الجرعة اليومية من العلوم: العلماء في صعيد مصر
تختلف إجابة هذا السؤال من شخصٍ لآخر، لكن ربما المتفق عليه هو أنها الأمل، بصيص الضوء الذي يخبرنا بأن عالمنا على الأرض ليس كل شيء، بل هناك عوالم أخرى نرصدها بأعيننا بحاجة لدراسة أو على الأقل شرح وجودها، وما يجعلها موجودة أصلًا.ربما زودتنا معرفة علم الفلك بإجابات متنوعة على العديد من المجالات العلمية الأخرى، لكن في جميع الأحوال هذه المجالات العلمية بحاجة لشرح مبسّط حتى تصل الجمهور، وفي مجال التبسيط ينشط العديد من المبادرات والمشاريع التي ينظمها شبّان صغار السن، أو حتى الكبار.
نلتقي اليوم بفريق يسعى في هذا المجال، بدأ في أغسطس/ آب عام 2016، علىيد مجموعة من الشباب في كلية الأسنان في جامعة جنوب الوادي، البالغ عددهم نحو 80 شخصًا، يبلغ متوسط أعمارهم 21 عامًا، ينشطون في صعيد مصر، حيث كل شيء هناك يواجه التهميش.
ما قبل الانطلاق
يصحبنا في الرحلة «محمود علام»، مؤسس المشروع الذي يحمل اسم «الجرعة اليومية من العلوم – Daily Dose of Science».
كان الهدف دائمًا هو إيجاد وسيلة تنشط وتنشر جزءًا قليلًا من العلوم والمعرفة المبسطة في أراضي الصعيد المهمشة بأي شكل من الأشكال. وفي عصر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، كانت البداية هناك، حيث تلعب مواقع التواصل الاجتماعي دورًا كبيرًا في إيصال أي أهداف أو رسائل ليس لحيز ضيق مثل الصعيد في مصر فحسب، بل للعالم العربي كافة.
بدأ العمل من خلال الإنترنت بمساعدة الطلاب والأشخاص المهتمين، وبجميع المصادر التعليمية، وكتابة ومراجعة المقالات العلمية. وفي ديسمبر/كانون الأول عام 2016، حقق الفريق هدفه الأول وهو الوصول للجمهور عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لذا كان لابد من وجود المرحلة الجديدة على أرض الواقع.
الجرعة السنوية من العلوم
الجرعة السنوية هي أشبه بمشروع مصغّر أو مؤتمر علمي يقام في الصعيد في شهر فبراير/شباط من كل عام، وهو عبارة عن سلسلة من الأحداث الميدانية، غرضها نشر وتبسيط العلوم من قِبل محاضرين متخصصين في مختلف المجالات العلمية، وأشخاص يعملون في مجال تبسيط العلوم بأنماطها المختلفة.
نُظم مؤتمر الجرعة السنوية الأولى من العلوم ميدانيًا في محافظة قنا في فبراير/شباط عام 2017. كان آنذاك أكبر وأول حدث علمي في المحافظة. يخبرنا محمود أن اختيار مكان تواجد الأحداث الميدانية في الصعيد حاليًا بسبب أنه أكثر المناطق في مصر تفتقر لمثل هذه الأحداث.
بعد ذلك في فبراير/شباط عام 2018، نظم مؤتمر الجرعة السنوية الثانية من العلوم، حيث كان أكبر حدث علمي في الصعيد. وفي فبراير/ شباط 2019، كان مؤتمر الجرعة السنوية الثالثة من العلوم. تقام هذه الجرعات (المؤتمرات) في قاعات مختلفة في المحافظة، وليس في نطاق الجامعات أو المدارس، وحتى الآن لم تنظم أي منها خارج محافظة قنا.
عثرات… نجاح!
لابد من وجود العثرات والتحديات في أي فكرة أو مشروع. وبما أن الحديث عن الصعيد فأهم العثراتوأكبرها هي الدعم المادي بالتأكيد كما يخبرنا محمود، ثم يليها إصدار التصاريح الأمنية، وبعض المشاكل التي يواجهونها من الجهات الرسمية لتنظيم مثل هذه الأحداث. فالأحداث العلمية في محافظة قنا (الصعيد) قليلة، وإيجاد داعم لمؤتمر علمي في بيئة كهذه «شبه مستحيل» على حد وصفه.العثرة الأخرى هي التحكم في سعر تذاكر الحضور، حيث لا يمكن زيادرة سعر التذكرة الواحدة عن 100 جنيه مصري للفرد (5.71 دولار أمريكي)، وذلك لإعطاء فرصة حضور مثل هذه الفعاليات لأكبر عدد من الناس. أما عن ضرورات استمرار هذا المشروع بجانب الدعم المادي، هو الدعم كخدمات يمكن أن تساهم وتساعد أو تسهل العمل عبر الإنترنت، أو تسهيل تنفيذ الفعاليات على أرض الواقع.
على الرغم من كل ذلك، يبدو أن الجمهور في الصعيد متعطش لمثل هذه الأحداث، حيث يخبرنا محمود أن أعداد الحضور في تزايد في كل موسم عن الموسم الذي يسبقه،حيث تتراوح نسبة الحضور في الجرعات الثلاث بين 300 – 500 شخص.
