بعد الرحيل: هل ما زالت جماهير برشلونة تتابع رونالدو؟
تلقى رونالدو البطاقة الحمراء بعد مرور أقل من نصف ساعة من المباراة الأولى في بطولته المحببة دوري أبطال أوروبا، والعجيب أن الرجل لم يتلق الشماتة الكروية المألوفة لحدث مثل ذلك من جماهير فالنسيا، ولا حتى من جماهير الميلان ونابولي في إيطاليا بل إن السخرية أتت من جماهير برشلونة.
كاذب من يقول إنه لا يتابع سوى مباريات فريقه. يتابع المرء مباريات الفريق المنافس بنفس الحماسة والسخط. فكل ما تتمناه لفريقك تتمنى حدوث عكسه تمامًا لغريمك. يعرف مشجع الكرة الحقيقي أدق تفاصيل الفريق الغريم، من تعرض للإصابة، ومن لا يجيد التهديف على ملعب، ومن يتسم بالحظ أمام فريق ما من عدمه. ولا عجب أن تضع آمالك على مهاجم مغمور لأنه يلعب أمام منافسك.
إذا ما قرر مدافع فريقك أن يتصدى للكرة بيديه فهي حركة تلقائية، أما إذا ارتطمت الكرة بيد مدافع الفريق المنافس فهي ضربة جزاء، وما دون ذلك هو ظلم تحكيمي لا يحتمله أحد، تلك هي كرة القدم التي تحكم بأحكامها.
وفي كرة القدم لا يوجد غريمان أكبر من ريال مدريد وبرشلونة، وعلى مستوى اللاعبين كان صراع رونالدو ميسي وميسي رونالدو هو الصراع المهيمن على كرة القدم لسنوات عديدة. ولأن لا شيء يدوم رحل رونالدو أخيرًا من صفوف ريال مدريد لينضم إلى فريق يوفنتوس الإيطالي. إلا أن العداء بينه وبين أنصار فريق برشلونة لم ينتهِ، بل لم تخفت حدته، فترى لماذا يتابع أنصار برشلونة كريستيانو رونالدو بهذا الاهتمام حتى بعد رحيله عن غريمهم الأبدي؟
لأن الريال كان رونالدو
يجيد ريال مدريد تعظيم نجومه طالما أنهم يرتدون قميص الفريق. تلك قاعدة عامة نستطيع أن نضرب لها الأمثلة على مر العصور. هذا بالطبع ليس معناه أن هؤلاء اللاعبين أصحاب إمكانيات متدنية، فريال مدريد فريق جاذب لنجوم الصف الأول بطبيعة الأمر. لكن الحديث هنا عن القدرة التسويقية والإعلامية الهائلة التي يتمتع بها ريال مدريد ولا ينكرها أحد. وفي خضم صراع برشلونة وريال مدريد من جهة وصراع رونالدو ميسي من جهة أخرى أصبح رونالدو أيقونة مدريد وواجهة النادي الأساسية.
هكذا كانت جماهير برشلونة ترى المشهد، كل جائزة فردية حصدها رونالدو كان وراءها دعم مدريد، وكل إنجاز حققه رونالدو هو مشكوك فيه بشكل أو بآخر، فرونالدو لاعب يخدمه فريق بالكامل، بينما ميسي ومنذ قدوم فالفيردي تحديدًا لاعب يخدم الفريق بأكمله، ويحمله على عاتقه دون شكوى.
جائزة أفضل لاعب في أوروبا كانت هي أو الجوائز الفردية التي يخسرها رونالدو منذ رحيله عن مدريد، والفائز كان زميله السابق لوكا مودريتش وبعيدًا عن أرقام اللاعبين وإنجازهم، وبعيدًا أيضًا عن عدم ترشح ميسي من الأساس كان ذلك تأكيدًا على أن مدريد له الثقل في اختيار الجوائز الفردية، وليس إمكانات رونالدو وأرقامه هي السبب الرئيسي.
ورغم أن الجميع يعرف أن تلك الجوائز لا تمتلك المصداقية اللازمة لإثبات أن لاعب أفضل من الآخر، والدليل هو حصرها في السنوات الأخيرة بين رونالدو وميسي بالرغم من استحقاق آخرين أن يكونوا الأفضل في بعض المواسم إلا أن جماهير برشلونة لم تفوت فرصة كتلك.
وبرحيل رونالدو ترقبت جماهير برشلونة سقوطه المحتمل، فمع كل مباراة دون أهداف كان الحديث يدور عن حقيقة إمكانيات رونالدو، بالرغم أن ثلاث مباريات دون تسجيل أمر ليس بالغريب عل ىمهاجم يلعب أول مواسمه في الدوري الإيطالي. ثم مع أولى مباريات اليوفنتوس في دوري أبطال أوروبا والتي شهدت طرد رونالدو كان تعقيب جماهير برشلونة أن رونالدو الآن سينال ما يستحقه فهو أصبح بلا حماية، فريال مدريد يوفر الحماية للاعبيه في مواجهة الحكام حتى أن صحيفة موندو ديبورتيفو تحدثت بحديث مشابه.
