العرب ووهم التمثيل المشرف: هل يحق لنا انتقاد المهزومين؟
في كل منافسة رياضية هناك فائز وحيد وخاسرون كثر بطبيعة الحال. يندم بعضهم لخسارته، ويفكر البعض الآخر في أسبابها، ويتجهَّز البعض ليفوز في المرة القادمة، لكن الكل يتجرع مرارة الهزيمة بشكل ما.
في مصر يختلف الأمر قليلًا. لا يتحدث الناس عن الهزيمة من الأصل، ويتجاهلونها تمامًا، بل يحتفلون بعدها أحيانًا. لماذا؟ لأنهم حققوا التمثيل المشرف.
كلمة سحرية اعتدت سماعها كثيرًا، وتبدأ من اللحظات الأولى للمشاركة، ويصرح المسئولون بها في كل وقت، صحيح لا يعرف أحد معنًى محددًا للتمثيل المشرف، لكنه يعني كل شيء عدا الفوز أو الاعتراف بالفشل.
فشل مقنَّع
حين واجه الأهلي بايرن ميونخ في كأس العالم للأندية الأخيرة، واكتفى بالخسارة بثنائية، بدأ البعض في ترديد الكلمة نفسها: التمثيل المشرف. نتيجة جيدة بالطبع وليست مخجلة، لكن النتيجة لم يكن لها علاقة بمجريات المباراة، ولا تكفي ليكون التمثيل مشرفًا.
أي تمثيل مشرف يجعل الأهلي لا يصل إلى مرمى البايرن بهجمة واحدة، ولا يمتلك الكرة لعدة دقائق، ولا يسدد لاعبوه نحو المرمى من الأصل، الفريق كان مستسلمًا لأقصى حد، ولم يكن ندًّا في أي لحظة، النتيجة النهائية جيدة؟ نعم، لكن لا شرف في الأمر.
حين تفشل فريدة عثمان في الوصول إلى نصف النهائي في سباق 100 و50 مترًا حرة و100 متر فراشة في الأولمبياد، وتفشل في تحسين رقمها الشخصي بعد سنوات من التدريب والمعسكرات، فهذا ليس تمثيلًا مشرفًا، هذا إخفاق فقط.
لا يعني هذا أنه لا يوجد تمثيل مشرف، لكن صارت الكلمة مبتذلة مع الوقت، ومجرد تجميل للهزيمة لا أكثر، وتثبيت للانهزامية وقتل الطموح لدى الجميع حتى قبل بداية المنافسات، ويستخدمها المسئولون لتبرير فشلهم، بل جعله انتصارًا ونجاحًا يستحق التحية والمكافأة.
التمثيل المشرف هو ما فعله المنتخب المصري في كأس القارات على سبيل المثال، تفوز على إيطاليا، وتخسر من البرازيل بصعوبة بعد أن تعود في النتيجة، وتكون ندًّا أغلب أوقات المباراة.
في الأولمبياد التي تجري حاليًّا، فإن عمر عصر لاعب تنس الطاولة تنطبق عليه الكلمة تمامًا، وصل إلى دور الـ 8 في إنجاز تاريخي لم يتحقق من قبل، وأقصى المصنف الـ 6 عالميًّا ووصيف بطل العالم، وخسر أمام المصنف الثاني وصاحب ذهبية الدورة الماضية بصعوبة، وكان من الوارد أن يتقدم أكثر لولا صعوبة الطريق الذي أوقعته فيه القرعة، فلذلك استحق التحية حتى لو لم يفز بميدالية.
هل يستحق أبطالنا اللوم؟
عادة ما يصاحب الأولمبياد موجة من السخرية مع كل خسارة لأي من اللاعبين المشاركين، الكثيرون لا يتابعون هذه الرياضات، ولا يعلمون أين يقع موقعنا من العالم فيها، ولذلك فإنهم يتوقعون من كل لاعب أن يحصل على ميدالية مهما كان مستواه، وإلا فإنه فاشل من وجهة نظر الأغلبية.