الجرعة السنوية الثالثة
بخلاف الموسمين السابقين، تميّز الموسم الثالث من المؤتمر بمشاركة العديد من المبادرات العلمية المختلفة من خارج محافظة قنا، حيث شارك ميدانيًا كل من: الباحثون السوريون Syrian Researchers، الباحثون الجزائريون، نادي علوم الفلك في الجامعة الأمريكية، ومبادرة ناسا بالعربي و السماء الليلة – Sky Tonight، الأكاديمية بوست و Fun Lab Ismailia، Earth Reborn – إحياء الأرض، قسم الفلك بالمعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية، سفراء مركز الإبداع التكنولوجي وريادة الأعمال Technology Innovation & Entrepreneurship Center (TIEC)، فريق صعيدي جيكس S3Geeks، و ElectroBekia، وفريق Arch&Art الذي يهدف لنشر وتعلم التصميم بجميع جوانبه وأشكاله المختلفة، بالإضافة إلى مبادرة الفضائيون – The Aliens، أسرة عصر العلم.
بدأ المؤتمر في الحادي والعشرين من فبراير/ شباط 2019، واستمر مدة 4 أيام، بحضور المبادرات السابق ذكرها، حيث تنوعت أيام المؤتمر بين أنشطة تفاعلية لتبسيط العلوم، بالإضافة لمحاضرات ألقاها عدد من الشخصيات العلمية البارزة في مصر وخارجها.
قدم كل من المهندس عبدالله عنان متخصص بتبسيط العلوم ومؤسس قناة شارع العلوم، والمهندس محمد عصام متخصص ببرنامج تبسيط العلوم بالجامعة الأمريكية بالقاهرة؛ عروضًا علمية ترفيهية خاصة بتبسيط العلوم للتعرف على أسس الفيزياء والكيمياء وغيرها من العلوم.
كان أبرز المحاضرين البروفيسور هشام سلام، مؤسس ورئيس مركز جامعة المنصورة للحفريات الفقارية، والذي تحدث عن قصة اكتشاف الديناصور «منصوراصورس».
حضر المؤتمر أيضًا من خلال الاتصال المفتوح عبر الإنترنت الدكتور رامي المعري عالِم فضاء مصري، أحد العلماء الذين شاركوا في مهمة المركبة روزيتا، ودراسة الجسم «ألتيما توللي – Ultima Thule»، مؤخرًا.
كان من بين المحاضرين أيضًا د. حسام موافي رائد الطب الباطني في مصر، ود. علاء الدين عبد اللطيف أستاذ دكتور في قسم الفيزياء في الجامعة الألمانية في القاهرة، ود. ياسر الشايب المنسق الوطني لبرنامج الاتحاد الأوروبي للتعليم العالي – Erasmus، ود. شادي عبد الحافظ، كاتب ومحرر علمي ومؤسس نادي هواة الفلك بالدلتا، والمهندس عصام جودة رئيس الجمعية المصرية لعلوم الفلك، وعضو الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك، ود. محمد زهران أستاذ دكتور في كلية الهندسة في جامعة نيويورك الأمريكية، ود. محمد مدحت علي في برنامج العلوم الطبية في مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا، وأخيرًا المهندس أحمد فريد المصري الوحيد في وكالة الفضاء الألمانية – DLR والمرشح كعالم ورائد فضاء.
لم يقتصر الحدث على المحاضرات أو الأنشطة التفاعلية فحسب، بل كان هناك ركن خاص بالكتب من خلال عاصم ستور الذي شارك بمجموعة متنوعة من الكتب والروايات، وكذلك ركن خاص بالأطفال، وليلة رصد للنجوم بالتلسكوبات، والسينما العلمية التي تضمنت عرض ومناقشة فيلم «Interstellar»، والمقهى العلمي حيث عقدت حلقات نقاشية عن موضوع علمية متنوعة.
أما عن مسك الختام لهذا المؤتمر، فكان يوم الـ24 من فبراير/شباط، حين قدم فريق السماء الليلة محاضرة تفصيلية خلال النهار تشرح ببساطة معالم سماء الليل للحضور، ثم قدم كل من رؤوف حسن، ومحمد فاروق، وإسلام الحسيني، وعبد العزيز عيد من قسم الفلك في المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية محاضرة شرح لخرائط السماء، وكيفية تحديد الاتجاهات بواسطة النجوم، وشرح مبسط لطريقة عمل التلسكوبات. بعد ذلك نُظمت ليلة رصد فلكية لألمع نجوم الشتاء بواسطة التلسكوبات، واستمرت هذه الليلة لبعد منتصف الليل بحضور عشرات الأشخاص.
أخيرًا، عندما سألنا محمود عن تعليق أخير يود البوْح به، صرّح بأنه من عشاق الفلك كعلم وليس مجرد هواية فحسب، وأنه ما زال شابًا يبلغ من العمر 21 عامًا فقط، بحاجة إلى الدعم والتوجيه السليم.
يمكنك زيارة الموقع الرسمي للمشروع من هنا: