أرسنال «أرتيتا»: ما قبل جلوس الفيل على الشجرة
تصدر أرسنال قمة ترتيب جدول البريميرليغ يشبه صعود فيل أعلى شجرة؛ لا أحد يعرف كيف وصل إلى هناك، لكن الجميع يؤمن بحتمية سقوطه.
حقيقة، انتشار «ميم» الفيل الخاص بأرسنال لم يكُن مرتبطًا بتألق فريق الإسباني «ميكيل أرتيتا»، الذي وجده المتابعون أكثر مراهقة من أن يعتلي صدارة الدوري الأكثر قوة بالعالم، لكنَّه ربما مجرَّد رغبة في اختزال قصة طويلة في صورة ساخرة.
شخصية البطل: من الصفر
كانت هذه العبارة ملخصًا لخطاب «ميكيل أرتيتا» للاعبيه، ليس عقب تحقيق لقب كأس الاتحاد الإنجليزي، بل عقب أيامٍ من السقوط بخماسية أمام مانشستر سيتي بملعب الاتحاد مطلع موسم 2021/ 2022. وقتئذٍ، اختبر الإسباني كل المشاعر دفعة واحدة: الخوف من الإقالة، السعادة بمساندة البعض والثقة بلاعبيه.
بدا أرتيتا واثقًا في حديثه، وكأنّه متأكد من حتمية تحوُّل الفريق الذي بصم على أسوأ انطلاقة في تاريخه بالدوري الممتاز، إلى فريق آخر يتصدَّر ترتيب جدول الدوري مع انتصاف الموسم التالي. فكيف تمكَّن من ذلك؟
منذ اللحظة الأولى، آمن أرتيتا أن أولى خطوات نجاحه تبدأ بإعادة غرس بعض المفاهيم التي غابت عن أرسنال مثل: احترام القميص والعمل بشغف والوحدة. بالفعل تبدو هذه العبارات مثالية للغاية، لكنّها كانت الطريقة المثالية التي اعتقد الإسباني أنّها قد تنقل النادي لمستوى آخر.
هذه القيم البسيطة، كانت الطريق المُختصر لخلق بيئة مناسبة لفريق بطل وفقًا لأرتيتا، فبعد نحو ثلاثة أعوام، أصبح لاعبو الفريق أشبه بالعائلة، حيث لا وجود لمجموعات من نفس الجنسية، يحضر اللاعبون جميعًا قبل موعد التدريبات لتناول الإفطار سويًا، أو الاحتفال بعيد ميلاد أحدهم، تحت أنظار مدربهم الذي قام بنقل مكتبه من المقر الرئيسي لآخر يُطل على ملاعب التدريبات.
ربما كانت هذه طريقة الإسباني لبيع أفكاره لفريقه الشاب، وانتزاع ثقتهم، ليبدأ الفريق مرحلة جديدة، ينتقل فيها من فريق مراهق لآخر أكثر نُضجًا وخبرة، تمامًا مثل مدربهم.
فرق خبرة
أول الاتهامات التي وجّهت لأرتيتا، كانت تكوينه -بمحض إرادته- لفريق شاب يفتقر لعناصر الخبرة، القادرة على إدارة اللحظات المُعقّدة على أرض الملعب.
طبقًا لإيدو جاسبار، المدير الرياضي لأرسنال، التوجُّه لاستقطاب اللاعبين الشباب في سوق الانتقالات يأتي بإيعاز من أرتيتا، الذي يبصُم على كُل تفاصيل سوق الانتقالات بحرية تامّة. كما لم يخف البرازيلي اتفاقه كليًا مع هذه الاستراتيجية.
يعتقد اللاعب السابق لأرسنال أن النادي في حاجة للاعبين يمتلكون عقلية الفوز بالفعل، لكنّ هذا لا يتعارض بأي شكل مع كونهم شبابًا. بحسب رأيه، اللاعبون أصحاب الأسماء الكبيرة، قد يكونون مشكلة حقيقية حين لا يقدمون المردود المرجو منهم؛ لأنهم يتقاضون رواتب ضخمة من جهة، ومن جهة أخرى يعيقون تطوُّر اللاعبين الشباب.
