وفي هذا السياق نسعى للوقوف على أحد أهم المؤشرات ألا وهي : سيادة القانون ومدى التطور في تحقيق هذا الهدف الذي يشار إليه بشكل دائم كأحد أهم آليات النظم الديموقراطية الحديثة ،وذلك من خلال التقرير السنوي عن سيادة القانون The Rule of Law والصادر عن مشروع العدالة الدولي WJP.

ومنظمة العدالة الدولية هي منظمة مستقلة تعمل على مشروع سيادة القانون تأسست في عام 2006 على يد ويليام نويكام «William H. Neukom»، ويقع مقرها في الولايات المتحدة الامريكية.[i]

وسعيا من التقرير لتفادي تلك الاتهامات بالانحياز وخدمة أهداف وأجندات خاصة يقوم بعرض مجموعة من الأسماء المساهمة في الاستبيان التخصصي درءا للشبهات، وفيما يخص الحالة المصرية ففيما يلي بيان ببعض الأسماء المشاركة في التقرير : محمد حنفي محمود رئيس محكمة الاستئناف ،نجوى محمد الصادق المهدي نائب رئيس النيابة الإدارية ، حبيبة حسن من المركز القومي للبحوث والمديرة السابقة لمؤسسة الصحة العالمية ،مؤسسة أحمد الشلقاني القانونية، سمية حسني من جامعة قناة السويس ، ليلى البرادعي من الجامعة الامريكية بالقاهرة، فضلا عن آخرين.


ما المقصود بسيادة القانون؟

في ضوء تعدد التعريفات الخاصة بسادة واحترام القانون فإن مشروع العدالة الدولي يعرف سيادة القانون بشكل إجرائي من خلال 4 محددات رئيسية يمكن من خلالها رصد مدى احترام سيادة القانون وهي:

  • خضوع كل المؤسسات الحكومية وغير الحكومية والأفراد للمحاسبة بواسطة القانون.
  • وضوح هذا القانون وتناسقه مع الحقوق الأساسية.
  • نزاهة ووضوح العملية التي يتم من خلالها سن والتشريعات والقوانين وتنفيذها.
  • ضمان تحقيق العدالة بشكل محايد وكفء وأخلاقي يعكس تركيبة المجتمع.

ما هي المعايير التي يتم من خلالها معرفة مدى احترام سيادة القانون؟

schedule1

كيف يتم احتساب درجات كل دولة وفقا والمعايير السابقة؟

يتم احتساب الدرجات الخاصة بكل دولة من خلال مصدرين أساسيين الأول عبارة عن استبيان عام يتم في أكبر ثلاثة مدن في الدولة عن طريق أحد المراكز البحثية المختة باجراء استطلاعات الرأي ودراسات الرأي العام ويتكون الاستبيان من ألف عينة ويعرف باسم GPP أو general population poll.

المصدر الثاني وهو عبارة عن استبيان أكثر تخصصية يتم عرضه على ما لا يقل عن 300 من المتخصصين والدارسين لكل دولة في مجالات القانون المدني والتجاري والجنائي والدستوري وحقوق الانسان والحريات والعدالة الاجتماعية وقانون العمال. ويعرف باسم «qualified respondents questionnaire» «QRQ». ويتم احتساب الدرجاب بين 0-1 علما بأن 1 هي أعلى درجة وال 0 هو أقل درجة في احترام سيادة القانون.


وضع مصر في تقرير 2015 [ii]

