أحدثت ثورات الربيع العربي تغييرات جوهرية بالمنطقة العربية، وساهمت إلى حد كبير في تحريك عجلة الإصلاحات المجمدة -وإن بشكل نسبي- في بعض الأقطار العربية، وإن كانت مؤقتة أو بطيئة وطفيفة بعض الشيء. فمن الواجب علينا دراسة الحركات الإصلاحية من أجل صياغة مشروع إصلاحي يُبنَى على عظة الماضي، والاستفادة من تجارب الإصلاح السابقة.

فتلك الحركات تستهدف صناعة الحياة والتأثير في الأحداث، ولا بد أن تكون قادرة على بناء رؤى محددة في القضايا المختلفة مما يجعلها تشارك في الفعل ولا تبقى محلاً للفعل أو إن تحركت فيكون مجرد رد للفعل.


الحركة الإصلاحية في إيران

حركة الإصلاح الإيرانية (جبهة الثاني من خرداد [23 يونيو 1997م])، هي حركة سياسية أنشائها مجموعة من الأحزاب السياسية والمنظمات في إيران بهدف دعم خطط الرئيس خاتمي في تغيير النظام بحيث يتضمن المزيد من الحرية والديمقراطية.

ولا يشير مصطلح «حركة الثاني من خرداد» فقط إلى ائتلاف 18 جماعة وحزب سياسي من جبهة الإصلاح، بل يشير إلى كل من أيد البرامج الإصلاحية التي قدمها خاتمي. فأيديولوجية خاتمي والحركة تقوم على الديمقراطية الإسلامية.


تكوين حركة الإصلاح

تتألف جبهة الإصلاح من العديد من الأحزاب السياسية، ومن أشهر الأحزاب التي انضمت إليها:

1- جبهة المشاركة الإسلامية الإيرانية: يمكن اعتبارها النواة الأساسية، وهو حزب يضم مجموعة من النخب السياسية والثقافية والمؤيدة لبرامج السيد خاتمي الإصلاحية، ويتمتع هذا الحزب بنفوذ واسع في أوساط جيل الشباب والنساء، وتتسم كوادره بالمقدرة على بلورة أفكار الحزب واستقطاب المثقفين، وتعتبر الصحافة إحدى أهم وسائله المؤثرة في الرأي العام، وتوصف الجبهة بأنها عضو مهيمن داخل جبهة الثاني من خرداد، وبأنها «حزب إصلاحي رئيسي».

2- مجمع علماء الدين المجاهدين: مجموعة من رجال الدين، انفصلت عن الرابطة الأم المعروفة باسم الرابطة العلمائية المجاهدة في عام 1987م؛ بسبب اختلاف وجهات النظر حول العديد من القضايا، وكانت تتمتع بنفوذ واسع وتشغل مناصب عليا داخل أجهزة السلطة في أواخر العقد الأول من الثورة، فكانت تتولى إدارة السلطات الثلاث. ويوصف المجمع بأنه «الهيئة الدينية الإصلاحية الرئيسية».

3- منظمة مجاهدي الثورة الإسلامية: يطلق على المنظمة اسم «الجماعة السياسية الرئيسية»، وينسق أعمال الجبهة مجلس تنسيق جبهة الإصلاحيين.

هذا بالإضافة إلى أحزاب وجمعيات أخرى مثل حزب التضامن الإسلامي، وحزب العمل الإسلامي، ومكتب تعزيز الوحدة.


أهم الأفكار

لقد وصفت الحركة بأنها غيرت العديد من المصطلحات الأساسية في الخطاب العام، ومن أهم هذه الأفكار:

1. التنمية السياسية

إن التنمية السياسية التي أكدت عليها الحركة هي التي تتوافر فيها مراعاة حقوق الشعب وحرياته في إطار الدستور، ومراعاة حقوق الأقليات، وعدم هيمنة الأكثرية واستبدادها في المجتمع، وتوفر حق نقد السلطة، والتنمية السياسية من لوازم التنمية الشاملة ولا تقل قدرًا عن التنمية الاقتصادية في شيء.

2. سيادة القانون

يعتبر من أهم الأفكار التي رفعتها الحركة ونادت بها من أجل تقييد السلوكيات الخاطئة التي تقع خارج نطاق الدستور، حيث يتوجب على الجميع التزام القانون، وقد أكدت على أن تطبيق شعار سيادة القانون سيكون شاملاً لجميع مؤسسات الدولة.

ولقد صرح الرئيس خاتمي بأن «شعار سيادة القانون لا رجعة فيه وعلى المجتمع التأكد من أنه ليس خاصًا بالسلطة التنفيذية فحسب، وإنما سيطبق على السلطتين القضائية والتشريعية، وفي جميع الإدارات وعلى الصحف وفي كل مكان».

3. المجتمع المدني

إن مفهوم المجتمع المدني عند الحركة وخاتمي يختلف عن مفهومه الغربي، وهو ذلك المجتمع القائم على سيادة القانون، الخالي من مظاهر الاستبداد الفردية والجماعية، ويحافظ على حقوق أفراده موفرًا لهم الحرية بأشكالها، ويكون مواطنوه هم أصحاب الحق في تعيين مصيرهم وقراراتهم، ويشاركون في اتخاذ القرار وصنعه في مجتمعهم عن طريق التكتلات الرسمية والقانونية.

4. العدالة الاجتماعية

دعت الحركة أيضًا للعدالة ومحو التفرقة بتطبيق سيادة العدالة على السياسات والبرامج، والاستفادة من جميع الطاقات والإمكانات البشرية والمادية بعدل، مع إيجاد الفرص المتساوية وإتاحة الفرص لبروز الكفاءات في جميع المجالات وبين جميع الطوائف وعلى مستوى الجنسين، وإلغاء التفرقة وتوفير حياة كريمة للجميع، ومن هذا المنطلق كان مفهوم العدالة الاجتماعية عند خاتمي يعني التوزيع العادل والمناسب للثروة.

