العرب والعداء للقراءة
قد يقرأ بعض الناس بدافع الوجاهة والتباهي، وقد وصفتهم كلمات الاغنية التي قالت فيها سعاد حسني:
هم يفعلون ذلك لأن الأمم التي نادرا ما تقرأ، سينظر أفرادها نظرة إجلال واحترام لكل من يحمل كتابا في يده حتى لو لم يكن هدفه تثقيف نفسه؛ لكن الأسوأ من القراءة للتعاظم والتفاخر هو عدم القراءة أصلا!
وعلى الرغم مما أثرى به العرب الحضارة الإنسانية قديما من مؤلفات وكتب قيمة في كافة أنواع العلوم من طب وصيدلة وهندسة وشتى صنوف العلوم الإنسانية الأخرى، فتفردوا بها حين كان بقية العالم غارقا في جهله؛ فإن أحدث إحصائيات اليونسكو تشير إلى أن نصيب الفرد في العالم العربي من قراءة الكتب هو ربع صفحة سنويا! أما الأمريكي فيقرأ أحد عشر كتابا! والإنجليزي يقرأ سبعة كتب!
ربما اختلفت صورة المثقف الآن عن تلك التي شاهدناها في أفلام الخمسينات؛ فلم يعد هو ذلك المتشدق الذي يتحدث كلاما مقعرا لا يفهمه من حوله، ويصمهم هو بالجهل وينغلق على نفسه دون أن يأخذ بأيديهم أو يقدم نفسه كقدوة.
بالتأكيد أعداد المثقفين في تزايد مستمر ولكنها ما زالت قليلة ودون تأثير كبير على أرض الواقع؛ فإلى الآن ما زالت الفجوة كبيرة بين المثقفين في العالم العربي من جهة وبين المتعلمين – الذين ربما نالوا أعلى الشهادات في مجالاتهم مكتفين بها ولا يطالعون غيرها – من جهة ثانية وبين الأميين الذين لا يقرأون ولا يكتبون والذين يشكلون 20 % من سكان الوطن العربي من جهة ثالثة.
قد يكون من السهل إلقاء اللوم على المثقفين العرب والقول بأنهم يكتفون بعقد الندوات والمحاضرات التي لا يحضرها إلا هم ليحاوروا فيها بعضهم البعض، دون إسهام في نشر الوعي الثقافي بين مواطنيهم. ولكن من الإنصاف وضع الأمور في نصابها الحقيقي؛ فلا يمكن لوم نخبة مثقفة متمايزة في انتماءاتها الفكرية والسياسية – أيا كان عددها – على تراجع فكري ساهمت العديد من العوامل في حدوثه وترسيخه على مدار عقود.
ويعزو الكثيرون عزوف العرب عن القراءة للظروف الاقتصادية التي تعاني منها معظم البلدان العربية، من ارتفاع الاسعار وارتفاع معدلات البطالة والفقر؛ فمن يلهث وراء لقمة العيش لن يجد وقتا ولا مالًا للقراءة أو لشراء الكتب. ولكنك ستجد من يحمل هاتفا باهظ الثمن، باذلًا وقتا طويلا في تصفح المواقع الإلكترونية، وربما لم يقرأ كتابا في حياته. فالوجاهة لم تعد بالقراءة إذًا!
كما تساهم مناهج التعليم في ابتعاد شباب العرب عن القراءة، بل ربما كراهيتهم لكل ما يقرأ؛ فهي مكدسة بحشو فارغ المضمون مستنزفا معظم وقت الطلاب في فك طلاسمه التي لا تمت للعلم بصلة! كما نرى الأسر العربية تشجع أبناءها على التحصيل الدراسي لبناء المستقبل دون أي التفات لبناء العقل.
كذلك لا يمكن إغفال تراخي الحكومات العربية – ربما عن عمد – في نشر الثقافة. فبعض الحكومات العربية ترى في المثقف خطرا يحرمها من الظهور بمظهر العقل اللوذعي الذي لن تقوم لنا قائمة بدونه!
