الأسد لم يلفظ أنفاسه الأخيرة بعد (مترجم)
خلال الأيام الأخيرة، أشارت بعض التقارير إلى أن موجة الحرب في سوريا انقلبت بشكل نهائي وحاسم ضد نظام الأسد.
واستشهدت التقارير بسلسلة من النجاحات التي أنجزها الثوار السوريون خلال الأسابيع الأخيرة، كما رأت أن الديكتاتور وحلفاءه يواجهون صعوبات في عكس مسار ذلك التراجع مجددا.
وعلى ضوء ذلك، هل حقا انتهت اللعبة بالنسبة لنظام الأسد سافك الدماء؟ الفحص الدقيق للأدلة يكشف مجددا أن الوقت ما زال مبكرا.
وقبل أن نخوض في أسباب ذلك، دعونا أولا نلقي نظرة على النجاحات الأكيدة التي حققتها ائتلافات ثورية عديدة.
تمكن ائتلاف جيش الفتح خلال الأسابيع الأخيرة من تحقيق أرضية ملحوظة في شمال على حساب قوات النظام.
كما استطاع الثوار انتزاع مدينة إدلب من قبضة الأسد في 29 مارس الماضي، قبل أن يواصل التحالف انتصاراته، ويستحوذ على مدينة جسر الشغور القريبة من الحدود السورية التركية، ثم يهيمن على قاعدة معسكر القرميد التابعة للنظام.
ويبدو جيش الفتح، الذي يضم جبهة النصرة وأحرار الشام، متأهبا لبدء هجمات على معقل النظام في اللاذقية.
وواجه النظام أسابيع فقيرة صوب الجنوب، ولم تفلح هجمات القوات السورية المدعومة بمقاتلي حزب الله وإيران في دحر الثوار من مناطق بجنوب دمشق.
وحقق الائتلاف الثوري الجنوبي وجبهة النصرة سلسلة من الإنجازات، أبرزها سقوط مدينة بصرى الشام التاريخية القريبة من الحدود الأردنية في 25 مارس الماضي، وكذلك السيطرة على معبر نصيب، الذي كان آخر المعابر التي يهيمن عليها النظام على الحدود مع الأردن.
وبالتأكيد، ينبغي أن تؤخذ تلك الانتصارات في الاعتبار، لا سيما وأن العديد من المحللين ذهبوا منذ شهور قليلة إلى أن الثوار باتوا في مرحلة سكرات الموت، واستشهدوا بعدم قدرة الثوار على التوحد، ونقص السيطرة على الجهاديين السنة، ومظاهر فساد بين قيادات عسكرية بصفوفهم.
وبالمقابل، تعقدت ألام النظام عبر مظاهر الشقاق داخل صفوفه، والتي تمثلت في الإطاحة بمسؤولين أمنيين، هما رفيق شحادة، من المخابرات الحربية، ورستم غزالة مسؤول الأمن السياسي، والذي مات لاحقا.
ما الذي تغير إذن؟ لقد مر الثوار بعملية الاختيار الطبيعي، حيث التهمت الوحدات الأكبر الوحدات الأصغر، وهو ما أدى إلى تماسك أكثر، كما أن إعادة التقارب بين السعودية وتركيا منح للثوار تنظيما ودعما وإمدادات أوسع نطاقا في الشمال.
وفي الجنوب، تحدث عملية مشابهة، مع الأخذ في الاعتبار دعم الغرب والسنة للجبهة الجنوبية، التي لا يهيمن عليها إسلاميون سلفيون بعكس جيش الفتح.
ولكن بالرغم من ذلك، فإن السابق للأوان الإعلان عن زوال وشيك لنظام الأسد.
المشكلة الرئيسية التي تجابه النظام السوري خلال تلك الحرب تتمثل في نقص القوة البشرية، حيث يعتمد الأسد على دعم طائفة محدودة من التعداد السكاني، وهي الأقلية العلوية، التي لا تزيد عن 12 بالمئة من السكان. بل أن هناك علامات على تناقص دعم الأسد خلال الشهور الأخيرة.
وبالرغم من هذه العيوب الرئيسية، لكن نظام الأسد يبدو قادرا على التعامل معها بعدد من الأساليب.
أولا، بخلاف الثوار، يحظى النظام السوري بدعم راسخ من حلفاء أقوياء، أبرزهم إيران التي حشدت وكلاءها في المنطقة، وأموالها، من أجل تعويض نقص الطاقة البشرية في نظام الأسد، الذي يقاتل في صفوفه، بجانب العلويين، عناصر من حزب الله، ومقاتلين شيعة من العراق وأفغانستان.
ولا يوجد من الأسباب ما يستدعي القول إن بئر المتطوعين المحتملين خارج سوريا قد نضب، ومن المحتمل أن يعوض مقاتلون أجانب النقص الواضح في المنضمين السوريين لصفوف الأسد. بل يمكن وصف نظام الأسد اليوم بأنه مزيج من متطوعين ذوي أغلبية شيعية تجمعوا بجهود من طهران، وليس جيشا متماسكا لنظام، لكن ذلك لا يعني أن هزيمته أكثر احتمالا.
وبالفعل، نظرا للعزيمة والتماسك الأكثر نطاقا التي أظهرها الإيرانيون خلال المنطقة، مقارنة بالقوى السنية المرتبكة والمنهارة، والغرب الغائب إلى حد كبير، ربما يحدث العكس.
ثانيا، منذ منتصف 2012، سعى نظام الأسد إلى موازنة النقص العددي، عبر تقليص مساحة المناطق التي يسيطر عليها، وهو المنطق وراء تخلي النظام عن كثير من المناطق الشمالية في سوريا في يوليو 2012.
يدرك الأسد أن بقاءه يتضمن حتمية استمراره في إحكام قبضته على دمشق وضواحيها، ومنطقة الساحل الغربي، والمنطقة التي تصل بينهما، بالإضافة إلى الفائدة الأساسية للسيطرة على حمص وحماة، اللتين خارج نطاق التهديد.
وحتى هذه اللحظة، فإن المناطق التي خسرها الطاغية لا تمثل تهديدا لسيطرته على المساحات السورية التي يحكمها.
إيران، التي تعد البطل الرئيسي في حرب النظام، بقدر يتساوى مع بشار نفسه، لا تتطلب السيطرة على كامل سوريا، كي تحفظ مصالحها في البلاد، بل تحتاج منطقة متاخمة للأرض التي تصل بين العراق، الموالية لطهران، وجنوب لبنان، التي يهيمن عليها حزب الله.
وأخيرا، فإن إبرام اتفاق بشأن الملف النووي الإيراني يرفع من حظوظ الأسد، لأن الجمهورية الإسلامية ستطلب رفعا فوريا للعقوبات، بما يحرر مبالغ هائلة تتدفق على الخزائن الإيرانية، قد تبلغ زهاء 50 مليار دولار وفقا للتقديرات.
وقد تمنح إيران تلك المبالغ للصديق الذي يحتاج إليها. وقياسا بحالة التراخي الغربي خلال المفاوضات مع طهران، والرغبة في تفادي صراع مع إيران، يبدو إبرام الاتفاق ممكنا تماما.
وختاما، فإن جبهة الأسد-إيران- حزب الله لم تتعرض بعد لاختبارات في المناطق التي ينبغي أن تتسيدها من أجل البقاء، لذا فإن تقارير الزوال الوشيك للنظام تتسم بالمبالغة الشديدة.