القوات الإثيوبية تصدت لهجوم مسلح على سد النهضة، من قبل مجموعة مسلحة معارضة مدعومة من الخارج.

في الأول من مارس/آذار فوجئ العالم بخبر مقتضب على وكالات الأنباء، منقول على لسان مصدر في الحكومة الإثيوبية، يقول فيه إن القوات الإثيوبية تصدت لهجوم مسلح على سد النهضة من قبل مجموعة مسلحة معارضة مدعومة من الخارج!.

و فور ذلك توجهت أصابع اتهام المراقبين نحو المستفيدين من الهجوم على السد؛ وهم الحكومة الإرترية التي تعادي إثيوبيا، ودارت بينهما حرب شرسة في مطلع الألفية، والحكومة المصرية التي ترى في سد النهضة اعتداءً على نهر النيل، مصدر المياه الوحيد الذي يغذي الدولة المصرية، وكذلك إلى الحكومة الأوغندية، والتي ترى في إثيوبيا عدوًا لها، يهدد مصالحها في شرق أفريقيا وينافسها في الزعامة على هذه الرقعة الجغرافية من العالم.

في اليوم التالي خرج بيان شارحٌ لما حدث، وخرج وزير الاتصالات الإثيوبي زادق أبرها (صادق أبرها) على وكالة أنباء «إف بي سي» الإثيوبية ليقول الآتي: «الأجهزة الأمنية الإثيوبية تصدت لهجوم مجموعة مسلحة تتبع لحركة تحرير بني شنقول الإثيوبية المعارضة، وكانت تتكون المجموعة المهاجمة من 20 فردًا، انطلقوا من دولة إرتريا، كان هدفهم الاعتداء على سد النهضة، لكن القوات الأمنية تصدت لهم وقتلت 13 مهاجمًا وهرب 7 من المهاجمين إلى داخل الأراضي السودانية، ولكن الحكومة السودانية قامت بتسليم المهاجمين فورًا إلى الحكومة الإثيوبية، والتي تقوم بالتحقيق معهم لمعرفة تفاصيل أخرى عن الحادث».


من هي حركة تحرير بني شنقول؟

هي حركة سياسية عسكرية، ترجع أصولها إلى ستينات القرن الماضي، عندما بدأ الوعي القومي عند القوميات الإثيوبية يظهر ويتجلى، وكان عصرها الذهبي في تسعينات القرن الماضي، عندما كان الدكتور حسن الترابي (القيادي الإسلامي البارز) ممسكًا بالدولة السودانية، حيث إنه كان قد أشار وحرض على وجوب عودة إقليم بني شنقول المغتصب إلى الدولة السودانية، وكان يدعم هذه الحركة أيام النزاع مع إثيوبيا التي كانت تدعم (جون قرنق)، ولكن تغيرت هذه النظرة مع (مفاصلة رمضان) وانقلاب البشير على الترابي وانفراده بالسلطة، وسعى البشير للتهدئة مع إثيوبيا بل للتحالف معها، فتوقفت إثيوبيا عن دعم فصائل المعارضة السودانية و(جون قرنق) مقابل توقف السودان عن مطالباته بإقليم (بني شنقول) ودعم حركته (تحرير بني شنقول).

وفي أجواء التهدئة السودانية بعد اتفاق (نيفاشا) وقّعت حركة تحرير بني شنقول اتفاق سلام مع حكومة (أديس أبابا)، إلا أن الاتفاق لم ينجح، ولم يُنفذ لأن الحركة الموقعة انشقت وتحالف رافضو الاتفاق مع إرتريا (عدوة أديس أبابا) التي وفرت لهم الأرض والسلاح ليستأنفوا القتال ضد الدولة الإثيوبية من جديد.

