الهلاوس السمعية: هل سأعيش مع هذه الأصوات طويلًا؟
هل شاهدت الفيلم المصري «حد سامع حاجة»؟
إن كنت شاهدته، فسوف تفهم من خلال هذه المقالة تفسير ما يحدث للبطل، أما إن لم تكن شاهدته، فدعني أعطيك نبذة:
يتحدث المقال عن هذا الصوت، هل ما حدث مع البطل واقعي، أم أن هناك بعض التعديلات على الصورة السينمائية؟ وإن كان واقعيًّا، فما سر هذا الصوت؟
تُصنَّف الأصوات التي تتردد في العقل باختلاف أنواعها إلى هلاوس سمعية، ولكن لا تعتبر كل الحالات حالات مرض عقلي حقيقي، فمنها حالات طارئة لأسباب مؤقتة، ومنها عرض لمرض عقلي حقيقي. دعني أوضح لك بالأمثلة، الأسباب الممكنة لهذه الأصوات:
- المرور بتجربة حياتية مؤلمة، وخصوصًا تجربة ما بعد الصدمة.
- الضغط أو القلق.
- نقص النوم.
- الجوع الشديد.
- تناول العقاقير المنشطة أو كأحد الآثار الجانبية للأدوية الموصوفة من قبل الأطباء.
- عَرَض لمرض عقلي، مثل الفصام أو اضطراب ثنائي القطب أو الاكتئاب الشديد.
بعد المقارنة بين الأسباب المذكورة أعلاه، وبين حالة البطل في الفيلم، فإن الحالة لم تكن طارئة، بل كانت مرضية، أي يُرجَّح إصابة البطل بأحد الأمراض المذكورة.
تعتبر الهلاوس السمعية من الأعراض الشائعة في مرضى الفصام، حيث تتراوح نسبة مصابي الفصام الذين يسمعون أصواتًا لا مصدر لها بين 70% و80%. حيث يسمع المريض صوت أشخاص ينادون اسمه أو يناقشونه أو يهددونه. ويمكن أن يشعر أن الصوت يأتي من داخل رأسه، ويمكن أن يشعر أن الصوت من الخارج، ويمكن أن يظهر الصوت فجأة، ويمكن أن يبدأ خافتًا ثم يعلو شيئًا فشيئًا.
أنواع الهلاوس السمعية في مرض الفصام
حكت «تانيا لورمان»، أستاذة علم الإنسان anthropology في جامعة ستانفورد، ومؤلفة كتاب «العيش مع الأصوات»، حالتين مختلفتين عن الهلاوس السمعية: شاب يعاني من مرض الفصام، تفاجأ بسماع أصوات خدش فئران داخل أذنيه، وآخر تفاجأ بسماع صوت يأتي من خارج شقته لسيدة تصرخ وتطلب المساعدة، وأحيانًا يسمع أشخاصًا غرباء ينادون اسمه أو يتحدثون معه.
إليك بعض الأمثلة لأنواع الأصوات التي يسمعها مرضى الفصام:
- أصوات خربشة وخدش متكررة مثل خربشة الفئران.
- أصوات موسيقى غريبة عالية جدًّا حد الألم.
- أصوات أشخاص يتهامسون أو يصرخون موجهين الأوامر والتعليقات.
- أصوات أشخاص تتحدث عنك وكأنك غير موجود.
1. أوامر سخيفة:
طبقًا لما صرح به «إليانور لونجدن»، باحث في علم النفس، عن الهلاوس السمعية أثناء تشخيصه لأعراض مرض الفصام، أن بعض الأصوات يمكن أن تكون حمقاء لا معنى لها، كأن يسمع المريض صوتًا يطلب منه أن يحضر كوبًا من الماء ويُفرغه فوق رأسه. تدفع هذه الأصوات المرضى أحيانًا لتنفيذ ما يطلبونه من شدة إلحاح الصوت وتكراره وإزعاجه للمريض، فيضطر المريض لتنفيذ الأمر لكي يتخلص من الصوت.
2. أصوات تهدف لأذى النفس:
تدفع بعض الأصوات المريض لأن يؤذي نفسه أو يؤذي الآخرين، لذلك يجب التعامل مع هذا النوع بحذر شديد. يعتبر هذا النوع من الهلاوس السمعية من الأنواع المخيفة للغاية، فهذه الأوامر لا حد لها.
3. أصوات تهديد ووعيد:
يسمع بعض المرضى أصواتًا متكررة ومقنعة تنص على أنه مُهدَّد. هذه الأصوات خطيرة للغاية، فهي بالفعل تُهدِّد سلامة المريض ويمكن أن تدفعه لإيذاء النفس أو العنف.
سر حدوث الهلاوس السمعية لمرضى الفصام
تعتبر الهلاوس السمعية أحد الأعراض الإيجابية في مرض الفصام، وتحدث الهلاوس السمعية نتيجة النشاط الشاذ لمنطقة الإدراك اللغوي في ملتقى القشرة الصدغية والجدارية.
أظهرت نتائج الرنين المغناطيسي وجود تنشيط تلقائي في الشبكة السمعية، والتي تتكون من ثلاثة أجزاء، تلفيف صدغي علوي أيسر، وتلفيف صدغي مستعرض، وفص صدغي أيسر.
تم اقتراح نموذج معرفي عصبي باسم Voice، والذي ينسب هذه المشكلة السمعية إلى حدوث عملية فرط إثارة حوفية غير متزنة تتعارض مع قصور نشاط النظام التثبيطي الجبهي.
علاج الهلاوس السمعية
لا شك أن الهلاوس السمعية أمر مزعج ومؤلم ومُسبِّب للضرر والإيذاء النفسي، ولا شك أن كل من يتعرَّض له يرغب في التخلص منه، وعليه فسأخبرك بما توصَّل إليه العلماء من حلول لمشكلة الهلاوس السمعية.
