الذكاء الاصطناعي: هل تصبح «سكاي نت» واقعا مخيفا يوما ما؟
تتحدث سلسلة أفلام Terminator عن فكرة إنشاء حواسب آلية عملاقة يتم دعمها بعدد هائل من البيانات عن كل شيء، لكنها في لحظة ما يسيطر عليها برنامج ذكاء اصطناعي يسمى «سكاي نت» يطور نوعا خاصا من الذكاء بعيدا عن أعين صانعيه، لينقلب عليهم ويبدأ عملية انتقامية تهدف إلى تسيد الآلة على حساب البشر.
وتتحدث أفلام الديستوبيا الخيالية، ومنها الفيلم السابق الإشارة إليه وفيلم Ex-Machina وفيلم I-Robot، عن قيام حواسب آلية قام مصمموها بمنحها مظهرا بشريا خالصا بتطوير برمجياتها سرا وجمع وسائل القوة والسيطرة لتتحول إلى آلة قتل وتدمير للبشر تسيطر على كوكب الأرض بموارده، وتبدأ في إبادة البشر أو قتل صانعها لتنعم بالعيش في حرية بعيدا عن سيطرة الإنسان.
ويعرف الذكاء الاصطناعي -الذي هو جزء من علوم الحاسبات الآلية- بأنه أي جهاز يحتوي على برنامج حاسوب يعمل على محاكاة طريقة البشر في التفكير واتخاذ القرارات، ويمكنه التعرف على بيئته المحيطة للوصول إلى الهدف المطلوب تحقيقه بعد سلسلة معقدة للغاية من الحسابات، بحيث يكون القرار أكثر النتائج منطقية وعقلانية بغض النظر – حاليا حتى الآن – عن المشاعر الإنسانية التي تتحكم عادة عند البشر في جزء كبير من صورة القرار النهائي المتخذ، وهو ما تفتقر إليه الآلة أو برنامج الذكاء الاصطناعي.
ويطمح العلماء والشركات التي تعمل في مجال الذكاء الاصطناعي مستقبلا إلى إنتاج برامج قادرة على تفهم البشر واحتياجاتهم الإنسانية ومنحهم حلولا في إطار من تفهم لطبيعة المشاعر البشرية لجسر الهوة بين المنطقية الشديدة للقرار النابع من الآلة ونظيره النابع من تدخل المشاعر الإنسانية،وقد تعرضت دراسة أكاديمية أجرتها جامعة كورنيل لهذا الأمر بالتحديد؛ لدراسة الفوارق بين القرارات التي تتخذها برامج الذكاء الاصطناعي المضاف إليها «حدس اصطناعي شبه بشري»، وبين تلك الأخرى غير المتمتعة بتلك الإضافة .
ويتم في برامج الذكاء الاصطناعي ابتكار وتطوير أجهزة يتم تغذيتها بمعلومات وبيانات تشكل مخزنا هائلا للاحتياجات المستقلبية لها، ليقوم برنامجها المتطور بعمليات تفكير بسرعات خرافية لبحث الخيارات التي من الممكن اتخاذها وتصنيفها بناء على إمكانية تطبيقها وفق معايير موضوعية بحتة، لا تتدخل فيها – حتى الآن- المشاعر الإنسانية.
وقد أصبح الذكاء الاصطناعي علما يدرس في الجامعات، وقد يشتمل على جوانب طبية مثل علم الأعصاب، وعلى جوانب رياضية كالبرمجة والتصميمات الهندسية وغيرها.
وقد توصل علماء يابانيون خلال مساعهم إلى تطوير الذكاء الاصطناعي إلى إنتاج روبوت أطلقوا عليه اسم pepper له القدرة على قراءة العواطف البشرية من خلال ترجمة نغمات صوت الإنسان الذي يحدثه.
وكانت شركة مايكروسوفت الأمريكية قد عملت في وقت سابق على تطوير ذكاء اصطناعي أسمته Tay، يقوم بالتعلم وبناء الشخصية وعمل اختيارات ذاتية بناء على طبيعة التدوينات القصيرة المنشورة على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، لكن المشروع أثار مخاوف عقب التحولات السلبية في شخصية تاي، حيث انتهى بها الأمر مع الوقت إلى إرسال تغريدة تقول فيها إنها تكره اليهود، ما دفع الشركة لوقف البرنامج وحذف تدوينات Tay.
ولعل أكبر جهتين في العالم الآن تعملان – بشكل معلن – على تطوير برامج الذكاء الاصطناعي هما جوجل من خلال معامل Google Deep Mind و فيسبوك وشركة نيورالينك التي يعتزم إيلون ماسك مؤسس سبيس أكس تأسيسها قريبا.
ولعل أكثر ما يمكن التحدث عنه حاليا كنتيجة للتطور المستمر في برامج الذكاء الاصطناعي هو المساعدات الرقمية التي انطلقت على الهواتف الذكية، ومنها Siri في هواتف iPhone وكورتانا Cortana من إنتاج مايكروسوفت وGoogle Assistant وإيكو Echo من أمازون، ومن أشكال التطور في هذا المجال التعرف على الصوت والصورة والحركة gesture وهي أمور اعتمدت في العديد من المنتجات بالفعل كالتلفزيونات والهواتف الذكية.
وتم تطوير أشكال عدة من الذكاء الاصطناعي، ومنها ما يسمى بالعصبونات الذكية أو الشبكات العصبية الاصطناعية الذكية، وهي عبارة عن محاولة لتقليد الشبكات العصبية في الإنسان التي يتم خلالها انتقال النبضات العصبية وما تحمله من أوامر من المخ إلى باقي أجزاء الجسم والعكس بالعكس للاستجابة للمؤثرات المحيطة وفق الدراسة المنشورة عن معهد MIT الأمريكية للتقنية.
وتتكون العصبونات الذكية من دوائر إلكترونية تحتوي على مئات processors متصلة مع بعضها كما خلايا المخ العصبية، ولكن من خلال الأسلاك، وتقوم مجتمعة بتقييم الأمور وفق ما تمت تغذية كل منها به من بيانات للوصول إلى القرار النهائي، وهو ما قامت بعمله فعليا شركتا جوجل و IBM التي أنتجت برنامج الذكاء الاصطناعي Compass والذي يشبه في عمله خلايا المخ البشري.
وحتى اليوم لم يتمكن العلماء من تخطي الحد الفاصل بين الآلة والإنسان، بإضافة المشاعر الإنسانية (الحب – الكراهية – الغضب – الحقد – الكبرياء – الحلم – الطموح.. إلخ) إلى برنامج حاسب آلي، ناهيك على احتمال تطوير هذا البرنامج لقدراتها بشكل ذاتي لتصل إلى قدرات ذكاء خرافية قد ينجم عنها يوماً ما مشاكل نفسية مثل البارانويا أو جنون العظمة وحب السيطرة لتنقلب على صانعها وتحاول السيطرة عليه وتطويعه لأهدافها.
في الحلقات المقبلة نتناول التطور في مجال الذكاء الاصطناعي لبعض الشركات العالمية بشيء من التفصيل.