فيلم «Avatar: The Way of Water»: ديجافو القصة وتفرد الصورة
يبدأ الجزء الثاني من فيلم أفاتار من حيث انتهى الجزء الأول، جيك سالي ينتقل لجسد الأفاتار الخاص به ولكن بصورة كاملة، لا يحتاج الآن إلى جهاز يتبدل فيه من صورته الإنسانية إلى صورته الزرقاء، وبالطبع بعدما رأيناه في الجزء الأول، وبعد البسالة منقطعة النظير التي أبداها مع شعبه الجديد ضد البشر كان من الطبيعي أن يكون صاحب القرار فيهم. نجد أيضًا أن جيك ونيتيري قد تزوجا وأنجبا ثلاثة أطفال، ولدين وفتاة، ومع هؤلاء الأطفال، تبنيا طفلين آخرين، وهما: كيري، وسبايدر، أما عن كيري فهي ابنة العالمة جريس أوجستين، أما سبايدر فهو ابن العقيد مايلز كواريتش، ونجد أن سبب وجود سبايدر في هذا العالم، هو أنه قد ولد في باندورا، وبسبب صغر سنه لم يستطع البشر أخذه معهم إلى الأرض، وذلك لأن جسده لن يتحمل التجمد في رحلة العودة. هنا تكتمل عائلة جيك، زوج وزوجة، وبنتين، وولدين من النافي، وواحد من بني البشر، ومن هنا يبدأ الفيلم.
قصة مكررة
تعتبر قصة الفيلم هي أضعف ما فيه، ليست سيئة كما يروج كثيرون، بل هي مقبولة وتخدم الفيلم بطريقة جيدة، ومع ذلك فهي أضعف عناصره وأكثرها تواضعًا. نبدأ الفيلم مع جيك سالي الذي يحكي لنا الأحداث بنفسه، نتعرف في البداية على عائلته، ثم تبدأ الخطوط الرئيسية في الظهور سريعًا، مرةً أخرى البشر -مصدر الشر- يعودون من جديد إلى كوكب باندورا، رأسهم مليئة بالأفكار الاستعمارية كالعادة، ولكنهم أيضًا يريدون الانتقام من جيك سالي الذي وقف ضدهم وساند النافي، وقتل الكثير منهم. يظهر العقيد مايلز كواريتش العدو الأول لجيك في بداية الفيلم، وعلى الرغم من أننا رأيناه يموت في الجزء الأول، فإنه سيتم نقل وعيه وأفكاره إلى جسد أفاتار في هذا الجزء. هكذا يُصنع الشرير الذي يكره جيك للمرة الثانية، لكننا نراه في هذا الجزء أكثر عمقًا من الجزء الأول، حيث لم يعد هو الشرير الذي يضحك بفمٍ مفتوح، وبكلامٍ مجلل عن الأعداء، لم يعد هذه الشخصية الكارتونية الهزلية التي يمكن للأطفال أن يُشيروا إليها من بعيد إذا سألناهم عن الشرير أمامهم، ويعتبر السبب الأكبر في هذا التغير هو سبايدر، ابن كواريتش الذي يعيش مع عدوه جيك. هذه الإضافة ساعدت في خلق بُعد إنساني ودرامي في شخصية كواريتش.