تتعدد طرق علاج الهلاوس السمعية في الفصام، حيث تشمل جلسات العلاج النفسي، والأدوية، وإجراءات أخرى متعددة من أجل التعافي التام، وسنناقش معًا كل هذه الطرق في القائمة التالية:
1. الأدوية:
تعتبر مضادات الفصام أهم وأول طريقة فعَّالة لعلاج الفصام وكل أعراضه، وبالتالي هي طريقة فعالة للتخلص من الهلاوس السمعية في مرض الفصام.
2. العلاج السلوكي المعرفي:
عندما يُستخدم العلاج السلوكي المعرفي بالاشتراك مع الأدوية تكون وسيلة فعَّالة لمساعدة المرضى على التعامل مع الهلاوس السمعية، واكتساب مهارات تساعدهم على تهدئة هذه الأصوات. على سبيل المثال: عندما يسمع الصوت يغلوش عليه من خلال غناء أغنية أو قراءة فقرة بالمعكوس.
3. التحفيز المغناطيسي المتكرر للدماغ:
تُستخدَم هذه التقنية عن طريق وضع جهاز مغناطيسي صغير بشكل مباشر على الجمجمة، حيث اتضح أن هذه التقنية تُقلِّل من حدة وتكرار الهلاوس السمعية لمرضى الفصام. ويساهم التحفيز الكهرومغناطيسي – منخفض التردد – لأماكن في الدماغ في تقليل الهلاوس السمعية في مرض الفصام، حيث نظرت بعض التحاليل الحديثة في فعالية تقنية التحفيز الكهرومغناطيسي للدماغ، وأثبتت قدرة التقنية على تقليل الهلاوس السمعية في مرضى الفصام.
4. العلاج بالصدمة الكهربائية:
يعتبر هذا الحل آخر طرق العلاج التي يمكن اللجوء إليها، وتتضمن تطبيق كمية بسيطة من الصدمات الكهربائية على جلد الرأس.
الهلاوس السمعية خارج إطار مرض الفصام
لا تقتصر الهلاوس السمعية على مرض الفصام كما قلنا، فيمكن أن يسمع أحد المنفصلين حديثًا عن علاقة عاطفية قوية بهلاوس سمعية بأصوات شركائهم السابقين، فإذا تعرضت لهذا النوع من الهلاوس، فماذا تفعل؟
1. افهم الأصوات التي تسمعها:
يساعدك فهم الأصوات التي تسمعها على محاولة التحكم بها وحل المشكلة. مثلًا: يمكنك كتابة محتوى هذه الأصوات على شكل يوميات، فبالتأكيد يمكنك ملاحظة ما يقوله هذا الصوت المجهول لك، كما يمكنك تدوين شعورك تجاه هذا الصوت وكيف تتحكم به. سوف يساعدك هذا الأمر على ملاحظة الأنماط التي تجعلك حزينًا والأنماط التي تجعلك سعيدًا، وما الذي يُشعرِك بشعور جيد، وما هي الأسباب التي تفجر هذه الأصوات.
2. تحكَّم بالأمر:
يمكنك التحكم بالأمر أكثر من خلال اختيار التركيز على الأصوات عندما تكون أصواتًا إيجابية، وتجاهلها عندما تكون أصواتًا سلبية؛ عندئذٍ ستختار متى تهتم بها ومتى تقف عندها. وسوف تساعدك الجلسات العلاجية الجماعية على تنفيذ هذا الأمر، لأنه يمكن أن يكون صعبًا عليك القيام به بمفردك.
3. ابقَ مشغولًا:
أن تبقى مشغولًا يمكن أن يحول بينك وبين هذه الأصوات، ويُشتِّت انتباهك عن التفكير فيها، فأنت لا تملك وقتًا لأن تختلي بنفسك وتقع ضحية لهذه الأصوات السخيفة، كما أن الانشغال يمكن أن يكون مع أشخاص جدد مختلفين، حيث يساعدك هذا أكثر على الترويح عن نفسك وعدم التفكير في هذه الأصوات السلبية.
يمكنك أيضًا أن تسمع الموسيقى أو تسمع الكتب الصوتية، أو تقوم بهواياتك المفضلة، أو تفعل أي شيء إبداعي مميز يُحسِّن حالتك المزاجية ويشغلك عن تلك الهلاوس.
4. شارك تجربتك مع الآخرين:
يشعر بعض الناس أن الهلاوس السمعية أمرًا مخجلًا، أو وصمة، لذا يمتنعون عن مشاركة هذه التجربة مع أي أحد، حتى أفراد عائلتهم.
تُساعِدك مجموعات الدعم للزملاء على مشاركة تجربتك مع زملائك في مساحة آمنة خالية من حكم الآخرين أو السخرية، وتساعدك على سماع الآخرين، وهو أمر يُشعِرك بالقبول والأمان، ويقضي على شعور الوحدة التي تفرضها عليك الهلاوس.
5. اعتنِ بنفسك:
يجب أن تعتني بنفسك وتكون عطوفًا معها، حتى وإن كان الأمر صعبًا، ولكنه مهم جدًّا. مثلًا: عليك الاهتمام بطعامك، بأن تتناول طعامًا صحيًّا مليئًا بالعناصر الغذائية والفيتامينات الكاملة التي يحتاجها جسمك، كما عليك أن تُبقي جسدك نشيطًا، بأن تواظب على الحركة والرياضة السليمة، عليك أيضًا التحكم في الضغوطات، ومحاولة قضاء أوقات خارج المنزل. اكتب هذه الأمور على شكل أهداف يجب عليك تحقيقها من أجل سلامتك النفسية والجسدية.