيير، فأقال عددًا ضخمًا من معارضيه مع الأزمة الاقتصادية في الثلاثينات، مما سبب ثورة عارمة ضده أدت لاستقالته عام 1935.
استلهم أيمن الظواهري سيرة جده. هو نفسه لم يترك موقفًا إلا واحتفى فيه بجده، وأعلن تأثره به وبإرث العائلة الأزهري. ثوري داخل مؤسسة، منقلب على سيرورتها، مشذِّب كالبستاني يقص أوراق الشجر ليرسمه كما يحب أن يكون. هكذا هو لم يأتِ من خارج الحركة الجهادية في مصر، بل نشأ متبنيًا أفكارها، ثم متصادمًا مع قيادتها واحد تلو آخر.
ابن طيء في رحاب العروبة
تحولت العائلة تدريجيًا، كحال المصريين، عن التعليم الأزهري إلى التعليم الليبرالي المهني؛ فأعمام الظواهري ووالده أطباء، وكذلك سار هو على الخطى، فأنهى دراسته للطب 1974 وتخصص كجراح عام.
قبل ذلك بثمان سنين، كان الظواهري معتقلًا سياسيًا بعمر 15 عامًا بتهمة الانتماء إلى جماعة محظورة، فما الذي جعله ينجذب لهذه الأفكار في سن مبكرة؟
ربما تكون الإجابة في تأثره بعائلة أمه التي كانت تحمل هم العمل العام. عم أمه هو الدكتور عبد الرحمن حسن عزام، مؤسس جامعة الدول العربية ووزير الخارجية المصري، والمناضل ضد الإيطاليين في ليبيا ومؤسس الدولة الطرابلسية.
وجده لأمه عبد الوهاب عزام، المفكر والأديب الصوفي أستاذ الدراسات الشرقية، وسفير مصر باليمن وباكستان والسعودية. أثر في عائلته بفكرة العروبة والإسلام، وهو ابن محمد حسن عزام، رئيس الجمعية التشريعية المصرية.
عم أمه أيضًا سالم عزام، سفير المملكة السعودية في بعض الملفات الأوروبية، ومؤسس المجلس الإسلامي الأوروبي، وقد سحبت السعودية منه الجنسية لاحقًا بعد تأييده الثورة الإيرانية.
خاله هو السياسي المصري المستشار محفوظ عزام، أمين عام حزب العمل الاشتراكي ذي التوجه الإسلامي، وأحد المحامين عن سيد قطب. أما أبناء خالاته فهم الأديبة المصرية رضوى عاشور والسفير محمد رفاعة الطهطاوي، أكبر أحفاد رفاعة الطهطاوي، رئيس الطاقم الدبلوماسي المصري في إيران بالتسعينات، ورئيس ديوان الرئاسة في عهد الدكتور محمد مرسي.
كانت العائلة مهتمة بصورة كبيرة بالعمل العام، والخط الجامع بينهم جميعًا العروبة والإسلام، واتفاق غالبيتهم على موقف موحد من الثورة الإيرانية بقبولها وربما استلهامها. وعلى أهمية النشأة والتأثر، فقد كان لعائلة عزام بالغ الأثر في تشكيل وعيه في الصبا.
البدايات: الهزيمة الأولى
مع اقتراب عقد الستينات من انتصافه، كان الفتى ذو الاثني عشر ربيعًا يعتكف في زاوية حسين صدقي بالمعادي، وفيها اطلع على التراث وعكف على قراءة بعضه متأثرًا بحالة السخط من نظام ناصر جراء حملات الاعتقال الواسعة آنذاك. أسس الفتى ذو الخمسة عشر عامًا جماعة سرية مع زملائه ما تسبب في اعتقاله لفترة وجيزة.
لم يكتب لهذه المجموعة الاستمرار. جاءت الصاعقة بهزيمة 1967. «غياب الإسلام أم العلل.. وعودته سبيل النجاة»، هكذا جاءت الفكرة، وهكذا نفضت قطاعات ضخمة عباءة الشرق والغرب. هذه التحولات رسخت في ذهن استلهام أفكار سيد قطب، وضرورة تغيير النظام بالقوة لفرضها.
على الصعيد العام، نشأت ثلاث جماعات جهادية ارتبطت بأسماء مؤسسيها الثلاثة: يحيى هاشم، ومصطفى يسري، وإسماعيل الطنطاوي. تبنت هذه الجماعات فكرة المواجهة المسلحة مع النظام لتغييره من خلال الانقلاب العسكري. تأثر الطبيب الشاب أيمن بجماعة مصطفى يسري، لكنه لم يكن منتميًا وفاعلًا في تك المجموعات حتى أحداث الفنية العسكرية 1974، حيث نشط بعدها، خاصة مع كونه مولعًا بالعمل السري الذي يناسب شخصيته الهادئة، فانخرط في إنشاء جماعة جديدة.