5 ـ القيادة الشعبية الدينية

لقد ظهر هذا الشعار نتيجة فكر خاتمي السياسي وتجربته في الحكم والإدارة خلال فترته الأولى، ويفسر مفهوم القيادة الشعبية بأنها وضع أساليب الإدارة حسب رأي الشعب، وضرورة مراعاة رأيه ورغبات أفراده بعد تحديدها والاجتماع حولها وتلبيتها، وإن تمتع الحكام بالقوة السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية والعلمية هو امتداد لرغبة الشعب وإرادته، على أن يتم ذلك في ضوء الدين.


ظروف نشأة الحركة اجتماعيًا

سبقت انتخاباتِ 1997، تحولاتٌ اجتماعية وثقافية هامة. حيث شهدت التركيبة الاجتماعية في إيران تغيرًا ملحوظًا، ونمت طبقة تصل إلى ما يقارب مليونًا من الشباب أعمارهم بين سن الخامسة عشر والتاسعة عشر، وُلِدوا وتربوا بعد الثورة، وكانوا ينظرون إلى الساحة السياسية باهتمامات حديثة مغايرة لما كان سائدًا في الماضي، حيث وافق ذلك تغيير في البنية الثقافية للمجتمع الإيراني ونسيجها مع ارتفاع مستوى المعرفة والتعليم الجامعي، وانتشار التعليم العالي في الأرياف والمدن، وارتفاع معدل التعليم للمرأة الإيرانية.

كان لذلك كله أثر مهم في نمو طبقات ثقافية في المجتمع تحمل رغبات واهتمامات ومتطلبات جديدة، ويدل على هذا التحول الثقافي انتشار كثير من الكتب والصحف وتنوعها وتعددها، الذي تزايد بسرعة خلال السنوات التي تلت توقف الحرب مع العراق 1988م، كما رافقه ثورة في القنوات الإعلامية المرئية والمسموعة.

تأثرت التركيبة الاجتماعية كذلك بحصولها على شبكة الاتصالات والخدمات مثل الماء والكهرباء والهاتف على مستوى الأرياف، وموجة الهجرة إلى المدن أدى إلى نمو طبقة متوسطة، وأدت هذه التحولات المادية والفكرية إلى عدم الرضا عن الوضع السائد قبل الانتخابات لدى شريحة من المجتمع الإيراني، وأثارت الاعتراض الظاهر والخفي لدى النخبة الثقافية الجديدة وبعض الطبقات الاجتماعية؛ لينتهي بها المطاف إلى ظهور حركة الإصلاح وتأييد برنامج خاتمي الإصلاحي واعتباره «المنقذ» من الأوضاع التي كانوا يعيشونها.


العلاقة بين الإصلاح الإيراني والإصلاح العربي

من خلال المراجعة التاريخية لحركات الإصلاح والنهضة العربية نخلص إلى أنه توطن العقل في الوطن العربي وتأصلت ثقافة النقد الذاتي والحوار بين التيارات المختلفة والحكومات والحوار مع العلمانية وأنظمتها القائمة، فلم تأت الدعوات العربية للإصلاح استجابة للضغوط الخارجية وإنما جاءت كحاجة وطنية ملحة. وبدأت الدعوة للإصلاح من القوى الوطنية العربية، وهنا تبرز بعض طرق عملية الإصلاح العربي:

– طريق ثوري، تفرض أهدافها من خلال ثورة شعبية، أو تحالف مدني عسكري. وذلك كما حدث في مصر وتونس وليبيا.

– إصلاح من أعلى، اقتداء بالنموذج المغربي في الإصلاح التدريجي يقوم على قاعدة توافق عريض بين النظام الملكي و الأحزاب السياسية الرئيسية و قطاع هام من مؤسسات المجتمع المدني، مع استعداد النظام السياسي للاعتراف بجرائم الماضي.

أما في إيران، فهناك ثلاثة أسباب رئيسية أدت إلى ظهور الحركة الإصلاحية:

أولها انتهاء أسطورة الشخصية الكاريزمية بعد رحيل مرشد الثورة الإيرانية آية الله الخميني التي حالت دون وجود أي أطروحات أو مشاريع غير ما كان يتفق مع منطق حماية الثورة والمحافظة عليها.

وثانيها تحول الشخصية الثورية إلى شخصية عقلانية، وهو ما يحدث طبيعيًا عندما يصطدم المنطق الثوري بالواقع؛ أي يتغلب العقلاني على العاطفة الثورية التي لا تلبي القضايا والمشاكل الواقعية التي قد لا يمكن التغلب عليها إلا وفق حلول واقعية بعيدة عن المنطق الثوري.

أما السبب الثالث فهو أن ذلك الجيل الثوري يعتبر أن نظام الثورة الإيرانية إنما هو نظام نشأ وترعرع وفق الشرعية الشعبية، وما نتج خلال تطوره في السنوات الأولى من مسيرته من أخطاء وقصور فلا يحتاج إلى إصلاح وتعديل للمحافظة على مُقدّرات الثورة ودوامها، ثم خشية أن تسير الثورة في طريق متعثر فكان التوجه لإحداث منعطف يوصل إلى طريق التغيير والإصلاح.

إن الاختلاف حق شرعي وحقيقة تاريخية في الإسلام، فهو ظاهرة صحية في بناء جسم الأمة، وكل هذه الحركات الإصلاحية لدليل على حيوية وحياة الأمة الإسلامية المتجددة.