مسلسل «Attack on Titan»: دليلك لصناعة أنيمي مثالي
يظن البعض أن الأنيمي ليس إلا عرضًا للأطفال، مجرد قصص وحبكات ساذجة… مراهقون بقوى خارقة… أو صراع مجرد بين الخير والشر، وطبعًا لا بد أن يتبعه صرخات وأصوات مزعجة من الأبطال، قادرة على تفجير طبلة الأذن. ويظن البعض الآخر أن الأنيمي عبارة عن مبالغة كلاسيكية في قوة الصداقة ورباط الأخوة، أو كائنات غريبة من كوابيس شخص مختل.
إذا كنت تظن ذلك، أعدك بتغيير رأيك بعد قراءة هذا المقال.
البداية
ظهر مسلسل Attack on Titan لأول مرة في 2009 على هيئة مانجا أو قصص مصورة في اليابان، وحقق نجاحًا باهرًا، حيث تخطى مبيعات قصص One Piece الشهيرة، وظل اللؤلؤ داخل القوقعة حتى 2013، حينما بدأ الموسم الأول لأنيمي قائم على هذه القصص، وذلك بآمال كبيرة.
وصل إلى أعلى المراتب، واستمر في النجاح وضرب الأرقام القياسية حتى موسمه الرابع والأخير، لكن ذلك لم يكن ضربة حظ أو محض صدفة، بل نتاج عبقرية القائمين عليه وفي مقدمتهم المؤلف والرسام Hajime Isayama.
ونناقش في هذا المقال أهم نقاط القوة في هذا الأنيمي، والتي ميزته عن غيره، وأكسبته حب وإعجاب الجمهور.
فن صناعة المفاجآت
ربما يكون مسلسل «هجوم العمالقة» أفضل عمل فني قدّم مفاجآت، مفاجآت في القصة والأحداث، لكن ليس لمجرد المفاجأة أو مخالفة توقعات الجمهور، ولكن جزءًا أصيلاً من القصة لا يستقيم بدونها، نوع المفاجآت التي تصيب الجمهور في مقتل، فقد كانت كل القطع أمامك ولكنك فشلت في الربط بينها، لم تنتبه للتلميحات أو الإشارات طوال الأنيمي، ثم في لحظة ينكشف كل شيء، وتجد نفسك تشعر بهيبة وتقول كيف لم أتمكن من ملاحظة ذلك.
الفكرة أن كل ما شاهدته له قيمة، كل مشهد له دور في المفاجأة النهائية، كل شخصية تؤدي وظيفة معينة، أشبه بأفلام كريستوفر نولان. بالأخص في فيلم The Prestige، حيث ظهر لغز الساحر أمام المُشاهِد منذ بداية الفيلم، وظل يعطي تلميحات حتى النهاية، فظهر مشهد القبعات العديدة في الفيلم ثلاث مرات؛ مرة في البداية بلا معنى، وفي منتصف الفيلم وهو يُوضِّح آليه الاستنساخ، ثم في النهاية عندما يكشف أن «هيو جاكمان» كان يقتل نفسه (مستنسخ منه) كل يوم من أجل الخدعة.
ماذا يوجد في القبو؟
يُفرِّق المخرج الأسطوري «ألفريد هيتشكوك» بين التشويق والصدمة، وذلك على النحو التالي:
هناك شخصان يتحدثان لمدة 10 ثوانٍ، وفجأة تنفجر قنبلة، فيُصاب الجمهور بصدمة، أمّا إذا علم الجمهور بوجود قنبلة وتم نفس المشهد لمدة 10 دقائق، فالجمهور ينتظر بفارغ الصبر الانفجار، وبالرغم من كونه عاجزًا عن تحذير الضحايا إلا أنه يشترك في المشهد، ولا يكون مجرد مُشاهِد، ويعتمد هذا الأسلوب على إمداد الجمهور بالمعلومات، ورسم ملامح للأحداث والاعتماد على المفاجأة النهائية في كشف اللغز بالكامل.
في «هجوم العمالقة» استمر اللغز والتشويق لثلاثة مواسم، وكان لغز القبو محركًا رئيسيًا في القصة، وظل السؤال: ماذا أخفى والد «إيرين» في قبو منزله؟ بسبب فترة الانتظار الطويلة زاد سقف التوقعات، وخشي قسم كبير من المتابعين ألا يكون السر على قدر الأهمية، أو أن يفشل الأنيمي في إرضاء الجمهور والخروج بالمفاجأة الأفضل، وأهم لغز في القصة بأكملها، مثل هذا النوع من الألغاز غالبًا ما يمثل مشكلة للأعمال الفنية، لكن قليل منْ نجح في ذلك.
