أبل: صمم في أمريكا، صنع في الصين
ستيف جوبز
خياران لا ثالث لهما – مجازيًا طبعًا، فالخيارات في هذا العصر لا تنتهي- إما أن تختار نظام iOS و iPhone أو تكون من حاملي هاتفٍ يعمل بنظام أندرويد، وتعودنا دومًا أن نرى سعر الأول مرتفعًا ويصل لأرقام كبيرة حقًا، ولننتظر iPhone 8 لنرى.
لو قمت باختيار منتج التفاحة الشهير، ستجد عليه وعلى معظم منتجات أبل الأخرى العبارة التالية:
أي تم تصميمه بواسطة أبل بكاليفورنيا، وجمع في الصين. فهل يجعل ذلك الآيفون صينيًا؟ ربما، ولكن الجواب الحقيقي هو: لا جنسية للآيفون.
أين تُصنّع أبل أجهزتها؟
الفرق الأكبر بين أبل والمُصنعين الآخرين للأجهزة الذكية هو قيام أبل بجمع المواد والمكوّنات المختلفة لأجهزتها من جميع أنحاء العالم، فعلى سبيل المثال تُصنع شاشات أجهزتها المختلفة بشكلٍ رئيسي في اليابان، شركة Sharp المشهورة بتلفازاتها، وحتى LG، منافستها في كوريا الجنوبية، تقوم بصنع بعض الشاشات الأخرى لآبل. لكن ماذا عن حساس البصمة؟ الحقيقة هو تايواني الصنع من شركة TSMC، وتستطيع أن تكمل العد لتصل إلى أكثر من 200 موردٍ مختلف حول العالم.
إذًا تقوم أبل بجمع قطعٍ لا علاقة لها ببعض، لتدمجها منتجةً لنا أيقونة العصر الجديد، الهاتف الذكي الأكثر شهرةً في العالم، بلا جنسية ولا عنوان. وعلينا أن نعترف، ذلك شيء مبهر، أبل تعمل فوق حدود القارات والبلدان والجنسيات والأعراق وتستطيع الاستمرار في الحفاظ على قيمة أسهمها واقتصادها، بل يستمر في الارتفاع، رغم الانخفاض الذي حصل في 2016 مقارنةً بالسنة السابقة.
ما يميز أبل هو امتلاكها مراكز تخزين مختلفة حول العالم، ومصانع في الطرف الآخر من العالم، وفي النهاية تستطيع أن تعطي المستهلك الجهاز الذي يحتاجه بسرعةٍ معقولة.
إذًا ما الذي يحصل في كاليفورنيا؟ التصميم والتسويق والتطوير بالإضافة لنظام التشغيل، هذه المهام الأربع هي المهام الرئيسية التي تُصنع فعليًا في منزل أبل الكبير في أميركا.
ربما تتساءلون: لكنك لم تخبرنا، لماذا «صُنع في الصين» إذًا؟
صُنع في الصين
رغم أنّ معظم مكونات الأجهزة لا تُصنع في الصين، إلّا أنّها فعليًا تُجمع بشكلٍ رئيسيّ في التنين الأحمر. وربما تطرح هنا أسئلة أكبر، لماذا الصين؟ حسب Business Insider فإنّ السبب ليس المال فحسب، رغم أنّ تكلفة الهاتف الواحد ستزداد بكلفة 65$ لكلّ هاتف تُصنّعه أبل في أمريكا. الأسباب الأخرى هي:
- معظم المكوّنات مصنوعة في آسيا وبعضها يُصنع في الصين أيضًا، وسيكون من الصعب نقل كلّ تلك المكونات عبر القارات للوصول إلى أمريكا، إذًا: العقبة اللوجستية هي الأكبر هنا، وطبعًا بوجود المصانع في الصين، فإنّه من السهل تبديل المُوّرد، لأنّ معظم الشركات التي تتعامل معها أبل موجودة في كوريا الجنوبية وتايوان والصين واليابان.
- المصانع الصينية أكبر بكثير من تلك الموجودة في أمريكا، وبإمكانها هناك توظيف الآلاف – وطردهم – خلال أيام قليلة. كثير من العاملين في معامل أبل في الصين يعيشون هناك فعلًا، وبذلك يمكنهم العمل في أي وقت عند طلب الشركة الأم منهم ذلك، ويمكنهم تنفيذ ذلك بسرعةٍ كبيرة أيضًا.
- حاليًا يوجد في الصين عدد أكبر من المهندسين، بكفاءةٍ أعلى من أولئك في أميركا، وبتكلفةٍ أقل!
- العدد. القوة العاملة في الصين أكبر بكثير من الموجودة في الولايات المتحدة، وهي أكثر تعطشًا وأكثر فقرًا من مثيلتها هناك.
