شهادات جديدة في تحقيقات الجيش: لماذا لا يسافر أردوغان بدون آكار؟
بدت الساحة التركية خلال الثلاثة الأشهر الأولى من هذا العام كمثيلاتها من العام الماضي، فالتقارير الصحفية عن وجود استياء داخل الجيش واستعداد المجموعات الكمالية للقيام بتحرك عسكري ضد الحكومة المنتخبة أصبحت متواترة بشكل يوحي بجدية أكثر مما يوحي بحرب نفسية كما يراها مقربون من الحكومة. فقبل أيام أعلن الجيش التركي أن هيئة الأركان بالجيش فتحت تحقيقًا قضائيًا وإداريًا حول ما وصفته بـ «مزاعم» أثيرت في الفترة الأخيرة عن الإعداد لـ «انتفاضة عسكرية كمالية».
هذا التحقيق الأخير الذي سيقوم به الجيش، والذي كشفت عنه صحف تركية، من المهم مقارنته ببيان أصدرته هيئة أركان الجيش التركي فى السادس والعشرين من أبريل/نيسان من العام الماضي نفت فيه وقتها نيتها الانقلاب علي الحكومة المنتخبة بعد مقال للباحث الأمريكي والمسئول السابق في وزارة الدفاع الأمريكية مايكل روبن نشر في «نيوزويك» بعنوان «هل سيكون هناك انقلاب ضد أردوغان في تركيا؟». وتضمن بيان هيئة أركان الجيش التركي ردًا على مقال النيوزويك: «الانضباط والطاعة غير المشروطة وخط قيادي واحد هي أساس القوات المسلحة التركية».
كما تضمن بيان الجيش التركي عقب ما نشرته صحيفة حرييت عن «استياء داخل قيادة الأركان»: لا توجد مشكلة بيينا وبين الحكومة على الإطلاق، والقوات المسلحة تحت أمر الحكومة والشعب كما كانت دائمًا.
ومنذ منتصف فبراير/ شباط الماضي وحتى اليوم يبدو أن هناك غضبًا حقيقيًا من جانب بعض القادة فى رئاسة أركان الجيش التركي، وأن هناك صراعًا حقيقيًا يحتمل أوجهًا كثيرة؛ منها أن هناك قيادات كمالية داخل هيئة أركان الجيش مستاءة من التقارب الكبير بين رئيس الأركان خلوصي آكار والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أو أن آكار نفسه مستاء من بعض السياسات التي تنتهجها الحكومة.
السيناريو الأول الذي قد يشير إلي وجود صراع حقيقي داخل رئاسة الأركان وغضب من التقارب بين آكار وأردوغان يمكن رصده في عدة مواقف؛ الأول كان عندما أصدرت هيئة أركان الجيش التركي بيانا فى 16 مايو/ آيار 2016 دافعت فيه عن خلوصي آكار بعد انتقادات نالته لحضور حفل زفاف ابنة الرئيس التركي من وزير الطاقة الحالي وشهادته على عقد الزواج، واعتبر بيان هيئة الأركان أن حضور آكار يعد ضمن بروتوكول الدولة.
أما الموقف الثاني فظهر في تقرير صحيفة حرييت أواخر الشهر الماضي، الذي آثار ضجة كبرى في تركيا بحسب حديثه عن «استياء داخل قيادة الأركان»، فقد تضمن التقرير استياءً من داخل الجيش من تقارب آكار من الحكومة وعبرت تلك المصادر من داخل الجيش عن انتقادها لكثرة مرافقة آكار في زياراته الخارجية ودعمه لقرارات الحكومة السياسية، بل دعمه لمواقف سياسية مرحلية تتخذها الحكومة، مما يؤثر على وضعها العسكري، ومنها دخول رئيس الأركان على خط التوتر بين الحكومة التركية واليونانية وظهوره في بحر إيجة.
أما السيناريو الثاني فيحتمل أن هناك ضغوطًا من جانب الرئيس التركي على آكار لدعم سياسات الحكومة، خاصة بعد المحاولة الانقلابية، وأن هذه الضغوط أثرت على وضع آكار داخل الجيش وأثارت تبرمه وتبرم قادة في رئاسة الأركان، وهو ما قد يكون قد دفعه إلى الإعراب عن استيائه في تقرير صحيفة حرييت، الذي اعترفت هيئة الأركان بما ورد فيه، وزعمت أنها تعترض علي نشر كلمة «استياء»، ولكن بإعلانها صدق ما نشر في حرييت فإنها بذلك توصل رسالة إلى الحكومة أن هناك قرارات لا تراها صائبة، وأنها تضر بالجيش التركي، كظهور رئيس الأركان في بحر إيجة رغم أن القضية الخلافية مع اليونان لم تكن تستدعي هذا التحرك الهجومي من جانب رئيس الأركان، وأن الأخير مستاء من الضغوط الحكومية عليه لدعمها في قراراتها السياسية التي قد تعد مهددة للجيش ومهدرة لقوته في خلافات سياسية مرحلية مع دول الجوار.