اللغة السليمة والقراءة من أسس الحفاظ على الهوية
عانت اللغة العربية من كثير من محاولات التغريب أثناء الاحتلال الاجنبي للدول العربية، شأنها شأن الكثير من اللغات التي استجابت بعضها بسهولة، فحلت لغة المستعمر محل اللغة الأم وطمست هوية هؤلاء الشعوب. أما العربية فقد احتفظت بنفسها بفضل ما تمتاز به من مرونة وحيوية جعلتاها قادرة على التفاعل مع اللغات الأخري، فأضافت لها وأخذت منها.
وقد استطاع علماء اللغة التنقيب فيها وإيجاد مفردات جديدة لتعرِّب كل ما هو جديد في المكتشفات العلمية. وبقدر رسوخ العربية وسلامتها مع قدرتها – في نفس الوقت – على التكيف مع روح العصر، بقدر ما تستطيع التعبير عن هوية العرب وثقافتهم وحضارتهم. ولا تزال تعاني اللغة العربية من العديد من محاولات التغريب، ولكن على يد أبنائها هذه المرة.
فمن العجيب أن تجد محدثك من العرب وهو يستخدم في حواراته اليومية كثير من المصطلحات الأجنبية لإلقاء التحية والوداع وللتعبير عن الدهشة وغيرها، مستخدما لغات غيره للدلالة على رقيه وتحضره! فتراه كمن حشر نبتة حنظل بجانب أشجار النخيل! ومنهم من حول اللغة إلى أخرى هجينة؛ عربية النطق إنجليزية الكتابة وسماها «الفرانكو العربي» محاولا مزج الماء بالزيت!
حقا تساهم معارض الكتب المقامة في الدول العربية في اجتذاب قراء جدد ونشر الوعي الثقافي بين فئة الشباب تحديدا، ولكننا بحاجة إلى ما هو أكثر من ذلك. نحتاج إلى أن نعلم القيمة الحقيقية والهدف من القراءة، فليست هي نوع من الترف نمارسه بعدما نملّ من مشاهدة التلفاز وتصفح المواقع الإلكترونية، بل هي حياة موازية نحياها لنجمل بها حياتنا الحقيقية.فمثلا بالقراءة قد تتحول من أشد الشخصيات ضعفًا إلى شخصية ناجحة ملهمة. فالقراءة قادرة على خلق نوع من الفوضى البناءة (ليست على طريقة كونودليزا رايس، بل بطريقة راقية مهذبة). فالقراءة كالسيل تجرف كل الأفكار السلبية في طريقها وتقذفها في الهواء، حتى إنك لتسخر من احتلال تلك الأفكار لرأسك يوما ما!ومع اعتياد القراءة، بإمكانك إحلال كل ما هو سلبي فيك بآخر إيجابي. كذلك بإمكانك التعرف على أوجه خفية في شخصيتك وشخصيات من حولك، وستستطيع بعدها أن تعيد تحديد أولوياتك والتكيف معها، ثمَ يمكنك التحكم بمجريات الأمور. وأما من اعتاد تعاطي المخدرات للهروب من مشاكله والحصول على متعة زائفة مؤقتة فلن يجد أفضل من القراءة كمصدر إلهام لحل المشكلات والحصول على المتعة الحقيقية طويلة الأمد. وأما إن كنت عاشقا للتاريخ، فستجد شخصية تاريخية تشبهك أو تسري روحها فيك، أو ربما ستطلع على عوالم أخرى لن تتمكن أبدًا من زيارتها.كما يجب أن نؤمن أن استعادة حضارتنا وبناء مستقبلنا لن يتم أبدا إلا إذا كانت القراءة من أولوياتنا؛ فكما قال راي براد بوري:
ربما يقرأ البعض للتسلية، ولا عيب في ذلك، ولكن الأمم المتقدمة إلى جانب هذا، تقرأ للحفاظ على هويتها وتقدمها. فالإنسان المثقف الواعي هو وحده القادر على تغيير العالم من حوله؛ أما الجاهل فبإمكانه هدم أعظم الحضارات. فعلى النقيض مما قال ألبرت هيوبارد أنه لن يكون هناك بلد متحضر حتى ينفق على شراء الكتب أكثر مما ينفق على شراء العلكة؛ سنجد أكثر الكتب مبيعا في عالمنا العربي هي كتب الطبخ وتفسير الأحلام!