بتكلفة أقل من 10% من بدائله؛ علاج مصري للالتهاب الكبدي سي
يصيب الالتهاب الكبدي الفيروسي سي عددا يتراوح ما بين 130 و 170 (1، 2) مليون إنسان على وجه الأرض، وتختلف تلك التقديرات تبعا لدقة وموثوقية البيانات الإحصائية المتاحة من البلدان المختلفة، ويقدر عدد الوفيات الناتجة عن أمراض الكبد الناتجة عن الإصابة بهذا المرض بحوالي 500 ألف سنويا (1، 2)، وعلى الرغم من اختلاف جودة البيانات الإحصائية المتاحة من مختلف البلدان، فإن آخر التقديرات العالمية تشير إلى أن معدل انتشار الالتهاب الكبدي الفيروسي سي في العديد من البلاد المتقدمة اقل من 2% بينما يزداد نفس المعدل لأكثر من 2% في عدة دول من أمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية والاتحاد السوفيتي السابق وبعض الدول من أفريقيا وجنوب آسيا والشرق الأوسط (1)، وتعتبر مصر صاحبة أعلى معدل للإصابة بالمرض في العالم، حيث تتراوح التقديرات لأعداد المصابين بالمرض في مصر ما بين 10% إلى 12% من المواطنين (1، 3).
كيف تطور علاج المرض في الفترة الأخيرة؟
يتطور علاج الالتهاب الكبدي الفيروسي سي بشكل سريع، فمنذ فترة قريبة كان الأساس في علاج المرض هو الاعتماد على الإنترفيرون و الريبافيرين، والذي كان يتطلب حقنًا أسبوعيا لمدة 48 أسبوعا، لشفاء نصف المرضى فقط، بالإضافة إلى الأعراض الجانبية المتنوعة والعنيفة الناتجة عنه والتي كانت تشكل خطرا على حياة المريض في بعض الأحيان (2). في عام 2011م، تم إقرار عقارين جديدين لعلاج المرض وهما boceprevir و telaprevir، اللذان يستهدفان بعض البروتينات الموجودة بشكل حصري في فيروس الالتهاب الكبدي سي «من النوع الجيني 1 genotype 1» وقد أثبت كلا العقارين أنهما أكثر فعالية من العلاج التقليدي باستخدام الانترفيرون والريبافيرين (1)، ثم تلاهما إنتاج العديد من العقاقير التي تستهدف الفيروس بشكل مباشر «Direct Antiviral Agents» والتي تتميز بكونها أكثر فعالية، وأقل في أعراضها الجانبية (2). يمكن للعلاج بتلك العقاقير الجديدة أن يشفي معظم المرضى «>90%» في فترة زمنية أقل «12 أسبوعا في المعتاد» وبأعراض جانبية أقل خطرا (1، 2). وعلى الرغم من أن تكلفة إنتاج تلك العقاقير منخفضة، فإن الأسعار المعلنة لها تعتبر مرتفعة جدا، مما قد يعد عائقا أمام القدرة على الحصول على العلاج، حتى في الدول ذات الدخل المرتفع (2)، حيث أن السعر المعلن للبرنامج العلاجي الكامل باستخدام عقار سوفالدي sovaldi هو 84000$ للبرنامج العلاجي لمدة 12 أسبوعا بواقع 1000$ يوميا، أما عقار هارفوني Harvoni فإنه يكلف حوالي 80000$ لمدة 12 أسبوعا، ويعد عقار Zepatier الذي تنتجه شركة Merck هو الأقل سعرا في هذه الفئة من الأدوية بواقع 54600$ فقط (3)!
لماذا نحتاج علاجا جديدا أقل سعرا؟
يعيش ثلاثة أرباع المصابين بمرض الإلتهاب الكبدي الفيروسي سي في الدول ذات الدخل المتوسط، مثل ماليزيا وتايلاند، التي تم استبعادها من اتفاقيات الترخيص الطوعي التي أجرتها شركات كشركة جيلعاد مع الدول ذات الدخل المنخفض لتخفيض سعر الأدوية الموجهة لعلاج المرض فيها، كالهند على سبيل المثال التي يتم طرح العلاج فيها بما يقدر بحوالي 300$ للبرنامج العلاجي الكامل! كذلك سوف يستفيد المصابون بالمرض من مواطني دول أمريكا اللاتينية من وجود علاج جديد أقل سعرا (3). ولهذا السبب فقد قامت «مبادرة أدوية للأمراض المهملة» التي تمثل الكثير من المنظمات المهتمة بالصحة، مثل «أطباء بلا حدود» و «معهد باستير» في فرنسا، بعض الشركاء المؤسسين لها بشراء حقوق تطوير المادة الفعالة Ravidasvir في الدول منخفضة وموسطة الدخل، وذلك بالاتفاق مع الشركة التي قامت بانتاج المادة وهي شركة «بيرسيديو للمنتجات الدوائية Presidio Pharmaceuticals»، ومن ثم قامت بالتعاقد مع شركة فاركو المصرية لانتاج العقار الجديد واختباره.
ما هو العلاج الجديد؟
العلاج الجديد هو ناتج تعاون بين «مبادرة أدوية للأمراض المهملة Drugs for Neglected Diseases Initiative» وشركة الأدوية المصرية «فاركو Pharco Pharmaceuticals»، ويعتبر العقار الجديد عقارا مركبا يجمع بين مادتين من المواد الفعالة في علاج الالتهاب الكبدي الفيروسي سي وهما Ravidasvir و sofosbuvir، وتشير الدراسات إلى أن نسب الشفاء باستخدام العقار المركب تقارب 100%، حيث تشير نتائج الدراسة التي تم عرضها في «مؤتمر الفيروسات القهقرية والأمراض الانتهازية Conference on Retroviruses and Opportunistic Infections» في بوسطن 2016، إلى نسب شفاء تتراوح بين 95% و 100% بين المرضى المصابين بالالتهاب الكبدي الفيروسي سي من النوع الجيني 4 تبعا لبعض المحددات الدقيقة «كحالة النسيج الكبدي من حيث إصابته بالتليف أو عدم الإصابة بالتليف، وكذلك ما إذا كان المريض قد تلقى علاجا سابقا للمرض أم لا، ومدة العلاج المقترحة» (4، 5). وقد أعلنت «مبادرة أدوية للأمراض المهملة» أنها سوف تقوم بإجراء المزيد من الاختبارات السريرية على العقار المركب في ماليزيا وتايلاند حيث ينتشر نوع جيني آخر من الفيروس المسبب للمرض، وذلك لاختبار فاعلية العقار على أنواع جينية مختلفة، ومن المتوقع أن يكون العقار متاحا في مصر خلال عام من الآن على أن يكون متاحا في باقي أنحاء العالم بعد حوالي 18 إلى 24 شهرا (3)، ومن الجدير بالذكر أن شركة فاركو المنتجة للدواء قد وافقت على إنتاج العقار مقابل مبلغ 300$ أو أقل، وهو السعر الذي يقل عن 10% من الأسعار المعلنة للعقاقير الأخرى المستعملة في علاج الالتهاب الكبدي الفيروسي سي، ويعتقد برنارد بيكول، المدير التنفيذي «لمبادرة أدوية للأمراض المهملة»، أن السعر التجاري للعقار الجديد قد ينخفض خلال أعوام ليصل إلى حوالي 100$، حيث أن تكلفة انتاج المادة الفعالة في الدواء ليست مرتفعة (3).