اقرأ أيضًا:خلوصي آكار: مخلص لأردوغان أم واجهة لانقلاب أتاتوركي قادم؟
وكان ظهور خلوصي آكار في بحر إيجة اعتراضًا على رفض اليونان تسليم العسكريين الأتراك الثمانية المتهمين بالمشاركة في المحاولة الانقلابية، والذين لجئوا لليونان ورفضت تسليمهم لأنقرة، الأمر الذي يبدو أنه تحرك عسكري مبالغ فيه، وقد كان يمكن أن يؤدي إلى اشتعال حرب بين البلدين، خاصة بعد اعتراض زورق عسكري يوناني لزورق عسكري كان يستقله رئيس أركان الجيش التركي، الأمر الذي يشير إلي أن الحكومة التركية رغبت في تغذية المشاعر القومية التركية بوسائل غير ناعمة، فلو اقتصر التهديد التركي على تصريح رئاسي لكان الأمر يمكن أن يمر بصورة طبيعية، أما إقحام رئيس الأركان في الخلاف مع اليونان حول قضية الجنود الثمانية وما تبعها من اعتراض البحرية اليونانية، قد كان يمكن أن يؤدي إلى صدام عسكري في ظل توتر العلاقات.
لماذا يصطحب أردوغان رئيس أركانه في زياراته الخارجية؟
في الأشهر الأخيرة التي تلت المحاولة الانقلابية حرص الرئيس التركي على اصطحاب رئيس أركانه في أغلب زياراته الخارجية، فقد رافق خلوصي آكار الرئيس التركي في زيارات، ومنها زيارة أردوغان لباكستان وأوزباكستان لعدة أيام أواخر العام الماضي، وزيارته للسعودية وقطر والبحرين، وزيارته لباكستان أواخر فبراير/ شباط لحضور اجتماعات منظمة التعاون الاقتصادي، وأيضًا زيارته لطاجكستان في الأول من مارس/ آذار، إضافةً إلى اصطحابه آكار في زيارته الأخيرة لروسيا.
ورغم أن هذه الزيارات قد أثارت تذمرًا لدى بعض القيادات العسكرية التركية التي اعتبرتها دليلا على التقارب مع الحكومة، فإن هناك جانبًا مهمًا في تصميم أردوغان على اصطحاب رئيس أركانه معه في زياراته الخارجية الطويلة.
فالرئيس التركي يدرك أنه ما من انقلاب عسكري ناجح في تركيا دون موافقة رئيس الأركان، وأن غيابه عن البلاد ومعه رئيس أركان الجيش يجهض أي محاولة للانقلاب على السلطة، فأي محاولة انقلابية ستحتاج بلا شك إلى قيادة عسكرية لتمثيلها أمام الشعب التركي، ومع التعديلات الكبرى داخل الجيش التركي والإقالات الضخمة التي لحقت بقياداته يتعذر القيام بانقلاب عسكري ناجح دون قيادة من جانب رئيس الأركان.
تسريب خلوصي آكار وشهادة ضابط تكشف تورط رئيس الأركان في الانقلاب
كان تسريب صور رئيس أركان الجيش التركي رهينة في أيدي الجنود المشاركين في المحاولة الانقلابية حركةً استباقية لجلسات الاستماع الأولى، التي عقدت لقادة الجيش الثاني المشاركين في المحاولة الانقلابية، والتي جرت في غازي عنتاب، وكانت شهادة أحد الضباط صادمة، حيث أكد الكابتن شامل توبال أن قائد الفوج تورجوت جلبي أكد أن خلوصي آكار هو قائد المحاولة الانقلابية.
وكانت شهادة سابقة للطيار الذي قاد عملية اغتيال أردوغان ليلة المحاولة الانقلابية قد ذكر فيها أن الجنرال شاهين مومونيزتاش قال لهم إن تعليمات من خلوصي آكار قد صدرت بالبدء في عملية الاغتيال.
ورغم أنه حتى الآن لم تنته محاكمات المحاولة الانقلابية، ولم تظهر شهادات الضباط وكبار القادة فإن بعض الشهادات المنشورة حتى الآن ليست في صالح رئيس الأركان، وإن كانت الصور المسربة حتى الآن تدعم روايته للأحداث، وقد تكون شهادات الضباط حول آكار دافعها رفع المسئولية عنهم للحصول على البراءة على اعتبار أنهم كانوا ينفذون أوامر قادتهم، لكن شكوكًا كثيرة حول ما حدث في الساعات التي سبقت المحاولة الانقلابية ليست في صالح رئيس أركان الجيش الذي أصبح مثار جدل داخل هيئة الأركان ومقربين من الحكومة.