لا تنتهي علاقة اللاعب بجماهير النادي بمجرد رحيله، خاصة علاقة كتلك التي بين رونالدو وجماهير ريال مدريد. لكن لا يبدو الأمر كذلك فمع هجوم جماهير برشلونة المعتاد لم يجد رونالدو ما اعتاد أن يحصل عليه من دعم جماهير الريال.
لأن الرحيل كان صعبًا
رحيل رونالدو كان مفاجئًا لجماهير مدريد التي لم تكن قد استفاقت بعد من رحيل زيدان.كان من المقرر إقامة حفل وداع لرونالدو قبل رحيله لإيطاليا وهو ما لم يحدث وسط أخبار غير مؤكدة أن رونالدو هو من قرر ألا يحضر ذلك الحفل. ثم أتى تصريح رونالدو ليقول إن قرار رحيله عن مدريد كان بالقرار السهل، وإن تسع سنوات في مدريد أصبحت شيئًا من الماضي، ثم تصريح آخر بأن الأمر مختلف في اليوفنتوس تمامًا، فالجميع هنا كالعائلة، وأنه لطالما حلم بأن يلعب لليوفنتوس منذ أن كان طفلًا.
يبدو الحديث منطقيًا للاعب على أعتاب نادٍ جديد، ويريد خطب ود جماهير هذا النادي، إلا أن الأمر ترك غصة في قلوب جماهير مدريد التي قضت تسع سنوات بالتغني برونالدو والدفاع عنه في وجه كل منتقديه.
تكمن المشكلة الأساسية في أن جماهير مدريد لم تتوقع أبدًا أن تدور الدائرة ليصبحوا في مواجهة رونالدو وتصريحاته. فرونالدو من الأشخاص الذين يؤمنون بأنك لكي تبقى ناجحًا عليك الإيمان بإمكانية قيامك بأشياء يرى الآخرون أنها مستحيلة.
هذا يقترن عادة ببعض الغرور والأنانية ولو بشكل قليل، وهو ما دافع عنه جماهير مدريد دومًا، الحديث عن أرقام رونالدو وكيفية حفاظه على وزن مثالي ودوره القيادي في الفوز بنسخ ذات الأذنين المتعاقبة. ولكنهم كانوا يغضون الطرف طواعية عن سلوك رونالدو الأناني في الملعب، وامتعاض وجهه إذا ما سجل زميل ما هدفًا ولم يمرر له الكرة ليحرز هو الهدف والكثير من بعض تلك الأشياء التي قرر جمهور مدريد أن يفسرها كنهم مستمر لرونالدو يصب في مصلحة الفريق. وما أن رحل رونالدو فإن هذا النهم أصبح يصب في مصلحة فريق آخر.
ربما ذلك يقودنا لتفسير أخير للإجابة حول سؤال على شاكلة، لماذا يجيد رونالدو كسب العديد من الأعداء حتى في مواسمه الأخيرة؟
رونالدو ورهان يتجدد
ينتمي رونالدو لفئة اللاعبين المحبين للرهانات، نوعية لاعبين بحجم روماريو وإبراهيموفيتش ومارادونا، سل روماريو عن أي وظيفة كان يتمناها إذا لم يصبح لاعب كرة قدم فأجاب سائق فورميولا محترف.
رونالدو هو سائق الفورمولا الحقيقي في مضمار كرة القدم، يعشق أن يقترب من الهلاك ثم يخرج منتصرًا في النهاية.
رونالدو في عامه الـ33 رفض عرضًا ضخمًا من الصين وقرر أن يرحل صوب الدوري الإيطالي ليبدأ رهانًا جديدًا، يحب أن يبقى في رهانات دائمة متجددة، ربما ذلك هو الوقود الذي يجعل رونالدو دائمًا في مقدمة لاعبي العالم.
أن تكون منافسًا لظاهرة كروية بحجم ميسي ذلك رهان. أن تقرر أن تجدد الرهان باللعب في دوري عنيف بعد تخطيك الثلاثين ذلك أشبه بمضاعفة الرهان، فإذا فشل رونالدو في هذا الرهان هل سيفقد احترام الجميع؟
يجيد رونالد إدارة موهبته والقتال على كل الفرص، وهو ما أكسبه بالطبع احترام الكثيرين إلا أنه في المقابل أكسبه الكثير من العداء مع المنافسين، لا يبدو رونالدو بمظهر الرجل الطيب الذي يحترم الجميع، بل إنه يفضل دومًا دور اللاعب المثير للجدل. تارة يرفض أن يتبادل السلام أو القمصان مع أحد اللاعبين في حالة الهزيمة، وأخرى يشيح بكلتا يديه في السماء لأن لاعبًا ما من زملائه أفسد عليه الهجمة.
لا يبدو رونالدو ببساطة كنجوم الصف الأول المحبين للجميع المتقبلين للهزيمة المبتسمين بل يبدو كرجل جائع للتحدي دومًا؛ ولذا فهو قد ترك الكثيرين متربصين وقوعه وانهياره. ليس من الغريب أبدًا أن جماهير برشلونة ما زالت تتابع رونالدو، ولا غريب أيضًا في بكائه بعد طرده أمام فالنسيا، فرونالدو يخوض الآن التحدي الأهم في مسيرته.