سنمر في الظلام والنور، رافعين العلم الإسرائيلي في مضيق تيران.

هكذا غنّت إسرائيل لمضيق تيران قبيل أسابيع من نكسة 1967، ولم يكن هذا، حينها، بغريب. فمنذ تأسيس دولتهم المزعومة، يضع الإسرائيليون نصب أعينهم هذه الجزيرة، نظرًا لأهميتها في تأمين منافذهم البحرية في الجنوب. حيث ذكر بن جوريون ذات مرة: «أن سيطرة إسرائيل على نقاطٍ في البحر الأحمر هي ذات أهمية قصوى، لأن هذه النقاط ستساعد إسرائيل على الفكاك من أية محاولات لمحاصرتها وتطويقها، كما ستُشكّل قاعدة انطلاق عسكري لمهاجمة أعدائنا في عقر دارهم، قبل أن يبادروا إلى مهاجمتنا».وهو الأمر الذي يُفسر اهتمام وسائل الإعلام العبرية بانتقال جزيرتي تيران وصنافير إلى السيادة السعودية، والشروع في بدء إنشاء جسر «الملك سلمان». فكيف ستتعامل إسرائيل مع هذه المستجدات؟ وهل ستكون السعودية مضطرة إلى التنسيق بشكل علني مع إسرائيل فيما يخص الجزر؟


كيف تتحكم جزيرة تيران في إسرائيل؟

تتحكم جزيرتي تيران وصنافير بشكل رئيسي في حركة الملاحة الدولية في خليج العقبة، حيث تقعان عند مصب الخليج، الأمر الذي يُمكّنهما من غلق الملاحة في اتجاه الخليج. وكذلك تتعاظم الأهمية الإستراتيجية لجزيرة تيران في كونها مُطلة ومتحكمة بشكل أساسي في مضيق تيران.وبالنسبة لإسرائيل، فالجزيرتان تشكلان أهمية كبيرة، فهما الضامن الأساسي لحرية الحركة في الممرات الملاحية التي تستخدمها إسرائيل للاستيراد والتصدير، حيث أنهما يتحكمان في حركة المرور من وإلى ميناء إسرائيل الجنوبي في إيلات. ومضيق تيران الذي تشرف عليه الجزيرة هو الممر البحري الهام إلى الموانئ الرئيسية من العقبة في الأردن إلى إيلات في إسرائيل.

جزيرة تيران هي الضامن الأساسي لحرية الحركة في الممرات الملاحية التي تسخدمها إسرائيل للاستيراد والتصدير.

ونظرًا للأهمية القصوى لجزيرتي تيران وصنافير، بالنسبة لإسرائيل، فقد خاضت من أجلهما الحرب ضد مصر مرتين، المرة الأولى كانت قبل العدوان الثلاثي على مصر، وبحسب المصادر الإسرائيلية فإن انسحاب إسرائيل من سيناء وجزيرة تيران جاء فقط بعد حصول رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك ديفيد بن جوريون، على ضمانات مكتوبة بشأن حرية الملاحة في خليج إيلات من الرئيس الأمريكي أيزنهاور في فبراير 1957.ومنذ ذلك الوقت وحتى مايو 1967، سمح المصريون للسفن الإسرائيلية بالمرور عبر المضيق. ولكن في الأيام التي سبقت حرب 1967، أغلقت مصر مضيق تيران في وجه إسرائيل، وهي الخطوة التي اعتبرتها الأخيرة إعلانًا للحرب، وبالفعل كانت إحدى الأسباب الرئيسية لاندلاع حرب 1967.وقبل أسابيع قليلة من بدء حرب 1967، ولرفع معنويات الإسرائيليين، كتب يحيئل موهر أغنية عن تيران، غناها تسماد هدوديم، وتقول كلمات الأغنية: «تغلبنا على كل المصاعب، خرجنا منها بقوة، تجاوزنا حرب الاستقلال، كذلك تجاوزنا سيناء، سنمر في مضيق تيران، سنمر في الظلام والنور، رافعين العلم الإسرائيلي في مضيق تيران».كما سمى الكثير من الإسرائيليين في هذه الفترة، أبناءهم وبناتهم باسم «تيران» أو «تيرانيت»، تيمنًا بالجزيرة، وتأكيدًا على أهميتها الإستراتيجية بالنسبة لإسرائيل.وجدير بالذكر أنه بعد احتلال إسرائيل لتيران، عام 1967، لم تنسحب منها سوى عام 1982، في إطار اتفاقية السلام التي وقعتها عام 1979 مع مصر، حيث جرى الاتفاق على نشر قوات حفظ سلام دولية للإشراف على حركة الملاحة في المضيق.


