صفقات الأسلحة: مصر ومستنقع الدَّيْن العسكري
شهدت مصر تزايدًا ضخمًا في الإنفاق العسكري بعد وصول الرئيس «عبد الفتاح السيسي» لكرسي الرئاسة. وعلى الرغم من حالة التردي الاقتصادي التي تشهدها مصر، إلا أن النظام أعطى الأولوية لتسليح الجيش تحت شعار تنويع مصادر السلاح بعد أن كانت مصر تعتمد على واشنطن فيما يقارب 80% من احتياجاتها العسكرية. ومن أجل فهم أعمق لما وراء سياسة التسليح المصرية يلزمنا ابتداءً أن نلقي الضوء على أهم الصفقات الجديدة والأطراف المتعاقد معها، ومن ثم نتطرق للهدف الحقيقي من وراء هذا الإنفاق العسكري والصفقات الأخيرة، هل كان من أجل تطوير وتحديث قدرات الجيش أم أنها جاءت في إطار تنويع تحالفات مصر الدولية بعد تراجع الدعم الأمريكي؟، ولماذا ولمن تتسلح مصر بمثل هذه الصفقات الضخمة؟، وكيف ستتمكن الدولة في ظل الوضع الاقتصادي الراهن من تمويل هذه الصفقات؟.
سيل من واردات الأسلحة
1ـ الصفقات الفرنسية
– التعاقد على حاملتي طائرات مروحية «ميسترال» بقيمة 1.2 مليار يورو، وبدأت القوات المصرية التدرب عليهما. وصلت الأولى التي تحمل اسم «جمال عبد الناصر» إلى مصر اليوم، أما الثانية ستدخل الخدمة في سبتمبر القادم وتحمل اسم «أنور السادات».
– التعاقد على 24 مقاتلة «رافال»، بقيمة 5.2 مليار يورو تمولها الحكومة المصرية وتسلمت منهم سبع طائرات، ويتوقع تسليم باقي المقاتلات حتى عام 2018. وقد أقرضت باريس القاهرة 3.2 مليار يورو لتمويل صفقة «الرافال» والسفن العسكرية.
– استلمت مصر في يوليو 2015 فرقاطة صواريخ موجهة طراز «فريم» وبلغت تكلفتها 800 مليون يورو.
– تعاقدت مصر عام 2014 مع فرنسا لشراء أربعة كورفيتات صواريخ شبحية ثقيلة طراز «GOWIND 2500» دخل أولها الخدمة في سبتمبر 2015، وتم الاتفاق على بناء الثلاثة المتبقية في مصر، على أن يتم تسليمهم بحلول عام 2017 مع احتمالية طلب مصر التعاقد على كورفيتين إضافيين من النوع نفسه بقيمة 500 مليون يورو. بلغت قيمة الصفقة مليار يورو يضاف إليها قيمة التسليح المضاف للكورفيتات والذي سيكون في حدود 400 الى 650 مليون يورو.
– تعتزم مصر شراء 4 مقاتلات «فالكون إكس ـ7» بتكلفة 300 مليون يورو.
– توقيع اتفاق بخصوص تجميع الطائرة بدون طيار الفرنسية «Patroller» محليًا.
– توقع مصر خلال هذا الشهر عقدًا لشراء قمر صناعي عسكري من طراز «هيليوس» للمراقبة بقيمة 600 مليون يورو.
– هناك مفاوضات حول صفقات أخرى منها 24 طائرة نقل هليكوبتر طراز «إيرباص».
2 ـ الصفقات الروسية
– وقعت مصر في إبريل 2016 عقدًا لشراء 50 طائرة «ميج 29 إم 2» وتعرف بـ «ميغ 35» من روسيا، وتصل اثنان منها هذا العام ضمن صفقة أسلحة تشمل منظومة دفاع جوي «SA-23» و«SA-17»، و46 طائرة «ka-52»، ويبلغ مجمل الصفقة نحو 5 مليارات دولار.
– تعاقدت مصر على وحدات من منظومة الدفاع الجوي الروسية «S-300 VM / Antey-2500» في صفقة قيمتها مليار دولار، وبدأت مصر بالفعل في تسلم هذه المنظومات نهاية 2014 وسينتهي تسليمها قبل نهاية 2016 .
– الحصول على لنش الصواريخ الهجومى بي 32 مولينيا كهدية من روسيا.
– تعاقدت مصر على شراء قاذفات «آر بي جي 32»، كما تسعى للحصول على دبابات «تي ـ 90».
3ـ الصفقات الأمريكية
– تسلمت مصر 8 طائرات «إف 16 بلوك 52» في أغسطس 2015، و4 طائرات في أكتوبر.
– نقل إلى مصر في أغسطس 2015، خمسة أبراج لدبابات «أبرامز ام1 ايه1»، وتسلمها مصنع الدبابات «أبرامز إم1 إيه1» المصري – الأمريكي المشترك، كما أعلنت واشنطن تسليم مصر 14 برجًا من هذا النوع في وقت لاحق.
– 10 مروحيات هجومية طراز «أباتشي لونج بو بلوك 2».
– استئناف برنامج الإنتاج المُشترك للدبابة «أبرامز إم1 إيه1» في مصر طبقًا لعقد وقع نهاية 2011 للإنتاج المُشترك لـ 125 دبابة «أبرامز» بقيمة 395 مليون دولار.
– تسلمت مصر اثنين من الكورفيت الصاروخي الشبحي «Ambassador MK III» عام 2014 واثنين آخرين عام 2015 بقيمة 1.3 مليار دولار، ويتوقع أن تطلب مصر شراء كورفيتين إضافيين من نفس النوع.
– التعاقد على طائرة إنذار مبكر «إي 2 سي هوك 2000» وتطوير أخرى.