يضم التقرير 102 دولة وقد جاءت مصر في المركز ال 86 برصيد 0.44 ، وقد تم الاستبيان على محافظات القاهرة والاسكندرية والجيزة ،ويبين الجدول التالي درجات مصر وفقا وكل معيار من المعايير المتفق عليها في التقرير :

schedule2
schedule3
وفيما يخص المعايير الفرعية فقد جاءت كما يلي[iii]:
schedule5

ووفقا للتقرير فقد جاءت مصر في الترتيب الأخير بين قائمة الدول العربية المشاركة في التقييم بينما جاءت الإمارات في المركز الأول يليها الأردن ثم تونس كما يلي:

schedule6
رسم بياني يوضح الترتيب الدولي للدول العربية

على صعيد الدول الافريقية المدرجة بالتقرير فقد جاءت مصر في المركز ال 15 بالتساوي مع سيراليون كما يلي:

schedule8

وبالقراءة الأولية للنتائج الافريقية نجد تحولا نسبيا في موازيين القوى والأوضاع السياسية على الصعيد الداخلي فنجد أن أمثلة لدول صغيرة نالت استقلالها في عقد الستينيات وما تلاه نجحت في تحقيق قفزات نوعية على أصعدة كالتنمية السياسية والاقتصادية بالإضافة إلى الإصلاح الدستوري والتحول الديموقراطي جعل لها موطأ قدم على مصاف الدول الرائدة في مجال احترام القانون ولعل بوتسوانا نموذجا واضحا على تلك الفكرة ،إذ تعد من أبرز النماذج الإنمائية على الصعيد الافريقي ،الأمر الذي يعطي انطباعا هاما بشأن منظومة الأوزان النسبية للدول الافريقية حاليا في ضوء تفوق دولا كانت تعد صغيرة على الدول صاحبة الأوزان التقليدية في موازيين العلاقات الدولية والنظام الاقليمي.

وبالنظر إلى وضع مصر الافريقي من الملاحظ استمرار تدهور الوضع الداخلي وانعكاساته على الصعيد الاقليمي خاصة مع انحسار الدوائر التقليدية للدور المصري. ففي فترة الستينيات ومرحلة المد القومي التي صاحبت الحقبة الناصرية تميز المشروع الناصري بعدة محاور منها محاربة الاستعمار وخلق ممرات للتنمية افريقيا وهو ما حقق دور ريادي مصري يشار إليه بالبنان.وبالنظر إلى طبيعة المحددين سالفي الذكر نجد أنهما كانا يمثلا حجرا الزاوية في العلاقات المصرية الافريقية في ظل تهاوي فلسفة الاستعمار دوليا أي أن المشروع القومي المصري تلاقى مع الاتجاهات الجديدة في السياسة الدولية والنظام العالمي آنذاك الذي قادته الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي.

فإذا ما عرجنا على الوضع الحالي نلاحظ أنه لم يعد لمصر سبقا داخليا في تحقيق المحددات الأساسية التي يسير وفقا لها النظام العالمي الجديد كتعميق ثقافة حقوق الانسان والديموقراطية والتنمية السياسية والاقتصادية واحترام القانون مما أدى لتداعي وانحسار الدور فضلا عن عدة عوامل أخرى ولكن لم يعد للنظام المصري أي سبق في تصدير القيم الإنمائية أو الحقوقية أو الديموقراطية والتي أضحت بعالم اليوم كالتحرر من الاستعمار والتنمية والبناء بعالم الستينيات والسبعينيات الأمر الذي نتج عنه بالأخير تجميد عضوية مصر بالمنظمة الافريقية على الرغم من كل ما كان من إنجازات في فترة الستينيات ولكن العالم بدا يتحدث بلغة أخرى غير التي دأب عليها النظام.

وبناءا عليه فإن تآكل النظام القاعدي للنظام المصري داخليا من خلال الانتهاكات والتجاوزات وعدم تحقيق إنجازات تذكر في المجالات سالفة الذكر يعمق من التهميش الدولي والانحسار الإقليمي.