جسر «الملك سلمان»: سلسلة من الرفض الإسرائيلي

ولّت وسائل الإعلام العبرية اهتمامًا خاصًا بمسألة انتقال جزيرتي تيران وصنافير إلى السيادة السعودية، والاتفاق بين مصر والسعودية على إنشاء جسر «الملك سلمان» الذي سيربط بين البلدين.حيث ذكرت الإذاعة الاسرائيلية، أن إسرائيل اعترضت على مشروع الجسر البري، والذي تعطل تنفيذه قبل سنوات، إبان حكم الرئيس حسنى مبارك، والذي أعيد إحياؤه بعد الثورة. وأضافت أن إسرائيل تعتبر بناء جسر فوق جزيرتي تيران وصنافير الواقعتين عند مدخل خليج العقبة يمثل تهديدًا إستراتيجيًا لها، لأنه يعرض حرية الملاحة من وإلى منفذها البحري الجنوبي للخطر، فإسرائيل أعلنت مرارًا وتكرارًا أنها تعتبر إغلاق مضيق تيران سببًا مباشرًا للحرب.أمّا إذاعة الجيش الإسرائيلي فقد أشارت إلى الخطر الذي يمكن أن يلحق بإسرائيل جراء إنشاء الجسر البري بين مصر والسعودية، وذلك لقربه الشديد من الأراضي الإسرائيلية، قائلة «المشروع الجديد ليس بعيدًا عن هنا، فهو جنوب مدينة إيلات، ويبلغ طوله 7 كيلومترات، ويحتوي على طرق لكل اتجاه، ومسارات لقطارات نقل البضائع». واستمرت الإذاعة العسكرية في تحذيراتها «من الناحية التنفيذية والبيئية، فالحديث يدور عن تحدٍ خطير، وهناك إشكالية مركزية في تحرك السفن تحت الجسر البري، كما أن هناك مشكلات بيئية كثيرة فيما يتعلق بالشعاب المرجانية، والكائنات البحرية والنباتات في كل المنطقة».

أجمع المحللون أن رفض مبارك لمشروع الجسر الذي يربط بين مصر والسعودية، جاء نتيجة ضغوط إسرائيلية أمريكية.

وسلّطت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الضوء على نفس القضية، فذكرت أن اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين مصر والمملكة العربية السعودية، الذي نتج عنه إلحاق جزيرتي تيران وصنافير لتبعية وسيطرة السعودية، سيجعل الآثار المترتبة عليه غير واضحة، سواء فيما يخص العلاقات بين إسرائيل ومصر أو حتى تأثيرها على الملاحة الإسرائيلية.ولم يكن هذا الموقف الذي عبرت عنه وسائل الإعلام الإسرائيلية جديدًا، فموقف إسرائيل لم يتغير منذ 28 عامًا، وبالتحديد عام 1988، حين تم الإعلان لأول مرة عن هذا المشروع، حيث طرح الراحل فهد بن عبد العزيز فكرة المشروع خلال القمة التي جمعته بحسني مبارك، إلا أن الأخير عارض الفكرة بعد عدة أيام. ولكن الجانب السعودي لم ييأس وعرض الفكرة مرة أخرى في عام 2007 وجاء الرفض مجددًا على لسان مبارك بحجة أنها ستؤدي إلى الإضرار بالمنشآت السياحية في شرم الشيخ، وقد قُوبل هذا الرفض، حينها، بموجة من الدهشة من قِبل الخبراء والمراقبين المصريين، الذين رأوا أن المشروع يحمل منافع اقتصادية كبيرة لكل من مصر والسعودية.وقد أجمع المحللون حينها أن موقف مبارك جاء نتيجة الضغوط الإسرائيلية والأمريكية الهائلة الذي تعرض لها للحيلولة دون تنفيذ المشروع، نظرًا للأسباب سالفة الذكر.