لم يمل الجمهور من الانتظار بل زاد الانتظار من قدر المفاجأة، وأعطى الأنيمي جرعات صغيرة على هيئة أسرار ومفاجآت تم الكشف عنها بالتدريج، فأصبح المُشاهِد يعلم أن هناك سرًا لم يُكشَف بعد، وهناك لغزًا لم يكتمل، وأحسن المسلسل توظيف ما يُسمى بـ Mystery Box وهو صندوق سحري يوجد بداخله خدعة، تظهر فقط عند فتحه، وتم استخدامه في الفن والقصة عن طريق JJ Abrams مؤلف مسلسل Lost الشهير، ويقوم على نظام سرد مكون من سلسلة من المعلومات عن حيل غير متوقعة، للكشف عن الألغاز الرئيسية بطريقة مجزية ومثيرة للجنون في نفس الوقت، وهذا ما قام به الأنيمي.
فقد اعتمد القبو على أنه اللغز المركزي أو الرئيسي، ومع تسلسل الأحداث يتم إطلاع المشاهد على بعض المعلومات خلال الطريق، وعندما كُشف عنه في نهاية الموسم الثالث، علمنا تقريبًا كل ما كان لغزًا منذ البداية، أصل العمالقة وتاريخ الجزيرة والعالم الخارجي، وكانت النتيجة أفضل من التوقعات.
التطور التدريجي للقصة
بدأ الموسم الأول في رسم الشكل العام للقصة، أو ما يُسمى بالاستثمار في الشخصيات قبل بداية الأحداث، بدون الدخول في تفاصيل عديدة، فكان في الأصل حجر الأساس الذي سيُبنى عليه باقي المواسم، لذلك يمكن أن يشعر البعض أن الموسم الأول هو الأسوأ أو أقل بالمقارنة مع ما تلاه، لكن لا تنسَ أن هذا الموسم كان عرضًا بصريًا مدهشًا، من الجدران ودقتها للشخصيات المميزة ومشاهد الأكشن الباهرة، وبالطبع الأغاني الرائعة، كذلك عرض لواقع الحياة داخل الجدران ومعاناة البشر بالداخل، وبالأخص ضعف البشر وعجزهم تمامًا أمام العمالقة.
ورغم أن الأنيمي لم يعمل على تقوية العلاقة بين المُشاهِد والضحية، فيجعلك تغضب أو تتعاطف مع أحد الضحايا، إلا أنه عرض الواقع المرعب الذي سيكون مسرحًا لباقي الأحداث. أمّا الواقع والمعاناة، فيظهران في الطبقية في الجيش، واستحواذ الطبقات العليا والتجار على الثروات والسلطة، ثم الاتجار بالبشر داخل الجدران في قصة «ميكاسا» وعائلتها، وكأن المسلسل يقول إن الشر قابع أيضًا داخل الجدران في نفوس البشر، وليس في الخارج مع العمالقة فقط.
بعد أربعة أعوام انتظار، عاد الأنيمي بالموسم الثاني الذي مثّل بداية الصراع الحقيقي، وتحولت الشخصيات من مجرد إضافات عابرة إلى أعمدة أساسية في القصة. كذلك دخلت شخصيات جديدة في العمل، وتطورت الشخصيات الأساسية إلى حد يجعلك تهتم بهم وتحزن على هزائمهم، وبدأت الصورة في الوضوح واقترب الخطر، وزاد التعقيد ووصل الرعب أوجه، ولم يعد أنيمي عن عمالقة عراة يطاردون البشر مثل الزومبي، لكن بدأت السياسة في تحديد مصير البشر، ومع عدد من المفاجآت، دخلنا في مرحلة جديدة مليئة بالمشاعر والرهبة والإعجاب.
أمّا الموسم الثالث فكان سياسيًا بامتياز، وعرضًا لكيفية عمل الحكومة وانقلابات الجيش والحكومة على أنفسهم خلف الجدران، وشهد ظهور خط جديد للأحداث، يعتمد على العائلة الملكية وعلى رأسهم «هيستوريا»، ويكشف عن العملاق المُؤسِّس والسياسة خلف احتفاظ العائلة الملكية به ورغبتهم في استعادته، ويصل فيه «ليفاي» إلى قمة تطوره، وينكشف ماضيه الذي عاد يلاحقه، ثم تقف البشرية على أقدامها من جديد وتواصل صراع البقاء.
ومع الموسم الرابع تقترب النهاية، ويدخل المسلسل في مرحلة جديدة من الظلام والتشويق، يصل فيها أطفال الموسم الأول إلى النضوج وفقدان البراءة، تقترب رحلتهم من الانتهاء، وتلوح في الأفق مفاجأة كبيرة، ستُغيِّر من قواعد الأنيمي والبناء القصصي بأكمله.