ومن ثم نجد أن هناك 3 دول افريقية حققت طفرات في التقييم «بوتسوانا – غانا – جنوب افريقيا» وهي ذات الدول التي عملت على تعميق مفاهيم التنمية السياسية والاقتصادية من خلال ترسيخ قيم التحول الديموقراطي وباتت لها تجارب دولية يمكن دراستها على صعيد التحول الديموقراطي وترسيخ دولة القانون، بينما جاءت نتائج باقي الدول متقاربة بفروق بسيطة عن بعضها البعض.

schedule9

مقارنة بين وضع مصر في تقرير 2014 و 2015

في تقرير سيادة القانون عن 2014 – والذي يتناول الفترة بين يناير حتى ديسمبر 2013 – جاءت مصر عالميا في المركز 74 وهو ما يعني هبوط التصنيف الحالي لمصر فيما يخص معايير سيادة القانون ل 12 مركز حتى تصل في تصنيفها الحالي إلى المركز 86 على مستوى العالم ، ولم يتأثر ترتيبها الإقليمي في الدائرة العربية فقد جاءت بعد كل من الإمارات والأردن وتونس ولبنان والمغرب فيما يشبه نفس الوضع الحالي.

على الصعيد الافريقي تلاحظ أيضا تدهور الوضع الحالي فقد هبط التصنيف في 2014 من المركز الثامن افريقيا إلى المركز الخامس عشر في التصنيف الحالي ،علما بأن تقرير 2014 شهد العديد من التطورات السياسية الاضطرابات بدءا من الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي إلى فض اعتصامي رابعة العدوية وميدان النهضة فضلا عن الملاحقات المتتالية لرموز الأخوان والتيار الإسلامي وتضييق الخناق على ممثلي الحقوق والحريات.

وعلى المستوى الدولي فقد بذلت الحكومة المصرية الجديدة مساعي حثيثة لتحسين صورة النظام الجديد عالميا في الجدل الدائر بين فكرة الشرعية ومفهوم الثورة والانقلاب ولتحظى بالدعم اللازم لممارسة الشرعية السياسية، فقد أثار عزل محمد مرسي بعض الشكوك والمخاوف الدولية كان من تبعاتها على سبيل المثال لا الحصر تجميد عضوية مصر في منظمة الاتحاد الافريقي بمعنى آخر فإن الوضع الداخلي والاقليمي لمصر في 2013 يعد أكثر التهابا وخطورة من الوضع الداخلي في 2014 ومع ذلك فقد انخفض التصنيف المصري من المركز 74 إلى 86.

وفيما يلي مقارنة رقمية بين تقريري 2014 و 2015 على مستوى المعايير العامة والخاصة:

schedule10

وباستقراء الأرقام الموضحة نجد أنه حسابيا قد هبطت المؤشرات الرئيسية للوضع المصري في 2015 حيث هبطت تقييمات أربعة عناصر بينما ثبت مؤشر واحد عند نفس الدرجة ،وحدث تحسن يتراوح بين 0.01 و 0.02 ، وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار المعيار النسبي سنجد أن عدد الدول المدرجة بالتقييم في 2015 هو 102 دولة بينما عدد الدول المدرجة بالتقرير السابق له في 2014 هو 99 دولة بفارق ثلاث دول عن التقييم الحالي أي أن الوضع الحالي لمصر فيما يخص سيادة القانون تدهور عن سابقه وهبط من المركز 74 إلى المركز 86 «12 مركز» بينما زاد عدد الدول المدرجة فقط ثلاث دول.

ومن ثم فإنه بالنظر إلى التأثير النسبي نجد أن المنطقي أن يستقر تصنيف مصر عن تصنيفها السابق في 2014 أو يهبط عنه بنفس مقدار الزيادة في عدد الدول من 2014 إلى 2015 بمعنى أدق أنه إذا هبط الترتيب الدولي لوضع مصر في تقييم 2015 ب 3 مراتب فقط فإنه في هذه الحالة يمكن القول بثبات التصنيف بالمعيار النسبي وبناءا عليه فإن التقييم الرقمي والترتيب الخاص بمصر في كلا المؤشرات الفرعية والرسمية تدهور إذا ما قورن بالمعيار الحسابي المطلق أو المعيار النسبي.