لكن الحقيقة أن الكثير من اللاعبين ليسوا مرشحين لنيل ميداليات من الأصل، رغم تفوقهم على أقرانهم في الداخل وعلى مستوى أفريقيا، فإنهم في مستوى أقل بكثير من اللاعبين المنافسين في الأولمبياد، وهناك فجوة هائلة في التأهيل والتدريب والإنفاق، حتى لو افترضنا تساوي الموهبة الفطرية عند الجميع.
لا يخفى على أحد بالطبع مدى الإهمال الذي تعانيه الرياضات الفردية في دولة مثل مصر، لدرجة تدفع الكثيرين منهم إلى التفكير في التجنيس، كرم جابر صاحب ذهبية أثينا 2004 كان على وشك الحصول على الجنسية الأمريكية ثم القطرية، وقريبًا حصل المصارع محمود فوزي على الجنسية الأمريكية بعد استبعاده من جانب اتحاد المصارعة لصالح قريب أحد المسئولين كما ادعى عبر صفحته الشخصية.
لذلك فإن الكثير من الأبطال الذين حققوا ميداليات كان نجاحهم عشوائيًّا تمامًا ومجرد طفرات فردية، والكثيرون منهم اعتمدوا على أنفسهم بشكل كبير، وواجهوا الإهمال والتجاهل نفسه، آخرهم كان سيف عيسى الحاصل على برونزية التايكوندو في الدورة الحالية، والذي كان يبحث عن راعٍ يتولى إعداده قبل 4 أشهر فقط من البطولة.
يكفي أن تعلم أن إنجلترا أنفقت نحو 440 مليون دولار لإعداد لاعبيها للأولمبياد الحالية، في مقابل 12,5 مليون فقط للبعثة المصرية، هذا رقم ربما يفسر لماذا يوجد فارق ضخم في مستوى الإعداد والتجهيز، ولماذا لا نحقق الكثير من الميداليات.
لكن لعل هذا نصف الحقيقة فقط، النصف الآخر هو أننا لا نواجه أمريكا والصين وإنجلترا فقط في الأولمبياد، بل نخوض منافسات مع لاعبين من دول لا تبتعد عنا كثيرًا في الإنفاق والتجهيز، دول مثل كوسوفو وفيجي وبرمودا حققت ميداليات ذهبية في الدورة الحالية، ولا يتجاوز تعداد أي منها تعداد القاهرة.
لذلك فإن خسارة العديد من اللاعبين المصريين تتعلق بأمور مثل اختيارات اللاعبين والمدربين والفساد الإداري الموجود في قطاعات الناشئين، وهي أمور يمكن تعديلها، بعيدًا عن الأموال.
المشكلة هي أن الفشل يستدعي فشلًا جديدًا في المستقبل بدون قصد، طبقًا لستيفن هوبفل عالم النفس المختص فإن نجاح الرياضيين وازدهارهم يدفع الكثيرين للعب هذه الرياضة ويحمس الكثير من الشباب الصغير، حيث يبدو الإنجاز ممكن الحدوث، وليس مستحيلًا كما يتصور.
وبالتالي يزداد عدد الرياضيين في اللعبة، ما يعني فرصة لمواهب أكثر وآمالًا أكبر في نجاح مستقبلي، لكن مستوى الرياضة الحالي يجعل الكثيرين يفكرون كثيرًا قبل احتراف أي رياضة.
جئنا لنحتفل
إذا كانت الأموال هي السبب في خسارتنا في الألعاب الفردية، فلماذا إذن لا نحقق أي نجاحات على مستوى كرة القدم في المحافل الدولية، رغم أنها الرياضة صاحبة الرصيد الأكبر من الإنفاق في مصر، وهناك دول مجاورة لا تختلف كثيرًا في الإنفاق وتحقق نجاحات أكبر وتظهر بمظهر أفضل مثل الجزائر والمغرب ونيجيريا؟
في كل مرة يشارك فيها منتخب مصري بمسابقة عالمية يظهر كأنها المرة الأولى التي نلعب فيها في مثل هذه البطولات، ويدخل اللاعبون أرض الملعب تملؤهم الرهبة والخوف من الخصوم مهما كان مستواهم، فيخرج الأداء باهتًا جبانًا في كل مرة ولا نقدم أي شيء.
