«Arrival»: مؤثرات بصرية مذهلة بأقل تكلفة ممكنة
(تنويه: هذه المراجعة تجنبت حرق أحداث الفيلم وحرصت على الاكتفاء بالحد الأدنى من الأحداث التي ظهرت في الإعلان التشويقي للفيلم)
يعتمد المخرج الكندي «دينيس فلينوف» دائمًا علي تقديم موضوع إنساني معاصر في إطار سينمائي بالتوائة صادمة في الحبكة عند نهاية الفيلم لتوصيل رسالة الفيلم. بدأت مسيرة فلينوف في الازدهار مع فيلم «Incendies»، وهو الفيلم الذي تناول فيه الحرب الأهلية اللبنانية. لم ينجح فلينوف، باعتباره فنانا غربيا، في عرض البنية الاجتماعية أو السياسية اللبنانية بقوة كالمخرجين اللبنانيين، ولكنه نجح في صدمة المشاهد من مآلات الحروب الأهلية من خلال قصة امرأة توصي أولادها بالبحث عن أخيهم المفقود. إنه يكثف المواضيع الكبرى الوجودية أو الاجتماعية التي يتناولها في حياة أسرة صغيرة. أو في حياة أسرتين في حي فقير كما في «Prisoner»، أو حتى في شخص واحد (أو شخصين حسب رؤيتك للفيلم) كما في «Enemy». لم يختلف «Arrival» عن هذا النسق بل كان مخلصًا له بشدة. فقدمه بأفضل صورة ممكنة وبأقل الإمكانيات المالية.
لماذا أتى الوافدون؟
تعامل«Arrival» بحسم مع موضوع الوافدين الفضائيين منذ اللحظات الأولى. فلم يستغرق الفيلم وقتا طويلا في موضوع فرعي وهو هل السفن الفضائية الـ12 بداخلها كائنات فضائية أم لا؟ أجاب الفيلم بنعم مباشرة متخلياً عن لحظات إثارة قد تفيد الفيلم تجارياً من أجل موضوع ورسالة الفيلم الأساسية. التواصل هو موضوع الفيلم الأساسي والمقتبس من القصة القصيرة «قصة حياتك» للكاتب الأمريكي ذي الأصول الصينية «تيد تشاينغ». أنه يعرض أحد النماذج الأكثر تطرفا في عدم مقدرة الجنس البشري على التواصل معها (وافدون فضائيون). ويبدو أنهم يريدون التواصل ولكن لهم لغة مختلفة تماما عن أي لغة علي الكرة الأرضية. عندها تستعين الأجهزة السيادية الأمريكية بأستاذة اللغة لويس بانكس «أيمي آدمز». والتي اشتهرت بقدرتها علي معرفة وفهم أي لغة وترجمة أي رسالة. الفيلم لا يتطرف في انتمائه وإيمانه القومي بأمريكا على طريقة فيلم «Interstellar» لكرستوفر نولان. الذي جعل مهمة إنقاذ الكوكب في يد الولايات المتحدة وعلمائها. في «Arrival» الخطر موزع على 12 دولة كل منهم لديه استراتيجية مختلفة في التعامل مع السفن الفضائية. وكل منهم يجري أبحاثه الخاصة. الدول مختلفة في حالتها السياسية والاجتماعية والقوة الاقتصادية. وموزعين على القارات المختلفة. وبذلك لا يبالغ الفيلم في الدور الأمريكي على الرغم أن كل أحداث الفيلم تدور في الولايات المتحدة.