العلاقات السعودية الإسرائيلية: من الخفاء إلى العلن

أثار انتقال جزيرتي تيران وصنافير إلى السيادة السعودية جدلا واسعا حول العديد من القضايا، ويعتبر مستقبل العلاقات السعودية الإسرائيلية أحد أبرز هذه القضايا.فالجزيرتان تقعا في المنطقة (ج) وفقًا لمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، وبالتالي تخضع لقيود عسكرية وأمنية، ومن أهمها: وجود قوات أجنبية تخضع للأمم المتحدة تحت إدارة امريكية في سيناء لمراقبة القوات المصرية ومدى التزامها ببنود المعاهدة، من حيث عدد القوات المصرية وعتادها المسموح به، إلى جانب مراقبة حرية الملاحة للسفن الإسرائيلية.وبالتالي يثور السؤال: كيف ستتعامل السعودية مع الترتيبات الأمنية التي تخضع الجزيرتان لها، وهل ستكون طرفًا في تلك الترتيبات، مما يفتح مجالًا للتنسيق الدبلوماسي العلني بين السعودية وإسرائيل؟تكمن المعضلة الحقيقية هنا أن السعودية لم تعترف إلى الآن بإسرائيل، ولم تقم معها علاقات دبلوماسية علنية، ولكن تشير العديد من الدراسات والوثائق المُسربة إلى وجود علاقات تنسيقية سرية بين الطرفين منذ ستينات القرن الماضي وإلى وقتنا هذا.

تعود العلاقات السعودية الإسرائيلية إلى زمن بعيد، حيث تأسست قنوات اتصالات سرية بين البلدين ما بين عامي 1965 و1979.

ففي دراسة نشرها «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى»، بعنوان «الروابط بين إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي بعد خمسة وعشرين عامًا من حرب الخليج الأولى»، تمت الإشارة إلى أن العلاقات بين السعودية وإسرائيل تعود إلى زمن بعيد حتى قبل إنشاء «مجلس التعاون الخليجي» في عام 1981. حيث تم تأسيس قناة خلفية سعودية إسرائيلية في الثمانينات عندما ألقى العاهل السعودي الملك فهد هذه المهمة على عاتق رئيس المخابرات السعودية آنذاك، الأمير تركي الفيصل. وأشارت الدراسة إلى أن هذه القناة السرية كانت قائمة بالفعل وعُهدت إلى الشيخ كمال أدهم عندما كان رئيسًا لـ «مديرية المخابرات العامة» السعودية ما بين عامي 1965 و1979، قبل تولي الأمير تركي هذا المنصب.وتشير الدراسات أن هذه العلاقات مستمرة إلى الآن، خاصة في ظل وجود العديد من الملفات والتهديدات المشتركة التي يتعامل معها الطرفان.ففي فبراير 2014، كان وزير الدفاع الإسرائيلي «موشيه يعلون» قد صرّح في مؤتمر الأمن الذي عُقد في ميونيخ، أن هناك مصالح مشتركة تجمع إسرائيل وما أسماه بالمعسكر السني الذي تقوده السعودية، وأن هناك أعداء مشتركين: إيران، والمحور الشيعي في المنطقة، والإسلام الراديكالي، والقاعدة، على حدّ تعبيره.وهو الأمر الذي يتسق مع دراسة نشرها «مركز أبحاث الأمن القومي» في تل أبيب، والتي أكدت أنه على الرغم من عدم وجود علاقات دبلوماسية عادية بين إسرائيل والسعودية، إلا أن المصالح المشتركة بينهما، المتعلقة بكبح الطموح النووي الإيراني أدت في الآونة الأخيرة إلى تقارب كبير بين الرياض وتل أبيب، كما تبيّن أن إسرائيل لعبت دورًا هامًا في تسهيل عمليات تصدير الأسلحة الأمريكية إلى دول الخليج، وذلك في رسالة واضحة لهذه الدول أنه بالإمكان التعاون عوضًا عن التهديد، كما أن إسرائيل تتمتع بحرية بيع منتجاتها في دول الخليج، شريطة أن لا يُكتب عليها أنها صُنعت في إسرائيل.ونوهت الدراسة إلى أنه بحسب الرؤية السعودية ودول الخليج الأخرى، فإن العلاقات الدبلوماسية العلنية مع إسرائيل في الوقت الراهن ستكون نتائجها سلبية أكثر بكثير من إيجابياتها، ذلك أن دول الخليج تتمتع الآن بالعلاقات السرية مع إسرائيل، دون أنْ تضطر لدفع الفاتورة للرأي العام العربي، الذي يرفض التطبيع مع إسرائيل.والآن، وبعد إعلان السيادة السعودية على جزيرتي تيران وصنافير، كيف ستوفّق الرياض بين مقاطعتها العلنية لإسرائيل، مع حتمية أن تكون شريكًا في الترتيبات الأمنية المتعلقة بالجزيرتين والمترتبة على اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية؟السيناريو الأسوأ، وغير المحتمل، أن ترفض الرياض إجراء اتصالات مع إسرائيل، وهو ما قد يقابله عدم قبول من جانب إسرائيل لخروج كلا الجزيرتين من ترتيبات البروتوكول العسكري لمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية؛ حينها قد تُقدم السعودية على خطوة جريئة، وهي إرسال قطع بحرية إلى الجزيرتين، إعمالًا لحق السيادة.أغلب الظن أن السعودية ستُجري مباحثاتها حول مستقبل الجزر، إمّا عن طريق قنوات اتصالاتها السرية مع إسرائيل، أو عبر الوسيط الأمريكي، أو ربما تلعب مصر دور الوسيط هذه المرة، دون أن تلجأ السعودية إلى إجراء اتصالات علنية مع إسرائيل، وذلك وفقًا لتصريحات وزير الخارجية السعودي «عادل الجبير»، والذي قال أن السعودية لن تنسق مع إسرائيل بشأن جزيرتي تيران وصنافير، لكنها ملتزمة بكل الاتفاقيات الدولية التي أبرمتها مصر بشأن الجزيرتين.ورغم احتمالية أن يتم تعديل الترتيبات الأمنية الخاصة بالجزر، إلا أن إبقاء الوضع القائم على ما هو عليه هو الاحتمال الأبرز حاليًا.