– وصلت في الثاني عشر من الشهر الماضي إلى مصر أول دفعة من 762 مركبة مضادة للألغام من واشنطن لتستخدم في مكافحة الإرهاب.
أكدت واشنطن أنها ستقدم مساعدات أمنية لمصر اعتبارًا من العام المالي 2018 تخصص للفئات: مكافحة الإرهاب، أمن الحدود، أمن سيناء، الأمن البحري، وصيانة الأنظمة العسكرية الموجودة بالترسانة المصرية. الجدير بالذكر أن الإدارة الأمريكية أوقفت مؤقتًا مساعداتها العسكرية لمصر في يوليو 2013، عقب ما اعتبرته انقلابًا على العملية الديمقراطية، لكن واشنطن عادت لتلغي قرار التجميد وتستأنف مساعداتها العسكرية للجيش المصري في 2015 بغرض محاربة الإرهاب والجماعات المتطرفة، ولتأكيد مصر على كونها شريكًا للولايات المتحدة إضافة لتأكيدها على التزامها بأمن إسرائيل.
4. الصفقات الألمانية
اتفقت مصر مع ألمانيا على شراء أربع غواصات هجومية «Type 209»، واثنان منهم تم الاتفاق عليهما وفقًا لعقد وقع في منتصف 2011 بقيمة 2 مليار يورو، وتم تدشين واحدة في ديسمبر 2015، ويستمر توريد الباقي بحد أقصى عام 2018.
5. صفقات أخرى
– تعكف مصر حاليًا على الحصول على 5 غواصات صغيرة طراز «Drakon – 220» من كرواتيا وتبلغ تكلفه الواحدة 50 مليون دولار.
– تم التعاقد مع Yسبانيا على 24 طائرة نقل عسكرى «كاسا C-295» تم تسلم 16، إضافة لطلب التعاقد على 12 طائرة نقل عسكرى إستراتيجي «A-400M».
تحديث الجيش أم شراء شرعية سياسية دولية؟
ربما تعد صفقات التسليح هذه من أكبر النقاط التي تشهد اختلافًا في وجهات النظر بين داعمي نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي ومعارضيه. فبينما يرى فريق في تلك الصفقات نجاحًا للنظام الحالي وإعادة لمجد العسكرية المصرية يستحق الاحتفاء بل والاحتفال، يرى فريق آخر أنها لا تعدو رشوة من النظام الحالي للقوى الكبرى لشراء المشروعية الدولية، رشوة تأتي بثمن باهظ تدفعه مصر في الحاضر والمستقبل.
فعلى جانب يرى خبراء أن مصر من خلال هذه الصفقات – والتي تخطت العشرين مليار دولار في فترة وجيزة للغاية – تستهدف تحقيق توازن عسكري مع دول الإقليم، خاصة إذا أرسل الجيش خارج الحدود المصرية لمساعدة الحلفاء الخليجيين، والذين يمولون جزءًا معتبرًا من هذه الصفقات، أو للتدخل في ليبيا كما لمح النظام غير مرة. هذا إلى جانب تأمين مداخل «قناة السويس»، التي تمثل أهمية بالغة في خريطة مشاريع النظام المصري الحالي والذي أنفق المليارات لشق تفريعتها الأخيرة، حيث يتوقع أن تنشر مصر سفينتي «الميسترال» أحدهما في البحر الأحمر لتأمين مضيق «باب المندب»، والأخرى في البحر المتوسط، إضافة لمحاربة الإرهاب الذي تواجهه مصر في «سيناء».
في المقابل يهاجم عدد من الخبراء والمعارضين هذه الصفقات على اعتبار أنها جاءت في ظل وضع اقتصادي صعب، حيث تراجع قيمة الجنيه المصري وارتفاع التضخم وزيادة البطالة وتدهور الاحتياطي الدولاري النقدي الذي لا يتحمل مزيدًا من الاستنزاف؛ مما قد يسبب المزيد من الانهيار الاقتصادي ويؤدي إلى حالة كبيرة من السخط الشعبي.
اعتبر البعض أن «الميسترال» استعراض للقوة بدون حاجة حقيقية له؛ وذلك لكونها مصممة للعمليات العسكرية في المناطق البعيدة عن سيادة الدولة المهاجمة، فمصر إذن لا تحتاج إليها ويمكنها حماية حدودها بوحدات بحرية أصغر حجمًا وأرخص سعرًا، كذلك الإرهاب في «سيناء» يكفي للتعامل معه طائرات الهليوكوبتر والطائرات بدون طيار. لكن من خلال هذه الصفقات يحاول النظام إظهار أن مصر قوية ومستقرة، وأن القاهرة حليف قوي للغرب في الحرب على الإرهاب.
لا صوت يعلو فوق صوت المعركة: المزيد من الديون
في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الاقتصاد والخزينة المصرية، يأتي تمويل هذه الصفقات أساسًا عن طريق الخارج إما بصورة دعم من دول الخليج، أو -وهو الأهم – بالاقتراض من الخارج. حيث وافق مجلس النواب في مارس الماضي على اتفاقية قرض بين وزارة الدفاع وبنوك فرنسية بقيمة 3 مليارات و375 مليون يورو، وبرر البرلمان ذلك بأنه «حينما يتعلق الأمر بأمن الوطن فإن ما تريده القوات المسلحة يعلو ويرتفع على أي اعتبار». يأتي هذا التصريح والقرض الإضافي لينضاف إلى أعباء الدين المصري المتضخم والذي شهد – وفقًا لبيان البنك المركزي في سبتمبر 2015 – ارتفاعًا في صافي الدين الخارجي للبلاد بنسبة 4.3% في السنة المالية 2014 – 2015 ليبلغ حوالي 48 مليارًا بنهاية يونيو 2015.