كيف يستغل الأسد الزلزال لفرض شرعيته دوليًا؟
زلزال مدمر ضرب سوريا وتركيا. نالت تركيا النصيب الأكبر من التغطية الإعلامية والإغاثة الدولية. ظلت سوريا منزويةً في ركنٍ لا تمر فوقها طائرة إغاثة، ولا يصلها فريق إنقاذ. تحركت بعض الدول أخيرًا، واتجهت بعض الأضواء إلى سوريا. لكن حتى بعد التحرك الدولي نقلت تقارير متواترة عن أن الرئيس السوري بشار الأسد قد أسهم بشكلٍ ما في إعاقة وصول تلك المساعدات إلى المناطق التي تسيطر عليها الجبهات المعارضة له.
فرغم المأساة الإنسانية التي تعيشها سوريا، بدا الأسد منذ اللحظة الأولى مهتمًا بتحقيق أكبر قدر من المكاسب من تلك الكارثة. البداية كانت بالمطالبة برفع العقوبات التي يفرضها الغرب على نظام الأسد. وبررت الحكومة السورية ذلك الطلب بأن العقوبات تعيق وصول المساعدات الإنسانية إلى سوريا.
المعارضة السورية ردت على هذا الزعم قائلة إن الاستثناءات التي تسمح بوصول المساعدات الإنسانية سارية منذ أمد طويل. لكن سواء كان هذا صحيحًا أم لا، فإن الإدارة الأمريكية أعلنت قرارًا من بايدن يقضي بعدم إعاقة أي معاملات مالية تتعلق بأعمال الإغاثة السورية، التي يمكن للعقوبات أن تؤدي لعرقلتها بأي شكل. ويسري القرار لمدة 180 يومًا كاملة، 6 أشهر متواصلة بدأت منذ لحظة الإعلان عن القرار، التي كانت في الساعات الأولى للزلزال.
قد لا يريد الأسد من خطابه رفع العقوبات نفسها بقدر ما يريد العودة لمخاطبة النظام الدولي. فلأول مرة يخاطب الأسد العالم بشكل مباشر. في تلك الخطابات يحاول الأسد إثبات نفسه كمتحدث شرعي ورسمي باسم الشعب السوري. كما يريد الذهاب إلى ما هو أبعد بتحسين صورته من خلال إبداء رغبته في تقديم تنازلات عبر مفاوضات مع الجهات الفاعلة دوليًا والمهتمة بالشأن الإنساني السوري. يريد الأسد إقناع المجتمع الدولي أن التعامل معه ضروري، وسيكون مفيدًا ومثمرًا، لأجل تحسين حياة السوريين الذين يريد العالم إسعافهم.
العرب يدعمون سوريا
لهذا لم يقدم الأسد تعازيه إلى الشعب السوري، أو يعلن حالة الطوارئ. بل استمرت قواته في ضرب شمال غربي سوريا. بل ركز الإعلام السوري على جميع الرسائل التي تلقاها الأسد من مختلف قادة العالم. كما ازدادت ابتسامة الأسد التي ظهر بها في حلب بعد 4 أيام كاملة من حدوث الزلزال حين بدأت الدول العربية في إرسال المساعدات الإنسانية إلى المناطق التي يسيطر عليها.
فلأول مرة منذ تولي الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي السلطة في 2014 يتم تواصل هاتفيًا مباشرة بين الطرفين. رغم وجود تنسيق أمني وتمثيل دبلوماسي محدود. وبعد عدة أيام من الزلزال أعلن الرئيس التونسي قيس سعيد رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي مع سوريا تمهيدًا لإعادة العلاقات بالكامل مرة أخرى. سعيد فسر موقفه بأن بلاده قطعت العلاقات منذ 10 سنوات بسبب انتهاكات سوريا ضد الثوار، لكن هذه الانتهاكات هي شأن داخلي سوري. كما أن السفراء يُعتمدون لدى الدولة وليس لدى النظام.
ولأول مرة منذ 10 سنوات يتلقى الأسد اتصالًا من ملك البحرين. كما نقل وفد وزاري لبناني رسالة من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي استعداد لبنان لفتح مطاراته وموانئه لاستقبال أي مساعدات تصل إلى سوريا. وهذا الوفد اللبناني هو الوفد الأول الذي يصل سوريا بصورة رسمية، بعد أن اتخذت لبنان طوال سنوات سياسة النأي بالنفس عما يحدث في سوريا، وزارها عدد من الوزراء اللبنانيين لكن بصفة شخصية.
كما قدمت المملكة السعودية مساعدات لسوريا، وكذلك قطر. رغم أن البلدين قدمتا دعمًا في بدايات الأزمة للمعارضة السورية. ما يعني أن أمام الأسد فرصة سانحة لتحويل تلك الأزمة لقناة تواصل مفتوحة مع المجتمع العربي والدولي. كما تعهدت الإمارات بتقديم 50 مليون دولار كدعم لسوريا، لكنها لم تذكر لأي جزء من سوريا سوف يتم تقديم تلك المساعدات. وذكر أكثر من مصدر سوري أن الإمارات التي دعمت المعارضة سابقًا، باتت تضغط على حلفائها العرب لإعادة التعامل مع الأسد.