متأثرًا بجيل الصحوة، انتشر ووثق علاقاته بأقرانه الذين يحملون ذات الفكرة. تعرف في هذه الفترة على الطبيب المصري سيد إمام، الذي سيعرف لاحقًا باسمه الحركي «الدكتور فضل» كمنظر لجماعة الجهاد المصري. تعرف كذلك على الطبيب الفلسطيني فتحي الشقاقي، وسيشكلان تحالفًا فيما بعد. اعتقل فتحي الشقاقي بعد تأييده للثورة الإيرانية، وربما دارت بينهما النقاشات حولها، مما سيؤثر على فكر الرجلين بل وتحالفاتهما فيما بعد.
ومع صدور كتاب «الفريضة الغائبة» لعبد السلام فرج، تبنى أفكاره وبدأ في شراء الأسلحة هو وبعض زملائه التي أدت لاعتقالهم بعد اغتيال السادات، وتعرضوا لتعذيب شديد سيجعله أكثر إصرارًا على مواجهة النظام بقوة السلاح، وأنه السبيل الوحيد للتغيير.
للاءات الولاية وصدارة المشهد
السجن دائمًا، بيت النقمة وعذابات النفس، الشعور بثقل الوجود، وحياة الفرد الجوانية، أنسه وفكره، وسبله إلى الفرار، تعميق للأفكار وبلورتها، وانتقام وتجل للنفس المركبة، هزيمة أو تحرير مطلق.
عمل الظواهري كمتحدث باللغة الإنجليزية عن المعتقلين الإسلاميين، وهو الظهور الأول الذي دفعه إلى صدراة المشهد؛ لكن التحول الأكبر في مكانة الظواهري كان عندما عبّر الظواهري ورفيقه سيد إمام كلاهما عن رغبة كل منهما في تولي زمام الأمور بعد إعدام عبد السلام فرج. جرت تفاهمات بين المجموعة وعصام القمري، الضابط المنشق، اتفقوا خلالها على أن تكون القيادة دورية، وأن تكون القيادة مناطقية، فلا يجمع شخص دروتين متتاليتين، ولا يكون لمنطقة واحدة القيادة، وأن يُمثَّل الصعيد بشخص واحد.
ما إن بلغت القيادة الشيخ الضرير عمر عبد الرحمن حتى دخل الظواهري في نقاش شرعي مع سيد إمام حول ولاية الضرير. وقد توصلا لأنه لا يجوز شرعًا. عبّرت تلك الحادثة عن طموح الظواهري للتغيير وتسيّد العمل الجهادي.
بعد خروجه من السجن الذي قضى فيه 3 سنوات، دشّن عيادته؛ لكنه بعد عام خرج إلى جدة بالسعودية عام 1985 بعد سماح السلطات له بالسفر، ترك الوطن خلفه ولم يعقب. اتجه الظواهري بعدها إلى الولايات المتحدة، وللمرة الثالثة بعد سفره عام 1980 اشترك مع جمعيات إغاثة الهلال الأحمر؛ ليذهب إلى بيشاور على الحدود الباكستانية الأفغانية لتوفير أماكن لحاضنات الجهاد.
في عام 1988، جاءت «لا» الثانية، لا يجوز ولاية لأسير، وكان يقصد بها ولاية عبود الزمر للجماعة خلفًا لعمر عبد الرحمن الذي سافر للولايات المتحدة بعد الإفراج عنه. أتت لا الثانية به وسيد إمام إلى صدارة المشهد الجهادي حيث أنشأ جماعة الجهاد المصرية في بشاور. ولكونه يحب التحكم في المشهد من الخلف، قدّم سيد إمام لولايتها، كما عُرف عنه إجلاله لصديقه سيد إمام الذي ستكون أطروحاته في القلب من العمل الجهادي في التسعينات.
الخميني: البناء الجديد
ترك الظواهري أفغانستان بعد انتهاء الجهاد الأفغاني وبداية الحرب الأهلية الأفغانية متجهًا إلى السودان. مثّل تيار الجهاد المصري بقيادة إمام والظواهري الجيل الثاني لتيارات الجهادية. كان الجيل الأول هو الذي تصدر حادثتي الفنية العسكرية واغتيال السادات.
الجيل الجهادي الثاني تأثر بالوضع الزماني والمكاني لنشأته في بيشاور كونه انفتح على جنسيات وأفكار متعددة. جذّر نظرية العدو القريب أولى من العدو البعيد التي طرحها عبد السلام فرج، وأعطى لها بعدًا أعقد في كتاب سيد إمام «العمدة في إعداد العدة» عام 1989، مع إضافة البعد الزماني لها مثل فكرة تحرير أرضِ المسلمين، والعدالة الاجتماعية ورد المظالم، ومواجهة السلطة بالسلاح. وقد طرحت تلك الأفكار غرار نمط تجربة الخميني: علماء في المهجر وتنظيم حركي شعبوي في البلاد.
