اتفاقية التجارة الآسيوية: انتصار صيني وإنذار لأمريكا
وقعت 15 دولة في آسيا والمحيط الهادئ اتفاق الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة (RCEP) في 15 نوفمبر/تشرين الثاني. تمّ الاحتفال بالاتفاق بضجة كبيرة من قبل الصحافة الصينية الموالية للنظام، رغم أن له تأثيرًا اقتصاديًا محدودًا نسبيًا في الوقت الحاضر. ومع ذلك، على المدى الطويل، يمكن أن يكون الاتفاق بمثابة نقطة دعم في الصراع العنيف الذي ستخوضه القوى العظمى من أجل غزو الأسواق المحلية الآسيوية.
اتفاق غير طموح
شهدت القمة الافتراضية الأخيرة للمنظمة الدولية ASEAN التي تضم عشر دول من جنوب شرق آسيا، تصديق الدول الأعضاء على الاتفاقية، بالإضافة إلى الصين وكوريا الجنوبية واليابان وأستراليا ونيوزيلندا. وهي أكبر اتفاقية تجارة حرة في العالم.
وأشادت الصين على الفور بـ «انتصار التعددية السياسية والتجارة الحرة»، في إشارة واضحة إلى الفشل الذي مثّله انسحاب الولايات المتحدة في عام 2017 من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ التي تم استبعاد الصين منها.
مع ذلك، يظل هذا النصر سياسيًا ورمزيًا بشكل أساسي للصين. فيجب ألا تخفي الأبعاد العملاقة للاتفاقية التي تغطي منطقة يعيش فيها ثلث سكان العالم، نطاقها الذي يظل ضعيفًا نسبيًا في الوقت الحالي. فالاتفاقية هي بالأحرى المحاولة الأولى لتوحيد ومواءمة المناطق الاقتصادية المختلفة في المنطقة (التي هي غير متجانسة للغاية) والعديد من المعاهدات السارية هناك.
وقد كان من الممكن، كما لاحظت الإيكونوميست، رفض اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة الإقليمية RCEP بازدراء من قِبل المسؤولين الأمريكيين، باعتبارها اتفاقية أدنى، على غرار أسلوب اتفاقيات القرن العشرين، أي أنها مركزة على التعريفات الجمركية ومجموعة بدائية من تدابير تيسير التجارة، على عكس الشراكة عبر المحيط الهادئ TPP التي غطت مجالات مثل المعايير البيئية ومعايير العمل، ونظمت أنشطة مؤسسات الدولة.
نقطة تحول على المدى البعيد
في حين أن العمق الحالي للاتفاقية يجعلها سياسية أكثر منها اقتصادية في الوقت الحالي، تجدر الإشارة إلى أنها يمكن أن تكون بمثابة نقطة ارتكاز لمزيد من التكامل في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، على حساب الولايات المتحدة، ولصالح المصالح الصينية في المعركة من أجل الأسواق المحلية الناشئة في جنوب شرق آسيا.
فإلى جانب الدول الأعضاء في رابطة أمم جنوب شرق آسيا التي ميزت نفسها من خلال إدارتها الفعالة لوباء Covid-19، كما في حالة فيتنام التي تحتل مكانة جيدة في الوضع الاقتصادي الحالي، تجمع الاتفاقية أيضًا لأول مرة العمالقة الثلاثة في المنطقة، الصين واليابان وكوريا الجنوبية.
تشكل هذه الاتفاقية في الواقع كتلةً فعلية تُستثنى منها الولايات المتحدة والهند التي تدهورت علاقتها مع الصين، رغم أن شراكتها الإستراتيجية واللوجستية مع ذلك تعزّزت مع باقي الدول الأعضاء. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يكون للاتفاقية، وفقًا لوثيقة من معهد بيترسون للاقتصاد الدولي أشارت إليها مجلة الإيكونومست، تأثير محاسبي أكبر من TPP، مما يولد قيمة زائدة تبلغ حوالي 186 مليار دولار (مقابل 147 بالنسبة إلىTPP). ويقول التقرير أيضًا إنّ الأرباح ستكون كبيرة بشكل خاص بالنسبة للصين واليابان وكوريا الجنوبية.
والأهم من ذلك، إن اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة (RCEP) قد تسمح أيضًا للمفاوضات بشأن اتفاقية تجارة حرة ثلاثية محتملة بين العمالقة الآسيويين الثلاثة، بالخروج من الوحل السياسي الذي وجدوا أنفسهم فيه.
انتصار صيني
لقد جعل وباء Covid-19 المنافسة الدولية أكثر شراسة مما كانت عليه في أسواق منكمشة بالفعل. تصطف القوى الرأسمالية المختلفة وتستعد من أجل المعركة بشأن استعادة الاقتصاد لمصلحتها، مما يثير التنافسات في جميع أنحاء العالم على حساب العاملين والعاملات الذين يدفعون وطأة الأزمة، وفي هذه الحالة، نرى أن منطقة آسيا والمحيط الهادئ في حالة جيدة نسبيًا، مدعومة بإدارة أوبئة أكثر كفاءة من أمريكا الشمالية وأوروبا، ومن وجهة النظر هذه، بعد أربع سنوات من الانسحاب الأمريكي خلال عهد ترامب، فإن نجاح القيادة الصينية، رغم أنه لا يزال محصورًا في السجل الرمزي السياسي، هو نصر جزئي. كما يذكر مقال واشنطن بوست، هذه هي الاتفاقية الرئيسية الثانية في هذه المنطقة التي تستثني الولايات المتحدة.
في حالات الأزمات، يميل الاقتصادي والسياسي إلى الاندماج بشكل أكثر وضوحًا. لذلك، ربما ينذر توقيع الصفقة والضجيج الصيني المصاحب لها بتعميق نفوذ الصين في المنطقة، كما يتضح من عدم ثقة الهند في الاتفاقية التي قررت الابتعاد عنه. في الأزمة العالمية التي تلوح في الأفق، سيكون الكفاح من أجل الأسواق المحلية الآسيوية بلا شك أحد المكونات الرئيسية للتناقض الهيكلي بين الصين والولايات المتحدة الذي لن يتم التغلب عليه برحيل دونالد ترامب.