استغلال المأساة
الأقاويل المتناثرة تتحدث عن استفادة نظام الأسد من الأزمة استفادة مادية عبر الاستحواذ على المساعدات الإنسانية التي تدفقت إلى سوريا. ربما تتأكد تلك الأقاويل من خلال إعراب عديد من دول العالم عن قلقها بشأن ما يصل من المساعدات إلى المتضررين الذين هم في أشد الحاجة إليها. لكن لا يوجد دليل يؤكد أو ينفي تلك القضية. خصوصًا في وجود مصادر عديدة للتبرع إلى جهات متعددة تعمل في الشمال السوري. ولبعضها مصداقية دولية، وإسهاماتهم على الأرض موثقة محليًا ودوليًا.
الزاوية الأخرى التي يمكن للأسد استغلال الزلزال بها هو أن الزلزال كفاه تكلفة البراميل المتفجرة. أنصار الأسد في رسائلهم المباشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي استخدموا هذه الجملة. قائلين إن التدخل الإلهي ساعد الأسد لتوفير تكلفة القوات التي كان سيستخدمها لضرب المناطق المعارضة. كما أن الأسد برر ضعف التدخل لإنقاذ السوريين حتى في المناطق التي يسيطر عليها بأن العقوبات الغربية هي السبب في ذلك.
كما قفز الأسد خطوة هائلة للأمام بمطالبته المجتمع الدولي بالتدخل لإعادة إعمار ما أفسده الزلزال. لكن تقييم الحكومة لما أفسده الزلزال كان مبالغًا فيه. فقد أضافت الحكومة مناطق دمرتها قوات الأسد على أنها من آثار الزلزال. ويمكن للأسد أن يدعي أن كل الدمار الذي سببته البراميل المتفجرة قد حدث بسبب الزلزال. لهذا تصر الجهات الدولية أن ثمة مبالغة في تقديرات النظام السوري للضحايا.
منظمة الصحة العالمية أعلنت أن عدد المتضررين من الزلزال يمكن أن يصل إلى 11 مليون شخص بين قتيل ونازح وجريح، وتعرض 20 مؤسسة صحية في شمال سوريا لأضرار متعددة. أرقام القتلى وصلت في تقديرات من 4 آلاف إلى 7 آلاف، لكن يصر النظام السوري على إعلان أرقام أكبر من أضعاف تلك الأرقام على عكس عادة الدول في التقليل من آثار الكوارث. لكن يخشى المجتمع الدولي أن الأسد سيضيف عديدًا من قتلاه إلى قوائم ضحايا الزلزال.
الروتين ربما يتطور
في تصريحه التلفزيوني أكد الأسد أن الدمار الذي رآه ليس غريبًا على سوريا، بل تعيش سوريا فيه طوال 12 عامًا. وأن الحرب قد أضعفت إمكانيات سوريا واستنزفت مواردها لكنها أعطتها الخبرة في التعامل مع الزلزال. وأكد أن ما يتعلمه السوريون من تلك الأزمة هو الإيمان بقدرات دولتهم الكبيرة على تجاوز أي أزمة. وأكد أنه سيقوم بإنشاء صندوق لدعم المتضررين. وسيتم إصدار تشريعات واتخاذ إجراءات لتخفيف التداعيات، دون أن يُسمي أيًا من تلك الإجراءات.
لا تبدو الإجراءات مهمة بقدر أهمية التطبيع مع المجتمع الغربي. الجانب السوري بدا متفائلًا بعملية التواصل مع الغرب، واصفًا إياه أنها تسير ببطء لكنها تتقدم. على الجهة المقابلة فإن الجانب الغربي يقلل من أهمية التضامن الحاصل مع الأسد حاليًا. لأن التضامن مع الأزمة الإنسانية فقط. وهذه الأزمة ليست كافية في نظر المجتمع الدولي لتبرأة ساحة الأسد من جرائمه القديمة والمستمرة في حق الشعب السوري.
كذلك فإن رسائل الدعم العربية وطائرات المساعدات يُنظر لها بنفس النظرة. باعتبارها رسائل روتينية سيقدمها القادة العرب لأي رئيس في أي دولة بعد وقوع كارثة طبيعية كالتي حدث في سوريا. فالسعودية مثلًا تعيش صراعًا مفتوحًا ومتعدد الجبهات مع إيران. ومن المعلوم أن الأسد يعتمد بشكل كبير على ميليشيا إيرانية في بسط نفوذه على سوريا. لهذا لا يمكن أن تدعم السعودية الأسد سوى بمساعدات محدودة خشية أن تقع مساعداتها في يد الميليشيا الإيرانية.
لذا فالأهم هو ما سيحدث لاحقًا، بعد بضعة أسابيع من زوال غبار الكارثة ورفع أنقاضها. إذا كان سيكون هناك مزيد من الاتصالات، وهل ستستمر الزيارات إلى ما بعد الأزمة الراهنة أم لا؟