التعليم بالفنون: كيف يصبح طفلك متفوقًا بالفن؟
الحضارات والفن
في اللحظة التي تطأ قدماك فيها ما بقي من من مساجد أو مدارس أو قصور الحضارة الإسلامية، تجد أنفاسك انحبست من روعة التفاصيل، تتلفت حولك محاولًا التشبع بكل هذا الجمال المبهر، الألوان والرسومات ودقة التشكيلات الهندسية المعقدة والخط العربي الأخاذ، ولكن هل الأمر يتعلق فقط بالفن؟
لا، إن جمال الآثار الإسلامية لا يتعلق فقط بالفن، فلكي يخرج ذلك الجمال كان وراءه الكثير من مجالات العلوم المتقدمة المختلفة مثل التخطيط والإدارة والهندسة والعمارة والكيمياء والرياضيات وغيرها. الحقيقة أن الأمر لا يقتصر فقط على الحضارة الإسلامية، فعندما ترى الثقافات المختلفة في الدول المختلفة، ستجدهم دائمًا يعرضون عليك ما يعرفك من هم، وكل مرة يفعلون هذا يفعلونه عن طريق الفن، حتى الحضارات التي لم تتصل بها اتصالاً مباشرًا من قديم الزمان، إن حضارتهم قد صنعت بقوة العلوم المختلفة، ولكنك علمت بهذه الحضارات وبتقدمها وتعلمت منهم فقط عن طريق الذي تركوه وراءهم.
هذا يجعلنا نسأل أنفسنا: «هل يمكننا استقطاع الفن من العلوم أو تهميشه لحسابها كما يحدث في المؤسسات التعليمية التقليدية؟ هل ممارسة الفنون أقل قيمة من تدريس الأكاديميات؟» فقط تخيل نتيجة هذا على عصرنا لو كان قد حدث في الحضارات القديمة، فكل شيء قد ذهب وأتى غيره، الثقافة والسياسة والاقتصاد والقادة ذهبوا، ولم يبق لنا إلا الفن!
قوة الفن
لكي تكون ماهرًا في العلوم المختلفة يجب أن تكون مبتكرًا، ترى عينك ما لم يره أحد من قبل، وعند مواجهة مشكلة تكون عندك مهارة حل المشكلات، ولكن كيف تُدّرس العلوم فى عصرنا؟ إنها تقدم جاهزة في صورة تلقينية وبعيدة كل البعد عن الابتكار، فقط تعرف ما عرفه الآخرون وتحفظه حفظًا، ويقاس مدى تفوقك بمقدار ما جمعت من معلومات.
إن عين الفنان ترى الكون حولها بعين تحليلية ولديها القدرة على رؤية تلك المناطق التي لم يرها أحد من قبل، وهذا لا يعني بالضرورة أن تكون فنانًا عظيمًا، ولكن أن تستطيع استخدام هذا النوع من التفكير وتطبيقه على أي مجال علمي تخوضه، أن تكون قادرًا على إظهار ما بداخلك بأفضل صورة ممكنة لإخراج صور مبتكرة وجديدة للعالم!
عندما تعرض طفلاً للفنون المختلفة، فإنه يتعلم ألا بأس من حدوث الأخطاء، فإن خطأً واحدًا بسيطًا أو حدثًا غير متوقع قد ينتج عنه أعظم الأشياء، يتعلم الطفل الملاحظة والتحليل والوصف اللفظي وغير اللفظي والفضول والابتكار وتطوير الأفكار، والفن قادر أيضًا على جعل الطفل مصدرًا لمنتج مميز لا مثيل له بدلاً من أن يكون آلة لحفظ المدخلات،هنا لا يوجد معيار جاف يقاس به مدى صحته أو خطئه فهذا لا يهم، ما يهم هو رحلة إلمام الطفل بكل ما خبر حتى أخرج للعالم تحفته الفريدة، وهذا يعطي الطفل فرصة لفهم معنى «التميز» خالصًا، وإحترام كل ما يبدو أنه ينقصه شيء فهو قد علم أن كمال الأشياء قد يكون في نقصانها! يقدم الفن للطفل أكثر شيء يحتاجه في رحلة طفولته وهو الإحساس بالأهمية والانتماء.. أنا مهم ومنتج، أنا شخص ذو هوية فريدة.
شاهدت تعليقًا لأم طفل صغير تقول إنها لا ترى أي قيمة تذكر في الأعمال الفنية التي ينفذها الأطفال، الكثيرون يظنون أن الفن للأطفال هو رسمة لطيفة تعلق على الحائط أو الثلاجة ليشعر بالفخر قليلاً ثم تمزق وترمى لاحقًا وتذهب في طي النسيان، ولكن تلك الرسمة أكثر أهمية من ذلك بكثير فهي قد كانت وسيلة جمع بها الطفل خبراته في الحياة في صورة حية وعكس بها من هو وكيف يتصل بالعالم من حوله. إن قوة الفن تكمن فى القدرة على تحويل كل العلوم الإنسانية وربطها بعضها ببعض لحالة حسية بالغة الدقة والتميز.
فلسفات التعلم الحديثة
العديد من الفلسفات التعليمية الحديثة قد فطنت لأهمية ودور الفنون المختلفة في رحلة تعلم الطفل ونموه المعرفي فجعلوها عامودًا أساسيًا لا غنى عنه، وليست أمرًا ثانويًا، ولا هي رفاهية بلا معنى! فتجد على سبيل المثال فلسفة STEM التي ترمز حروفها إلى العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات قد تحولت إلى STEAM بعد إضافة حرف A الذي يرمز للفنون والتصميم. فلسفة تعليمية أخرى كفلسفة والدورف تحتوي على الفنون بأنواعها لوصل الطفل بالعالم من حوله، الفنون المرئية كالرسم والنحت وما يتعلق بالنسيج كالحياكة والخياطة والغزل، وفن الموسيقى من غناء أو عزف على آلات وشعر، وفنون الدراما من تمثيل وتأليف وقصة، وفنون الرقص والإيقاع بالجسد، وغيرها. الفن أيضا حجر أساس فى فلسفة كتشارلوت مايسون بعدة صور.
إن كل تلك الفلسفات التي ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بالفنون قد علمت أن العملية التعليمية تدور حول المتعلم نفسه وخبراته هو، التى قد ينتجها لذلك اهتمت أن تسلحه بأدوات يعبر بها عما يدور فى عقله، والطفل عليه الباقي فهو بنفسه من يدير عمله ثم ينفذه وفي النهاية يعرضه.
في كل مرة تطلب من طفلك ألا يخرج عن الإطار المحدد للصورة التى يرسمها تذكر أن الفن لا يحتاج إلى تطبيق تلك المعايير الجافة للقياس التي نطبقها على العلوم الأكاديمية، ولكن العكس هو ما نحتاجه أن نطبق على كل ما حولنا من علوم حرية وإبداع الفن.