التمهيد الشعبي للثورة المسلحة يبدأ بإرسال قيادات إلى مصر مهمتها التجنيد وتحقيق الانتشار الشعبي. مع ذلك، فشلت خططهم بسبب حماسة بعض المنتسبين، وضعف الحوكمة والإدارة داخل التنظيم الشعبي وذلك لاتساع رقعته في ظل سريته. كانت هناك بعض العمليات الفردية التي أدت لانكشاف التنظيم.
بعد اعتقال ما يقرب من ألف شخص تابع للتنظيم فيما عُرف إعلاميًا بتنظيم «طلائع الفتح» عام 1992، حدث الانشقاق الأكبر في الجماعة بقيادة الصيدلي أحمد العجيزي. فجر ذلك سلسلة انشقاقات في التنظيم المتواجد في السودان. تدخل أيمن ليزيح سيد إمام بعد استدعائه من بيشاور للنقاش، لكنه رفض. فطلب الظواهري من مرجان سالم التأصيل الشرعي لمنع ولاية الغائب.
أشهر الظواهري «لا» الثالثة في وجه صديقه فيما أشبه انقلابًا داخليًا. طلب الظواهري من إمام تقديم استقالته، وأعاد تشكيل مجلس الشورى. تولى الظواهري القيادة، ودفع بالصف الذي يكن الولاء له إلى تولي مسؤوليات التنظيم، على رأسهم أحمد سلامة مبروك كأمين عام، وأحمد بسيوني كرئيس لمجلس الشورى، وطارق أنور مسؤولًا للجنة العسكرية، وثروت صلاح شحاتة مسؤولاً للجنة الأمنية، ومرجان سالم مسؤولاً للجنة الشرعية.
التحول الكبير: الهزيمة الثانية
أدت الضربة الأمنية لهزيمة نفسية للتنظيم، تبعها أزمة مالية خانقة أدت لسلسلة من التوترات الداخلية. كان الظواهري بطبعه الهادئ يمتلك الأفكار والحلول، فسعى لإيجاد التمويل من خلال أسامة بن لادن، وذلك عبر تشكيل للجنة سرية بقيادة رئيس مجلس الشورى مهمتها تغيير أفكاره واستقطابه.
أما الحل الآخر فكان العودة إلى صديق الماضي فتحي الشقاقي لترتيب تعاون مشترك مع حزب الله، حيث تنقل لهم الجماعة خبراتها في المتفجرات، وينقل الحزب إليها خبراته في صناعة الصواريخ، بالإضافة لاتفاق على التعاون اللوجيستي، وعدم الاشتباك بينهما تحت أي ظرف.
فشلت اللجنة في تجنيد ابن لادن لاختلاف في الحكم الشرعي على الحكومات، حيث رفض أسامة معاداة الحكومات باعتبار ذلك سبيلا إلى معادة المجتمع، كما أنه رفض وصمها بالحكومات المرتدة، حتى أنه أصدر قرارًا بمنع منتسبي الجماعة من دخول معسكراته والاحتكاك بأتباعه في السودان، لكنه قدّم بعض الأموال كإعانة لهم على شرط عدم استخدامها في أي عمل مسلح. كما كان هناك استقطاب مضاد من ابن لادن لأفراد من جماعة الجهاد.
أما الاتفاق مع حزب الله، فتم خفضه لحدوده الدنيا بسبب خلاف عقدي حدث بعد ابتعاث طارق أنور، رئيس اللجنة العسكرية، لتدريبهم على المفخخات. وظل الاتفاق قائمًا حتى أنه بعد شهور تم اعتقال أحد المنتمين للجماعة في سوريا. وعبر القنوات التنسيقية بين الجماعة والحزب، تم الإفراج عنه وأعطاه الحزب أموالًا وسمحوا له بالسفر باتجاه اليمن.
في عام 1994، كشفت الأجهزة الأمنية السودانية اختراقًا أمنيًا مصريًا للجماعة وأبلغتهم بذلك، لكن ثروت صلاح لم يعِر المعلومات أي اهتمام. وبعد انكشافه بشكل عفوي، تعامل الظواهري مع رئيس اللجنة الأمنية بصرامة، وقدم ثروت صلاح للمحاسبة، مما أدى لخلافات بين الرجلين ستستمر حتى انضمام الظواهري للقاعدة.