الميتاكاينا: القبيلة التي فتحت عالم باندورا على مصراعيه
بسبب عودة البشر يبدأ جيك سالي بشن هجمات مضادة، وهجمات دفاعية، ونلاحظ أن أسلوب جيك قد تطور في الهجوم والتفكير، ولكن لا يستمر الأمر طويلًا حتى يرى جيك بوضوح أنه يجلب الدمار للقبيلة بأكملها، بل وتشكل حياته بهذا الشكل تهديدًا مستمرًا لأولاده الصغار، بسبب هذا يقرر جيك أن يترك القبيلة التي يعيش فيها، وهي قبيلة أوماتيكايا «The Omatikaya»، ويقرر الانتقال لقبيلة الميتاكاينا «The Metkayina». عند هذه النقطة يتغير كل ما نعرفه عن عالم باندورا، فحتى نهاية الجزء الأول، كان العالم الذي نعرفه محدد الملامح، كان هناك عالم البشر، وعالم النافي الذين يعيشون في الغابات، وكانت فلسفة الفيلم أيضًا واضحة، وهي الحديث عن الطبيعة، مع إظهار مساوئ الاستعمار، والغزو لنهب ثروات الآخرين. فجأةً ومن دون مقدمات، قرر جيمس كاميرون، أن يجعل عالم باندورا أكبر من العالم الذي كنا نعرفه، قبيلة «أوماتيكايا» التي كنا نظنها الكوكب بأكمله، أصبحت فجأةَ تمثل صورة واحدة من صور الطبيعة فيه، ووجدنا صورة أخرى بكائنات أخرى، من هنا أيضًا يتضح تصور كاميرون لهذه السلسلة، وذلك حيث يبدو أننا سنكتشف معه عالمًا موازيًا لعالمنا، في كل جزء من الأجزاء المُخطط إصدارها، وستكون هذه الأجزاء بمثابة استعراض كبير لجزء من الطبيعة، ولكن بتشكيل تفاصيل وكائنات حية جديدة فيه.
بسبب هذه الرؤية أصبح تركيز كاميرون منصبًا على خلقِ عالمٍ جديد بتفاصيل جديدة تُدهش من يراها، ولا نتحدث هنا عن محاولات متواضعة أو جيدة، بل نتحدث عن تجرِبة تفوق كل التوقعات، وذلك حيث نرى في هذا الجزء تفاصيل العالم المائي في باندورا، وخلال هذه التجرٍبة سنبدأ برؤية صور تتفوق بمراحل عما قد نشكله في خيالنا، وهذه الصور الجميلة التي نراها لا تتوقف، ولا يعرض كاميرون مشاهد بسيطة بينها لتسهيل عملية صناعة الفيلم قليلًا، بل نجد أن الفيلم بأكمله من البداية للنهاية، عبارة عن مشاهد جميلة متتالية، صور نُريد أن نقف أمامها طويلًا ونتأملها، حتى المشاهد الحوارية كنا نرى في خلفيتها تفاصيل جميلة لا تنتهي، بداية من شكل الأبنية والمساكن البحرية، وصولًا لشكل الأسماك التي كانت تتحرك لتخلق المزيد من الواقعية.
انتقل جيك لقبيلة «The Metkayina» وذلك حتى يختفي من أنظار البشر -رجال السماء- بسبب هذا الانتقال يجد جيك نفسه مضطرًا هو وأسرته إلى تعلم عادات ومهارات هذه القبيلة الجديدة، وهنا ندخل في مغامرة شبيهة بالمغامرة التي عشناها في الجزء الأول من الفيلم، حينما كان جيك يتعلم حياة هذا الكائن الأزرق الغريب الذي يعيش في الغابة، تبدأ هذه الرحلة ثانيةً ولكن في أعماق البحار وبين الشعب المرجانية. والحقيقة أن المشاهد هو الذي يتعلم عن هذا العالم ويعيش تفاصيله ولكن من خلال عيون الأبطال، فكما قلنا من البداية القصة هي أضعف عناصر الفيلم، وذلك لأن تركيز كاميرون منصب على تفاصيل عالم الالميتاكاينا، وبسبب هذا كانت القصة بسيطة، ونشعر أننا رأيناها من قبل أكثر من مرة، خصوصًا في الأفلام الملحمية الطويلة التي تُرينا عوالم جديدة. لكن ومع مرور أحداث الفيلم نجد أن الفيلم يضع المشاهد نفسه في المقام الأول وجهًا لوجه مع كوكب باندورا وجماله الساحر، وقد اهتم كاميرون بهذا على كافة التفاصيل التقنية، حتى تفاصيل الصورة ثلاثية الأبعاد التي استمرت على طول الفيلم.