من ناحية الترتيب نجد أن الفارق اتسع بالسلب في خمس عناصر رئيسية بينما حدث ثبات رقمي في عنصرين وتحسن في عنصر واحد هو العدالة الجنائية بمقدار مركزين وهو ما يعني أيضا أنه بالأخذ بالاعتبار المعيار النسبي بين عدد الدول نجد أنه لم يحدث تحسن أو ثبات في المؤشرات إذ زاد مؤشر العدالة الجنائية بمركزين فقط علما بأن عدد الدول المدرجة ارتفعت ل 3 دول كما سبق الذكر وبناءا عليه يمكن القول إجمالا أن الوضع المصري تدهور في كل المؤشرات بلا استئناء.


مستقبل سيادة القانون في مصر

schedule11

وكما تبين فإنه من واقع استقراء التقرير نجد أنه لازالت فلسفة سيادة القانون بعيدة بشكل كبير عن الواقع المصري ولازال أمام النظام الكثير من أجل تحقيق مكانة جيدة لإرساء مبادئ سيادة القانون. وربما تشير المؤشرات الحالية إلى استمرار تدهور الوضع الداخلي في مصر على صعيد احترام القانون وبناء دولة المؤسسات لا سيما في استمرار تداخل السلطة التنفيذية بشكل فج في التفاعلات البنيوية للنظام.

كذلك مع الدور السياسي الذي باتت تلعبه المؤسسة القضائية في مصر الأمر الذي ينعكس جليا فيما يخص الحقوق والحريات وأيضا يؤثر على معايير العدالة الجنائية والمدنية في ظل استمرار شبهات تسييس الأحكام القضائية والمتعلقة بأنصار التيار الإسلامي والأخوان المسلمين والرافضين للوضع الحالي فصلا عن المفات التقليدية كاستمرار وجود القضاء الاستثنائي كالعسكري ومحاكم أمن الدولة ، بالإضافة إلى أحكام إحالة القضاة للتقاعد بشبهات التعاطف مع الأخوان المسلمين.

ولعل أحد المؤشرات الهامة والتي ترجح استمرار تهاوي الوضع الداخلي فيما يخص سيادة القانون في مصر أو على أفضل ثباتها عند هذا المستوى المتدني هو التداخل السافر الحالي الذي تشهده الساحة السياسية المصرية في الأدوار حيث تلعب السلطة التنفيذية الدور الرئيس والمحرك الأساسي بلا منازع للسلطة على الساحة المصرية.

ولعل القانون الأخير الصادر من رئاسة الجمهورية بشأن عزل رؤساء المجالس المستقلة يعيد للنظر مدى التجاوز والصورية المنتظرة للسلطة البرلمانية التي لم يحدد بعد موعد إجرائها، فقد أصدرت الرئاسة المصرية العديد من القرارات المصيرية في ظل عدم وجود برلمان فاق عددها ال 80 قرار بين تعديل دستوري وقرار بقانون.

كذلك من المستشرقات الهامة في تحديد اتجاه الوضع الحالي هو التدني المماثل للوضع المصري في أغلب التقارير الدولية ذات الصلة كتقرير الديموقراطية واحترام حقوق الانسان الصادر عن منظمة الهيومان رايتس وتش والذي أتهمته الخارجية المصرية بالتسيس وانعدام الموضوعية وهو ما يعكس فلسفة تعامل السياسة المصرية مع التقارير الدولية بجلا من الاعتراف بوجود أزمة بالأساس تؤكدها عدة جهات ومنظمات دولية.

كذلك تقارير الفساد الدولية الصادرة عن منظمة الشفافية الدولية والتقارير الاقتصادية التي تشير إلى تآكل معدلات التنمية والاحتياطي النقدي كل تلك الشواهد تعطي مقدمات سلبية لمسير النظام ، حيث تؤكد فلسفة السلسلة التنموية أن أي نظام يسعى للنمو عليه بالنهوض بالحد الأدنى من المقومات الأساسية للعملية التنموية على الصعيد السياسي والاقتصادي وفيما يخص كلا الصعيدين فإن النظام المصري لما يحقق تغير فعلي يشير إلى إحتمالية تحسن الأوضاع مستقبلا.