بالفعل يمتلك أرسنال أصغر مُعدَّل أعمار في الدوري الإنجليزي الممتاز، لكنّ نفس الفريق الذي اتهم بنقص الخبرة، هو أكثر الفرق الشابّة تحقيقًا لمعدَّل نقاط بالعقد الأخير، الأمر الذي يدحض الأحاديث حول علاقة معدَّل الأعمار بالنتائج، أو بالأحرى ما يعرفه البعض بالسذاجة الكروية.
في تفسيره لهذه الحالة، يزعم أرتيتا أنّ شراء النجوم الجاهزين لا يبتاع الخبرة، على العكس تمامًا، على الفريق أن يختبر مختلف التجارب، السعيدة والمخيبة، كوحدة واحدة، حتى يصل إلى ما عرّفه بالنُضج الكروي.
خارج صندوق المعرفة
حقيقةً، لم تكن الأزمة الوحيدة هي التشكيك في مدى قدرة أرتيتا على تكوين فريق بطل، بل كانت في انتقاد قدرته كمدرِّب شاب على قيادة نادٍ بحجم أرسنال إلى أعلى هرم الكرة الإنجليزية.
المشكلة في هذا الطرح، هي استناده على وقائع تاريخية، تثبت بما لا يدع مجال للشك، أن تحوُّل الرجُل الثاني لرجل أول لا يُكلل بالنجاح. بالتالي، طبقًا لهذه النظرية، سقوط أرسنال مسألة وقت؛ لأنّ أرتيتا الذي كان مساعدًا متخصصًا في تطوير أداء اللاعبين تحت قيادة بيب جوارديولا في مانشستر سيتي، قد يجد نفسه أمام مسؤوليات أكبر من دائرة تخصصه مثل: إدارة اللاعبين، التعامل النفسي مع مختلف الشخصيات، والتعاون مع كل أقسام النادي.
المفاجأة كانت إظهار ميكيل رغبة حقيقية في التعلُّم، وعدم الارتكان إلى المعرفة التكتيكية التي جمعها خلال فترته كمساعد في مانشستر.
في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، كشفت صحيفة «ديلي ميل» الإنجليزية عن تكوين مدرب الـ«جانرز» صداقة مع مجموعة من المدربين على رأسهم «إيدي جونز»، مدرب منتخب الرجبي الإنجليزي.
يُعتقد أن لجوء أرتيتا إلى توطيد مثل تلك العلاقات ينبع في الأساس من رغبته في اكتساب المعرفة في أسرع وقت لأن مشاركة الأفكار مع مدربين لفرق الرياضات المختلفة يكون أسهل بكثير، بسبب عدم وجود حاجز المنافسة بين المدربين وبعضهم.
تمتلك كل الحق في الشعور بخيبة الأمل؛ لأننا لم نشبع رغبتك في معرفة أسباب ملموسة للحالة التي خلقها «أرسنال أرتيتا». لكن ربما تكمُن قيمة هذه التجربة في الخطوات الصغيرة التي سبقت اللحظة التي يتم خلالها تقييم تجربة أرسنال كفريق يمتلك القدرة بالفعل على تحقيق لقب الدوري الممتاز.
في الواقع، ربما تكون النتائج في حد ذاتها آخر دليل على نجاح المدرب الإسباني مع الفريق، كما ستكون -إذا ما حاولنا التجرُّد- آخر أسباب السقوط إن حدث.
هذه الخطوات، يُعرّفها الكاتب البريطاني جوناثان ويلسون بتأثير المسيح: التفاصيل الهامشية التي تُحقق انتصارات صغيرة، تساعد المدرب بدورها على إرساء مبادئه الخاصة، التي قد تجعل فيل أرسنال يحلم في المستقبل بتحدّي المنطق ليصعد على الشجرة، متناسيًا أنّه مجرد فيل، وأنّها شجرة.