عُزِي ذلك دائمًا لعدم امتلاكنا الكثير من المحترفين المتمرسين على هذه الأجواء، على عكس الجزائر والمغرب اللتين اعتاد لاعبوهما أجواء أوروبا، لكن مع زيادة عدد اللاعبين المصريين في أوروبا، وعلى رأسهم محمد صلاح، لم يتغير الأمر كثيرًا كذلك، لذلك ربما هناك أسباب أخرى.
السبب الأول في الظهور السيئ المعتاد هو أننا ما زلنا نعامل هذه البطولات ككرنفالات احتفالية، لا يلزمنا فيها سوى التنزه وقضاء الوقت اللطيف، بلا ضغوطات أو متطلبات، ما يهمنا هو الصعود فقط.
يخبرك البعض أن المهم هو أن نشارك كما يشارك الجميع، نلتقط الصور، ونركل الكرة، ونلاعب الفرق الكبيرة التي نسمع عنها، تأمل بعثة المنتخب المصري في كأس العالم واصطحاب الفنانين والمغنين وستدرك ماذا تعني الأجواء الاحتفالية، والمنتخب الأولمبي الموجود في طوكيو حاليًّا كذلك.
حيث بدأ الفريق الاحتفالات بالصعود مبكرًا رغم أن الأولمبياد ليست حدثًا نادرًا يتأهل له المنتخب المصري، وقد تأهل من قبل 14 مرة، لكن الفكرة وصلت للاعبين بأننا ذاهبون للتكريم، فلا يلزمنا أي شيء، شوقي غريب كذلك كان ضيفًا دائمًا في القنوات طوال سنة كاملة لتهنئته بالإنجاز.
في الحقيقة فإن شوقي غريب نفسه هو السبب الثاني في المشكلة، الرجل الذي فشل في أغلب محطاته، ومنها منتخب مصر الأول، تمت مكافأته فتولى المنتخب الأولمبي، ولم يظهر المنتخب معه بأي مظهر جيد، ورغم فوزه ببطولة الشباب فلم يقدم أي شيء يذكر، أو ينبئ بقدرته على التحسن، ورغم ذلك استمر مع المنتخب.
حذارِ من جزر القمر
نحن أقل من الجميع، وأضعف من الجميع، وليس معنا أموال ولا موارد، وما نحققه مهما كان هو إنجاز مبهر وانتصار على قوى الشر في العالم، هذا يسري على كل شيء في مصر، وليس كرة القدم فقط.
وفي كرة القدم فنحن نشعر بانهزامية دائمة أمام الجميع. تابع العناوين قبل أي مواجهة للأهلي والزمالك في أفريقيا، ستكتشف أنه على وشك مواجهة فريق ضل طريقه من دوري أبطال أوروبا، ثم ترى المباراة فتكتشف أنهم مجموعة من الهواة شكلوا فريقًا لكرة القدم.
حين امتلكت الكاميرون إيتو كانت مواجهتهم في أي بطولة تحبس الأنفاس أيامًا، كنا نخشى دروجبا كذلك مع ساحل العاج ونحسب له حسابًا، وكنا نتمنى أن نمتلك لاعبين بهذا الحجم يومًا، فماذا حدث حين امتلكنا أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي ومنافس مستمر على البالون دور ومعه مجموعة من المحترفين في أكبر دوريات أوروبا؟
لا شيء، ما زلنا نخشى مهاجم جزر القمر، ولا نعلم كيف سنتجاوز دفاع مدغشقر الحديدي، ونأمل أن يشملنا الدعم الإلهي لنتفادى خطورة جناح سيراليون المحترف في بلجيكا، وندعو الله أن نحصل على ضربة جزاء في الدقيقة الأخيرة لنصعد كأس العالم من مجموعة تحتوي أوغندا والكونغو وأضعف نسخ غانا.
هنا نكتشف أننا صرنا نرضى بالقليل بالفعل، ونعتبر أن الفشل والخسارة هي الأصل، ومن السهل إقناعنا أن العناصر الموجودة لا يمكنها أن تقدم أكثر من ذلك، وليس في الإمكان أفضل مما كان، فلنرضَ بالمتاح إذًا ونشكر حسام البدري وشوقي غريب على مجهوداتهما لإسعاد الشعب المصري ورفع اسم البلاد، ونكتفي بالتمثيل المشرف.