العائلة.. الهم الذي يحمله جيك
حينما نتحدث عن تواضع القصة، نتحدث عنها مقارنة بالتفاصيل المذهلة في الفيلم، لكن القصة في العموم جيدة، فلدينا فلسفات جديدة في الفيلم زادت على الفيلم الأول، أولها وأكثرها وضوحًا، العائلة. نرى من المشاهد الأولى جيك وهو مهموم الخاطر ومشغول البال بسبب عائلته، يفكر بها دائمًا، ويخاف أن يصيبهم أي مكروه، ويجعل هذا التوتر أحيانًا من جيك أبًا صارمًا وقاسيًا، ونرى في الفيلم أيضًا فلسفة النبذ والغربة التي يعيشها أولاد جيك، فأبناء قبيلة الميتاكاينا يرون أنهم أبناء الغابة الضعفاء الذين لا يعرفون أسرارهم وحياتهم، بل ويرون أنهم أقل من ذلك، مجرد مسوخ ولدوا من دماء بشرية، ونرى هذه الغربة في أوجها عند كيري ابنة جريس أوجستين، لا نفهم أبعاد شخصية كيري وحقيقتها إلى نهاية الفيلم، لكن يعرض لنا الفيلم كثيرًا من المشاهد التي يمكننا أن نفهم منها أن هناك صلة قوية بين كيري وعالم البحار، لكن لا يجزم حتى النهاية إذا كانت جريس قد تزوجت أحدًا من هذا العالم أم لا.
الجيل الجديد: المغتربون في عالمهم
لم يأخذ جيك ونيتيري المساحة التي أخذوها في الجزء الأول من الفيلم، وذلك لأن الفيلم اهتم في المقام الأول بالجيل الجديد. نرى في بداية ولادة الابن الأكبر لجيك، ونرى أنه يحمل هموم العائلة مثل والده، ويحاول دائمًا أن يكون الابن الصالح، والأخ الأكبر الذي يحمي إخوته، ومع هذا فقد كان دوره في الفيلم هو الأضعف والأقل تأثيرًا بين الجيل الصغير، على العكس تمامًا نرى دور الأخ الأصغر لوك، نجد من البداية المشاكل والمشاحنات الموجودة بين لوك والجيل الصغير في قبيلة الميتاكاينا، ثم نجد تطور علاقته بالبحر وبالكائن البحري الضخم البايكان «Payakan» الذي سيصبح بعد ذلك محورًا رئيسيًا في تحريك أحداث الفيلم. وأيضًا عند مقارنة دور الأخ الأكبر بدور كيري، سنجد أن كيري شخصية مُعقدة، لم نكتشف أبعادها إلى الآن، فهي في رحلة تراجيديا تحاول فيها اكتشاف حقيقتها، وحقيقة أصولها. وأخيرًا نأتي إلى سبايدر، الطفل البشري الذي يعيش مع النافي، والبشري الوحيد الذي نراه طوال الفيلم. تأتي الأهمية الحقيقية لهذه الشخصية باعتبارها حلقة الوصل بين كوكب باندورا وكوكب الأرض، ونرى هذا بوضوح على جسده نفسه، فعلى الرغم من كونه بشريًا فإنه قام برسم بقع زرقاء على جسده، بهذا الجسد الذي يمثل العالمين، وبهذه الحياة المزدوجة يتم تقديم هذه الشخصية في الفيلم، وتتعقد الأمور أكثر حينما يظهر العقيد مايلز كواريتش، وهنا نرى سبايدر المشتت بين النافي الذين يحبهم، والذين عاشَ معهم حياته، وبين والده كواريتش، الذي يحنُ ويضعف في أكثر لحظات غضبه خوفًا عليه.