في هذا الوقت، توقفت الجهاد المصرية عن العمليات داخل مصر، وتخلى الظواهري نفسه عن نظرية العدو القريب، وأصبحت أطروحة تحرير بلاد المسلمين ومواجهة الغرب الذي يضيق عليهم العمل ضد الحكومات «العميلة» هي الفكرة المركزية.
سيتبنى الظواهري خطابًا تصالحيًا مع غالبية الجماعات الإسلامية، خصوصًا بعد طلب السودان منهم المغادرة، مما قاده إلى اليمن كمحطة بعد تأكده من استحالة الانطلاق منها في إطار مركزية إستراتيجية المواجهة الشاملة مع الغرب، حتى أنه أطلق عليها «البلد العقيم».
الأزمة المالية: والهزيمة الأخيرة
في هذه الوقت، قبل الظواهري مبلغًا ماليًا مقابل تفجير السفارة المصرية في إسلام أباد. وبخلاف ما هو شائع كان التفجير مقابل المال ليس توجهًا عند الجماعة، مما أثار حفيظة بعض الأعضاء الذين رفضوا ذلك، لكن العملية اعتبرت في إطار الثأر لبعض المعتقلين.
تبع ذلك سفر الظواهري إلى الشيشان وذلك من دون الأخذ بقرار مجلس الشورى بالإجماع رفض سفره، ورفض اعتبار أرض الشيشان مستقرًا للتنظيم وأتباعه. سجن الظواهري في الطريق في داغستان هو واثنان من رفاقه، وتدخل المجلس للإفراج عنهم بجمع فدية مالية من رجال أعمال يمنيين لإخراجهم.
انفجر نقاش حاد شرعي حول إلزامية الشورى، حيث رفضها الظواهري وأدى رفضه هذا إلى استقالة مجلس الشورى وحدوث الانشقاق الأخير الذي سيتخذ بعده الظواهري قراره بالموافقة على بيان «الجبهة العالمية لمعادة اليهود والنصارى» الذي وقعه مع أسامة بن لادن من دون الرجوع لمجلس الشورى، مع اشتراط الملا عمر أن يتوحد العرب تحت قيادة فرد واحد، وهو الدور الذي كان مرشحًا له بن لادن بلا منازع.
تبني فكرة الجهاد العالمي كانت قديمة منذ حطت أقدامه أرض بيشاور، لكنها لم تكن هي الإستراتيجية الرئيسية. لكن في مرحلة السودان، ومع توالي الضربات الأمنية وأزمة التمويل الخانقة، تحوّل الظواهري نحو فكرة توريط العدو في المستنقع العربي بدلا من مواجهة وكلائه بحسب تصوره، لذا سنجده هو ذاته يتبنى خيار الفوضى في ظل صعوبة إيجاد تصور لقيام الدولة.
أثر الظواهري على فكر القاعدة في جانب مواجهة الحكومات العربية، لكنه أيضًا تأثّر بإستراتيجيات القاعدة وأبو مصعب السوري في مواجهة أمريكا «العدو البعيد». لكن الهزيمة في التسعينات انعكست في أقواله وأفعاله، كما يبدو من استحضاره لقصة أبو بصير باعتباره خرج ضد صلح الحديبية ولم يُرَ فتح مكة، وأقواله مثل: «إننا عشنا أكثر مما ينبغي».
من المعروف عنه أنه كان يجنح للإدارة بالأزمة، وإحداث الفوضى وربك خصومه، مع محافظته على الهدوء الذي يعطي له نفسًا لتحقيق أهدافه. ومن الإدارة إلى الواقع السياسي، رسّخ نظرية الفوضى بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، من خلال قبوله غير المشروط بولاء أي تنظيم يعلن البيعة وإن لم يتحقق من قيادته، كما في حالة أبو مصعب عبد الودود وتنظيم المغرب الذي لم يقبل ابن لادن بيعته في حين أصر الظواهري على قبولها.
كما أنه كان يجنح إلى السلطوية والمركزية بخلاف ابن لادن، فنجده لا يقبل البيعة المشروطة كما في حالة أبو مصعب الزرقاوي في تنظيم العراق الذي اشترط عدم التبعية الإدارية، واستبدل بها «بيعة اسمية»، وهو ما قبله ابن لادن ورفضها الظواهري حتى تمت جدالات حول أهمية قبولها.
خرج الظواهري في أكثر من 16 فيديو مسجل عام 2007، مقارنة بأربعة فقط لأسامة بن لادن. كان الرجل الثاني كعادته، يفضل أن يتحكم في المشهد الداخلي. تمتع رأيه بالقبول في ظل الظروف الإدارية لتوسعات التنظيم وتشعبه، كما أدت سياسته التصادمية أحيانًا لبعض الخلافات داخليًا، وهو ما سينعكس بعد توليه منصب قيادة التنظيم بعد مقتل أسامة بن لادن 2011.