كم يُكلف صنع iPhone؟
وصلنا الآن إلى أحد الأسئلة المهمة، وربما تعرف ذلك من قبل، لكن حسب IHS Markit فإنّ كلفة المكونات المختلفة الموجودة في iPhone 7 تصل إلى 220 دولارًا، بينما تبيعه أبل في السوق بسعر 649 دولار للهاتف ذي السعة التخزينية 32 جيجابايت. إذًا، أبل تحصل في هذه الحالة مايزيد على 400 دولار عن كل جهاز!
مصانع الصين ليست جنة، ربما جحيمًا
ستجد في أحد مصانع أبل في الصين شبكة أمان، تقوم هذه الشبكة بحماية العاملين من الموت، عند محاولتهم الانتحار في المعامل. قامت أبل بهذه الخطوة بعد 2010، حيث قام 14 عاملٍ بالانتحار في فوكسكون، الشركة الصينية التي تتولى مهام تجميع أجهزة أبل.
يمتد المعمل على مسافة أكبر من 90 ملعب كرة قدم، ويعمل فيه أكثر من 50 ألف شخص، يقومون بتجميع مكونات الآيفون بشكلٍ مستمر، ولساعات تصلٍ إلى 16 ساعةً يوميةً أحيانًا، طبعًا ساعات العمل الرسمي هي 12، لكن الوقت الإضافي هو «اختياري»، لكن حسب الصحفيين الذين دخلوا إلى المعمل وعملوا فيه، فإنّ الوقت الإضافي لم يكن «اختياريًا» أبدًا.
إضافةً إلى سوء شروط العمل، فإنّ المكان الذي توفره الشركة للعاملين سيء ومكتظ أيضًا، لدرجةٍ تجعل 12 عاملًا يعيشون في غرفةٍ واحدة.
ترامب، أبل، والصين
حسب أحد الجرائد الصينيّة «لا يمكن لأبل أن تصنع الـ iPhone دون الصين، لكن تستطيع الصين أن تصنع الكثير من الهواتف الرائعة دون أبل»، زاد صوت هذا التصريح وأمثاله بعد انتخاب الأمريكيين لرجل الأعمال دونالد ترامب، الرجل الذي هاجم الصين في عدة مرات ظهر فيها للناخب الأمريكي، ووعد بإعادة الأعمال والمصانع إلى الولايات المتحدة،وحسب MIT فإنّ عملية التجميع في أميركا ستزيد سعر iPhone بمبلغ بين 30 و40 دولارًا أمريكياً، أما في حالة التصنيع في أمريكا فإنّ ذلك سيزيد السعر أكثر من 100 دولار.
وحسب موقع Nikki Asian Reviews فإنّ أبل طلبت دراسة جدوى من مدير مصنع فوكسكون فعلًا لبحث إمكانية نقل المصانع إلى أمريكا، وحسب تلك الدراسات فإنّ التكاليف سترتفع على الأقل إلى الضعف، وكذلك كان الأمر بالنسبة لبيجاترون.
لكن ما قيمة iPhone للشركة؟ حسب الإحصائيات الأخيرة فإنّه يشكل نصف أرباح أبل التي وصلت إلى 18.4 مليار دولار، بل إن كثيرًا من المستهلكين حقًا هم الصينيون أنفسهم.
وهنا تكمن المشكلة الأكبر، فمن الممكن أن يأخذ أحد مكان الصين في التصنيع، لكن المشكلة الأكبر هي أنّ الصين هي من أكبر المستهلكين للهواتف الذكية، بل هي أكبر سوقٍ للهواتف الذكية في الكوكب.
ففي يوم واحد، وصلت مبيعات موقع Alibaba إلى أكثر من 18 مليار دولار، وذلك يفوق ما ينفقه الأميركيون في يوم عيد الشكر والجمعة السوداء (معًا يصل المبلغ إلى 12 مليار دولار)، والجدير بالذكر أنّ 82% من عمليات الشراء من Alibaba كانت من سوق الهواتف المحمولة.
لكن ما يبشر بالخير هو أنّ معاوني ومستشاري الرئيس الجديد يقولون أنّ هذه الوعود التي أطلقها ليست فعلًا قابلةً للتنفيذ بشكلٍ قريب أو فعلي، بل يمكن أن يقوم ترامب بالتعاون مع الصين والبحث معها لتفعيل دور فيسبوك ومايكروسوفت و جوجل وغيرها من الشركات الأميركية في الصين، للاستفادة من الاستهلاك الصيني لخدمات الويب الموفرة من هذه الشركات، رغم أنّ ذلك مستبعد فعلًا خلال المستقبل المنظور.
ربما يكون إذًا أحد أسرار نجاح أبل تجاريًا هو قدرتها على التخطيط اللوجستي، واستغلال ابتعاد الموردين لصالحها، فهي تدير عملًا بين عدة دول مختلفة على النصف الآخر من العالم، مخفضةً تكلفة الصنع والتجميع، ورغم كل هذا النجاح الاقتصادي فإنّ أبل فعلًا «لا تُصنع» معظم منتجاتها، ولا المكونات الموجودة فيها، هي فقط تقوم بتجميع المكوّنات التي تشتريها من أماكن مختلفة، لصنع أيقونتها الفارهة.