الدراما والأكشن: لا تراهن ضد جيمس كاميرون
قدم كاميرون الميتاكاينا دون تلميحات أو مقدمات في الجزء الأول، ويجعل هذا الأمر تقبل وجود الميتاكاينا صعبًا نوعًا ما في البداية، لكن يقل هذا الامتعاض بسرعة ونغرق في أحداث الفيلم التي تفجر بها الكثير من المفاجآت مقارنةً بالجزء الأول، وتأتي على رأس هذه المفاجآت مشاهد الدراما والأكشن. على الرغم من التقنيات المستخدمة في الفيلم، وعلى الرغم من العالم الغير حقيقي الذي نراه، فإننا نرتبط بسهولة مع الشخصيات، ومع مشاعرهم وانفعالاتهم، ففي الفيلم العديد من المشاهد الدرامية لنيتيري التي تمثل فيهم بشكلٍ صادق للغاية نشعر به على الرغم من هذا القناع الأزرق، ولا تقف الدراما هنا فقط، بل نرى كاميرون وهو يتفنن في خلق مشاهد تراجيديا كئيبة أثناء حرق وتدمير البيئة البحرية الطبيعية، أو أثناء قتل مخلوق بحري يعيش في هذا العالم.
الأكشن أيضًا من المفاجآت الكبرى في هذا الفيلم، تعتبر مشاهد الأكشن من الأشياء المُعتادة والمألوفة في نهايات أفلام جيمس كاميرون، غير أن الجرعة كانت مُكثفة وأكثر تنوعًا هذه المرة، فعلى مدار الثلث الأخير من الفيلم، بدأت المواجهة التي تقطع الأنفاس بين النافي والبشر، وخلال هذه المواجهة كنا نرى تقدمًا سريعًا في الأحداث، وتغييرات في موازين القوى، وتنوعًا كبيرًا في العناصر المستخدمة في المشاهد، بل احتفظ المخرج بعديد من اللوح الفنية والمشاهد الجميلة حتى هذا الجزء، وربما اعتبر هذا الجزء مفاجئًا نوعًا ما بسبب إيقاع الفيلم منذ البداية، فالتقديم الهادئ للفيلم، وتتابع المشاهد بالطريقة نفسها لم يجعل مشاهد أكشن على هذا القدر من المتعة أمرًا متوقعًا.
البيئة: هم كاميرون الذي يعبر عنه بلا ابتذال
تعتبر البيئة والمحافظة عليها هي رسالة سلسلة أفاتار الأولى إلى الآن. فكثيرًا ما يتحدث جيمس كاميرون عن البيئة في المقابلات والصحف، وتعتبر من أكثر الأمور التي يتأثر بمشاكلها، وعلى الرغم من هذا لا يعتبر الفيلم من الأفلام الوعظية التي تحمل رسائل واضحة وصريحة، على العكس تمامًا تتوالى أحداث الفيلم دون إشارة واضحة للمحافظة على الطبيعة، ولكن الأحداث التي نراها تترك فينا أثرًا عظيمًا وشعورًا بالواجب تجاه العالم الذي نعيش فيه، فمشاهد قتل الحيوانات أو حرق البيئات الطبيعية كانت من أكثر المشاهد حزنًا في الفيلم، وذلك حيث تأتي هذه الوحشية بعد مدة كبيرة يحاول فيها الفيلم إنشاء رابطة بين عالمه والمشاهد. بعد هذه الرابطة، وبعد إيذاء البيئة التي ارتبطنا بها، نفكر أول شيء في البيئة الطبيعية الحقيقية في كوكبنا، التي نعرف كم التهديدات التي تتعرض لها.
يعتبر أفاتار هو الفيلم الأكثر تنوعًا هذا العام، قد لا يكون أفضل فيلم، ولا يوجد به أفضل قصة، ولكنه فيلم السينما الأول بلا منازع، ويعد صاحب التجربة البصرية الأفضل ليس هذا العام فقط، وإنما من وجهة نظر البعض بين أفلام السينما بشكلٍ عام، هذا إضافة للتنوع في خطوطه الدرامية، وفي التحديات الفنية والتقنية التي فرضها على نفسه، التي نراها بدايةً من تصميم الشخصيات، حتى تفاصيل الضوء والظل والألوان الفسفورية التي استخدمها المخرج في مشاهد الظلام، لخلق تفاصيل جميلة أكثر وأكثر. كل هذا يجعل من الفيلم تجرِبة مُهمة تستحق الخوض، وأن تترك لها نفسك لثلاث ساعات وربع، تتعرف فيهم على عالم جميل يُنسيك عالمك، ويُرشدك إلى بعض مواضع الجمال فيه.