قومية البني شنقول هي إحدى القوميات السودانية، واسمها بني شنقول، وقد كانوا جزءًا لا يتجزأ من أراضي (سلطنة سنار الزرقاء)، و عرفت أراضي البني شنقول أنها أرض المعدن (الذهب)، و ظلت مناطق البني شنقول تابعة للحدود الإدارية للدولة السودانية أيام (الحكم المصري التركي)، وعندما جاءت بريطانيا فإنها منحت هذه المنطقة إلى الإمبراطورية الحبشية على غير رضى أهلها المرتبطين بالسودان، والذين يشكل الإسلام دينهم الغالب 95%، ويرتدي أغلب سكان بني شنقول الزي الوطني السوداني (الجلابية والعمامة للرجال والثوب للنساء)، وما حفز أبناء المنطقة لحمل السلاح في 1962م والمطالبة بالاستقلال الاختلاف الثقافي الكبير بينهم و بين بقية القوميات (الإثيوبية)، حيث كان حكام إثيوبيا يقولون عن أصوصا (عاصمة بني شنقول) إنها مدينة سودانية، ولذلك فقد حاولت الحكومة الإثيوبية فرض نمط الثقافة الإثيوبية على سكان الإقليم وهو ما تمت مواجهته برفض شديد من قبل سكان بني شنقول، والذين يعتبرون أنفسهم (أصل سلطنة سنار) التي حكمت السودان أربعة قرون.

و عندما استطاعت جبهة (التيجراي) إسقاط حكومة الشيوعي هيلا مريام فإنها وعدت أهالي بني شنقول بحكم ذاتي ولكنها مع الوقت تنكرت لهذا الوعد، فالثروات الموجودة في الإقليم أسالت لعاب حكام إثيوبيا.


تحليل وتعليق حول الحادث

الحكومة الإثيوبية في بيان وزيرها هذا، وجهت اتهامًا أوليًا إلى إرتريا بأنها تقف خلف هذا الهجوم، ولكن جميع المراقبين يعلمون أن الدولة الإرترية أضعف من أن تدير مثل هكذا هجوم معقد، خصوصًا ضد إثيوبيا، شقيقتها الكبرى سابقًا، وأن النظام الإرتري بالتأكيد تحالف مع أجهزة مخابرات أخرى للقيام بهذا العمل المعقد.

تشير أصابع الاتهام بشكل واضح نحو مصر وأوغندا، وهما الدولتان اللتان أعلنتا تحالفهما الثنائي في الشهر الماضي ضد السودان وإثيوبيا، ودعمها لحكومة جنوب السودان في وجه المعارضة (المدعومة من السودان وإثيوبيا)، و أشارت تسريبات صحفية أن تحالفهما هذا ليس دفاعيًا فقط، بل هجومي كذلك من أجل تأديب الحكومة السودانية والإثيوبية، بدعم معارضة البلدين، بأحدث أنواع الأسلحة وبمدربين من (القوات المسلحة المصرية) من مختلف فروع الأسلحة.

ومما يرجح فرضية أن التخطيط لهذا الهجوم مصري، هو أن الحركة التي نفذت هجوم سد النهضة هي أقرب لمصر منها لإرتريا، والتي تحبذ دومًا دعم الحركات المعارضة من (الأمهرا) أكثر من دعمها لحركة (بني شنقول)، فالإرتريون يريدون إسقاط النظام الإثيوبي تمامًا بينما تنحصر المشكلة المصرية مع إثيوبيا في قضية سد النهضة (المقام على أراضي قومية البني شنقول الإثيوبية).

وقد كانت الهجمات السابقة التي تقوم بها حركة تحرير بني شنقول محل رضى من قبل الإعلاميين المقربين من النظام المصري أمثال هاني رسلان، وقد أعلن رئيس حركة تحرير بني شنقول من القاهرة وعبر صحيفة البوابة (المقربة من السلطة المصرية) أن هدف إثيوبيا من السد هو أن تبيع الماء كالنفط لمصر، وعرض خدماته على السلطات المصرية مقابل دعم قضيته للحصول على دولة مستقلة لبني شنقول.