المراجع
  1. نيكول يونس، “جزر ومضائق تيران الاستراتيجية تحت المجهر (الجزء الاول)”، موقع العهد الإخباري، 26 مارس 2015.
  2. ياسمين إسلام، “7 أسباب منعت تنفيذ جسر الملك سلمان منذ 28 عامًا”، موقع الفجر، 10 إبريل 2016.
  3. معتز بالله محمد، “لماذا سمى الإسرائيليون أبناءهم باسم جزيرة تيران وغنوا لها؟”، موقع مصر العربية، 10 إبريل 2016.
  4. عبد اللطيف التركي، “ترسيم الحدود المصرية السعودية.. والنزاع حول جزيرتي تيران وصنافير”، موقع صحيفة التقرير، 10 إبريل 2016.
  5. “إسرائيل: الجسر المصري السعودي.. إعلان حرب”، موقع صحيفة الوفد، 9 إبريل 2016.
  6. زهير أندراوس، “دراسة: السعودية تتمتع الآن بالعلاقات السرية مع إسرائيل دون أن تضطر لدفع فاتورة للرأي العام العربي الذي يرفض التطبيع مع الدولة العبرية”، موقع صحيفة القدس العربي، 3 فبراير 2014.
  7. سايمون هندرسون، “الروابط بين إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي بعد خمسة وعشرين عامًا من حرب الخليج الأولى”، موقع معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، خريف 2015.
  8. أماني زهران، “ترقب إسرائيلي لآثار تبعية جزيرتي تيران وصنافير للسعودية”، موقع صحيفة الوفد، 10 إبريل 2016.
  9. “السعودية: لم تنسق مع إسرائيل بشأن جزيرتي تيران وصنافير.. وملتزمون بالاتفاقيات”، موقع وكالة أنباء أونا، 10 إبريل 2016.
  10. “سيف الدولة: يتساءل: هل ستنسق السعودية مع إسرائيل في جزيرة تيران؟”، موقع وكالة قدس برس إنترناشيونال للأنباء، 10 إبريل 2016.
  11. محمد عطية، “الجيش الإسرائيلي يحذر: الجسر البري قريب من إيلات وضار بالبيئة”، موقع صحيفة التحرير، 10 إبريل 2016.