التواصل المفتقد
تبدأ لويس في محاولة للتواصل مع الوافدين الجدد بتعليمهم رسائل بسيطة باللغة الإنجليزية من خلال التعبيرات البصرية والصوتية. طريقتها البطيئة التي تشبه تعليم الأطفال، لا تعجب العسكريين والحكومة الأمريكية التي تواجه صعوبة في تهدئة الدول الأخرى التي تريد التوجه لخيار عسكري. ولكن مع ذلك تنجح طريقة لويس مع الوقت، ويبدأ الفضائيون في الاستجابة بطرق مختلفة.يستغل السيناريو بطريقة غير مباشرة موضوع الفيلم الأساسي، وهو أهمية التواصل، في عرض عدم قدرة البشر علي التواصل سوياً. فقدان التواصل بين البشر وبعضهم البعض لم يعرض بطريقة مباشرة كالتواصل مع الكائنات الفضائية. ولكننا في كل لحظة ندرك صعوبة التواصل بين العسكريين والعلماء وممثلي الحكومة، والحكومة مع الشعب، والدول مع بعضها. Arrival يجعلك فجأة تدرك الحقيقة وهي لا أحد قادر علي التواصل مع الآخر، ولا استمرارية سوى بالتواصل مع الآخر. الخطأ البارز الذي وقع فيه سيناريو الفيلم هو لجوؤه لأساليب عرض معلومات مباشرة وساذجة. ففي أحد المشاهد يصل الأمر إلى أن يتحدث صوت من خارج أحداث الفيلم ليشرح للمشاهد مواضيع في علم اللغة. استسهال في الكتابة لا يمكن التغاضي عنه، برغم تميز باقي جوانب النص الأخرى. كان يمكن استبدالها بمشهد للويس وهي تشرح للفريق السري هذه المواضيع اللغوية، فمعرفة الفريق السري بهذه المعلومات ليست أفضل من معرفة المشاهد.
فقدان الزمن
يبدأ فلينوف بقطعات مونتاجية ذكية تقوم بتشتيت المشاهد وإفقاد الثقة في مسار الأحداث زمنياً. هذا التشتيت الزمني الذي بدأه من أول مشاهد الفيلم بطريقة خفية. ولكنه أشار له في جملة حوارية على لسان لويس. ومع زيادة فقدان المشاهد لثقته في (الزمن) عندها يكون فلينوف قد جهز نهايته الصادمة. النهاية المتعلقة بالأساس باختيار فلسفي آخر.لقد حول فلينوف مسار الأحداث في النهاية من موضوع كالتواصل الإنساني لاختيار فردي للويس نفسها. اختيار صادم ومر ومبكٍ لينهي فلينوف arrival بنهاية حزينة وصادمة. فلينوف جميع نهايات أفلامه صادمة ولكن أغلبها صادمة ومفهومة كنهايات «Arrival»، و«Incendes»، و«personal». ولجأ أحيانا للنهايات الصادمة الغامضة والرمزية في نفس الوقت، كنهاية فيلم Enemy.بميزانية 47 مليون دولار فقط، يقارن البعض بصرياً بين هذا الفيلم وفيلم Interstellar الذي تجاوزت ميزانيته 160 مليون دولار. الفضل يعود للطاقم التقني للفيلم تحت قيادة دينيس فلينوف الذي استطاع توظيف الميزانية المنخفضة بشكل جيد. حتي ليشعر المشاهد أحيانا أنه يشاهد فيلم هوليوودي ضخم الإنتاج. وبفضل الاستخدام الذكي والمبدع لهذه الميزانية رشح الفيلم لـ5 جوائز تقنية وهي الخمسة عناصر الأقوي بالفعل (المونتاج- تحرير الصوت- المزج الصوتي- التصوير- وتصميم الإنتاج). دينيس فلينوف يثبت مرة أخري أن الإبداع لا يرتبط بضخامة الميزانية حتى لو الفيلم معتمد بشكل كبير على المؤثرات البصرية والصوتية. وﻻ يفوتنا هنا أن نشير لأداء «أيمي آدمز» التي تثبت أنها ممثلة بارعة على الرغم من عدم تفضيل الأكاديمية لها وتجاهلها في ترشيحات الأوسكار. ولكن يبدو أن آدمز تهتم باختيار مواضيع أفلامها والعمل بصحبة مخرجين كبار. كـ«بول توماس اندرسون» و«دينيس فلينوف» و«توم فورد» و«ديفيد او راسل». اختفاء آدمز عن السينما العام قبل الماضي وعودتها في العام الماضي بفيلمي بحجم Arrival و«Nocturnal Animals» يجعل محبي السينما على ثقة في اختيارات آدمز المقبلة.